إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ما بعد القمة الفرنكوفونية: استثمار النجاحات.. متابعة الملفات وتفعيل الاتفاقيات

تونس – الصباح

بعد أن أسدل الستار على كامل أنشطة النسخة 18 للقمة الفرنكوفونية بجربة يوم 22 من الشهر الجاري، التي انطلقت فعالياتها بصفة رسمية منذ 13 من نفس الشهر وتضمن برنامجها عدة أنشطة وملتقيات وتظاهرات متنوعة، تزامنت مع عدة مناسبات دولية أخرى هامة انتظمت في سياق متصل بالقمة على غرار اجتماع مجلس وزراء البلدان الأعضاء في المنظمة الفرنكوفونية في دورته 43 التي شارك فيها ممثلون لـ85 دولة عضو في المنظمة، ترأسها وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي إضافة إلى المنتدى الاقتصادي الفرنكوفوني الرابع، تتجه الأنظار للثمار التي يجب أن تجنيها بلادنا ما بعد هذا الحدث العالمي. فبقطع النظر عن الاتفاقيات ومذكرات التعاون والشراكة التي تم إبرامها على هامش هذه القمة التي سجلت مشاركة وفودا رفيعة المستوى جمع بين رؤساء بلدان ورؤساء حكومات ووزراء وممثلي بلدان ومنظمات تمثل 89 بلدا ومنظمة ناطقة باللغة الفرنسية، فإن الجميع ينتظر إلى الجانب "البراغماتي" في سياسة بلادنا ومدى نجاعة حكومتها في تحقيق "الاستثمار الناجع والمطلوب" في هذا الحدث العالمي. خاصة أمام ما حظيت به هذه القمة من اهتمام ومتابعة إعلامية دولية هامة جعلت من بلادنا عاصمة عالمية للفرنكوفونية على امتداد أكثر من أسبوع، لاسيما بعد النجاح التنظيمي الباهر على جميع المستويات، وفق ما تم تداوله وتناقلته وأعلنته وسائل إعلام وجهات مشاركة وطنية ودولية.

أسباب عديدة تدفع الجهات الرسمية للمراهنة على ما تحقق من هذه القمة من مكاسب لتونس تتجاوز الاتفاقيات المبرمة على مدى قصير أو طويل سواء بالنسبة للقطاعين العمومي أو الخاص، لتشمل صورة وواقع تونس التي تم التسويق لها خلال هذه المناسبة وشهد الحضور الدولي الكبير والنوعي على حقيقتها، وهي صورة بلد يمتلك عديد الخاصيات والإمكانيات والمؤهلات والمؤشرات والعوامل التي ترشحه ليدخل في شراكات وبرامج تعاون واستثمار مع عديد البلدان من قبيل ما تتوفر عليه بلادنا من إمكانيات طبيعية وبشرية وبيئية ومناخية قادرة على أن تجعل منها أرضية استثمارية تكون قبلة الاستثمار الأجنبي. فحقيقة أن بلادنا بصدد البحث عن سبل التعافي من مخلفات كومة الأزمات والوضع المتردي التي تتخبط فيها في هذه المرحلة تحديدا، لا يمكن حجبها خاصة في ظل ما يشهده العالم من تغييرات وظهور تحالفات جيواستراتيجية جديدة وإعادة تشكّل وتشبيك دولي جديد. لأن مسؤولية تحويل المكاسب التي تحققت خلال هذه الأيام القليلة إلى واقع عملي ملموس على أرض الواقع وفي أقرب الآجال، أصبحت اليوم منوطة بعهدة الجهات الرسمية بشكل خاص والمستثمرين في القطاع الخاص بشكل عام. ليتزامن ذلك مع الموافقة المبدئية مع البنك الدولي على منح بلادنا قرضا لطالما سعت حكومة بودن والحكومة لنيله بعد أن عجزت حكومة هشام مشيشي عن نيل ثقة الجهات الدولية المانحة للفوز بهذه الموافقة في مناسبات سابقة. نظرا لحاجة بلادنا الماسة إلى مثل هذا "الدين" في هذه المرحلة تحديدا للخروج من الوضع الاقتصادي الصعب ومساعدتها على "حلحلة" الوضع خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها وزارة المالية في وضع ميزانية الدولة لسنة 2023 والتحديات العديدة المطروحة أمام الجهات الرسمية واستعداداتها للدخول في تطبيق إصلاحات شاملة مع دخول الجمهورية الجديدة حيز التفعيل بعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها القادمة والتي لم تعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة.

فلا يجب التوقف عند ما تحقق في هذا الحدث العالمي من انطباعات ايجابية للمشاركين فيها حول حسن التنظيم والاستقبال، لأن الوضع والضرورة تحتم على الجميع العمل من أجل استثمار ذلك إيجابيا وفي ظرف وجيز لأن الوضع والتحديات المطروحة لبلادنا تحتم ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى أو قادم. وذلك بضبط سياسية خارجية هادفة تعمل على تكريس "الايجابي" الذي تحقق في القمة الفرانكفونية بجربة في سياستها الخارجية الاقتصادية والثقافية بالأساس بما يخدم أهداف تونس ويسهل مهمة الخروج من هذه المرحلة الصعبة.

والهام في هذه القمة أنها تأتي في ظرف استثنائي تمر به بلادنا بعد الخروج الصعب والمتعثر من الأزمة الصحية "كوفيد 19" وما خلفته من تداعيات وهزات اقتصادية واجتماعية من ناحية، وبين الضغوط الداخلية لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية بسبب تفاقم الوضع المتردي الصعب وعجز الجهات الرسمية على إيجاد الحلول أو ضمان مخرج سليم من هذه الأزمات من ناحية ثانية، مقابل اتجاه الأنظار الخارجية باحتراس واحتراز لسياسة بلادنا بعد دخولها مرحلة التدابير الاستثنائية منذ 25 جويلية 2021 وأخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد بزمام الحكم والقرار والتسيير وما عرفته المرحلة من تحركات بعض الأحزاب والقوى والمنظمات المعارضة لهذا المسار ومحاولات البعض المتكررة المراهنة على الدعم الخارجي في التصدي للمسار الذي يقوده سعيد على اعتبار أنه يشكل خطرا على الحريات وحقوق الإنسان من ناحية أخرى.

فالاتفاقيات الحاصلة خلال نفس القمة والمتمثلة في طرح وتناول محاور التشغيل والتنمية والشباب والبيئة والتطور الرقمي والتكنولوجي ومسائل سياسية أخرى تهدد الفضاء الفرنكوفوني هي بالأساس مشغل الواقع التونسي في هذه المرحلة تحديدا. والمرور إلى البرنامج العملي لتفعيل الشراكات في جميع المجالات بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني هو المطلوب اليوم، لتحويل ذلك التفاعل الإيجابي ورضا عديد الجهات الخارجية على سياسية قيس سعيد في هذه الفترة بعد موجة "التشكيك والتخويف" التي راهنت عليها المعارضة في محاولاتها إفشال سياسيته وتوسيع الضغوط المفروضة على سياسته من وطنية إلى دولية بما يدفعه إلى التراجع عن بعض القرارات والخيارات التي اتخذها منذ مسكه بزمام السلطة في المرحلة الاستثنائية وما عرفته من مساع عملية للقطع مع سياسية الدولة خلال العشرية الماضية بدءا بوضع دستور جديد وتمش جديد في علاقة بمؤسسات الدولة والمؤسسات الدستورية.

فتعافي الاقتصاد الوطني والاستجابة لجانب من مطالب التونسيين الاجتماعية بالأساس وحلحلة الوضع الاجتماعي كلها ممكنة التحقق إذا ما نجحت الدولة في تحويل "ايجابيات" هذه القمة إلى مكاسب وبرامج عملية واسعة الأهداف والرؤى.

نزيهة الغضباني

 

ما بعد القمة الفرنكوفونية: استثمار النجاحات.. متابعة الملفات وتفعيل الاتفاقيات

تونس – الصباح

بعد أن أسدل الستار على كامل أنشطة النسخة 18 للقمة الفرنكوفونية بجربة يوم 22 من الشهر الجاري، التي انطلقت فعالياتها بصفة رسمية منذ 13 من نفس الشهر وتضمن برنامجها عدة أنشطة وملتقيات وتظاهرات متنوعة، تزامنت مع عدة مناسبات دولية أخرى هامة انتظمت في سياق متصل بالقمة على غرار اجتماع مجلس وزراء البلدان الأعضاء في المنظمة الفرنكوفونية في دورته 43 التي شارك فيها ممثلون لـ85 دولة عضو في المنظمة، ترأسها وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي إضافة إلى المنتدى الاقتصادي الفرنكوفوني الرابع، تتجه الأنظار للثمار التي يجب أن تجنيها بلادنا ما بعد هذا الحدث العالمي. فبقطع النظر عن الاتفاقيات ومذكرات التعاون والشراكة التي تم إبرامها على هامش هذه القمة التي سجلت مشاركة وفودا رفيعة المستوى جمع بين رؤساء بلدان ورؤساء حكومات ووزراء وممثلي بلدان ومنظمات تمثل 89 بلدا ومنظمة ناطقة باللغة الفرنسية، فإن الجميع ينتظر إلى الجانب "البراغماتي" في سياسة بلادنا ومدى نجاعة حكومتها في تحقيق "الاستثمار الناجع والمطلوب" في هذا الحدث العالمي. خاصة أمام ما حظيت به هذه القمة من اهتمام ومتابعة إعلامية دولية هامة جعلت من بلادنا عاصمة عالمية للفرنكوفونية على امتداد أكثر من أسبوع، لاسيما بعد النجاح التنظيمي الباهر على جميع المستويات، وفق ما تم تداوله وتناقلته وأعلنته وسائل إعلام وجهات مشاركة وطنية ودولية.

أسباب عديدة تدفع الجهات الرسمية للمراهنة على ما تحقق من هذه القمة من مكاسب لتونس تتجاوز الاتفاقيات المبرمة على مدى قصير أو طويل سواء بالنسبة للقطاعين العمومي أو الخاص، لتشمل صورة وواقع تونس التي تم التسويق لها خلال هذه المناسبة وشهد الحضور الدولي الكبير والنوعي على حقيقتها، وهي صورة بلد يمتلك عديد الخاصيات والإمكانيات والمؤهلات والمؤشرات والعوامل التي ترشحه ليدخل في شراكات وبرامج تعاون واستثمار مع عديد البلدان من قبيل ما تتوفر عليه بلادنا من إمكانيات طبيعية وبشرية وبيئية ومناخية قادرة على أن تجعل منها أرضية استثمارية تكون قبلة الاستثمار الأجنبي. فحقيقة أن بلادنا بصدد البحث عن سبل التعافي من مخلفات كومة الأزمات والوضع المتردي التي تتخبط فيها في هذه المرحلة تحديدا، لا يمكن حجبها خاصة في ظل ما يشهده العالم من تغييرات وظهور تحالفات جيواستراتيجية جديدة وإعادة تشكّل وتشبيك دولي جديد. لأن مسؤولية تحويل المكاسب التي تحققت خلال هذه الأيام القليلة إلى واقع عملي ملموس على أرض الواقع وفي أقرب الآجال، أصبحت اليوم منوطة بعهدة الجهات الرسمية بشكل خاص والمستثمرين في القطاع الخاص بشكل عام. ليتزامن ذلك مع الموافقة المبدئية مع البنك الدولي على منح بلادنا قرضا لطالما سعت حكومة بودن والحكومة لنيله بعد أن عجزت حكومة هشام مشيشي عن نيل ثقة الجهات الدولية المانحة للفوز بهذه الموافقة في مناسبات سابقة. نظرا لحاجة بلادنا الماسة إلى مثل هذا "الدين" في هذه المرحلة تحديدا للخروج من الوضع الاقتصادي الصعب ومساعدتها على "حلحلة" الوضع خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها وزارة المالية في وضع ميزانية الدولة لسنة 2023 والتحديات العديدة المطروحة أمام الجهات الرسمية واستعداداتها للدخول في تطبيق إصلاحات شاملة مع دخول الجمهورية الجديدة حيز التفعيل بعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها القادمة والتي لم تعد يفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة.

فلا يجب التوقف عند ما تحقق في هذا الحدث العالمي من انطباعات ايجابية للمشاركين فيها حول حسن التنظيم والاستقبال، لأن الوضع والضرورة تحتم على الجميع العمل من أجل استثمار ذلك إيجابيا وفي ظرف وجيز لأن الوضع والتحديات المطروحة لبلادنا تحتم ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى أو قادم. وذلك بضبط سياسية خارجية هادفة تعمل على تكريس "الايجابي" الذي تحقق في القمة الفرانكفونية بجربة في سياستها الخارجية الاقتصادية والثقافية بالأساس بما يخدم أهداف تونس ويسهل مهمة الخروج من هذه المرحلة الصعبة.

والهام في هذه القمة أنها تأتي في ظرف استثنائي تمر به بلادنا بعد الخروج الصعب والمتعثر من الأزمة الصحية "كوفيد 19" وما خلفته من تداعيات وهزات اقتصادية واجتماعية من ناحية، وبين الضغوط الداخلية لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية بسبب تفاقم الوضع المتردي الصعب وعجز الجهات الرسمية على إيجاد الحلول أو ضمان مخرج سليم من هذه الأزمات من ناحية ثانية، مقابل اتجاه الأنظار الخارجية باحتراس واحتراز لسياسة بلادنا بعد دخولها مرحلة التدابير الاستثنائية منذ 25 جويلية 2021 وأخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد بزمام الحكم والقرار والتسيير وما عرفته المرحلة من تحركات بعض الأحزاب والقوى والمنظمات المعارضة لهذا المسار ومحاولات البعض المتكررة المراهنة على الدعم الخارجي في التصدي للمسار الذي يقوده سعيد على اعتبار أنه يشكل خطرا على الحريات وحقوق الإنسان من ناحية أخرى.

فالاتفاقيات الحاصلة خلال نفس القمة والمتمثلة في طرح وتناول محاور التشغيل والتنمية والشباب والبيئة والتطور الرقمي والتكنولوجي ومسائل سياسية أخرى تهدد الفضاء الفرنكوفوني هي بالأساس مشغل الواقع التونسي في هذه المرحلة تحديدا. والمرور إلى البرنامج العملي لتفعيل الشراكات في جميع المجالات بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني هو المطلوب اليوم، لتحويل ذلك التفاعل الإيجابي ورضا عديد الجهات الخارجية على سياسية قيس سعيد في هذه الفترة بعد موجة "التشكيك والتخويف" التي راهنت عليها المعارضة في محاولاتها إفشال سياسيته وتوسيع الضغوط المفروضة على سياسته من وطنية إلى دولية بما يدفعه إلى التراجع عن بعض القرارات والخيارات التي اتخذها منذ مسكه بزمام السلطة في المرحلة الاستثنائية وما عرفته من مساع عملية للقطع مع سياسية الدولة خلال العشرية الماضية بدءا بوضع دستور جديد وتمش جديد في علاقة بمؤسسات الدولة والمؤسسات الدستورية.

فتعافي الاقتصاد الوطني والاستجابة لجانب من مطالب التونسيين الاجتماعية بالأساس وحلحلة الوضع الاجتماعي كلها ممكنة التحقق إذا ما نجحت الدولة في تحويل "ايجابيات" هذه القمة إلى مكاسب وبرامج عملية واسعة الأهداف والرؤى.

نزيهة الغضباني