منذ تاريخ الإعلان في 25 جويلية 1957 عن إلغاء نظام الحكم الملكي في تونس وتغييره إلى جمهوري، أصبح الاحتفال رسميا ووطنيا بهذه المناسبة الفارقة في تاريخ تونس. لكن علاقة الرؤساء السبعة الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم بما في ذلك الرئيس الحالي للجمهورية قيس سعيد، بهذا العيد الوطني كثيرا ما أثارت جدلا في أوساط مختلفة لاسيما ما تعلق برؤساء الجمهورية الذين تداولوا على السلطة في فترة ما بعد ثورة 2011، إذ مرت أغلب المنسبات وسط احتفالات محتشمة أو مرت كسائر الأيام في غياب تام لمظاهر الاحتفالية الأمر الذي أثار مخاوف عدد كبير من التونسيين على مكاسب الدولة الحديثة، باعتبار أن الفترة السابقة تقاسم فيها الحكم كل من الراحلين الحبيب بورقيبة من 1957 إلى سنة 1987، وزين العابدين بن علي منذ نهاية أو قرار إنهاء حكم سابقه إلى غاية جانفي 2011. لذلك شكلت هذه الذكرى عاملا هاما في تحديد علاقة الرؤساء بالدولة والمواطنين.
إذ شكل الاحتفال بهذه الذكرى عاملا هاما لنجاح بورقيبة في تكريس الروح الوطنية وحب الوطن لدى أجيال وفئات واسعة من المجتمع التونسي على امتداد عقود من الزمن بعد أن أضفى عليها طابعا احتفاليا وطنيا كبيرا تشمل الاحتفالات به كامل جهات الجمهورية، وواصل الراحل بن علي نفس السياسة في الاحتفال بهذه الذكرى كسائر الأعياد الوطنية ليقينه بأهمية الاحتفال بهذه هذه الأعياد وعلاقة التونسيين بها. لكن اهتزاز علاقة الرؤساء الذين جاؤوا بعدهما بهذه المناسبات كانت له تداعياته على حظوتهم لدى المواطنين.
فكان المنعرج الحاسم في علاقة السلطات وتحديدا رئاسة الجمهورية بهذه العيد منذ فترة تولي فؤاد المبزع لرئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة سنة 2011، إذ مرت الذكرى 54 لهذه المناسبة باهتة فاترة وكأنه يوم عادي، حيث اختفت الأعلام وكل الأشكال أو المظاهر الاحتفالية، وسط صمت سياسي وحزبي مطبق. ليتحول في فترة رئاسة منصف المرزوقي الذي تولى المنصب بصفة مؤقتة أيضا من ديسمبر 2011 إلى نفس الشهر من سنة 2014، إلى مناسبة اكتفى فيها بالإعلان عن العفو على المساجين لا غير، خاصة أنها تزامنت مع فترة صعود حزب حركة النهضة لتقود الحكم بمعية مجموعة من الأحزاب الأخرى التي تحكمها نزعة القطع مع كل ما له صلة بمنظومة الحكم السابقة. الأمر الذي أثار مخاوف أغلب التونسيين من مخاطر المساس بنظام الحكم والخوف من إمكانية تغييره لاسيما في ظل ما عرفته بلادنا من ظواهر ومظاهر لتغيير النمط المجتمعي التونسي ونشر ثقافة ومظاهر اعتبرها البعض دخيلة وغريبة عن النمط التونسي. فكانت الاحتفالات بهذا العيد الوطني تمر كغيرها من المناسبات والأعياد الوطنية الأخرى باهتة لا لون ولا رائحة لها باستثناء ما تأتيه بعض التحركات والأنشطة المدنية المتشبثة بالدفاع عن الأعياد والخصوصية التونسية للجمهورية التونسية في تلك الفترة.
الباجي..وقدسية 25 جويلية حتى في رحيله
لكن وبعد صعود الراحل الباجي قائد السبسي للحكم في أول انتخابات رئاسية في تونس ما بعد الثورة، كان أن أعاد الاعتبار لهذه المناسبة، على نحو بدد مخاوف المدافعين عن النظام الجمهوري ووضع حد لمطامع الراغبين وذوي نزعة تغيير نظام الحكم في تونس خاصة أنه تزامن مع فترة عرفت أحداثا إرهابية واغتيالات وتحركات واحتجاجات كان لها وقع كبير على مستويات اجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية واقتصادية.
فكان في إصرار الراحل قائد السبسي على الاحتفال بعيد الجمهورية كغيره من سائر الأعياد والمناسبات الوطنية بمثابة طمأنة للرأي العام وطنيا وخارجيا بأنه ليس هناك مجال لتغيير نظام الحكم في تونس خاصة أنه تزامن أيضا مع تطورات في أنظمة الحكمة في بلدان عربية ومغاربية وامتداد الفكر الداعشي ووصوله إلى التحكم في مواقع الحكم والقرار في بعض البلدان وما خلفه من خسائر في الأرواح ودمار فكري وثقافي ومادي على غرار العراق وسوريا وليبيا.ثم ليكون رحيل الباحي قائد السبسي عن هذه الدنيا يوم 25 جويلية من سنة 2019. وكان المنعرج الأكثر حسما في الاحتفال بهذه الذكرى إثر صعود الرئيس الحالي قيسي سعيد للحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية سنة 2019.
المنعرج الحاسم
ولئن نجح قيس سعيد في تحويل هذه المناسبة إلى لحظة تاريخية فارقة في تاريخ تونس المعاصر في الذكرى 64 لعيد الجمهورية، بعد وضع حد للبرلمان والحكومة إثر اتخاذه قرار تجميد السلطة الشريعية في مرحلة أولى فحلها في مرحلة ثانية وإقالة رئيس الحكومة هشام مشيشي يوم 25 جويلية 2021، فإن علاقته بهذه المناسبة لم تكن مختلفة عما كان عليه الأمر في فترة حكم رؤساء الجمهورية ما بعد ثورة 2011. لأنه لم يشارك في الاحتفال بالذكرى 63 لعيد الجمهورية التي تزامنت مع 25 جويلية 2020 في ظل تفشي جائحة كوفيد 19 العالمية واحتدام الصراع والخلافات السياسية بين سعيد من ناحية ورئيسي البرلمان والحكومة من ناحية ثانية. إذ غابت أيضا كل مظاهر الاحتفالية واكتفى سعيد خلال هذه المناسبة بالتوجه إلى مقبرة لزيارة مقبرة الجلاز حيث تلا فاتحة الكتاب ترحما على روحي الشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد، بروضة الزعماء، كما تلا فاتحة الكتاب ترحما على روحي زعيمي الحركة الوطنية صالح بن يوسف وأحمد التليلي والراحل الباجي قائد السبسي. فيما أعلنت رئاسة البرلمان عن إلغاء الاحتفال بهذه المناسبة التي تعد هامة يتحول فيها رئيس الجمهورية إلى البرلمان.
وقد كانت هذه لمناسبة محرارا لدى البعض لقياس مدى علاقة الرؤساء بالدولة المدنية وأواصر الجمهورية التي تأسست عليها الدولة البورقيبية الحديثة.
د.خالد عبيد لـ"الصباح": يوم 25 جويلية منعرج الرؤساء.. بداية مجدهم أو إيذان بأفولهم
يذهب د.خالد عبيد، المختص في التاريخ المعاصر، إلى أنه قد تعتبر الذاكرة الجماعية للتونسيين يوم 25 جويلية يوما منعرجا تنتظر منه تغييرات قد تكون جذرية تماما كما التقط التونسيون شهر جانفي من كلّ سنة وعدّوه شهر الاحتجاجات وهو أمر يعود إلى الفترة الاستعمارية. لكن يمكن اعتبار يوم 25 جويلية منعرج الرؤساء، قد يكون بداية مجدهم كما قد يكون إيذانا بأفولهم.
فقد كان يوم 25 جويلية 1957 نهاية للملكية في تونس التي تواصلت لأكثر من قرنين ونصف قرن وبداية لعهد الجمهورية المتواصلة إلى الآن، وقد عدّ الرئيس الأوّل للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة ذلك اليوم تاريخيا إذ تمّ القطع مع الماضي وكلّ ما يمثله من هنات أدّت إلى وقوع تونس في براثن الاستعمار الأوروبي، والبدء في مرحلة جديدة تؤسّس لـ"الأمّة التونسية".
وبين أن الرؤساء الذين تعاقبوا على تونس حرصوا على الاحتفال بهذا اليوم بدءًا بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي وفؤاد المبزّع والمنصف المرزوقي وإن بتفاوت كبير، لكن أعطى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي روْنقًا آخر لهذا اليوم وحرصًا أكبر على الاحتفال به والتذكير بدور رجالات الدولة الوطنية في إرساء الكيان التونسي وتكريم من ساهموا في بناء الجمهورية.
وكأنّ الرئيس الراحل قائد السبسي قد استشعر أنّ هذا اليوم، يوم 25 جويلية سيرتبط به إلى الأبد، إذ بات مقترنا بذكرى وفاته سنة 2019، وكأنّه أراد أن يعانق إلى الأخير حرصه على الاحتفال بهذا اليوم الذي كان شاهدا عليه وعلى مراحله.
لكنه يرى أن للرئيس قيس سعيد رأيا آخر، إذ وإن اعتبر يوم 25 جويلية عيدا للجمهورية يقع الاحتفال به إلاّ أنّه يعتبر يوم 17 ديسمبر 2010 هو اليوم الرمز الذي لا يمكن لأيّ احتفال آخر أو يوم آخر أن يضاهيه في القيمة، ولم يمنعه ذلك من أن يعتبر يوم 25 جويلية يوما استثنائيا لديه، وذلك من خلال الدفع أن يكون مقترنا به أكثر من أن يكون مقترنا بذكرى إعلان الجمهورية، وذلك من خلال القرارات التي اتخذها يوم 25 جويلية 2021 وخاصّة من خلال الإصرار أن يكون يوم 25 جويلية 2022 يوم الاستفتاء على مشروع الدستور وما يعنيه ذلك من اعتباره منعرجا تاريخيا سيتمكّن من خلاله من تمرير برنامجه وتحقيق أمانيه والتي تجلّت في مشروع الدستور المعروض على التونسيين يوم 25 جويلية بالذات. وهو يعتبر أنه لا احد يدري حقيقة هل سيصل الأمر في قادم السنوات أو الاحتفالات إلى اعتبار يوم 25 جويلية يوم ميلاد "الجمهورية الجديدة" وما يعنيه من قطع نهائي أو باتّ مع الجمهورية الأصل؟ أم ستقع المحافظة على الإرث الجمهوري من خلال حكر يوم 25 جويلية على ذكرى تأسيس الجمهورية التونسية أو الكيان التونسي الحديث؟
الإجابة ستحملها إلينا الأيّام القادمة بالتأكيد!
نزيهة العضباني
تونس – الصباح
منذ تاريخ الإعلان في 25 جويلية 1957 عن إلغاء نظام الحكم الملكي في تونس وتغييره إلى جمهوري، أصبح الاحتفال رسميا ووطنيا بهذه المناسبة الفارقة في تاريخ تونس. لكن علاقة الرؤساء السبعة الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم بما في ذلك الرئيس الحالي للجمهورية قيس سعيد، بهذا العيد الوطني كثيرا ما أثارت جدلا في أوساط مختلفة لاسيما ما تعلق برؤساء الجمهورية الذين تداولوا على السلطة في فترة ما بعد ثورة 2011، إذ مرت أغلب المنسبات وسط احتفالات محتشمة أو مرت كسائر الأيام في غياب تام لمظاهر الاحتفالية الأمر الذي أثار مخاوف عدد كبير من التونسيين على مكاسب الدولة الحديثة، باعتبار أن الفترة السابقة تقاسم فيها الحكم كل من الراحلين الحبيب بورقيبة من 1957 إلى سنة 1987، وزين العابدين بن علي منذ نهاية أو قرار إنهاء حكم سابقه إلى غاية جانفي 2011. لذلك شكلت هذه الذكرى عاملا هاما في تحديد علاقة الرؤساء بالدولة والمواطنين.
إذ شكل الاحتفال بهذه الذكرى عاملا هاما لنجاح بورقيبة في تكريس الروح الوطنية وحب الوطن لدى أجيال وفئات واسعة من المجتمع التونسي على امتداد عقود من الزمن بعد أن أضفى عليها طابعا احتفاليا وطنيا كبيرا تشمل الاحتفالات به كامل جهات الجمهورية، وواصل الراحل بن علي نفس السياسة في الاحتفال بهذه الذكرى كسائر الأعياد الوطنية ليقينه بأهمية الاحتفال بهذه هذه الأعياد وعلاقة التونسيين بها. لكن اهتزاز علاقة الرؤساء الذين جاؤوا بعدهما بهذه المناسبات كانت له تداعياته على حظوتهم لدى المواطنين.
فكان المنعرج الحاسم في علاقة السلطات وتحديدا رئاسة الجمهورية بهذه العيد منذ فترة تولي فؤاد المبزع لرئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة سنة 2011، إذ مرت الذكرى 54 لهذه المناسبة باهتة فاترة وكأنه يوم عادي، حيث اختفت الأعلام وكل الأشكال أو المظاهر الاحتفالية، وسط صمت سياسي وحزبي مطبق. ليتحول في فترة رئاسة منصف المرزوقي الذي تولى المنصب بصفة مؤقتة أيضا من ديسمبر 2011 إلى نفس الشهر من سنة 2014، إلى مناسبة اكتفى فيها بالإعلان عن العفو على المساجين لا غير، خاصة أنها تزامنت مع فترة صعود حزب حركة النهضة لتقود الحكم بمعية مجموعة من الأحزاب الأخرى التي تحكمها نزعة القطع مع كل ما له صلة بمنظومة الحكم السابقة. الأمر الذي أثار مخاوف أغلب التونسيين من مخاطر المساس بنظام الحكم والخوف من إمكانية تغييره لاسيما في ظل ما عرفته بلادنا من ظواهر ومظاهر لتغيير النمط المجتمعي التونسي ونشر ثقافة ومظاهر اعتبرها البعض دخيلة وغريبة عن النمط التونسي. فكانت الاحتفالات بهذا العيد الوطني تمر كغيرها من المناسبات والأعياد الوطنية الأخرى باهتة لا لون ولا رائحة لها باستثناء ما تأتيه بعض التحركات والأنشطة المدنية المتشبثة بالدفاع عن الأعياد والخصوصية التونسية للجمهورية التونسية في تلك الفترة.
الباجي..وقدسية 25 جويلية حتى في رحيله
لكن وبعد صعود الراحل الباجي قائد السبسي للحكم في أول انتخابات رئاسية في تونس ما بعد الثورة، كان أن أعاد الاعتبار لهذه المناسبة، على نحو بدد مخاوف المدافعين عن النظام الجمهوري ووضع حد لمطامع الراغبين وذوي نزعة تغيير نظام الحكم في تونس خاصة أنه تزامن مع فترة عرفت أحداثا إرهابية واغتيالات وتحركات واحتجاجات كان لها وقع كبير على مستويات اجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية واقتصادية.
فكان في إصرار الراحل قائد السبسي على الاحتفال بعيد الجمهورية كغيره من سائر الأعياد والمناسبات الوطنية بمثابة طمأنة للرأي العام وطنيا وخارجيا بأنه ليس هناك مجال لتغيير نظام الحكم في تونس خاصة أنه تزامن أيضا مع تطورات في أنظمة الحكمة في بلدان عربية ومغاربية وامتداد الفكر الداعشي ووصوله إلى التحكم في مواقع الحكم والقرار في بعض البلدان وما خلفه من خسائر في الأرواح ودمار فكري وثقافي ومادي على غرار العراق وسوريا وليبيا.ثم ليكون رحيل الباحي قائد السبسي عن هذه الدنيا يوم 25 جويلية من سنة 2019. وكان المنعرج الأكثر حسما في الاحتفال بهذه الذكرى إثر صعود الرئيس الحالي قيسي سعيد للحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية سنة 2019.
المنعرج الحاسم
ولئن نجح قيس سعيد في تحويل هذه المناسبة إلى لحظة تاريخية فارقة في تاريخ تونس المعاصر في الذكرى 64 لعيد الجمهورية، بعد وضع حد للبرلمان والحكومة إثر اتخاذه قرار تجميد السلطة الشريعية في مرحلة أولى فحلها في مرحلة ثانية وإقالة رئيس الحكومة هشام مشيشي يوم 25 جويلية 2021، فإن علاقته بهذه المناسبة لم تكن مختلفة عما كان عليه الأمر في فترة حكم رؤساء الجمهورية ما بعد ثورة 2011. لأنه لم يشارك في الاحتفال بالذكرى 63 لعيد الجمهورية التي تزامنت مع 25 جويلية 2020 في ظل تفشي جائحة كوفيد 19 العالمية واحتدام الصراع والخلافات السياسية بين سعيد من ناحية ورئيسي البرلمان والحكومة من ناحية ثانية. إذ غابت أيضا كل مظاهر الاحتفالية واكتفى سعيد خلال هذه المناسبة بالتوجه إلى مقبرة لزيارة مقبرة الجلاز حيث تلا فاتحة الكتاب ترحما على روحي الشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد، بروضة الزعماء، كما تلا فاتحة الكتاب ترحما على روحي زعيمي الحركة الوطنية صالح بن يوسف وأحمد التليلي والراحل الباجي قائد السبسي. فيما أعلنت رئاسة البرلمان عن إلغاء الاحتفال بهذه المناسبة التي تعد هامة يتحول فيها رئيس الجمهورية إلى البرلمان.
وقد كانت هذه لمناسبة محرارا لدى البعض لقياس مدى علاقة الرؤساء بالدولة المدنية وأواصر الجمهورية التي تأسست عليها الدولة البورقيبية الحديثة.
د.خالد عبيد لـ"الصباح": يوم 25 جويلية منعرج الرؤساء.. بداية مجدهم أو إيذان بأفولهم
يذهب د.خالد عبيد، المختص في التاريخ المعاصر، إلى أنه قد تعتبر الذاكرة الجماعية للتونسيين يوم 25 جويلية يوما منعرجا تنتظر منه تغييرات قد تكون جذرية تماما كما التقط التونسيون شهر جانفي من كلّ سنة وعدّوه شهر الاحتجاجات وهو أمر يعود إلى الفترة الاستعمارية. لكن يمكن اعتبار يوم 25 جويلية منعرج الرؤساء، قد يكون بداية مجدهم كما قد يكون إيذانا بأفولهم.
فقد كان يوم 25 جويلية 1957 نهاية للملكية في تونس التي تواصلت لأكثر من قرنين ونصف قرن وبداية لعهد الجمهورية المتواصلة إلى الآن، وقد عدّ الرئيس الأوّل للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة ذلك اليوم تاريخيا إذ تمّ القطع مع الماضي وكلّ ما يمثله من هنات أدّت إلى وقوع تونس في براثن الاستعمار الأوروبي، والبدء في مرحلة جديدة تؤسّس لـ"الأمّة التونسية".
وبين أن الرؤساء الذين تعاقبوا على تونس حرصوا على الاحتفال بهذا اليوم بدءًا بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي وفؤاد المبزّع والمنصف المرزوقي وإن بتفاوت كبير، لكن أعطى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي روْنقًا آخر لهذا اليوم وحرصًا أكبر على الاحتفال به والتذكير بدور رجالات الدولة الوطنية في إرساء الكيان التونسي وتكريم من ساهموا في بناء الجمهورية.
وكأنّ الرئيس الراحل قائد السبسي قد استشعر أنّ هذا اليوم، يوم 25 جويلية سيرتبط به إلى الأبد، إذ بات مقترنا بذكرى وفاته سنة 2019، وكأنّه أراد أن يعانق إلى الأخير حرصه على الاحتفال بهذا اليوم الذي كان شاهدا عليه وعلى مراحله.
لكنه يرى أن للرئيس قيس سعيد رأيا آخر، إذ وإن اعتبر يوم 25 جويلية عيدا للجمهورية يقع الاحتفال به إلاّ أنّه يعتبر يوم 17 ديسمبر 2010 هو اليوم الرمز الذي لا يمكن لأيّ احتفال آخر أو يوم آخر أن يضاهيه في القيمة، ولم يمنعه ذلك من أن يعتبر يوم 25 جويلية يوما استثنائيا لديه، وذلك من خلال الدفع أن يكون مقترنا به أكثر من أن يكون مقترنا بذكرى إعلان الجمهورية، وذلك من خلال القرارات التي اتخذها يوم 25 جويلية 2021 وخاصّة من خلال الإصرار أن يكون يوم 25 جويلية 2022 يوم الاستفتاء على مشروع الدستور وما يعنيه ذلك من اعتباره منعرجا تاريخيا سيتمكّن من خلاله من تمرير برنامجه وتحقيق أمانيه والتي تجلّت في مشروع الدستور المعروض على التونسيين يوم 25 جويلية بالذات. وهو يعتبر أنه لا احد يدري حقيقة هل سيصل الأمر في قادم السنوات أو الاحتفالات إلى اعتبار يوم 25 جويلية يوم ميلاد "الجمهورية الجديدة" وما يعنيه من قطع نهائي أو باتّ مع الجمهورية الأصل؟ أم ستقع المحافظة على الإرث الجمهوري من خلال حكر يوم 25 جويلية على ذكرى تأسيس الجمهورية التونسية أو الكيان التونسي الحديث؟