إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: ويظل الوطن، عصي على القهر !

بقلم: مختار اللواتي

سعدت عشية أمس الأول، الجمعة، بحضور مناسبتين ثقافيتين جدّ مهمتين في تقديري، أزالتا عن صدري نصيبا غير قليل من الكدر والغمّ الذي ماانفك ينغّص حياتنا في بلدنا، وبالذات في صفاقس..

تمثلت المناسبة الأولى في انطلاق الدورة الأولى لمهرجان "أثير أدب الطفولة" التي استمرت يومين بمشاركة نخبة من الأساتذة الباحثين، من تونس ومن العراق، يتقدمهم الأستاذ الجليل أحمد السماوي. وقد عرضت في الجلسة الافتتاحية تلك، مداخلات متنوعةُ الطرح ولكنها تصب جميعُها في مَحملٍ واحد، هو إبراز أهمية وحساسية أدب الطفل وما يتطلبه من عناية ودرس، ومن مستوىً ثقافيٍ وبيداغوجي وتنويري للمشتغلين عليه، حتى يكون لهذا الصنف من الأدب نفعُه المرتجى في الإسهام في تنشئة فكر وسلوك الطفل على أسس بناءة تحقق له استقلالية شخصيته وانفتاحَه على محيطه وعالمه وحسنَ التفاعل مع الآخر، مهما كان نوعه، من قريب أو من بعيد. وبروح تواقة للبناء وللمحبة لا للكراهية والتعصب..

وقد جمع برنامج اليوم الثاني للملتقى بالأمس السبت، تقديم مزيد من المداخلات، مع شهادات لعدد من الأطراف المشتغلة على أدب الطفل، من كُتاب وناشرين ورسامين وغيرهم، عرضوا فيها تجاربهم وما يلقونه من متاعب متنوعة. وخصوصا شهادات لأطفال حول ما قرأوه ومايفضلونه من إنتاجٍ يكون موجها إليهم.

ولا يختلف اثنان عاقلان في أن هذه المحاور تستحق أن تكون في طليعة اهتمام خبراء بلدنا من كل الاختصاصات، إذا ما قُدّر للقائمين على شؤون الدولة يوما، أو للظروف، أن تجمعهم في ملتقى مغلق لوضع استراتيجية دقيقة وعلمية لما يمكن ويجب أن تكون عليه تونس في المستقبل، مثلما سبق واقترحته منذ أسابيع في احد مقالاتي على صفحات جريدة الصباح. وقد اشترك في تنظيم هذا الملتقى كل من المكتبة العمومية بصفاقس وجمعية الخنساء الثقافية بصفاقس أيضا. فلهما معاً، كل الشكر على هذه البادرة التي تَعِد بالكثير.

والأكيد أن هناك ورقاتٍ بحثية عُرضت في مناسبات متعددة، مثل الندوات والملتقيات، عرض فيها أصحابها من أهل الاختصاص رؤاهم بشأن السبل الأنجع للنهوض ببلدنا من نواحٍ عديدة، وهي رؤى ووجهاتُ نظر قيمة مبنية على درسٍ وتمحيص، لاشك تستحق هي الأحرى أن تحظى بالاهتمام وتعميق الدرس في ذاك الملتقى الوطني لنخبة خبراء البلد الأكثر كفاءة، لإعداد تلك الإستراتيجية التي لاغنىً عنها، وليست بدعةً، لرسم رؤية واضحة لمستقبل أجيالنا القادمة. وهو ما جرى ويجري العمل به في الدول المتقدمة التي أضعنا كثيرا من الوقت ومن الفرص لنكون بينها. وتلك قضية أخرى..

وقد سرني، في ذات هذا السياق، أن قرأت بالأمس السبت، على جدار أحد أصدقائي الافتراضيين، الأستاذ مراد بهلول، جملة من الأسئلة الإنكارية كانت مدخلا أو مقدمة لمداخلة عرضها في إطار ندوة تم تنظيمها يوم الجمعة جوان17، أمس الأول كذلك، بالتعاون بين المعهد العربي لحقوق الإنسان وجامعة صفاقس.

ولأهمية تلك الأسئلة أعرضها كما كتبها الأستاذ مراد. وهي "هل ترتقي البحوث العلمية في التربية والتعليم إلى مستوى الخيارات الوطنية الاستراتيجية ؟ هل تمثل التربية وهل يمثل التعليم إحدى المجالات الاستراتيجية في سياسات البحث الأكاديمي ؟ ألا ينبغي ان يمثل الاستثمار في تطوير البحث التربوي إحدى اهم الأولويات الوطنية ؟ هل يمكن لمجتمع ما ان يطور أمنه القومي وان يحقق الأمن والسلم الاجتماعي والرفاهية و تطوير اقتصاده ومنظومته الصحية وكل مجالاته الحيوية دون تطوير مشروعه التربوي"؟

آتي بعد هذا إلى المناسبة الثانية وقد انتظمت يوم أمس الأول الجمعة كذلك، بفندق الحدادين بالمدينة العتيقة بصفاقس، ونظمتها جمعية "مجيدة بوليلة للحداثة" بتيسير من دار الثقافة بسوق الحدادين وتحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة. وتمثلت في تقديم كتابين على غاية من الأهمية، العنصر الجامع بينهما امرأتان باحثتان متمكنتان من أدوات عملهما وعميقتا القناعة بما أنجزتاه، كل منهما على حدة. ومن المثير للدهشة والإنتباه، أنه مضى على إتمام الكتابين البحثين، ما يقارب العشرين سنو. ولم يريا النور إلا اليوم بمراهنة من دار محمد علي الحامي للنشر.

وإذا كان من السمات الأصيلة للباحث الجاد والمتمكن، الجديةُ والصبرُ والشجاعة في طرق الأبواب الموصدة ودخول المناطق الملغمة، إن لزم الأمر، والاستعدادُ لتلقي الهجمات من الأصدقاء قبل المناوئين والمعادين لكل تحليق خارج السرب، على السواء، فإن الباحثتين هاجر المنصوري وحياة اليعقوبي قد اجتمعت فيهما كل تلك الصفات وأكثر، عن جدارةٍ أبهرتني شخصيا وأنا أتابع التقديم لهما تباعا ولكتابيهما من الأستاذين الباحثين كذلك محمد السويلمي وعبد الجبار الرقيقي، بأسلوب لكليهما جمع بين ثراء وغزارة المعلومة وحسن تقديمها. برئاسةٍ سلسة للقاء من الحقوقي المتمرس، الأستاذ مكي الجزيري.

وقد حمل كتاب الباحثة هاجر المنصوري عنوانا لافتا وغيرَ مألوف من البداية، هو "رواية الحديث بتاء التأنيث". وقد رسمت الباحثة هدفا رئيسا له، مثلما كُتب على غلافه الأخير، هو توضيح قيمة "رواية النساء للحديث"(أي الحديث النبوي)، ومحاولة إعطاء تلك الرواية "أحقية" و"حجيةً" من خلال استقراء ما ورد في "الصحيحين" لمسلم وللبخاري. وأضاف الناشران على نفس الغلاف، وهما دار محمد علي الحامي التونسية، ومؤسسة الانتشار العربي اللبنانية، أن الكاتبة "أثبتت من خلال أغلب فقرات الكتاب، أن النساء تتنزلن ضمن أعلى طبقات الرواة. وروايتهن لاتقبل النقد ولا التجريج"

أما الكتاب الثاني، وهو للباحثة حياة اليعقوبي، فحمل عنوانا إشكاليا، بمجمله وبتركيبتيه. ولا يخلو هو الآخر من أخذ ورد وجدل مزمن في أوساط النخب، الأصولية والمستنيرة على حد سواء، منذ زمن وإلى اليوم، وهو "الضوابط التأويلية للنص الديني عند المعتزلة والأشاعرة"

ومما جاء في ظهر الغلاف عن الكاتبة والكتاب، أنها قد حددت في بحثها المعمق، منهجا "ينطلق من التقصي بالاعتماد على النصوص الأصلية، وأساسها النص القرآني، لتصل بنا في بحثها إلى معرفة أسس نظرية التأويل عند الأشاعرة والمتكلمين والمعتزلة بالذات"

وكم تمنيت وأنا متابع لمختلف ردهات هذا اللقاء الثري والعميق، أن ينبثق مشروع تنويري متكامل يفتح الأبواب المغلقة وينزع الألغام عن المناطق المحجَّرة كي ينتفع أوسع قدر من الناس بما يحرر عقولهم وينزع الحوف عنهم..

 

 

 

منتدى الصباح: ويظل الوطن، عصي على القهر !

بقلم: مختار اللواتي

سعدت عشية أمس الأول، الجمعة، بحضور مناسبتين ثقافيتين جدّ مهمتين في تقديري، أزالتا عن صدري نصيبا غير قليل من الكدر والغمّ الذي ماانفك ينغّص حياتنا في بلدنا، وبالذات في صفاقس..

تمثلت المناسبة الأولى في انطلاق الدورة الأولى لمهرجان "أثير أدب الطفولة" التي استمرت يومين بمشاركة نخبة من الأساتذة الباحثين، من تونس ومن العراق، يتقدمهم الأستاذ الجليل أحمد السماوي. وقد عرضت في الجلسة الافتتاحية تلك، مداخلات متنوعةُ الطرح ولكنها تصب جميعُها في مَحملٍ واحد، هو إبراز أهمية وحساسية أدب الطفل وما يتطلبه من عناية ودرس، ومن مستوىً ثقافيٍ وبيداغوجي وتنويري للمشتغلين عليه، حتى يكون لهذا الصنف من الأدب نفعُه المرتجى في الإسهام في تنشئة فكر وسلوك الطفل على أسس بناءة تحقق له استقلالية شخصيته وانفتاحَه على محيطه وعالمه وحسنَ التفاعل مع الآخر، مهما كان نوعه، من قريب أو من بعيد. وبروح تواقة للبناء وللمحبة لا للكراهية والتعصب..

وقد جمع برنامج اليوم الثاني للملتقى بالأمس السبت، تقديم مزيد من المداخلات، مع شهادات لعدد من الأطراف المشتغلة على أدب الطفل، من كُتاب وناشرين ورسامين وغيرهم، عرضوا فيها تجاربهم وما يلقونه من متاعب متنوعة. وخصوصا شهادات لأطفال حول ما قرأوه ومايفضلونه من إنتاجٍ يكون موجها إليهم.

ولا يختلف اثنان عاقلان في أن هذه المحاور تستحق أن تكون في طليعة اهتمام خبراء بلدنا من كل الاختصاصات، إذا ما قُدّر للقائمين على شؤون الدولة يوما، أو للظروف، أن تجمعهم في ملتقى مغلق لوضع استراتيجية دقيقة وعلمية لما يمكن ويجب أن تكون عليه تونس في المستقبل، مثلما سبق واقترحته منذ أسابيع في احد مقالاتي على صفحات جريدة الصباح. وقد اشترك في تنظيم هذا الملتقى كل من المكتبة العمومية بصفاقس وجمعية الخنساء الثقافية بصفاقس أيضا. فلهما معاً، كل الشكر على هذه البادرة التي تَعِد بالكثير.

والأكيد أن هناك ورقاتٍ بحثية عُرضت في مناسبات متعددة، مثل الندوات والملتقيات، عرض فيها أصحابها من أهل الاختصاص رؤاهم بشأن السبل الأنجع للنهوض ببلدنا من نواحٍ عديدة، وهي رؤى ووجهاتُ نظر قيمة مبنية على درسٍ وتمحيص، لاشك تستحق هي الأحرى أن تحظى بالاهتمام وتعميق الدرس في ذاك الملتقى الوطني لنخبة خبراء البلد الأكثر كفاءة، لإعداد تلك الإستراتيجية التي لاغنىً عنها، وليست بدعةً، لرسم رؤية واضحة لمستقبل أجيالنا القادمة. وهو ما جرى ويجري العمل به في الدول المتقدمة التي أضعنا كثيرا من الوقت ومن الفرص لنكون بينها. وتلك قضية أخرى..

وقد سرني، في ذات هذا السياق، أن قرأت بالأمس السبت، على جدار أحد أصدقائي الافتراضيين، الأستاذ مراد بهلول، جملة من الأسئلة الإنكارية كانت مدخلا أو مقدمة لمداخلة عرضها في إطار ندوة تم تنظيمها يوم الجمعة جوان17، أمس الأول كذلك، بالتعاون بين المعهد العربي لحقوق الإنسان وجامعة صفاقس.

ولأهمية تلك الأسئلة أعرضها كما كتبها الأستاذ مراد. وهي "هل ترتقي البحوث العلمية في التربية والتعليم إلى مستوى الخيارات الوطنية الاستراتيجية ؟ هل تمثل التربية وهل يمثل التعليم إحدى المجالات الاستراتيجية في سياسات البحث الأكاديمي ؟ ألا ينبغي ان يمثل الاستثمار في تطوير البحث التربوي إحدى اهم الأولويات الوطنية ؟ هل يمكن لمجتمع ما ان يطور أمنه القومي وان يحقق الأمن والسلم الاجتماعي والرفاهية و تطوير اقتصاده ومنظومته الصحية وكل مجالاته الحيوية دون تطوير مشروعه التربوي"؟

آتي بعد هذا إلى المناسبة الثانية وقد انتظمت يوم أمس الأول الجمعة كذلك، بفندق الحدادين بالمدينة العتيقة بصفاقس، ونظمتها جمعية "مجيدة بوليلة للحداثة" بتيسير من دار الثقافة بسوق الحدادين وتحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة. وتمثلت في تقديم كتابين على غاية من الأهمية، العنصر الجامع بينهما امرأتان باحثتان متمكنتان من أدوات عملهما وعميقتا القناعة بما أنجزتاه، كل منهما على حدة. ومن المثير للدهشة والإنتباه، أنه مضى على إتمام الكتابين البحثين، ما يقارب العشرين سنو. ولم يريا النور إلا اليوم بمراهنة من دار محمد علي الحامي للنشر.

وإذا كان من السمات الأصيلة للباحث الجاد والمتمكن، الجديةُ والصبرُ والشجاعة في طرق الأبواب الموصدة ودخول المناطق الملغمة، إن لزم الأمر، والاستعدادُ لتلقي الهجمات من الأصدقاء قبل المناوئين والمعادين لكل تحليق خارج السرب، على السواء، فإن الباحثتين هاجر المنصوري وحياة اليعقوبي قد اجتمعت فيهما كل تلك الصفات وأكثر، عن جدارةٍ أبهرتني شخصيا وأنا أتابع التقديم لهما تباعا ولكتابيهما من الأستاذين الباحثين كذلك محمد السويلمي وعبد الجبار الرقيقي، بأسلوب لكليهما جمع بين ثراء وغزارة المعلومة وحسن تقديمها. برئاسةٍ سلسة للقاء من الحقوقي المتمرس، الأستاذ مكي الجزيري.

وقد حمل كتاب الباحثة هاجر المنصوري عنوانا لافتا وغيرَ مألوف من البداية، هو "رواية الحديث بتاء التأنيث". وقد رسمت الباحثة هدفا رئيسا له، مثلما كُتب على غلافه الأخير، هو توضيح قيمة "رواية النساء للحديث"(أي الحديث النبوي)، ومحاولة إعطاء تلك الرواية "أحقية" و"حجيةً" من خلال استقراء ما ورد في "الصحيحين" لمسلم وللبخاري. وأضاف الناشران على نفس الغلاف، وهما دار محمد علي الحامي التونسية، ومؤسسة الانتشار العربي اللبنانية، أن الكاتبة "أثبتت من خلال أغلب فقرات الكتاب، أن النساء تتنزلن ضمن أعلى طبقات الرواة. وروايتهن لاتقبل النقد ولا التجريج"

أما الكتاب الثاني، وهو للباحثة حياة اليعقوبي، فحمل عنوانا إشكاليا، بمجمله وبتركيبتيه. ولا يخلو هو الآخر من أخذ ورد وجدل مزمن في أوساط النخب، الأصولية والمستنيرة على حد سواء، منذ زمن وإلى اليوم، وهو "الضوابط التأويلية للنص الديني عند المعتزلة والأشاعرة"

ومما جاء في ظهر الغلاف عن الكاتبة والكتاب، أنها قد حددت في بحثها المعمق، منهجا "ينطلق من التقصي بالاعتماد على النصوص الأصلية، وأساسها النص القرآني، لتصل بنا في بحثها إلى معرفة أسس نظرية التأويل عند الأشاعرة والمتكلمين والمعتزلة بالذات"

وكم تمنيت وأنا متابع لمختلف ردهات هذا اللقاء الثري والعميق، أن ينبثق مشروع تنويري متكامل يفتح الأبواب المغلقة وينزع الألغام عن المناطق المحجَّرة كي ينتفع أوسع قدر من الناس بما يحرر عقولهم وينزع الحوف عنهم..

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews