مع انعقاد القمة الفرانكفونية الأخيرة في بلادنا تعود كل الأسئلة المحرجة والتي لم نجد لها جوابا نتفق عليه أو نتحد حوله في علاقة بجدوى أن يوجد اليوم منتظم لغوي تنضوي تحته مجموعة من الدول ناطقة باللغة الفرنسية البعض منها كان يوما ما تحت الاستعمار الفرنسي ؟ وما معنى أن تتواصل التبعية الثقافية والاقتصادية لفرنسا بعد خروجها من مستعمراتها القديمة ؟ وما معنى أن يراهن المستعمر القديم على مدخل اللغة ليجعل من اللسان الفرنسي الجامع و الرابط للمكون الثقافي والاقتصادي الذي يطلق عليه الفرانكفونية ؟
ومن الأسئلة القلقة الأخرى التي رافقت انعقاد هذه القمة سؤال هل نحتاج اليوم أن نعيد كتابة الحقبة الاستعمارية في بلادنا في علاقة بمسؤولية فرنسا عن الكثير من الجرائم التي ارتكبتها والانتهاكات التي قامت بها سلطاتها وجنودها فوق ترابنا؟ وهل نحن في حاجة إلى إعادة النظر في تاريخ فرنسا الاستعماري في تونس في اتجاه تحميلها المسؤولية عما ارتكبته من أعمال مدانة بحق الشعب التونسي؟ وهذه الأسئلة تحيلنا على سؤال آخر مهم وهو هل حان الوقت لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن ماضيها الاستعماري في تونس خاصة وأن الشقيقة الجزائر قد سبقت وكونت لجنة للتحقيق في تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر وطلبت منها أن تعتذر عن المظالم التي ارتكبها جنودها بحق الشعب الجزائري وأن تعترف بجرائمها خلال حقبتها الاستعمارية وأن تتم إعادة كتابة التاريخ اللفترة الاستعمارية للجزائر وتقديم التعويضات اللازمة لضحايا الاستعمار الفرنسي ؟ وفي الحالة التونسية هل يكفي أن نكون عضويا مؤسسا وفاعلا في الرابطة الفرانكفونية حتى نغض الطرف عن مطالبتنا بمعرفة ما حصل خلال احتلال فرنسا للتراب التونسي وأن نطالب بإعادة قراءة الحقبة الاستعمارية للوقوف على ما تعمد المستعمر اخفاءه ؟ وهل تكفي الفرانكفونية حتى نقول أننا قد تجاوزنا مخلفات الحقبة الاستعمارية؟ وبأكثر وضوح هل أن الدولة التونسية اليوم متحمسة ولها من الإرادة السياسية الصادقة لمطالبة فرنسة الاستعمارية بإعادة كتابة الفترة الاستعمارية والاعتراف بجرائمها وتقديم الاعتذار عما ارتكبته بحق الشعب التونسي؟
المشكلة التي نواجهها اليوم أمام هذا السؤال الثقافي والتاريخي الكبير وهذا المطلب السياسي المحرج أن هناك جانب من النخبة التونسية ومن المهتمين والباحثين في التاريخ التونسي يعتبرون أنه من غير المجدي إحياء جراح الماضي ولا فائدة من العودة إلى الماضي والنبش في أحداث تاريخية قد ولت وانتهت وكتبت كتابة تغني عن العودة إليها للنظر والتحقيق والتحليل فيها من جديد والحال أن المهم الذي يعنينا أكثر هو المستقبل والمهم الذي له الأولوية هو بناء مصير وحاضر مشترك نتجاوز به مخلفات الماضي وأحقاده وجراحاته وآلامه وأن نبحث عن المشترك وكل ما يحقق تقدمنا ونهضتنا وأن نوظف التاريخ والتراث المشترك لبناء مستقبل زاهر لهذه الشعوب التي كانت في يوم ما تحت الاحتلال الفرنسي وتجمعها اليوم معه مشترك مؤثر هو التاريخ واللغة والثقافة وبالتالي فإن الأفيد من البحث في أحداث الماضي والتاريخ القديم والأكثر إفادة من الرجوع إلى أحداث مرت أن نركز على الحاضر وأن نجد قواسم مشتركة نجتمع حولها لناء دولا قوية في ظل عالم يبحث عن التكتلات والتجمعات والروابط للبقاء في مسار التاريخ .
المقلق في هذه الرؤية التي يتبناها جانب من نخبتنا المثقفة والتي تمثل موضعا آخر من مواضع اختلافنا وعدم وحدتنا وتجعل منا شعبا ممزقا حول تاريخه أن الاستعمار الفرنسي قد أضر كثيرا بالشعب التونسي وقام بنهب خيراته وثرواته واستغل موارده الطبيعية وافتك أراضيه وتحكّم في إرادة الشعب واضطهد وقتل كل من حاول المقاومة ومناهضته وقمع كل الاحتجاجات المطالبة بخروجه و مغادرته أرض الوطن. كل هذه الأحداث وكل هذا التاريخ لا يمكن أن يمر من دون محاسبة وتحميل المسؤولية ومن دون تدوينه وكتابته كتابة تاريخية تعكس حقيقة ما حصل وتعيد للضحايا اعتبارهم ومجهوداتهم ومن دون الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت بحق الشعب التونسي وخاصة ما حصل لسكان الأرياف والمناطق الداخلية التي بقي تاريخها منسيا ومعتما عليه أو كتب كتابة مشوهة .. المقلق في هذه النظرة المتسامحة مع ماضي فرنسا الاستعماري والمهادنة لأحداثه المؤلمة أنه لا يمكن بناء علاقة متينة ودائمة مع فرنسا الاستعمارية ولا يمكن تجاوز ما حصل خلال حقبتها الاستعمارية من دون الرجوع إلى الماضي المشترك والكشف عن حقيقة تلك الفترة من تاريخ فرنسا الاستعماري ببلادنا والعودة إلى أحداث الماضي لمعرفة ما حصل من اضطهاد وقتل وتنكيل بالشعب ومن غصب ونهب للأراضي والممتلكات واستغلال للثروات والموارد الطبيعية ومن دون الاعتراف والإقرار بالمسؤولية وتقديم الاعتذار عن كل الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية .
إن المقلق في هذه الرؤية وهذا الموقف المتسامح مع ماضي فرنسا الاستعماري أن فرنسا تعمل من خلال هذا المنتظم الفرانكفوني أن تلهي الشعوب التي استعمرتها عما ارتكبته من جرائم بحقها وهي تسوق من خلال هذا المنتظم وهذه الرابطة أنها تريد تأسيس وشائج اقتصادية لتقدمها تتجاوز بها مخلفات الحقبة الاستعمارية وتغلق صفحات تاريخها السيئ.
المقلق أنه لا يمكن أن نمر إلى المستقبل ولا يمكن أن نبني علاقة واضحة و متينة مع فرنسا وأن تتغير الصورة القديمة التي علقت لدى الشعوب التي كانت مستعمرة من دون تسوية لكامل الإرث الاستعماري ودون مراجعة التاريخ المؤلم للاحتلال المثخن بالآلام والجراح والجرائم ومن خلال القفز على حقبة تاريخية مظلمة ارتكبت فيها فرنسا مظالم بحق الشعب التونسي والمرور إلى المستقبل بتجاهل مرحلة صعبة مر بها الشعب التونسي عرف خلالها الاضطهاد والقمع والقتل والنهب .. لا يمكن أن نبني حاضرا ومستقبلا مع فرنسا من دون إعادة فتح كتاب التاريخ المنسي أو المشوه أو المتغافل عنه يخص جرائم فرنسا الاستعمارية والاعتراف بهذه الجرائم وتقديم الاعتذار وإعادة كتابة تاريخ فرنسا الاستعمارية .. ودون ذلك فإن جراح الماضي ستبقى حاضرة وصورة المستعمر القديم المضطهد للشعوب لن تزول وسوف تتوارث الأجيال القادمة التاريخ المؤلم والأحقاد القديمة لتتواصل المأساة وعلاقات الهيمنة والتبعية للمستعمر القديم .
بقلم: نوفل سلامة
مع انعقاد القمة الفرانكفونية الأخيرة في بلادنا تعود كل الأسئلة المحرجة والتي لم نجد لها جوابا نتفق عليه أو نتحد حوله في علاقة بجدوى أن يوجد اليوم منتظم لغوي تنضوي تحته مجموعة من الدول ناطقة باللغة الفرنسية البعض منها كان يوما ما تحت الاستعمار الفرنسي ؟ وما معنى أن تتواصل التبعية الثقافية والاقتصادية لفرنسا بعد خروجها من مستعمراتها القديمة ؟ وما معنى أن يراهن المستعمر القديم على مدخل اللغة ليجعل من اللسان الفرنسي الجامع و الرابط للمكون الثقافي والاقتصادي الذي يطلق عليه الفرانكفونية ؟
ومن الأسئلة القلقة الأخرى التي رافقت انعقاد هذه القمة سؤال هل نحتاج اليوم أن نعيد كتابة الحقبة الاستعمارية في بلادنا في علاقة بمسؤولية فرنسا عن الكثير من الجرائم التي ارتكبتها والانتهاكات التي قامت بها سلطاتها وجنودها فوق ترابنا؟ وهل نحن في حاجة إلى إعادة النظر في تاريخ فرنسا الاستعماري في تونس في اتجاه تحميلها المسؤولية عما ارتكبته من أعمال مدانة بحق الشعب التونسي؟ وهذه الأسئلة تحيلنا على سؤال آخر مهم وهو هل حان الوقت لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن ماضيها الاستعماري في تونس خاصة وأن الشقيقة الجزائر قد سبقت وكونت لجنة للتحقيق في تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر وطلبت منها أن تعتذر عن المظالم التي ارتكبها جنودها بحق الشعب الجزائري وأن تعترف بجرائمها خلال حقبتها الاستعمارية وأن تتم إعادة كتابة التاريخ اللفترة الاستعمارية للجزائر وتقديم التعويضات اللازمة لضحايا الاستعمار الفرنسي ؟ وفي الحالة التونسية هل يكفي أن نكون عضويا مؤسسا وفاعلا في الرابطة الفرانكفونية حتى نغض الطرف عن مطالبتنا بمعرفة ما حصل خلال احتلال فرنسا للتراب التونسي وأن نطالب بإعادة قراءة الحقبة الاستعمارية للوقوف على ما تعمد المستعمر اخفاءه ؟ وهل تكفي الفرانكفونية حتى نقول أننا قد تجاوزنا مخلفات الحقبة الاستعمارية؟ وبأكثر وضوح هل أن الدولة التونسية اليوم متحمسة ولها من الإرادة السياسية الصادقة لمطالبة فرنسة الاستعمارية بإعادة كتابة الفترة الاستعمارية والاعتراف بجرائمها وتقديم الاعتذار عما ارتكبته بحق الشعب التونسي؟
المشكلة التي نواجهها اليوم أمام هذا السؤال الثقافي والتاريخي الكبير وهذا المطلب السياسي المحرج أن هناك جانب من النخبة التونسية ومن المهتمين والباحثين في التاريخ التونسي يعتبرون أنه من غير المجدي إحياء جراح الماضي ولا فائدة من العودة إلى الماضي والنبش في أحداث تاريخية قد ولت وانتهت وكتبت كتابة تغني عن العودة إليها للنظر والتحقيق والتحليل فيها من جديد والحال أن المهم الذي يعنينا أكثر هو المستقبل والمهم الذي له الأولوية هو بناء مصير وحاضر مشترك نتجاوز به مخلفات الماضي وأحقاده وجراحاته وآلامه وأن نبحث عن المشترك وكل ما يحقق تقدمنا ونهضتنا وأن نوظف التاريخ والتراث المشترك لبناء مستقبل زاهر لهذه الشعوب التي كانت في يوم ما تحت الاحتلال الفرنسي وتجمعها اليوم معه مشترك مؤثر هو التاريخ واللغة والثقافة وبالتالي فإن الأفيد من البحث في أحداث الماضي والتاريخ القديم والأكثر إفادة من الرجوع إلى أحداث مرت أن نركز على الحاضر وأن نجد قواسم مشتركة نجتمع حولها لناء دولا قوية في ظل عالم يبحث عن التكتلات والتجمعات والروابط للبقاء في مسار التاريخ .
المقلق في هذه الرؤية التي يتبناها جانب من نخبتنا المثقفة والتي تمثل موضعا آخر من مواضع اختلافنا وعدم وحدتنا وتجعل منا شعبا ممزقا حول تاريخه أن الاستعمار الفرنسي قد أضر كثيرا بالشعب التونسي وقام بنهب خيراته وثرواته واستغل موارده الطبيعية وافتك أراضيه وتحكّم في إرادة الشعب واضطهد وقتل كل من حاول المقاومة ومناهضته وقمع كل الاحتجاجات المطالبة بخروجه و مغادرته أرض الوطن. كل هذه الأحداث وكل هذا التاريخ لا يمكن أن يمر من دون محاسبة وتحميل المسؤولية ومن دون تدوينه وكتابته كتابة تاريخية تعكس حقيقة ما حصل وتعيد للضحايا اعتبارهم ومجهوداتهم ومن دون الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت بحق الشعب التونسي وخاصة ما حصل لسكان الأرياف والمناطق الداخلية التي بقي تاريخها منسيا ومعتما عليه أو كتب كتابة مشوهة .. المقلق في هذه النظرة المتسامحة مع ماضي فرنسا الاستعماري والمهادنة لأحداثه المؤلمة أنه لا يمكن بناء علاقة متينة ودائمة مع فرنسا الاستعمارية ولا يمكن تجاوز ما حصل خلال حقبتها الاستعمارية من دون الرجوع إلى الماضي المشترك والكشف عن حقيقة تلك الفترة من تاريخ فرنسا الاستعماري ببلادنا والعودة إلى أحداث الماضي لمعرفة ما حصل من اضطهاد وقتل وتنكيل بالشعب ومن غصب ونهب للأراضي والممتلكات واستغلال للثروات والموارد الطبيعية ومن دون الاعتراف والإقرار بالمسؤولية وتقديم الاعتذار عن كل الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية .
إن المقلق في هذه الرؤية وهذا الموقف المتسامح مع ماضي فرنسا الاستعماري أن فرنسا تعمل من خلال هذا المنتظم الفرانكفوني أن تلهي الشعوب التي استعمرتها عما ارتكبته من جرائم بحقها وهي تسوق من خلال هذا المنتظم وهذه الرابطة أنها تريد تأسيس وشائج اقتصادية لتقدمها تتجاوز بها مخلفات الحقبة الاستعمارية وتغلق صفحات تاريخها السيئ.
المقلق أنه لا يمكن أن نمر إلى المستقبل ولا يمكن أن نبني علاقة واضحة و متينة مع فرنسا وأن تتغير الصورة القديمة التي علقت لدى الشعوب التي كانت مستعمرة من دون تسوية لكامل الإرث الاستعماري ودون مراجعة التاريخ المؤلم للاحتلال المثخن بالآلام والجراح والجرائم ومن خلال القفز على حقبة تاريخية مظلمة ارتكبت فيها فرنسا مظالم بحق الشعب التونسي والمرور إلى المستقبل بتجاهل مرحلة صعبة مر بها الشعب التونسي عرف خلالها الاضطهاد والقمع والقتل والنهب .. لا يمكن أن نبني حاضرا ومستقبلا مع فرنسا من دون إعادة فتح كتاب التاريخ المنسي أو المشوه أو المتغافل عنه يخص جرائم فرنسا الاستعمارية والاعتراف بهذه الجرائم وتقديم الاعتذار وإعادة كتابة تاريخ فرنسا الاستعمارية .. ودون ذلك فإن جراح الماضي ستبقى حاضرة وصورة المستعمر القديم المضطهد للشعوب لن تزول وسوف تتوارث الأجيال القادمة التاريخ المؤلم والأحقاد القديمة لتتواصل المأساة وعلاقات الهيمنة والتبعية للمستعمر القديم .