إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد تزايد الانتقادات لمسار 25 جويلية.. هل تنطبق نظرية "أفعى الكبرى" على تونس؟

تونس-الصباح

في حادثة تاريخية سنة 1919 عمل الاحتلال البريطاني في الهند على القضاء عن أفاعي الكوبرا السامة، بسبب انتشارها وتسببها في حالة من الرعب لدى المستوطنين الإنقليز.

فقامت السلطات الانقليزية في دلهي بوضع خطة تحفيزية للهنود يتم بموجبها إعطاء مكافأة لمن يقوم بقتل أفعى وتسليمها لهم.

وإذ حققت الخطة في البداية أهدافها الأساسية في قتل أعداد كبيرة من أفاعي الكبرى، فقد تحولت عملية إبادة الأفاعي الى مهنة عند الهنود بعد أن حولوا منازلهم الى مزارع لتربية الأفاعي السامة على أمل بيعها للانقليز مما جعلها تتكاثر أكثر فأكثر.

ولكن الأمر لم يدم طويلا حيث تفطنت سلطات الاحتلال الانقليزي الى خدعة الهنود فقامت بإلغاء مكافأة صيد الأفاعي وهنا تحول الوضع الى كارثة من الحجم الكبير بعد أن تخلى المزارعون عن أفاعيهم تاركين إياها في الطبيعة وهو ما ضاعف من أعداد الثعابين بدل الحد منها.

ومنذ ذلك الوقت أطلق المنظرون على هذه الحادثة نظرية تأثير أفعى الكبرى، إذ يحصل أن يصنع الساسة أو رجال الاقتصاد مشكلا في وقت ظنوا فيه أن ما يقدمونه هو الحل والحال أنهم يزيدون في تعقيد الأمور أكثر فأكثر.

ماذا عن تونس؟

وفق خصوم سعيد والمناهضين لمساره لم تخرج الإجراءات الاستثنائية منذ إعلانها يوم 25جويلية عن مصطلح تأثير "أفعى الكبرى" حيث كان من المقرر ان يساهم تفعيل الفصل 80 من الدستور في تحديد ملامح تونس جديدة .

ملامح تعوض مرحلة ما قبل 25/7 وتصنع واقعا أكثر متانة وتخرج البلاد من وضعها الرخو الى آخر أكثر صلابة.

بيد أن ذلك لم يحصل حسب المعارضة، حيث تعددت أخطاء القراءة التحليلية للرئيس قيس سعيد وتتالت الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليدفع بالمتابعين للشأن العام في الداخل والخارج الى إطلاق سلسلة تحذيرية نتيجة تخوفاتهم من تأزم الوضع.

واذ تبدو محاولات الرئيس على أساس أنها سعي لاستعادة تونس "من يد اللصوص والخونة" حسب تصريحات سعيد نفسه، فإنه وفقا لخصومه لم يعد ممكنا بعد انحراف "قطار" تصحيح المسار ليتجاوز بذلك كل المحطات التي كان من المفترض أن يتوقف عندها.

وزادت تحولات المشهد بعد 25/7 بارتفاع عدد الرافضين لسياسات سعيد لا من قبل خصومه فحسب بل حتى من قبل أولئك المتحمسين لمشروعه سواء كانوا أحزابا أو منظمات.

كما لم تتأخر مؤسسات الدولة في رفع صوتها المناهض للتعقيد السياسي والاقتصادي الحاصل بعد ان رفعت هيئة الانتخابات لاءاتها في وجه التعديل المحتمل للقانون الانتخابي او ما يعيشه البنك المركزي من قلق نتيجة التراجع الملموس للدينار التونسي والأزمة الاقتصادية عموما .

صمود.. لم يصمد

فقد أعلن ائتلاف صمود "تخليه عن كلّ أشكال المساندة لمسار25 جويلية اثر حياد رئيس الجمهورية عن مطالب هذا المسار وفرضه قرارات بشكل أحادي، لتركيز نظام سياسي رئاسويّ هجين"، داعيا الى مقاطعة الانتخابات التشريعية ترشّحا وتزكية وانتخابا.

واعتبر الائتلاف في بيان له أمس الأول، أن رئيس الجمهوريّة مُصر على فرض رؤية أحاديّة تهدف إلى تنفيذ مشروعه السّياسي المسقط على مراحل، بتركيز برلمان مذيّل للسّلطة التنفيذيّة، الى جانب السعي الى التّضييق على المعارضين والصّحفيّين وترهيبهم بضرب الحريّات العامّة وبالأخصّ حريّة التنظّم والتّعبير.

واعتبر ائتلاف "صمود" أنّ هذا القانون الانتخابي الجديد سيفرض انتخابات تشريعيّة غير قانونيّة، وسينبثق عنها مجلس غير شرعيّ، معتبرا أن هذا المرسوم عمّق اختلال التّوازن بين السّلط، وأقصى الأحزاب السّياسيّة وشرائح واسعة من الشّعب التّونسي خاصّة المرأة والشّباب وحاملي الجنسيّات المزدوجة والكفاءات، ومن غيّروا مقرّات سكناهم لأسباب دراسيّة أو مهنيّة أو اجتماعيّة.

التيار الديمقراطي من مساند الى خصم

لم يكف الحزب في لعب دور القنطرة داخل مجلس نواب الشعب بعد أن استعمله سعيد استعمالا مكثفا حتى بعد25/7. غير أن ذلك لم يمنع الرئيس من وضعه في نفس خانة الأحزاب مع حركة النهضة بعد أن مُنع نائب الحزب من السفر.

وانتهى تفهم التيار الديمقراطي للإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد منذ 25 جويلية ليتحول الى إدانة واسعة وذلك بعد منع النائب أنور بالشاهد من السفر الى الخارج.

إدانة التيار جاءت بداية على لسان النائب الممنوع من السفر اثر تدوينة على صفحته الخاصة بالفايسبوك لحظات قليلة بعد إبلاغه بأمر المنع .

وكتب بالشاهد "فوجئت اليوم وأنا أحاول السفر نحو مرسيليا حيث أقيم مع عائلتي وحيث تم انتخابي عن دائرة فرنسا 2، بمنعي من السفر بعد استشارة الداخلية."

وأضاف قائلا "اعتبر ان منعي من السفر فيه تعسف في حقي وأن منعي من الخروج للعمل بعد أن منعني منه في تونس اعتداء صارخ على حقوق الإنسان ولن أتحدث عن خرق الدستور الذي أكله الحمار وان التغيير الذي يعتدي على حقوق الإنسان هو انقلاب".

ولم يتأخر رد الحزب ليصدر بيانه الأول عن منع احد نوابه من السفر ونشرت الصفحة الرسمية بيانا نددت فيه "بهذا الإجراء التعسفي"

وعبر الحزب عن "تمسكه بالحقوق الدستورية لسائر المواطنات والمواطنين ومن بينها الحق في التنقل واستعداده لكل الأشكال النضالية لحمايتها" .

وكانت حادثة بالشاهد أولى خطوط المواجهة السياسية والقضائية بين الحزب والرئيس آخرها القضية المرفوعة ضد الأمين العام للحزب غازي الشواشي أمس الثلاثاء.

هيئة الانتخابات.. لها صوت أيضا

قال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، أنه من الأفضل عدم المساس بالقانون الانتخابي في هذه الفترة، وذلك ردا على تصريحات الرئيس قيس سعيد يوم 7 أكتوبر الماضي والذي أكد أنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة خاصة وأن الذين تم إيقافهم ووقعت إحالتهم على العدالة هدفهم، كما تبين ذلك من الأبحاث، هو إدخال الارتباك في صفوف المواطنين وبثّ الفوضى" .

واستبعد بوعسكر في تصريح إعلامي إمكانية التراجع عن شرط التزكيات أو التخلي عنه مؤكدا أن مقترح تنقيح القانون الانتخابي تحت الدرس "وهيئة الانتخابات سيكون لها رأي" .

وقال رئيس هيئة الانتخابات أن العملية الانتخابية انطلقت وقام 140 ألف مواطن بالتزكيات "من المستبعد التخلي عن شرط التزكيات لكن ربما سيقع إدخال تحويرات بخصوص مسألة التعريف بالإمضاء أو عدد التزكيات إن اقتضت الضرورة لكن ذلك لن يؤثر على المسار الانتخابي".

خليل الحناشي

بعد تزايد الانتقادات لمسار 25 جويلية.. هل تنطبق نظرية "أفعى الكبرى" على تونس؟

تونس-الصباح

في حادثة تاريخية سنة 1919 عمل الاحتلال البريطاني في الهند على القضاء عن أفاعي الكوبرا السامة، بسبب انتشارها وتسببها في حالة من الرعب لدى المستوطنين الإنقليز.

فقامت السلطات الانقليزية في دلهي بوضع خطة تحفيزية للهنود يتم بموجبها إعطاء مكافأة لمن يقوم بقتل أفعى وتسليمها لهم.

وإذ حققت الخطة في البداية أهدافها الأساسية في قتل أعداد كبيرة من أفاعي الكبرى، فقد تحولت عملية إبادة الأفاعي الى مهنة عند الهنود بعد أن حولوا منازلهم الى مزارع لتربية الأفاعي السامة على أمل بيعها للانقليز مما جعلها تتكاثر أكثر فأكثر.

ولكن الأمر لم يدم طويلا حيث تفطنت سلطات الاحتلال الانقليزي الى خدعة الهنود فقامت بإلغاء مكافأة صيد الأفاعي وهنا تحول الوضع الى كارثة من الحجم الكبير بعد أن تخلى المزارعون عن أفاعيهم تاركين إياها في الطبيعة وهو ما ضاعف من أعداد الثعابين بدل الحد منها.

ومنذ ذلك الوقت أطلق المنظرون على هذه الحادثة نظرية تأثير أفعى الكبرى، إذ يحصل أن يصنع الساسة أو رجال الاقتصاد مشكلا في وقت ظنوا فيه أن ما يقدمونه هو الحل والحال أنهم يزيدون في تعقيد الأمور أكثر فأكثر.

ماذا عن تونس؟

وفق خصوم سعيد والمناهضين لمساره لم تخرج الإجراءات الاستثنائية منذ إعلانها يوم 25جويلية عن مصطلح تأثير "أفعى الكبرى" حيث كان من المقرر ان يساهم تفعيل الفصل 80 من الدستور في تحديد ملامح تونس جديدة .

ملامح تعوض مرحلة ما قبل 25/7 وتصنع واقعا أكثر متانة وتخرج البلاد من وضعها الرخو الى آخر أكثر صلابة.

بيد أن ذلك لم يحصل حسب المعارضة، حيث تعددت أخطاء القراءة التحليلية للرئيس قيس سعيد وتتالت الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليدفع بالمتابعين للشأن العام في الداخل والخارج الى إطلاق سلسلة تحذيرية نتيجة تخوفاتهم من تأزم الوضع.

واذ تبدو محاولات الرئيس على أساس أنها سعي لاستعادة تونس "من يد اللصوص والخونة" حسب تصريحات سعيد نفسه، فإنه وفقا لخصومه لم يعد ممكنا بعد انحراف "قطار" تصحيح المسار ليتجاوز بذلك كل المحطات التي كان من المفترض أن يتوقف عندها.

وزادت تحولات المشهد بعد 25/7 بارتفاع عدد الرافضين لسياسات سعيد لا من قبل خصومه فحسب بل حتى من قبل أولئك المتحمسين لمشروعه سواء كانوا أحزابا أو منظمات.

كما لم تتأخر مؤسسات الدولة في رفع صوتها المناهض للتعقيد السياسي والاقتصادي الحاصل بعد ان رفعت هيئة الانتخابات لاءاتها في وجه التعديل المحتمل للقانون الانتخابي او ما يعيشه البنك المركزي من قلق نتيجة التراجع الملموس للدينار التونسي والأزمة الاقتصادية عموما .

صمود.. لم يصمد

فقد أعلن ائتلاف صمود "تخليه عن كلّ أشكال المساندة لمسار25 جويلية اثر حياد رئيس الجمهورية عن مطالب هذا المسار وفرضه قرارات بشكل أحادي، لتركيز نظام سياسي رئاسويّ هجين"، داعيا الى مقاطعة الانتخابات التشريعية ترشّحا وتزكية وانتخابا.

واعتبر الائتلاف في بيان له أمس الأول، أن رئيس الجمهوريّة مُصر على فرض رؤية أحاديّة تهدف إلى تنفيذ مشروعه السّياسي المسقط على مراحل، بتركيز برلمان مذيّل للسّلطة التنفيذيّة، الى جانب السعي الى التّضييق على المعارضين والصّحفيّين وترهيبهم بضرب الحريّات العامّة وبالأخصّ حريّة التنظّم والتّعبير.

واعتبر ائتلاف "صمود" أنّ هذا القانون الانتخابي الجديد سيفرض انتخابات تشريعيّة غير قانونيّة، وسينبثق عنها مجلس غير شرعيّ، معتبرا أن هذا المرسوم عمّق اختلال التّوازن بين السّلط، وأقصى الأحزاب السّياسيّة وشرائح واسعة من الشّعب التّونسي خاصّة المرأة والشّباب وحاملي الجنسيّات المزدوجة والكفاءات، ومن غيّروا مقرّات سكناهم لأسباب دراسيّة أو مهنيّة أو اجتماعيّة.

التيار الديمقراطي من مساند الى خصم

لم يكف الحزب في لعب دور القنطرة داخل مجلس نواب الشعب بعد أن استعمله سعيد استعمالا مكثفا حتى بعد25/7. غير أن ذلك لم يمنع الرئيس من وضعه في نفس خانة الأحزاب مع حركة النهضة بعد أن مُنع نائب الحزب من السفر.

وانتهى تفهم التيار الديمقراطي للإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد منذ 25 جويلية ليتحول الى إدانة واسعة وذلك بعد منع النائب أنور بالشاهد من السفر الى الخارج.

إدانة التيار جاءت بداية على لسان النائب الممنوع من السفر اثر تدوينة على صفحته الخاصة بالفايسبوك لحظات قليلة بعد إبلاغه بأمر المنع .

وكتب بالشاهد "فوجئت اليوم وأنا أحاول السفر نحو مرسيليا حيث أقيم مع عائلتي وحيث تم انتخابي عن دائرة فرنسا 2، بمنعي من السفر بعد استشارة الداخلية."

وأضاف قائلا "اعتبر ان منعي من السفر فيه تعسف في حقي وأن منعي من الخروج للعمل بعد أن منعني منه في تونس اعتداء صارخ على حقوق الإنسان ولن أتحدث عن خرق الدستور الذي أكله الحمار وان التغيير الذي يعتدي على حقوق الإنسان هو انقلاب".

ولم يتأخر رد الحزب ليصدر بيانه الأول عن منع احد نوابه من السفر ونشرت الصفحة الرسمية بيانا نددت فيه "بهذا الإجراء التعسفي"

وعبر الحزب عن "تمسكه بالحقوق الدستورية لسائر المواطنات والمواطنين ومن بينها الحق في التنقل واستعداده لكل الأشكال النضالية لحمايتها" .

وكانت حادثة بالشاهد أولى خطوط المواجهة السياسية والقضائية بين الحزب والرئيس آخرها القضية المرفوعة ضد الأمين العام للحزب غازي الشواشي أمس الثلاثاء.

هيئة الانتخابات.. لها صوت أيضا

قال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، أنه من الأفضل عدم المساس بالقانون الانتخابي في هذه الفترة، وذلك ردا على تصريحات الرئيس قيس سعيد يوم 7 أكتوبر الماضي والذي أكد أنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة خاصة وأن الذين تم إيقافهم ووقعت إحالتهم على العدالة هدفهم، كما تبين ذلك من الأبحاث، هو إدخال الارتباك في صفوف المواطنين وبثّ الفوضى" .

واستبعد بوعسكر في تصريح إعلامي إمكانية التراجع عن شرط التزكيات أو التخلي عنه مؤكدا أن مقترح تنقيح القانون الانتخابي تحت الدرس "وهيئة الانتخابات سيكون لها رأي" .

وقال رئيس هيئة الانتخابات أن العملية الانتخابية انطلقت وقام 140 ألف مواطن بالتزكيات "من المستبعد التخلي عن شرط التزكيات لكن ربما سيقع إدخال تحويرات بخصوص مسألة التعريف بالإمضاء أو عدد التزكيات إن اقتضت الضرورة لكن ذلك لن يؤثر على المسار الانتخابي".

خليل الحناشي