تنطلق اليوم حملة الانتخابات التشريعية في الدوائر الانتخابية الموجودة داخل البلاد والبالغ عددها 151 دائرة، ولمراقبة مدى احترام المترشحين لمبادئ الحملة وقواعدها قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بانتداب 1806 أعوان وكلفتهم بمعاينة المخالفات ورفعها وكان عدد المراقبين في حدود 1200 فقط خلال الاستفتاء، فهل سيساعد الترفيع في عدد أعوان مراقبة الحملة على ضمان احترام المبادئ التي تقوم عليها الحملة وأهمها حياد الإدارة ودور العبادة.
فلئن ألزم دستور 25 جويلية الإدارة العمومية بالعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة، ولئن نص القانون الانتخابي على جملة من الأحكام الرامية إلى ضمان توفر مبدأ حياد الإدارة ودور العبادة وحجر الدعاية الانتخابية بمختلف أشكالها بالمؤسسات التربوية والجامعية والتكوينية وبدور العبادة وحجر إلقاء الخطب أو المحاضرات أو توزيع إعلانات أو وثائق أو القيام بأي نشاط دعائي بها خلال الحملة الانتخابية فإن مهمة المراقبين لن تكون يسيرة بالنظر إلى مهن المترشحين للانتخابات المرتقبة والبالغ عددهم 1055 مترشحا، إذ نجد أكثر من خمسين بالمائة من المترشحين حسب ما هو منصوص عليه في بطاقات تعريفهم الوطنية هم إطارات وأعوان وزارة التربية وإطارات وأعوان وموظفون بالقطاع العام وإطارات وأعوان وزارة التعليم العالي، وذلك إضافة إلى وجود مترشحين يشغلون في الوقت الراهن منصب رئيس بلدية.ولعل السؤال المطروح اليوم هو هل يمكن حقا فرض الالتزام بواجب الحياد طيلة أيام الحملة والحال أن نصف المترشحين يقضون كامل اليوم تقريبا داخل مؤسساتهم بحكم عدم تمتيعهم بعطلة استثنائية بمناسبة الحملة، وهناك منهم من يتعامل بصفة مباشرة مع المواطن الناخب الموجود في الدائرة الانتخابية التي ترشح عنها، ولا شك أن ضمان هذا الشرط قد يقتضي تركيز كاميرات تراقب ما يفعله المترشح وتراقب مدى التزام إدارته بمبدأ الحياد.
توظيف المنابر الدينية
أما في دور العبادة، فإن ضمان شرط الحياد قد يكون خلال هذه الحملة أيسر مما كان عليه الأمر في محطات انتخابية سابقة حيث كان هناك توظيف كبير للمساجد في الحملات الانتخابية في العديد من الدوائر الانتخابية، وربما تتقلص هذه الظاهرة خلال الحملة الانتخابية الحالية، لأن المرسوم الانتخابي الصادر منتصف سبتمبر الماضي منع الأئمة من الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب إلا بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم وحتى بعد مرور السنة فإنه لا يحق لهم الترشح في آخر دائرة انتخابية مارسوا فيها وظائفهم لمدة سنة على الأقل قبل تقديم ترشحهم.
ولكن في كل الأحوال يبقى من واجب أعوان الرقابة على الحملة الانتخابية تسليط الأضواء على دور العبادة والإدارة طيلة فترة الحملة وخاصة أثناء خطبة الجمعة للحيلولة دون توظيف المنابر الدينية وتوظيف الإدارة لتحقيق أهداف سياسية ويبقى من دور مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حسن تقدير مدى خطورة الإخلالات بواجب الحياد التي يرفعها أعوان الرقابة التابعون للهيئة أو تلك التي يرصدها المجتمع المدني بمناسبة ملاحظة الحملة، فخلال الحملة الخاصة بالاستفتاء، وحسب ما جاء في التقارير التي أعدتها جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي قامت بملاحظة هذه الحملة، لم يتقيد العديد من المسؤولين في الدولة بمن فيهم وزراء وولاة بمبدأ الحياد، كما أن المراقبين الذين انتدبتهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكلفتهم بمراقبة الحملة رفعوا مخالفات تتعلق بعدم الالتزام بمبدأ حياد الإدارة ولكن مجلس الهيئة رأى أن تلك الإخلالات ليست لها تأثيرات جوهرية وحاسمة على النتائج وبالتالي لم يقع إسقاط نتائج الاستفتاء بسبب خرق مبادئ الحياد، ولعله لهذا السبب تزايدت مؤخرا الدعوات إلى وضع إجراءات إضافية من شأنها أن تساعد على ضمان فعلي لمبدأ حياد الإدارة وتزايدت المخاوف من تأثيرات بعض الولاة المحسوبين على رئيس الجمهورية وتأثيرات رؤساء البلديات المترشحين على الانتخابات. فبمناسبة اللقاءات الجهوية التي نظمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأسبوع الجاري طالب العديد من المترشحين وممثلي المجتمع المدني أعضاء مجلس الهيئة بتوخي الحزم في الرقابة على مدى توفر مبادئ حياد الإدارة وأماكن العبادة وفرض احترام الأحكام القانونية التي تنص على تحجير توزيع الوثائق أو نشر شعارات أو خطابات متعلقة بالدعاية الانتخابية وذلك مهما كان شكلها أو طبيعتها بالإدارة والمؤسسات والمنشآت العمومية من قبل رئيس الإدارة أو الأعوان العاملين بها أو منظوريها أو الموجودين بها، وبينوا أنه في حال وجود إخلالات فإن السلطة ذات النظر ملزمة باتخاذ التدابير اللازمة بضمان احترام واجب الحياد، أما رئيس الإدارة فهو عندما يتبين له وجود مخالفة لواجب الحياد فهو ملزم بتحرير تقرير في الغرض يكون مرفقا بالمؤيدات اللازمة وبإحالة نسخة منه إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ويعتبر واجب الحياد من أهم مقتضيات التشريع المنظم للقطاع العمومي كما أن هذا الواجب منصوص عليه بمنتهى الوضوح في مدونة سلوك وأخلاقيات العون العمومي، فالعون العمومي ملزم مهما كان صنفه أو رتبته أو خطته أو وظيفته بعدم الانحياز لأي جهة كانت أو التفضيل بين طالبي الخدمة عند أدائه لمهامه.
وحتى أعوان وإطارات البلديات التي فيها رؤساء بلديات ومستشارين ترشحوا لانتخابات 17 ديسمبر فإنهم ملزمون بالتقيد بواجب الحياد ومن واجبهم التعامل مع المترشحين على قدم المساواة وعليهم على الأقل عدم القيام بنفس الممارسات التي قام بها بعضهم بمناسبة تجميع التزكيات، فعندما يتعلق الأمر بطلبات المترشحين المتعلقة بإقامة أنشطة الحملة في فضاءات تابعة للبلدية يتعين على أعوان وإطارات البلدية عدم تفضيل رئيس البلدية على غيره من المترشحين.
ويذكر في هذا السياق أن نائب رئيس الهيئة ماهر الجديدي أجاب بعض المترشحين المتخوفين من توظيف الإدارة واستغلال بعض المترشحين لصفاتهم لخدمة حملاتهم الانتخابية وقال لهم إنه يجب على الإدارة أن تقف على نفس المسافة من جميع المترشحين، وتعقيبا عن سؤال آخر حول ما إذا كان بإمكان المترشح تنظيم اجتماعات بالناخبين في فضاءات تابعة للبلديات أجاب الجديدي أنه يجوز للبلديات خلال الحملة أن تسوغ قاعات لتنظيم أنشطة يقوم بها المترشحون أثناء الحملة لكن يجب على هذه البلديات أن تتعامل مع جميع المترشحين على قدم المساواة، ولكن تبقى هذه الإجابات غير كافية إذ من الضروري إصدار منشور يذكر الجميع بواجب الحياد، أي أنه على رئاسة الحكومة أن تسارع في إصدار المنشور الذي دأبت على إصداره بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية لتذكير الوزراء والولاة ورؤساء البلديات ورؤساء الهيئات العمومية المستقلة ورؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية بضرورة تقيد الإدارة بواجب الحياد في جميع أعمالها وأنشطتها، وبوجوبية التزام الأعوان العموميين بالتعامل بكل تجرد ودون تمييز أو انحياز لأي طرف سياسي عند ممارستهم لمهامهم، وتجنب كل ما من شأنه أن يؤثر على إرادة الناخبين طيلة فترة الانتخابات، وذلك تكريسا لمبدأ المساواة واحتراما لواجب التحفظ وتكريسا للمبادئ المنظمة للحملة الانتخابية.
سعيدة بوهلال
تونس-الصباح
تنطلق اليوم حملة الانتخابات التشريعية في الدوائر الانتخابية الموجودة داخل البلاد والبالغ عددها 151 دائرة، ولمراقبة مدى احترام المترشحين لمبادئ الحملة وقواعدها قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بانتداب 1806 أعوان وكلفتهم بمعاينة المخالفات ورفعها وكان عدد المراقبين في حدود 1200 فقط خلال الاستفتاء، فهل سيساعد الترفيع في عدد أعوان مراقبة الحملة على ضمان احترام المبادئ التي تقوم عليها الحملة وأهمها حياد الإدارة ودور العبادة.
فلئن ألزم دستور 25 جويلية الإدارة العمومية بالعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة، ولئن نص القانون الانتخابي على جملة من الأحكام الرامية إلى ضمان توفر مبدأ حياد الإدارة ودور العبادة وحجر الدعاية الانتخابية بمختلف أشكالها بالمؤسسات التربوية والجامعية والتكوينية وبدور العبادة وحجر إلقاء الخطب أو المحاضرات أو توزيع إعلانات أو وثائق أو القيام بأي نشاط دعائي بها خلال الحملة الانتخابية فإن مهمة المراقبين لن تكون يسيرة بالنظر إلى مهن المترشحين للانتخابات المرتقبة والبالغ عددهم 1055 مترشحا، إذ نجد أكثر من خمسين بالمائة من المترشحين حسب ما هو منصوص عليه في بطاقات تعريفهم الوطنية هم إطارات وأعوان وزارة التربية وإطارات وأعوان وموظفون بالقطاع العام وإطارات وأعوان وزارة التعليم العالي، وذلك إضافة إلى وجود مترشحين يشغلون في الوقت الراهن منصب رئيس بلدية.ولعل السؤال المطروح اليوم هو هل يمكن حقا فرض الالتزام بواجب الحياد طيلة أيام الحملة والحال أن نصف المترشحين يقضون كامل اليوم تقريبا داخل مؤسساتهم بحكم عدم تمتيعهم بعطلة استثنائية بمناسبة الحملة، وهناك منهم من يتعامل بصفة مباشرة مع المواطن الناخب الموجود في الدائرة الانتخابية التي ترشح عنها، ولا شك أن ضمان هذا الشرط قد يقتضي تركيز كاميرات تراقب ما يفعله المترشح وتراقب مدى التزام إدارته بمبدأ الحياد.
توظيف المنابر الدينية
أما في دور العبادة، فإن ضمان شرط الحياد قد يكون خلال هذه الحملة أيسر مما كان عليه الأمر في محطات انتخابية سابقة حيث كان هناك توظيف كبير للمساجد في الحملات الانتخابية في العديد من الدوائر الانتخابية، وربما تتقلص هذه الظاهرة خلال الحملة الانتخابية الحالية، لأن المرسوم الانتخابي الصادر منتصف سبتمبر الماضي منع الأئمة من الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب إلا بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم وحتى بعد مرور السنة فإنه لا يحق لهم الترشح في آخر دائرة انتخابية مارسوا فيها وظائفهم لمدة سنة على الأقل قبل تقديم ترشحهم.
ولكن في كل الأحوال يبقى من واجب أعوان الرقابة على الحملة الانتخابية تسليط الأضواء على دور العبادة والإدارة طيلة فترة الحملة وخاصة أثناء خطبة الجمعة للحيلولة دون توظيف المنابر الدينية وتوظيف الإدارة لتحقيق أهداف سياسية ويبقى من دور مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حسن تقدير مدى خطورة الإخلالات بواجب الحياد التي يرفعها أعوان الرقابة التابعون للهيئة أو تلك التي يرصدها المجتمع المدني بمناسبة ملاحظة الحملة، فخلال الحملة الخاصة بالاستفتاء، وحسب ما جاء في التقارير التي أعدتها جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي قامت بملاحظة هذه الحملة، لم يتقيد العديد من المسؤولين في الدولة بمن فيهم وزراء وولاة بمبدأ الحياد، كما أن المراقبين الذين انتدبتهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكلفتهم بمراقبة الحملة رفعوا مخالفات تتعلق بعدم الالتزام بمبدأ حياد الإدارة ولكن مجلس الهيئة رأى أن تلك الإخلالات ليست لها تأثيرات جوهرية وحاسمة على النتائج وبالتالي لم يقع إسقاط نتائج الاستفتاء بسبب خرق مبادئ الحياد، ولعله لهذا السبب تزايدت مؤخرا الدعوات إلى وضع إجراءات إضافية من شأنها أن تساعد على ضمان فعلي لمبدأ حياد الإدارة وتزايدت المخاوف من تأثيرات بعض الولاة المحسوبين على رئيس الجمهورية وتأثيرات رؤساء البلديات المترشحين على الانتخابات. فبمناسبة اللقاءات الجهوية التي نظمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأسبوع الجاري طالب العديد من المترشحين وممثلي المجتمع المدني أعضاء مجلس الهيئة بتوخي الحزم في الرقابة على مدى توفر مبادئ حياد الإدارة وأماكن العبادة وفرض احترام الأحكام القانونية التي تنص على تحجير توزيع الوثائق أو نشر شعارات أو خطابات متعلقة بالدعاية الانتخابية وذلك مهما كان شكلها أو طبيعتها بالإدارة والمؤسسات والمنشآت العمومية من قبل رئيس الإدارة أو الأعوان العاملين بها أو منظوريها أو الموجودين بها، وبينوا أنه في حال وجود إخلالات فإن السلطة ذات النظر ملزمة باتخاذ التدابير اللازمة بضمان احترام واجب الحياد، أما رئيس الإدارة فهو عندما يتبين له وجود مخالفة لواجب الحياد فهو ملزم بتحرير تقرير في الغرض يكون مرفقا بالمؤيدات اللازمة وبإحالة نسخة منه إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ويعتبر واجب الحياد من أهم مقتضيات التشريع المنظم للقطاع العمومي كما أن هذا الواجب منصوص عليه بمنتهى الوضوح في مدونة سلوك وأخلاقيات العون العمومي، فالعون العمومي ملزم مهما كان صنفه أو رتبته أو خطته أو وظيفته بعدم الانحياز لأي جهة كانت أو التفضيل بين طالبي الخدمة عند أدائه لمهامه.
وحتى أعوان وإطارات البلديات التي فيها رؤساء بلديات ومستشارين ترشحوا لانتخابات 17 ديسمبر فإنهم ملزمون بالتقيد بواجب الحياد ومن واجبهم التعامل مع المترشحين على قدم المساواة وعليهم على الأقل عدم القيام بنفس الممارسات التي قام بها بعضهم بمناسبة تجميع التزكيات، فعندما يتعلق الأمر بطلبات المترشحين المتعلقة بإقامة أنشطة الحملة في فضاءات تابعة للبلدية يتعين على أعوان وإطارات البلدية عدم تفضيل رئيس البلدية على غيره من المترشحين.
ويذكر في هذا السياق أن نائب رئيس الهيئة ماهر الجديدي أجاب بعض المترشحين المتخوفين من توظيف الإدارة واستغلال بعض المترشحين لصفاتهم لخدمة حملاتهم الانتخابية وقال لهم إنه يجب على الإدارة أن تقف على نفس المسافة من جميع المترشحين، وتعقيبا عن سؤال آخر حول ما إذا كان بإمكان المترشح تنظيم اجتماعات بالناخبين في فضاءات تابعة للبلديات أجاب الجديدي أنه يجوز للبلديات خلال الحملة أن تسوغ قاعات لتنظيم أنشطة يقوم بها المترشحون أثناء الحملة لكن يجب على هذه البلديات أن تتعامل مع جميع المترشحين على قدم المساواة، ولكن تبقى هذه الإجابات غير كافية إذ من الضروري إصدار منشور يذكر الجميع بواجب الحياد، أي أنه على رئاسة الحكومة أن تسارع في إصدار المنشور الذي دأبت على إصداره بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية لتذكير الوزراء والولاة ورؤساء البلديات ورؤساء الهيئات العمومية المستقلة ورؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية بضرورة تقيد الإدارة بواجب الحياد في جميع أعمالها وأنشطتها، وبوجوبية التزام الأعوان العموميين بالتعامل بكل تجرد ودون تمييز أو انحياز لأي طرف سياسي عند ممارستهم لمهامهم، وتجنب كل ما من شأنه أن يؤثر على إرادة الناخبين طيلة فترة الانتخابات، وذلك تكريسا لمبدأ المساواة واحتراما لواجب التحفظ وتكريسا للمبادئ المنظمة للحملة الانتخابية.