حُرم عدد كبير من التلاميذ، قُدرّ بعشرات الآلاف، من العودة المدرسية للسنة الدراسية 2022-2023. ولم تطأ أقدامهم قاعات الدرس إلاّ في الأيام الأخيرة بسبب اضراب المعلمين النواب منهم والمتعاقدين بمختلف ولايات الجمهورية. فبعد سلسلة من المفاوضات المطولة والتّحركات الاحتجاجية المتعدّدة تمّ الإعلان عن انهاء الأزمة التي مرّت بها المدرسة العمومية التونسية منذ منتصف شهر سبتمبر المنصرم. وأكّد الكاتب العام للنقابة الأساسية للتعليم الأساسي أنّ المعلمين سيتداركون ما فات التلاميذ من تعلّمات.
وقد أصدرت وزارة الاشراف في اليومين الأخيرين منشورا يقضي بتأجيل امتحانات الثلاثي الأول للتعليم الأساسيّ العموميّ والخاصّ بثلاثة أسابيع حرصا على تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ. وجاء في منشور وزارة التربية أن اختبارات الثلاثي الأول ستنطلق بعد أسبوع من عطلة الشتاء وستمتدّ من يوم 9 جانفي 2023 إلى يوم 14 جانفي 2023.
وما إن صدر هذا المنشور حتّى تعالت الأصوات المؤيدة لهذا القرار والأصوات الرافضة له في الآن ذاته. وقد جاءت ردود الفعل المتباينة من جهات مختلفة على رأسها نقابة متفقّدي التعليم الأساسي وجمعية أولياء التلاميذ.
وفي هذا السياق، أفادنا السيّد نور الدين السعداوي المتفقد العام بوزارة التربية والدكتور في علم اجتماع التربية المدرسيّة مشكورا بما يلي:
"يفيدنا علم اجتماع المدرسة بأنّ هذه المؤسسة تعيش أزمة. نقطة انطلاقها مدخلات النظام التربوي التونسي ونقطة تعقّدها مخرجات النظام نفسه بعد المرور بالعمليات التي تنجز داخلها. والأزمة تعني كذلك توفر عناصر متناقضة تحول دون الاشتغال السليم للنظام، ولعلّ ترحيل الامتحانات إلى ما بعد العطلة خير دليل على هذه النتيجة. فالامتحان يعني ضربا لمكانته في المتخيّل الشعبي التونسي الذي تعوّد على إنجازها قبل كلّ عطلة مما سيكون له الأثر السلبي في المردود الدراسي للتلاميذ الذين لم يشمل نسق تعلّمهم انقطاعات من ناحية، ويزيد في التوتر النفسي لهؤلاء التلاميذ الذين سيخصص جزء هام منهم العطلة للمراجعة و بالتالي الدخول إلى ثلاثي جديد دون التمتع بحقهم في الراحة، من ناحية اخرى. أما التلاميذ الذين لحقهم الانقطاع والذين لا تتجاوز نسبتهم 10 % فإنّ التأخير مقابل انقطاعهم عن الدراسة بمناسبة العطلة لا يحقّق الاضافة المرجوة لهم بل سيزيد من اضطراب علاقتهم بالمعرفة وحاصل تعلّمهم الذي لم يقع احترام الزمن اللازم لاكتسابه وكذلك صدقيّة نتائج التقييم ذلك أنّ الفترة المتبقيّة حتى بداية الامتحانات يوم 9 جانفي 2023 لا تتجاوز الشهر افتراضيا. لكن واقعيّا فإنّ الزّمن الحقيقي للتعلّم دون ذلك باعتماد عدد الحصص التي ستنجز بصفة فعليّة خلال الأسبوع وحسب ما هو مدوّن في التنظيمات البيداغوجيّة ودليلها البيداغوجي. فالتلميذ الذي انقطع مثلا شهرا عن متابعة دروس الرياضيات هو في الحقيقة لم يتعلّم الرياضات لمدّة نصف شهر نظرا إلى الحجم الأسبوعي المقرّر لهذه المادّة و هو 5 ساعات... لهذه الأسباب مجتمعة، أرى أنّ الحلّ كان يمكن أن يكون في علاقة بالتحصيل العلمي المسجل في نهاية الثلاثية. أي مَنْ تعلّم بصفة عادية دون انقطاعات يحق للمدرسة أن تخضعه للتقييم الجزائي. أما الذي لم يتمكّن من كامل التحصيل لا يمكن أن ينجز تقييم الثلاثي و يعتبر معفى....ونضمن بالتالي حقّ الجميع في التعلّم والتقييم...ونجنّب المدرسة خطر التوزيع العادل للأزمات: أزمة التلميذ الذي لم يشمله ضرر الانقطاع وأزمة التلميذ الذي لحقه الضّرر من الانقطاعات".
وعلى العموم، فإنّنا في الوقت الذي كنّا نأمل فيه إيجاد الحلول لكثير من المشاكل التربوية المتراكمة التي لا تتطلب التأجيل بل الاسراع في فضها، نجد أنفسنا أمام مشكلة بيداغوجية أرخت بظلالها تربويا ولاسيّما اجتماعيا. ومهما كانت الحلول للخروج من هذه الأزمة فإنها تعتبر كلّها من قبيل رضا جميع الأطراف غاية لا تدرك.
بقلم:مصدّق الشّريف
حُرم عدد كبير من التلاميذ، قُدرّ بعشرات الآلاف، من العودة المدرسية للسنة الدراسية 2022-2023. ولم تطأ أقدامهم قاعات الدرس إلاّ في الأيام الأخيرة بسبب اضراب المعلمين النواب منهم والمتعاقدين بمختلف ولايات الجمهورية. فبعد سلسلة من المفاوضات المطولة والتّحركات الاحتجاجية المتعدّدة تمّ الإعلان عن انهاء الأزمة التي مرّت بها المدرسة العمومية التونسية منذ منتصف شهر سبتمبر المنصرم. وأكّد الكاتب العام للنقابة الأساسية للتعليم الأساسي أنّ المعلمين سيتداركون ما فات التلاميذ من تعلّمات.
وقد أصدرت وزارة الاشراف في اليومين الأخيرين منشورا يقضي بتأجيل امتحانات الثلاثي الأول للتعليم الأساسيّ العموميّ والخاصّ بثلاثة أسابيع حرصا على تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ. وجاء في منشور وزارة التربية أن اختبارات الثلاثي الأول ستنطلق بعد أسبوع من عطلة الشتاء وستمتدّ من يوم 9 جانفي 2023 إلى يوم 14 جانفي 2023.
وما إن صدر هذا المنشور حتّى تعالت الأصوات المؤيدة لهذا القرار والأصوات الرافضة له في الآن ذاته. وقد جاءت ردود الفعل المتباينة من جهات مختلفة على رأسها نقابة متفقّدي التعليم الأساسي وجمعية أولياء التلاميذ.
وفي هذا السياق، أفادنا السيّد نور الدين السعداوي المتفقد العام بوزارة التربية والدكتور في علم اجتماع التربية المدرسيّة مشكورا بما يلي:
"يفيدنا علم اجتماع المدرسة بأنّ هذه المؤسسة تعيش أزمة. نقطة انطلاقها مدخلات النظام التربوي التونسي ونقطة تعقّدها مخرجات النظام نفسه بعد المرور بالعمليات التي تنجز داخلها. والأزمة تعني كذلك توفر عناصر متناقضة تحول دون الاشتغال السليم للنظام، ولعلّ ترحيل الامتحانات إلى ما بعد العطلة خير دليل على هذه النتيجة. فالامتحان يعني ضربا لمكانته في المتخيّل الشعبي التونسي الذي تعوّد على إنجازها قبل كلّ عطلة مما سيكون له الأثر السلبي في المردود الدراسي للتلاميذ الذين لم يشمل نسق تعلّمهم انقطاعات من ناحية، ويزيد في التوتر النفسي لهؤلاء التلاميذ الذين سيخصص جزء هام منهم العطلة للمراجعة و بالتالي الدخول إلى ثلاثي جديد دون التمتع بحقهم في الراحة، من ناحية اخرى. أما التلاميذ الذين لحقهم الانقطاع والذين لا تتجاوز نسبتهم 10 % فإنّ التأخير مقابل انقطاعهم عن الدراسة بمناسبة العطلة لا يحقّق الاضافة المرجوة لهم بل سيزيد من اضطراب علاقتهم بالمعرفة وحاصل تعلّمهم الذي لم يقع احترام الزمن اللازم لاكتسابه وكذلك صدقيّة نتائج التقييم ذلك أنّ الفترة المتبقيّة حتى بداية الامتحانات يوم 9 جانفي 2023 لا تتجاوز الشهر افتراضيا. لكن واقعيّا فإنّ الزّمن الحقيقي للتعلّم دون ذلك باعتماد عدد الحصص التي ستنجز بصفة فعليّة خلال الأسبوع وحسب ما هو مدوّن في التنظيمات البيداغوجيّة ودليلها البيداغوجي. فالتلميذ الذي انقطع مثلا شهرا عن متابعة دروس الرياضيات هو في الحقيقة لم يتعلّم الرياضات لمدّة نصف شهر نظرا إلى الحجم الأسبوعي المقرّر لهذه المادّة و هو 5 ساعات... لهذه الأسباب مجتمعة، أرى أنّ الحلّ كان يمكن أن يكون في علاقة بالتحصيل العلمي المسجل في نهاية الثلاثية. أي مَنْ تعلّم بصفة عادية دون انقطاعات يحق للمدرسة أن تخضعه للتقييم الجزائي. أما الذي لم يتمكّن من كامل التحصيل لا يمكن أن ينجز تقييم الثلاثي و يعتبر معفى....ونضمن بالتالي حقّ الجميع في التعلّم والتقييم...ونجنّب المدرسة خطر التوزيع العادل للأزمات: أزمة التلميذ الذي لم يشمله ضرر الانقطاع وأزمة التلميذ الذي لحقه الضّرر من الانقطاعات".
وعلى العموم، فإنّنا في الوقت الذي كنّا نأمل فيه إيجاد الحلول لكثير من المشاكل التربوية المتراكمة التي لا تتطلب التأجيل بل الاسراع في فضها، نجد أنفسنا أمام مشكلة بيداغوجية أرخت بظلالها تربويا ولاسيّما اجتماعيا. ومهما كانت الحلول للخروج من هذه الأزمة فإنها تعتبر كلّها من قبيل رضا جميع الأطراف غاية لا تدرك.