تعدّ ظاهرة الاجرام من أكثر العوامل المساهمة في عدم استقرار المجتمع و المنذرة بتفكّكه لارتباطها العضوي بالأخلاق و القيم. حيث كلما تراجعت هذه القيم في العائلة وفي الشارع تنامت بالمقابل مظاهر الاجرام .
وفعلا فقد أصبح الاجرام في تونس غير مقتصر على جنس أو فئة والأخطر هو بروز ظاهرة "الأطفال المجرمين" سواء من التلاميذ أو من المنقطعين عن الدراسة .حيث تشير الأرقام الى أنّ أكثر من 80بالمائة من حوادث "البراكاجات" والسرقة والنتر يقوم بها أطفال ويشاركون فيها. وقد بلغ عدد المتورطين المعلن عنهم في عمليات اجرامية حوالي 300جريمة بين سنتي 2020 و2021 وهو رقم مفزع حيث أنه كل يوم ثمة جريمة يقوم بها طفل .
وهي أرقام تؤكّد أن ظاهرة الأطفال المجرمين لم يعد ممكنا تجاهلها ولابدّ من تحليلها وايجاد حلول لها فهؤلاء ثمّة من صنع اجرامهم ومن يشجّعهم عليه .
المجتمع بعائلاته ومسؤوليه يجب أن يلتفتوا لهذه الفئة من الأطفال فهم خطر على زملائهم اذا ما كنوا من التلاميذ ولابدّ من ايجاد الآليات الكفيلة لإنفاذهم ممّا هم فيه.
اذ يتفق علماء النفس والاجتماع على أن "الإجرام" لا يولد مع الولد، باستثناء وجود أمراض نفسيّة. انّما يكتسب الطفل "الإجرام" نتيجة عوامل عديدة، أبرزها محيطه الأسري المفكّك الذي تغيب عنه الروادع والمجتمع الخالي من السلطة، فيجد الولد نفسه قادراً على تخطي كل المقاييس، والتصرّف من دون الاضطرار الى مراعاة أي روادع أخلاقيّ.
أسباب تفشي الظاهرة
اجرام الأطفال ينقسم الى قسمين:
الأول :وهو الأكثر تفشّيا يمارسه المنقطعين عن الدراسة في سنّ مبكّرة و يتمثّل في السرقة والاعتداء بالعنف والتحرّش وحتّى الاغتصاب وتتم ممارسة هذه الجرائم عادة في شكل مجموعة صغيرة يستقوي أفرادها ببعضهم البعض اذا من النادر أن يتورّط قاصر بمفرده في عملية "براكاج" أو غيرها من الجرائم .ومن هنا نفهم أن السبب في انتشار مثل هذه الجرائم هو غياب العائلة وعدم مراقبتها لمحيط الطفل وتحركاته فضلا عن الانقطاع عن الدراسة و هو السبب الثاني في احتراف الاجرام .
الثاني: ويتمثل في الاجرام التلمذي والذي يقوم به عادة تلاميذ كبار(رسبوا كثيرا) تترواح أعمارهم بين 12و16 سنة واستفادوا من القوانين الحامية للانقطاع المدرسي ليتواجدوا بالتالي مع تلاميذ أصغر منهم سنّا وهو ما يغريهم بممارسة الاجرام والعنف و"البلطجة" على زملائهم .وأغلب حوادث الاجرام التي وقعت في المدارس و المعاهد الاعدادية يقوم بها هذا النوع من التلاميذ.
وتبقى أسباب عامة ومشتركة لتفشي ظاهرة اجرام الأطفال والتلاميذ أهمها كما أسلفنا القول العائلة ثم الشارع فالإعلام.
هذا فضلا عن الاحساس بالفقر وعدم قدرة الأطفال على التأقلم معه في ظل غياب تربية متوازنة .
كيف ننقذ الأطفال المجرمين من أنفسهم؟
بالتأكيد أن ما اصطلحنا على تسميته بالأطفال المجرمين يعتبره علم النفس و يصطلح على تسميته بالسلوك الانحرافي عند الأطفال .بمعنى أنه يمكن تقويم هذا الانحراف فهو مثل المرض يتعرّض كل الأطفال عرضة له إن لم يتم التعامل معهم بطريقة سليمة، وإن لم تقع حمايتهم من الأسباب التي تؤدي للإجرام.
2 / 3
ومعلوم أنّه لكل نوع من الانحراف طريقة وأسلوب خاصيّن في الوقاية منه يكمن في إشباع الدافع المؤدّي لهذا النوع من الانحراف أو ذاك، فتحصين الطفل من الوقوع في المحظور يتحقق من عدة نواحي تبدأ من التربية وعلاج المشاكل والاهتمام أكثر بشؤونه تلبية رغباته والانتباه لتصرفاته وأفكاره وما يمكن أن يعرض عليه من نماذج اجتماعية تعتبر مرفوضة ومنحرفة.
وبحسب الدراسات النفسية والاجتماعية في هذا الاطار ثمّة مجموعة من الخطوات يمكن من خلالها الوقاية أو التخفيف قدر الإمكان من آثار السلوك الانحرافي وهي:
- التربية والتنشئة الصحيحة: حيث تعتبر الطريقة التربوية المتبعة من المؤثرات الأساسية سلباً أو إيجاباً على السلوك السوي أو المنحرف بالنسبة للطفل، من هنا فإن الانتباه لما ينشأ عليه الطفل من خلال العملية التربوية من الخطوات الأساسية لإبعاده عن الانحراف.
- التعليم والمدرسة: هي المكان الطبيعي للطفل والذي يستقي منه معظم أفكاره وسلوكياته ومعلوماته الاجتماعية والعلمية، لذلك فإن الطفل إذا خرج من هذه المدرسة فسوف يجد في انتظاره خارجها العديد من أشكال الانحراف التي يمكن أن يتعلمها في الشارع، ولذلك يجب أن يبقى الأطفال في هذا المكان الطبيعي لهم ويجب العناية بأجواء المدرسة وما يمكن أن يتعلمه الأطفال فيها.
- التقيّد بالنماذج الجيدة: كثيراً ما يقلد الأطفال ويقتدون بالنماذج الاجتماعية التي يتعرفون عليها و يشاهدونها، ولذلك يجب باستمرار تعريض الطفل للنماذج السلوكية المطلوبة وتشجيعه على تقليدها، مثل تعليم العناية بالنظافة أو الواجبات المدرسية أو الأخلاق الحميدة وتنمية مهارات التفكير لديه.مقابل ابعاده عن النماذج السيئة التي يشاهدها في الأعمال الدرامية أو الالعاب الكرطونية وغيرها.
- القدوة الحسنة: طفلك يقتدي بتصرفاتك السلبية منها والايجابية ولذلك فعند ملاحظته لأحد سلوكياتك الخاطئة أو المنحرفة مثل التدخين أو تعاطي الخمور فإن هناك احتمال كبير أن يقلدك طفلك في هذا السلوك.
- الاهتمام بالطفل وتحسين معاملته: الأطفال بحاجة للشعور بأن هناك من يهتم بهم ويعطيهم ما يستحقونه من محبة، وهذه من الخطوات التي تبعدهم عن الإحباط الذي يؤدي عادة إلى بعض أشكال الانحراف.
- تعليم الطفل الثقة بالنفس: يكون بالتخفيف قدر الإمكان من مواقف الإحباط التي يمكن أن يتعرض لها بشكل طبيعي في الحياة، لأن الطفل غير الواثق من نفسه معرض في كثير من الحالات لسلوك الانحراف. المؤدّي للاجرام
- الانتباه والمراقبة: يجب باستمرار الانتباه لاهتمامات الأطفال ومراقبة سلوكياتهم، حيث يمكن اكتشاف إذا كان الطفل لديه استعداد تلقائي نحو أحد أنواع الانحراف قبل أن يتطور ويصبح واقعا مسيطرا على شخصيته.
- تحسين البيئة الاجتماعية والسكنية للفرد: البيئة التي يعيش فيها الطفل لها أثر بالغ في سلوكه ولهذا يجب الانتباه دائماً إلى تحسين هذه البيئة.
- تذليل العقبات أمام الطفل: مثل صعوبات الدراسة التي تؤدي لكره المدرسة أو الحرمان الذي قد يؤدي للسرقة، أو الأسئلة التي لا تجد إجابة فتدفع الطفل للبحث عن إجابات في أماكن غير ملائمة.
- تعليم الطفل الطريقة الصحيحة لإشباع بعض رغباته: أو ترويضها والسيطرة عليها مثل التخفيف من الطاقة الزائدة الناتجة عن الرغبات الجنسية من خلال الرياضة أو تعليم موهبة معينة.
وقبل هذا وبعده يجب أن ينظر لظاهرة اجرام الأطفال كقضية وطنية ويجب وضع الآليات للقضاء عليها بتكاتف كل الجهود واطلاق برنامج وطني في هذا الاطار تشارك فيه كل القوى ذات الصلة بالطفولة وعلى رأسها وزارتي التربية والتعليم ووزارة المرأة و الطفولة والاسرة و كبار السن فضلا عن المنظمات والجمعيات المختصة .اذا أنّ مقاومة هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون فرديا والقوانين وحدها والمعالجة الأمنية لن تحلّ المشكل.
أبناؤنا اليوم هم ضحايا قبل أن يكونوا مجرمين و لابد من انقاذهم من أنفسهم .
بقلم:د.ريم بالخذيري
تعدّ ظاهرة الاجرام من أكثر العوامل المساهمة في عدم استقرار المجتمع و المنذرة بتفكّكه لارتباطها العضوي بالأخلاق و القيم. حيث كلما تراجعت هذه القيم في العائلة وفي الشارع تنامت بالمقابل مظاهر الاجرام .
وفعلا فقد أصبح الاجرام في تونس غير مقتصر على جنس أو فئة والأخطر هو بروز ظاهرة "الأطفال المجرمين" سواء من التلاميذ أو من المنقطعين عن الدراسة .حيث تشير الأرقام الى أنّ أكثر من 80بالمائة من حوادث "البراكاجات" والسرقة والنتر يقوم بها أطفال ويشاركون فيها. وقد بلغ عدد المتورطين المعلن عنهم في عمليات اجرامية حوالي 300جريمة بين سنتي 2020 و2021 وهو رقم مفزع حيث أنه كل يوم ثمة جريمة يقوم بها طفل .
وهي أرقام تؤكّد أن ظاهرة الأطفال المجرمين لم يعد ممكنا تجاهلها ولابدّ من تحليلها وايجاد حلول لها فهؤلاء ثمّة من صنع اجرامهم ومن يشجّعهم عليه .
المجتمع بعائلاته ومسؤوليه يجب أن يلتفتوا لهذه الفئة من الأطفال فهم خطر على زملائهم اذا ما كنوا من التلاميذ ولابدّ من ايجاد الآليات الكفيلة لإنفاذهم ممّا هم فيه.
اذ يتفق علماء النفس والاجتماع على أن "الإجرام" لا يولد مع الولد، باستثناء وجود أمراض نفسيّة. انّما يكتسب الطفل "الإجرام" نتيجة عوامل عديدة، أبرزها محيطه الأسري المفكّك الذي تغيب عنه الروادع والمجتمع الخالي من السلطة، فيجد الولد نفسه قادراً على تخطي كل المقاييس، والتصرّف من دون الاضطرار الى مراعاة أي روادع أخلاقيّ.
أسباب تفشي الظاهرة
اجرام الأطفال ينقسم الى قسمين:
الأول :وهو الأكثر تفشّيا يمارسه المنقطعين عن الدراسة في سنّ مبكّرة و يتمثّل في السرقة والاعتداء بالعنف والتحرّش وحتّى الاغتصاب وتتم ممارسة هذه الجرائم عادة في شكل مجموعة صغيرة يستقوي أفرادها ببعضهم البعض اذا من النادر أن يتورّط قاصر بمفرده في عملية "براكاج" أو غيرها من الجرائم .ومن هنا نفهم أن السبب في انتشار مثل هذه الجرائم هو غياب العائلة وعدم مراقبتها لمحيط الطفل وتحركاته فضلا عن الانقطاع عن الدراسة و هو السبب الثاني في احتراف الاجرام .
الثاني: ويتمثل في الاجرام التلمذي والذي يقوم به عادة تلاميذ كبار(رسبوا كثيرا) تترواح أعمارهم بين 12و16 سنة واستفادوا من القوانين الحامية للانقطاع المدرسي ليتواجدوا بالتالي مع تلاميذ أصغر منهم سنّا وهو ما يغريهم بممارسة الاجرام والعنف و"البلطجة" على زملائهم .وأغلب حوادث الاجرام التي وقعت في المدارس و المعاهد الاعدادية يقوم بها هذا النوع من التلاميذ.
وتبقى أسباب عامة ومشتركة لتفشي ظاهرة اجرام الأطفال والتلاميذ أهمها كما أسلفنا القول العائلة ثم الشارع فالإعلام.
هذا فضلا عن الاحساس بالفقر وعدم قدرة الأطفال على التأقلم معه في ظل غياب تربية متوازنة .
كيف ننقذ الأطفال المجرمين من أنفسهم؟
بالتأكيد أن ما اصطلحنا على تسميته بالأطفال المجرمين يعتبره علم النفس و يصطلح على تسميته بالسلوك الانحرافي عند الأطفال .بمعنى أنه يمكن تقويم هذا الانحراف فهو مثل المرض يتعرّض كل الأطفال عرضة له إن لم يتم التعامل معهم بطريقة سليمة، وإن لم تقع حمايتهم من الأسباب التي تؤدي للإجرام.
2 / 3
ومعلوم أنّه لكل نوع من الانحراف طريقة وأسلوب خاصيّن في الوقاية منه يكمن في إشباع الدافع المؤدّي لهذا النوع من الانحراف أو ذاك، فتحصين الطفل من الوقوع في المحظور يتحقق من عدة نواحي تبدأ من التربية وعلاج المشاكل والاهتمام أكثر بشؤونه تلبية رغباته والانتباه لتصرفاته وأفكاره وما يمكن أن يعرض عليه من نماذج اجتماعية تعتبر مرفوضة ومنحرفة.
وبحسب الدراسات النفسية والاجتماعية في هذا الاطار ثمّة مجموعة من الخطوات يمكن من خلالها الوقاية أو التخفيف قدر الإمكان من آثار السلوك الانحرافي وهي:
- التربية والتنشئة الصحيحة: حيث تعتبر الطريقة التربوية المتبعة من المؤثرات الأساسية سلباً أو إيجاباً على السلوك السوي أو المنحرف بالنسبة للطفل، من هنا فإن الانتباه لما ينشأ عليه الطفل من خلال العملية التربوية من الخطوات الأساسية لإبعاده عن الانحراف.
- التعليم والمدرسة: هي المكان الطبيعي للطفل والذي يستقي منه معظم أفكاره وسلوكياته ومعلوماته الاجتماعية والعلمية، لذلك فإن الطفل إذا خرج من هذه المدرسة فسوف يجد في انتظاره خارجها العديد من أشكال الانحراف التي يمكن أن يتعلمها في الشارع، ولذلك يجب أن يبقى الأطفال في هذا المكان الطبيعي لهم ويجب العناية بأجواء المدرسة وما يمكن أن يتعلمه الأطفال فيها.
- التقيّد بالنماذج الجيدة: كثيراً ما يقلد الأطفال ويقتدون بالنماذج الاجتماعية التي يتعرفون عليها و يشاهدونها، ولذلك يجب باستمرار تعريض الطفل للنماذج السلوكية المطلوبة وتشجيعه على تقليدها، مثل تعليم العناية بالنظافة أو الواجبات المدرسية أو الأخلاق الحميدة وتنمية مهارات التفكير لديه.مقابل ابعاده عن النماذج السيئة التي يشاهدها في الأعمال الدرامية أو الالعاب الكرطونية وغيرها.
- القدوة الحسنة: طفلك يقتدي بتصرفاتك السلبية منها والايجابية ولذلك فعند ملاحظته لأحد سلوكياتك الخاطئة أو المنحرفة مثل التدخين أو تعاطي الخمور فإن هناك احتمال كبير أن يقلدك طفلك في هذا السلوك.
- الاهتمام بالطفل وتحسين معاملته: الأطفال بحاجة للشعور بأن هناك من يهتم بهم ويعطيهم ما يستحقونه من محبة، وهذه من الخطوات التي تبعدهم عن الإحباط الذي يؤدي عادة إلى بعض أشكال الانحراف.
- تعليم الطفل الثقة بالنفس: يكون بالتخفيف قدر الإمكان من مواقف الإحباط التي يمكن أن يتعرض لها بشكل طبيعي في الحياة، لأن الطفل غير الواثق من نفسه معرض في كثير من الحالات لسلوك الانحراف. المؤدّي للاجرام
- الانتباه والمراقبة: يجب باستمرار الانتباه لاهتمامات الأطفال ومراقبة سلوكياتهم، حيث يمكن اكتشاف إذا كان الطفل لديه استعداد تلقائي نحو أحد أنواع الانحراف قبل أن يتطور ويصبح واقعا مسيطرا على شخصيته.
- تحسين البيئة الاجتماعية والسكنية للفرد: البيئة التي يعيش فيها الطفل لها أثر بالغ في سلوكه ولهذا يجب الانتباه دائماً إلى تحسين هذه البيئة.
- تذليل العقبات أمام الطفل: مثل صعوبات الدراسة التي تؤدي لكره المدرسة أو الحرمان الذي قد يؤدي للسرقة، أو الأسئلة التي لا تجد إجابة فتدفع الطفل للبحث عن إجابات في أماكن غير ملائمة.
- تعليم الطفل الطريقة الصحيحة لإشباع بعض رغباته: أو ترويضها والسيطرة عليها مثل التخفيف من الطاقة الزائدة الناتجة عن الرغبات الجنسية من خلال الرياضة أو تعليم موهبة معينة.
وقبل هذا وبعده يجب أن ينظر لظاهرة اجرام الأطفال كقضية وطنية ويجب وضع الآليات للقضاء عليها بتكاتف كل الجهود واطلاق برنامج وطني في هذا الاطار تشارك فيه كل القوى ذات الصلة بالطفولة وعلى رأسها وزارتي التربية والتعليم ووزارة المرأة و الطفولة والاسرة و كبار السن فضلا عن المنظمات والجمعيات المختصة .اذا أنّ مقاومة هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون فرديا والقوانين وحدها والمعالجة الأمنية لن تحلّ المشكل.
أبناؤنا اليوم هم ضحايا قبل أن يكونوا مجرمين و لابد من انقاذهم من أنفسهم .