إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين تنويع الشراكات والانفتاح.. تونس ترسم ملامح توازنات جديدة

من العاصمة الأوغندية كامبالا، حيث شاركت تونس في الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز يومي 15 و16 أكتوبر الجاري، عاد صوت الجنوب ليرتفع مجدداً، مؤكداً أن دوله باتت أكثر وعياً وأكثر قدرة على أن تكون شريكاً فاعلاً في صياغة السياسات والتأثير في النظام الدولي. وتونس، بحضورها الفاعل في هذا الاجتماع، ترجمت توجهاً دبلوماسياً متجدداً قوامه تنويع الشراكات وتعزيز التعاون جنوب–جنوب من أجل تنمية عادلة وشاملة. ففي هذا الفضاء الدبلوماسي، الذي جمع عشرات الدول من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كانت تونس حاضرة بقوة، ليس فقط كعضو في حركة تاريخية، بل كفاعل يسعى إلى إعادة التموقع ضمن المشهد العالمي المتغيّر، وإلى ترسيخ مسار جديد في علاقاتها الخارجية يقوم على تعزيز التعاون جنوب–جنوب من أجل تنمية عادلة وشراكات متكافئة وفاعلة.

وهذا التوجه في السياسة الخارجية يعكس في جوهره انسجاماً تاماً مع توجهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي شدد في أكثر من مناسبة على أن السياسة الخارجية التونسية يجب أن تقوم على مبدأ تنويع الشراكات والانفتاح على الفضاءات الجديدة دون الارتهان لأي محور.

وفي هذا الاتجاه، أكّد رئيس الدولة مراراً أن الدبلوماسية التونسية ينبغي أن تكون فاعلة في العمل متعدد الأطراف، تستند في ذلك إلى استقلال قرارها الوطني وإلى مبدأ المعاملة الندّية في العلاقات الدولية.

وهو ما يترجمه إعلان رئيس الجمهورية عن اختيار سنة 2025 سنة العمل متعدد الأطراف، في خطوة رمزية تعبّر عن إرادة سياسية لجعل هذا التوجّه أحد المحاور الاستراتيجية للسياسة الخارجية التونسية.

فهي دعوة إلى تكثيف الحضور التونسي في المحافل الدولية والإقليمية، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية وغيرها، بما يمنح تونس إشعاعاً كفاعل مستقل يسعى إلى بناء علاقات قائمة على التكامل والندية في التعامل، وذلك بالتوازي مع السعي إلى بناء شراكات استراتيجية تحقق مصالح الدولة وتعكس موقفها الثابت من أمهات القضايا.

وفي السياق ذاته، يأتي اجتماع كامبالا منسجماً أيضاً مع رؤية رئيس الجمهورية قيس سعيّد، التي تقوم على إرساء نظام دولي أكثر عدلاً وتوازناً، يعيد الاعتبار إلى الشعوب في حقها في تحقيق التنمية والسيادة.

لتأتي كلمة تونس في اجتماع كامبالا لتعكس بوضوح رؤية رئيس الدولة لموقع تونس في عالم متعدد الأقطاب، قائم على الندية والتعاون والتكامل بين الشعوب.

مبادئ لا تتغير

ورغم التحولات التي يشهدها العالم، وما يرافقها من صراعات حادّة في خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، تبقى الثوابت التونسية في السياسة الخارجية واضحة.

فتونس لم تحِد يوماً عن دعم القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد أكدت تونس خلال اجتماع حركة عدم الانحياز، التزامها بمساندة الشعب الفلسطيني في كافة نضالاته من أجل نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

كما جاءت كلمة تونس أيضاً منسجمة مع توجهات الدولة في أعلى هرمها، إذ أكدت أن تونس ستظل متمسكة ووفية لمبادئ الشرعية والعدالة الدولية والاحترام المتبادل بين الدول، ولا سيما حق الشعوب في تقرير مصيرها، بما يعكس فلسفة دبلوماسية تؤمن بأن استقرار العالم لا يمكن أن يتحقق دون إنصاف الشعوب ورفع الظلم عنها.

تعاون جنوب–جنوب

من جانب آخر، تترجم اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية على هامش اللقاء الوزاري لحركة عدم الانحياز توجّه رئيس الدولة عملياً، حيث تسعى تونس إلى بلورة سياسة خارجية متوازنة تراهن على تعزيز التعاون جنوب–جنوب، بقدر مراهنتها أيضاً على تدعيم وترسيخ شراكاتها التقليدية، بما يهدف إلى خلق توازن استراتيجي يخدم المصالح الوطنية وفق مبدأ الندية في التعامل.

وخلال سلسلة اللقاءات الثنائية التي أجراها وزير الخارجية لدى مشاركته في الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز مع نظرائه من الجزائر وأوغندا وإيران وفنزويلا وكوبا وصربيا والنمسا، طُرحت ملفات متنوعة تمسّ جوهر وأساس الشراكة الاقتصادية والثقافية والتنموية بين تونس وتلك الدول.

وقد تم التأكيد على ضرورة تعزيز الإطار القانوني المنظم للعلاقات الثنائية ودعم نسق تبادل الزيارات على أعلى مستوى، إلى جانب العمل على تفعيل المشاريع المشتركة في مجالات حيوية مثل الاستثمار والطاقة والطاقات المتجددة والتعليم العالي والسياحة والثقافة.

وتكتسي هذه اللقاءات أهمية خاصة في سياق سعي تونس لتنويع شركائها الاقتصاديين خارج الفضاء الأوروبي التقليدي، وفتح آفاق تعاون جديدة مع دول الجنوب التي تشترك معها في التحديات ذاتها، على غرار تحقيق التنمية والحاجة الملحّة للاستثمار في الطاقات البشرية والبديلة.

من جهة أخرى، يتساءل متابعون خلال مشاركة تونس في هذا الاجتماع الوزاري: كيف يمكن لتونس أن تصنع لنفسها موقعاً مؤثراً وأن تحوّل التعاون إلى قوة ناعمة للتنمية؟

وتفاعلاً مع هذا الطرح، يشير كثيرون إلى أن تونس تعمل على إعادة تحديد تموقعها الخارجي، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى، ولا سيما مكانتها الجغرافية والسياسية كبوابة بين إفريقيا والعالم العربي والمتوسّط.

وهنا يؤكد مهتمون بالشأن الدولي أن تونس اليوم تتحرك على أكثر من محور: من العربي إلى الإفريقي إلى المتوسطي، وصولاً إلى تعزيز التعاون جنوب–جنوب. فهي تسعى إلى استثمار هذا التنوع خدمةً لأولوياتها الوطنية، ولعل أبرزها تحقيق التنمية في شتى مجالاتها.

جسر بين ضفتي المتوسّط

في هذا الخضم، يتجاوز اجتماع كامبالا كونه مجرد محطة دبلوماسية، إذ تبعث من خلاله تونس برسائل متعددة مفادها أن انفتاح الدبلوماسية التونسية على شركاء جدد هو رهان على المستقبل، وأن تونس متمسكة بسيادتها واستقلال قرارها، وترنو إلى أن تكون فاعلاً ومؤثراً في مختلف المتغيرات التي يشهدها العالم.

فتونس، وبالخبرة التي راكمتها في العمل المتعدد الأطراف، تجد في هذا المسار فرصة لتأكيد هويتها الدبلوماسية المستقلة، وللتذكير بأنها كانت دوماً جسراً للحوار بين ضفّتي المتوسّط، وبين الشمال والجنوب.

ومن هذا المنطلق، فإن صوتها في كامبالا لم يكن صدى لحركة عدم الانحياز فحسب، بل كان تعبيراً عن رؤية استراتيجية تؤمن بأن تحقيق التنمية العادلة يمرّ عبر تعزيز التضامن بين مختلف دول الجنوب.

منال حرزي

بين تنويع الشراكات والانفتاح..   تونس ترسم ملامح توازنات جديدة

من العاصمة الأوغندية كامبالا، حيث شاركت تونس في الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز يومي 15 و16 أكتوبر الجاري، عاد صوت الجنوب ليرتفع مجدداً، مؤكداً أن دوله باتت أكثر وعياً وأكثر قدرة على أن تكون شريكاً فاعلاً في صياغة السياسات والتأثير في النظام الدولي. وتونس، بحضورها الفاعل في هذا الاجتماع، ترجمت توجهاً دبلوماسياً متجدداً قوامه تنويع الشراكات وتعزيز التعاون جنوب–جنوب من أجل تنمية عادلة وشاملة. ففي هذا الفضاء الدبلوماسي، الذي جمع عشرات الدول من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كانت تونس حاضرة بقوة، ليس فقط كعضو في حركة تاريخية، بل كفاعل يسعى إلى إعادة التموقع ضمن المشهد العالمي المتغيّر، وإلى ترسيخ مسار جديد في علاقاتها الخارجية يقوم على تعزيز التعاون جنوب–جنوب من أجل تنمية عادلة وشراكات متكافئة وفاعلة.

وهذا التوجه في السياسة الخارجية يعكس في جوهره انسجاماً تاماً مع توجهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي شدد في أكثر من مناسبة على أن السياسة الخارجية التونسية يجب أن تقوم على مبدأ تنويع الشراكات والانفتاح على الفضاءات الجديدة دون الارتهان لأي محور.

وفي هذا الاتجاه، أكّد رئيس الدولة مراراً أن الدبلوماسية التونسية ينبغي أن تكون فاعلة في العمل متعدد الأطراف، تستند في ذلك إلى استقلال قرارها الوطني وإلى مبدأ المعاملة الندّية في العلاقات الدولية.

وهو ما يترجمه إعلان رئيس الجمهورية عن اختيار سنة 2025 سنة العمل متعدد الأطراف، في خطوة رمزية تعبّر عن إرادة سياسية لجعل هذا التوجّه أحد المحاور الاستراتيجية للسياسة الخارجية التونسية.

فهي دعوة إلى تكثيف الحضور التونسي في المحافل الدولية والإقليمية، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية وغيرها، بما يمنح تونس إشعاعاً كفاعل مستقل يسعى إلى بناء علاقات قائمة على التكامل والندية في التعامل، وذلك بالتوازي مع السعي إلى بناء شراكات استراتيجية تحقق مصالح الدولة وتعكس موقفها الثابت من أمهات القضايا.

وفي السياق ذاته، يأتي اجتماع كامبالا منسجماً أيضاً مع رؤية رئيس الجمهورية قيس سعيّد، التي تقوم على إرساء نظام دولي أكثر عدلاً وتوازناً، يعيد الاعتبار إلى الشعوب في حقها في تحقيق التنمية والسيادة.

لتأتي كلمة تونس في اجتماع كامبالا لتعكس بوضوح رؤية رئيس الدولة لموقع تونس في عالم متعدد الأقطاب، قائم على الندية والتعاون والتكامل بين الشعوب.

مبادئ لا تتغير

ورغم التحولات التي يشهدها العالم، وما يرافقها من صراعات حادّة في خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، تبقى الثوابت التونسية في السياسة الخارجية واضحة.

فتونس لم تحِد يوماً عن دعم القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد أكدت تونس خلال اجتماع حركة عدم الانحياز، التزامها بمساندة الشعب الفلسطيني في كافة نضالاته من أجل نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

كما جاءت كلمة تونس أيضاً منسجمة مع توجهات الدولة في أعلى هرمها، إذ أكدت أن تونس ستظل متمسكة ووفية لمبادئ الشرعية والعدالة الدولية والاحترام المتبادل بين الدول، ولا سيما حق الشعوب في تقرير مصيرها، بما يعكس فلسفة دبلوماسية تؤمن بأن استقرار العالم لا يمكن أن يتحقق دون إنصاف الشعوب ورفع الظلم عنها.

تعاون جنوب–جنوب

من جانب آخر، تترجم اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية على هامش اللقاء الوزاري لحركة عدم الانحياز توجّه رئيس الدولة عملياً، حيث تسعى تونس إلى بلورة سياسة خارجية متوازنة تراهن على تعزيز التعاون جنوب–جنوب، بقدر مراهنتها أيضاً على تدعيم وترسيخ شراكاتها التقليدية، بما يهدف إلى خلق توازن استراتيجي يخدم المصالح الوطنية وفق مبدأ الندية في التعامل.

وخلال سلسلة اللقاءات الثنائية التي أجراها وزير الخارجية لدى مشاركته في الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز مع نظرائه من الجزائر وأوغندا وإيران وفنزويلا وكوبا وصربيا والنمسا، طُرحت ملفات متنوعة تمسّ جوهر وأساس الشراكة الاقتصادية والثقافية والتنموية بين تونس وتلك الدول.

وقد تم التأكيد على ضرورة تعزيز الإطار القانوني المنظم للعلاقات الثنائية ودعم نسق تبادل الزيارات على أعلى مستوى، إلى جانب العمل على تفعيل المشاريع المشتركة في مجالات حيوية مثل الاستثمار والطاقة والطاقات المتجددة والتعليم العالي والسياحة والثقافة.

وتكتسي هذه اللقاءات أهمية خاصة في سياق سعي تونس لتنويع شركائها الاقتصاديين خارج الفضاء الأوروبي التقليدي، وفتح آفاق تعاون جديدة مع دول الجنوب التي تشترك معها في التحديات ذاتها، على غرار تحقيق التنمية والحاجة الملحّة للاستثمار في الطاقات البشرية والبديلة.

من جهة أخرى، يتساءل متابعون خلال مشاركة تونس في هذا الاجتماع الوزاري: كيف يمكن لتونس أن تصنع لنفسها موقعاً مؤثراً وأن تحوّل التعاون إلى قوة ناعمة للتنمية؟

وتفاعلاً مع هذا الطرح، يشير كثيرون إلى أن تونس تعمل على إعادة تحديد تموقعها الخارجي، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع مختلف القوى، ولا سيما مكانتها الجغرافية والسياسية كبوابة بين إفريقيا والعالم العربي والمتوسّط.

وهنا يؤكد مهتمون بالشأن الدولي أن تونس اليوم تتحرك على أكثر من محور: من العربي إلى الإفريقي إلى المتوسطي، وصولاً إلى تعزيز التعاون جنوب–جنوب. فهي تسعى إلى استثمار هذا التنوع خدمةً لأولوياتها الوطنية، ولعل أبرزها تحقيق التنمية في شتى مجالاتها.

جسر بين ضفتي المتوسّط

في هذا الخضم، يتجاوز اجتماع كامبالا كونه مجرد محطة دبلوماسية، إذ تبعث من خلاله تونس برسائل متعددة مفادها أن انفتاح الدبلوماسية التونسية على شركاء جدد هو رهان على المستقبل، وأن تونس متمسكة بسيادتها واستقلال قرارها، وترنو إلى أن تكون فاعلاً ومؤثراً في مختلف المتغيرات التي يشهدها العالم.

فتونس، وبالخبرة التي راكمتها في العمل المتعدد الأطراف، تجد في هذا المسار فرصة لتأكيد هويتها الدبلوماسية المستقلة، وللتذكير بأنها كانت دوماً جسراً للحوار بين ضفّتي المتوسّط، وبين الشمال والجنوب.

ومن هذا المنطلق، فإن صوتها في كامبالا لم يكن صدى لحركة عدم الانحياز فحسب، بل كان تعبيراً عن رؤية استراتيجية تؤمن بأن تحقيق التنمية العادلة يمرّ عبر تعزيز التضامن بين مختلف دول الجنوب.

منال حرزي