إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أعلنت مقاطعتها الانتخابات التشريعية: الأحزاب المعارضة .. هل راوغت الرأي العام؟

تونس – الصباح

لئن أعلن ما يقارب 16 حزبا سياسيا عن مقاطعته الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها المقرر تنظيمها يوم 17 ديسمبر المقبل من خلال إصدار بيانات تعلن فيها عن قرار المقاطعة ورفض المسار الجديد المنبثق عن دستور جمهورية 2022 شكلا ومضمونا، فإن قراءات ومواقف أطراف سياسية ومتابعين للشأن العام في تونس تؤكد أن مسألة مقاطعة هذه الأحزاب والتيارات السياسية، هي مجرد موقف يسوق له للرأي العام والخاص في الداخل والخارج في سياق الصراع والمناورات والضغوط السياسية على رئيس الجمهورية قيس سعيد انسجاما مع موقفها المعارض للمسار الذي يقوده، في حين أن عديد المؤشرات والمعطيات تبين وجود حركية واستعدادات لدخول البرلمان الجديد في "كواليس" هذه الأحزاب لاسيما منها التي كانت طرفا في منظومة الحكم أو الفاعلة والناشطة في المشهد السياسي خلال عشرية ما قبل 25 جويلية 2021.

ويذكر أن ليلى حداد القيادية في القيادية في حركة الشعب، أكدت أثناء حضورها في أحد البرامج الإذاعية، "إن جميع الأحزاب السياسية ستترشح للانتخابات التشريعية القادمة"، وذلك بناء على معطيات ميدانية، اعتبرت أن نتائج الصندوق ستثبت صحة ما أكدته بكون عدد مرشحي الأحزاب سيكون أكثر من المترشحين بصفة فردية. وذكرت حداد أن من بين الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات وبدأت الاستعدادات عمليا لخوض هذا الاستحقاق حركة النهضة والدستوري الحر، مؤكدة "ترشح هذين الحزبين للانتخابات بقيادات في الصفوف الثانية والثالثة أي بوجوه جديدة وليس بقيادات الصفوف الأولى".

قراءات أخرى لم تختلف عما صرحت به القيادية في حركة الشعب في الغرض، باعتبار أن حزبها سبق أن أعلن مشاركته في الانتخابات في كامل الدوائر الانتخابية، وتذهب هذه القراءات إلى أن قرار المقاطعة الذي تم الترويج له في الإعلام الداخلي والخارجي لا يعدو أن يكون "تمويها" لأن أساس نشاط وبقاء الأحزاب مبني على المشاركة في الحياة السياسية عمليا وميدانيا وهذه مسائل متاحة عبر المشاركة في الانتخابات والمراهنة عبر برامج وتوجهات محددة، على الفوز بمقاعد في البرلمان  أي في المؤسسة التشريعية كما هو الشأن العمل على لعب دور في السلطة التنفيذية وترشيح تمثيليات في مؤسسات الدولة.

لأن نهج "الكراسي الفارغة" يساهم في تهميش ليس الفعل السياسي فحسب وإنما بالأساس الأحزاب السياسية لاسيما في ظل توجه سياسية سعيد إلى تحييد الأحزاب ونجاحه منذ ما يقارب سنة ونصف في سحب البساط من مكونات المشهد السياسي. ليكون للقانون الانتخابي الجديد وما تضمنه من نقطة خلافية لا تزال تثير الجدل، في سياق الانتخاب على الأفراد وإجماع كل الأحزاب السياسية تقريبا على رفضها وانتقادها والمتمثلة في إبعاد الأحزاب من الحملات الانتخابية، سواء تعلق الأمر بالأحزاب الداعمة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية والمشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل أو المقاطعة له على حد السواء.

وهو ما شكل مصدر خوف لدى أغلب مكونات الطبقة السياسية الأمر الذي يدفعها لعدم تفويت فرصة البقاء في دائرة الحكم والقرار ومن ثمة ضمان بقائها وتحركها في الفضاء السياسي عبر خوض غمار الانتخابات بشكل غير مباشر في هذه المرحلة والمراهنة والسعي للفوز بمقاعد في البرلمان المقبل لتكون ورقتها لمواصلة الضغط في مسار معارضتها لسياسية رئيس الجمهورية والتصدي لكل محاولة لإرساء قواعد الجمهورية الجديدة التي يعتبرها رئيس الجمهورية وأنصاره مطلبا إصلاحيا ملحا يقطع مع مطبات المنظومة السابقة بما تحمله من مداخل للفساد ومبادئ المحاصصة وتسخير مؤسسات الدولة والقوانين والتشريعات لخدمة مصالح حزبية وشخصية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية.

منعرج حاسم

وإذا كانت الأحزاب التي كانت مكونة للمنظومة والفاعلة في الصفوف الأولى في المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة قد اختارت على ما يبدو أساليب "المراوغة والتمويه" في التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي القادم في هذه المرحلة المنعرج الحاسمة في تاريخ تونس السياسي المعاصر بما تحمله من إرهاصات الانتقال من مرحلة سياسية لم تتعدى مدتها العقد من الزمن، رغم تأكيدات البعض أن منظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة وشركائها ما بعد ثورة 2011 لم تقطع مع المنظومة السابقة، إلا أن سياسة سعيد استطاعت أن تضبط خارطة تشريعية وتنظيمية قادرة على القطع مع السابق والتأسيس لمرحلة جديدة وفق مقومات ورؤى وبرامج لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض الذي يرتقي إلى حد المجازفة على نحو جعل هاجس الخوف من الجمهورية الجديدة يسيطر على الطبقة السياسية كما القواعد الشعبية لاسيما في ظل الصعوبات والأزمات التي تمر به بلادنا اقتصاديا واجتماعيا.

لكن جهات سياسية أخرى اختارت الصمت والابتعاد عن دائرة النشاط والتحرك سواء بالتأييد أو الرفض للمسار، على غرار "تحيا تونس" و"نداء تونس" بدأت تطالعنا بعض الأسماء التي تعد  ضمن صفوفها الأولى وكان بعضها عضوا بالبرلمان المنحل دخلت على خط التحرك والتحضير لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، خاصة أن محكمة المحاسبات لم تحسم بعد في القضايا المرفوعة حول التجاوزات المسجلة ضد بعض الأحزاب والأسماء في الانتخابات التشريعية 2019، والبدء في التحرك الميداني لجمع التزكيات.

فمؤشرات عديدة تبين أن البرلمان القادم سوف لن يقطع مع المكونات الحزبية والسياسية التي كانت تكون المشهد السياسي في العشرية الماضية مثلما ذهب إلى ذلك البعض في قراءته لتوجه سياسية سعيد لتغيير قواعد اللعبة السياسية، بل أن عوامل عديدة ترشح إلى عودة وصعود أسماء سياسية إلى قصر قبة بادرو من جديد وعبر صناديق الاقتراع. وهو العال الذي يجعل مسألة المقاطعة والرفض والجدل القائم حول المسار والدستور والجمهورية الجديدة والقوانين والمنظومة الجديدة التي لا تزال بصدد التشكل، مجرد "مواقف" سياسية تحسب لأصحابها في حين أن هؤلاء الرافضون غير مستعدين عمليا لمغادرة الحياة السياسية مهما كانت سياقاتها وقواعد لعبتنها.

نزيهة الغضباني

أعلنت مقاطعتها الانتخابات التشريعية: الأحزاب المعارضة .. هل راوغت الرأي العام؟

تونس – الصباح

لئن أعلن ما يقارب 16 حزبا سياسيا عن مقاطعته الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها المقرر تنظيمها يوم 17 ديسمبر المقبل من خلال إصدار بيانات تعلن فيها عن قرار المقاطعة ورفض المسار الجديد المنبثق عن دستور جمهورية 2022 شكلا ومضمونا، فإن قراءات ومواقف أطراف سياسية ومتابعين للشأن العام في تونس تؤكد أن مسألة مقاطعة هذه الأحزاب والتيارات السياسية، هي مجرد موقف يسوق له للرأي العام والخاص في الداخل والخارج في سياق الصراع والمناورات والضغوط السياسية على رئيس الجمهورية قيس سعيد انسجاما مع موقفها المعارض للمسار الذي يقوده، في حين أن عديد المؤشرات والمعطيات تبين وجود حركية واستعدادات لدخول البرلمان الجديد في "كواليس" هذه الأحزاب لاسيما منها التي كانت طرفا في منظومة الحكم أو الفاعلة والناشطة في المشهد السياسي خلال عشرية ما قبل 25 جويلية 2021.

ويذكر أن ليلى حداد القيادية في القيادية في حركة الشعب، أكدت أثناء حضورها في أحد البرامج الإذاعية، "إن جميع الأحزاب السياسية ستترشح للانتخابات التشريعية القادمة"، وذلك بناء على معطيات ميدانية، اعتبرت أن نتائج الصندوق ستثبت صحة ما أكدته بكون عدد مرشحي الأحزاب سيكون أكثر من المترشحين بصفة فردية. وذكرت حداد أن من بين الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات وبدأت الاستعدادات عمليا لخوض هذا الاستحقاق حركة النهضة والدستوري الحر، مؤكدة "ترشح هذين الحزبين للانتخابات بقيادات في الصفوف الثانية والثالثة أي بوجوه جديدة وليس بقيادات الصفوف الأولى".

قراءات أخرى لم تختلف عما صرحت به القيادية في حركة الشعب في الغرض، باعتبار أن حزبها سبق أن أعلن مشاركته في الانتخابات في كامل الدوائر الانتخابية، وتذهب هذه القراءات إلى أن قرار المقاطعة الذي تم الترويج له في الإعلام الداخلي والخارجي لا يعدو أن يكون "تمويها" لأن أساس نشاط وبقاء الأحزاب مبني على المشاركة في الحياة السياسية عمليا وميدانيا وهذه مسائل متاحة عبر المشاركة في الانتخابات والمراهنة عبر برامج وتوجهات محددة، على الفوز بمقاعد في البرلمان  أي في المؤسسة التشريعية كما هو الشأن العمل على لعب دور في السلطة التنفيذية وترشيح تمثيليات في مؤسسات الدولة.

لأن نهج "الكراسي الفارغة" يساهم في تهميش ليس الفعل السياسي فحسب وإنما بالأساس الأحزاب السياسية لاسيما في ظل توجه سياسية سعيد إلى تحييد الأحزاب ونجاحه منذ ما يقارب سنة ونصف في سحب البساط من مكونات المشهد السياسي. ليكون للقانون الانتخابي الجديد وما تضمنه من نقطة خلافية لا تزال تثير الجدل، في سياق الانتخاب على الأفراد وإجماع كل الأحزاب السياسية تقريبا على رفضها وانتقادها والمتمثلة في إبعاد الأحزاب من الحملات الانتخابية، سواء تعلق الأمر بالأحزاب الداعمة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية والمشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل أو المقاطعة له على حد السواء.

وهو ما شكل مصدر خوف لدى أغلب مكونات الطبقة السياسية الأمر الذي يدفعها لعدم تفويت فرصة البقاء في دائرة الحكم والقرار ومن ثمة ضمان بقائها وتحركها في الفضاء السياسي عبر خوض غمار الانتخابات بشكل غير مباشر في هذه المرحلة والمراهنة والسعي للفوز بمقاعد في البرلمان المقبل لتكون ورقتها لمواصلة الضغط في مسار معارضتها لسياسية رئيس الجمهورية والتصدي لكل محاولة لإرساء قواعد الجمهورية الجديدة التي يعتبرها رئيس الجمهورية وأنصاره مطلبا إصلاحيا ملحا يقطع مع مطبات المنظومة السابقة بما تحمله من مداخل للفساد ومبادئ المحاصصة وتسخير مؤسسات الدولة والقوانين والتشريعات لخدمة مصالح حزبية وشخصية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية.

منعرج حاسم

وإذا كانت الأحزاب التي كانت مكونة للمنظومة والفاعلة في الصفوف الأولى في المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة قد اختارت على ما يبدو أساليب "المراوغة والتمويه" في التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي القادم في هذه المرحلة المنعرج الحاسمة في تاريخ تونس السياسي المعاصر بما تحمله من إرهاصات الانتقال من مرحلة سياسية لم تتعدى مدتها العقد من الزمن، رغم تأكيدات البعض أن منظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة وشركائها ما بعد ثورة 2011 لم تقطع مع المنظومة السابقة، إلا أن سياسة سعيد استطاعت أن تضبط خارطة تشريعية وتنظيمية قادرة على القطع مع السابق والتأسيس لمرحلة جديدة وفق مقومات ورؤى وبرامج لا يزال يكتنفها الكثير من الغموض الذي يرتقي إلى حد المجازفة على نحو جعل هاجس الخوف من الجمهورية الجديدة يسيطر على الطبقة السياسية كما القواعد الشعبية لاسيما في ظل الصعوبات والأزمات التي تمر به بلادنا اقتصاديا واجتماعيا.

لكن جهات سياسية أخرى اختارت الصمت والابتعاد عن دائرة النشاط والتحرك سواء بالتأييد أو الرفض للمسار، على غرار "تحيا تونس" و"نداء تونس" بدأت تطالعنا بعض الأسماء التي تعد  ضمن صفوفها الأولى وكان بعضها عضوا بالبرلمان المنحل دخلت على خط التحرك والتحضير لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، خاصة أن محكمة المحاسبات لم تحسم بعد في القضايا المرفوعة حول التجاوزات المسجلة ضد بعض الأحزاب والأسماء في الانتخابات التشريعية 2019، والبدء في التحرك الميداني لجمع التزكيات.

فمؤشرات عديدة تبين أن البرلمان القادم سوف لن يقطع مع المكونات الحزبية والسياسية التي كانت تكون المشهد السياسي في العشرية الماضية مثلما ذهب إلى ذلك البعض في قراءته لتوجه سياسية سعيد لتغيير قواعد اللعبة السياسية، بل أن عوامل عديدة ترشح إلى عودة وصعود أسماء سياسية إلى قصر قبة بادرو من جديد وعبر صناديق الاقتراع. وهو العال الذي يجعل مسألة المقاطعة والرفض والجدل القائم حول المسار والدستور والجمهورية الجديدة والقوانين والمنظومة الجديدة التي لا تزال بصدد التشكل، مجرد "مواقف" سياسية تحسب لأصحابها في حين أن هؤلاء الرافضون غير مستعدين عمليا لمغادرة الحياة السياسية مهما كانت سياقاتها وقواعد لعبتنها.

نزيهة الغضباني