إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إثر عمليات إعادة تهيئة وصيانة وتنظيف عدد منها.. إلى أي مدى يمكن لدور الثقافة بالبلاد استعادة بريقها؟

 

  • الصيانةوالترميم أمور جيدة، لكن أليست الإشكالية الكبرى في غياب وسائل الجذب الحقيقية للجماهير؟
  • ضرورةخروج دور الثقافة من منطق المؤسسات الإدارية إلى الفضاء الإبداعي الأرحب
  • المجهوداتعلى مستوى البنية الأساسية يصعب أن تكون ناجعة في غياب مشروع يربط الفضاء الثقافي بمحيطه الاجتماعي.

انطلقت وزارة الشؤون الثقافية، منذ الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر المنقضي، في تنفيذ حملة وطنية لتنظيف دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية في مختلف ولايات الجمهورية، استعدادًا لانطلاق الموسم الثقافي الجديد 2025–2026. خطوة سبقتها مجهودات كبيرة في إعادة التهيئة والصيانة لعدد من دور الثقافة في مختلف ولايات الجمهورية، وهي وإن بدت في ظاهرها عادية، إلا أنها تعبّر عن رغبة الوزارة في جعل هذه الفضاءات جذّابة أكثر ومستعدة لاستقبال الأنشطة والبرامج الجديدة في ظروف أفضل. غير أنّ هذا الجهد، على أهميته، أعاد إلى الواجهة سؤالًا أعمق حول المضمون الحقيقي للموسم الثقافي، ومدى امتلاك هذه المؤسسات الثقافية لرؤية واضحة تعيد إليها دورها التاريخي كمحرّك للإبداع وفضاء للقاء الأجيال، لا كمجرّد بنايات تُفتتح وتُغلق وفق رزنامة إدارية.

لقد نجحت الوزارة خلال السنوات الأخيرة في إطلاق عمليات الترميم والصيانة في عدد من هذه المؤسسات، وهو جهد يُحسب لها في ظل أوضاع مالية صعبة وميزانيات محدودة، حيث تمّت إعادة تأهيل بعض الفضاءات التي طالها الإهمال، وتدعيم التجهيزات الأساسية بعد عقود من التراجع. لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يكفي تنظيف الجدران وترميم القاعات لإعادة الحياة إلى مؤسسات ثقافية فقدت جمهورها وتراجع حضورها في المشهد المحلي والوطني؟ وهل يمكن الحديث عن موسم ثقافي جديد دون مشروع فكري جديد يحدّد ما الذي نريد أن تكون عليه الثقافة في تونس اليوم وأيضًا في المستقبل؟

دور قائمة... بلا روح ثقافية

من الشمال إلى الجنوب، تنتشر دور الثقافة في تونس كشبكة ضخمة من الفضاءات العمومية التي أُنشئت منذ عقود بهدف دعم الحياة الثقافية في الجهات، إذ بلغ عددها 225 دار ثقافة. غير أنّ هذه المؤسسات، التي كانت في التسعينات فضاءات حقيقية للتعبير الفني والتربية الإبداعية، تحوّلت في أغلبها إلى بنايات خالية، مفتوحة إداريًا ومغلقة معنويًا.

فمنذ سنوات، يتردّد السؤال نفسه في الأوساط الثقافية: لماذا أصبحت دور الثقافة فارغة؟

الأسباب متعددة، لكن أهمها هو غياب التصوّر المتكامل لوظيفتها الثقافية والاجتماعية الجديدة. لقد تغيّر المجتمع، وتغيّرت اهتمامات الشباب، وظهرت فضاءات رقمية بديلة للتعبير والتفاعل، بينما بقيت المؤسسات الثقافية العمومية أسيرة نماذج قديمة في البرمجة والإدارة، لا تواكب سرعة التحوّل الذي فرضته التكنولوجيا والثقافة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، والانفتاح على ثقافات أخرى، وظهور المئات من المنصّات الرقمية المتخصصة.

ففي السابق، كان الجمهور التلمذي والجامعي يشكّل العمود الفقري للحياة الثقافية في الجهات وفي مختلف المدن التونسية، وكانت النوادي المسرحية والموسيقية والتشكيلية في المدارس والإعداديات والمعاهد الثانوية تجد امتدادها الطبيعي في دور الثقافة. أما اليوم، فقد انقطعت تلك الصلة تقريبًا. لم تعد هذه الفضاءات تُغري التلميذ ولا حتى الطالب، لأنها لم تعد مركز إنتاج لمحتوى قريب من اهتماماته ولا من لغته الجديدة. ولأنها مؤسسات مازالت تتعامل مع الشباب بمنطق المتلقي لا المشارك، ومع النشاط الثقافي بمنطق المناسبة لا المشروع.

في المقابل، أثبتت بعض التجارب الاستثنائية أنّ الانفتاح هو الطريق الوحيد لإنعاش دور الثقافة. فدار الثقافة ابن رشيق، ودار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة مثلًا، نجحتا في السنوات الأخيرة في استقطاب جمهور متنوّع بفضل تفاعلها مع الجمعيات والنوادي المستقلة، وفتحها المجال للمبادرات الطلابية والجامعية، وتنويع الأنشطة والورشات. هذا الانفتاح جعلها تتجاوز حدود الوظيفة الإدارية لتتحوّل إلى فضاءات ديناميكية تشبه المدينة وتنبض بحياتها. لكن تبقى هذه النماذج محدودة، لا تمثّل سياسة عامة بقدر ما هي اجتهادات فردية تستحق التعميم والدعم.

والمفارقة القائمة اليوم هي أن الدولة تُنفق على الفضاء أكثر مما تُنفق على الفعل. تُرمَّم القاعات وتُطلى الجدران، لكنّ البرمجة تبقى فقيرة، والأفكار متكرّرة، والمحتوى بعيد عن واقع الجيل الجديد. لذلك، فإنّ حملات النظافة والترميم الأخيرة، رغم وجاهتها، تكشف أزمة أولويات أكثر مما تعالجها.

الجيل الرقمي والفراغ الثقافي

فأحد أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الثقافية العمومية اليوم هو فقدانها القدرة على مواكبة التحوّلات الرقمية والاجتماعية التي أعادت تشكيل العلاقة بين الأفراد والثقافة، وبين الأفراد والمجتمع، وبين الأفراد ومحيطهم العائلي والمدرسي والجامعي. فالشباب التونسي يعيش اليوم في عالم موازٍ، يعبّر عن ذاته من خلال المنصّات الرقمية، وينتج محتوى متنوّعًا في الموسيقى والسينما والأدب والمسرح الافتراضي، دون الحاجة إلى الإطار التقليدي لدور الثقافة. وحتى وإن لم يكن من المنتجين والمبدعين للفعل الثقافي، فهو يجد ضالّته وحاجياته الثقافية خصوصًا في السينما عبر تصفّحه للمنصّات الرقمية.

ومع كل ذلك، لسنا متأكدين أن المشرفين على هذه المؤسسات قد التقطوا إشارات هذا التحوّل بالقدر الكافي. فبرامجها ما زالت تدور في فلك الورشات الكلاسيكية والعروض بحسب المناسبات، دون أن تدمج الفنون الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والمحتوى التفاعلي، أو حتى ثقافة المشاريع الإبداعية الجماعية.

ففي بلدان كثيرة، تحوّلت الفضاءات الثقافية العمومية إلى مختبرات رقمية مفتوحة للشباب، تجمع بين الفنّ والتكنولوجيا والتكوين. أما في تونس، فما زال الفضاء الثقافي العمومي بعيدًا عن هذا المسار، رغم وجود طاقات شبابية مهمّة تبحث عن فرص لتطوير مهاراتها في التصميم، والتصوير، والبرمجة الإبداعية، أو إدارة المشاريع الثقافية المستقلة. والتباطؤ في الانخراط في هذا التحوّل يُعمّق الفجوة بين جيلٍ يبتكر خارج أسوار هياكل الدولة، ومؤسسات ما زالت تشتغل داخلها بعقلية التسعينات. ولعلّ السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل تمتلك الوزارة اليوم استراتيجية متكاملة لإعادة جذب الشباب نحو مؤسسات الثقافة العمومية؟

الجواب يبدو ضبابيًا، فالبيانات الرسمية تتحدث عن «تنشيط الفضاءات» و»دعم البرامج الجهوية»، لكنها لا تقدّم رؤية حول طبيعة المحتوى الثقافي الجديد الذي يمكن أن يجذب هذا الجيل، ولا حول آليات الشراكة مع الفاعلين الرقميين والجمعيات المستقلة التي تشتغل فعليًا على الأرض.

رؤية جديدة لدور الثقافة

ولعلّ ما تحتاجه المؤسسات الثقافية اليوم ليس فقط مزيدًا من الصيانة والترميم، بل إعادة التعريف بدورها في المجتمع التونسي. فدار الثقافة ليست قاعة عروض فحسب، بل فضاء للتفكير الجماعي، ومختبر للهوية المحلية، وجسر بين الأجيال.

وبناء ثقافة المشاركة يتطلّب تمكين الإدارات المحلية والجهوية من حرية المبادرة، وتوفير ميزانيات صغيرة ولكن مرنة تسمح بالتجريب، وتشجيع الشراكات مع المدارس والجامعات والجمعيات الشبابية. كما يجب أن تتحوّل دور الثقافة إلى منصّات مفتوحة للابتكار والإنتاج المشترك، تجمع بين الفنون والعلوم والتكنولوجيا والمجتمع.

ولا يمكن إغفال أهمية استمرار جهد الوزارة في إعادة تأهيل هذه الفضاءات من حيث البنية الأساسية، لأنّ أي فعل ثقافي يحتاج إلى مكان لائق. ولكنّ القيمة الحقيقية لهذا الجهد لا تتحقق إلا إذا ترافق مع مشروع محتوى وبرمجة يربط الفضاء بمحيطه الاجتماعي، ويجعل من الثقافة عنصرًا حيويًا في الحياة اليومية للمواطن، لا حدثًا موسميًا يُذكر في بداية السنة الإدارية وينتهي بنهايتها.

إيمان عبد اللطيف

إثر عمليات إعادة تهيئة وصيانة وتنظيف عدد منها..   إلى أي مدى يمكن لدور الثقافة بالبلاد استعادة بريقها؟

 

  • الصيانةوالترميم أمور جيدة، لكن أليست الإشكالية الكبرى في غياب وسائل الجذب الحقيقية للجماهير؟
  • ضرورةخروج دور الثقافة من منطق المؤسسات الإدارية إلى الفضاء الإبداعي الأرحب
  • المجهوداتعلى مستوى البنية الأساسية يصعب أن تكون ناجعة في غياب مشروع يربط الفضاء الثقافي بمحيطه الاجتماعي.

انطلقت وزارة الشؤون الثقافية، منذ الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر المنقضي، في تنفيذ حملة وطنية لتنظيف دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية في مختلف ولايات الجمهورية، استعدادًا لانطلاق الموسم الثقافي الجديد 2025–2026. خطوة سبقتها مجهودات كبيرة في إعادة التهيئة والصيانة لعدد من دور الثقافة في مختلف ولايات الجمهورية، وهي وإن بدت في ظاهرها عادية، إلا أنها تعبّر عن رغبة الوزارة في جعل هذه الفضاءات جذّابة أكثر ومستعدة لاستقبال الأنشطة والبرامج الجديدة في ظروف أفضل. غير أنّ هذا الجهد، على أهميته، أعاد إلى الواجهة سؤالًا أعمق حول المضمون الحقيقي للموسم الثقافي، ومدى امتلاك هذه المؤسسات الثقافية لرؤية واضحة تعيد إليها دورها التاريخي كمحرّك للإبداع وفضاء للقاء الأجيال، لا كمجرّد بنايات تُفتتح وتُغلق وفق رزنامة إدارية.

لقد نجحت الوزارة خلال السنوات الأخيرة في إطلاق عمليات الترميم والصيانة في عدد من هذه المؤسسات، وهو جهد يُحسب لها في ظل أوضاع مالية صعبة وميزانيات محدودة، حيث تمّت إعادة تأهيل بعض الفضاءات التي طالها الإهمال، وتدعيم التجهيزات الأساسية بعد عقود من التراجع. لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يكفي تنظيف الجدران وترميم القاعات لإعادة الحياة إلى مؤسسات ثقافية فقدت جمهورها وتراجع حضورها في المشهد المحلي والوطني؟ وهل يمكن الحديث عن موسم ثقافي جديد دون مشروع فكري جديد يحدّد ما الذي نريد أن تكون عليه الثقافة في تونس اليوم وأيضًا في المستقبل؟

دور قائمة... بلا روح ثقافية

من الشمال إلى الجنوب، تنتشر دور الثقافة في تونس كشبكة ضخمة من الفضاءات العمومية التي أُنشئت منذ عقود بهدف دعم الحياة الثقافية في الجهات، إذ بلغ عددها 225 دار ثقافة. غير أنّ هذه المؤسسات، التي كانت في التسعينات فضاءات حقيقية للتعبير الفني والتربية الإبداعية، تحوّلت في أغلبها إلى بنايات خالية، مفتوحة إداريًا ومغلقة معنويًا.

فمنذ سنوات، يتردّد السؤال نفسه في الأوساط الثقافية: لماذا أصبحت دور الثقافة فارغة؟

الأسباب متعددة، لكن أهمها هو غياب التصوّر المتكامل لوظيفتها الثقافية والاجتماعية الجديدة. لقد تغيّر المجتمع، وتغيّرت اهتمامات الشباب، وظهرت فضاءات رقمية بديلة للتعبير والتفاعل، بينما بقيت المؤسسات الثقافية العمومية أسيرة نماذج قديمة في البرمجة والإدارة، لا تواكب سرعة التحوّل الذي فرضته التكنولوجيا والثقافة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، والانفتاح على ثقافات أخرى، وظهور المئات من المنصّات الرقمية المتخصصة.

ففي السابق، كان الجمهور التلمذي والجامعي يشكّل العمود الفقري للحياة الثقافية في الجهات وفي مختلف المدن التونسية، وكانت النوادي المسرحية والموسيقية والتشكيلية في المدارس والإعداديات والمعاهد الثانوية تجد امتدادها الطبيعي في دور الثقافة. أما اليوم، فقد انقطعت تلك الصلة تقريبًا. لم تعد هذه الفضاءات تُغري التلميذ ولا حتى الطالب، لأنها لم تعد مركز إنتاج لمحتوى قريب من اهتماماته ولا من لغته الجديدة. ولأنها مؤسسات مازالت تتعامل مع الشباب بمنطق المتلقي لا المشارك، ومع النشاط الثقافي بمنطق المناسبة لا المشروع.

في المقابل، أثبتت بعض التجارب الاستثنائية أنّ الانفتاح هو الطريق الوحيد لإنعاش دور الثقافة. فدار الثقافة ابن رشيق، ودار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة مثلًا، نجحتا في السنوات الأخيرة في استقطاب جمهور متنوّع بفضل تفاعلها مع الجمعيات والنوادي المستقلة، وفتحها المجال للمبادرات الطلابية والجامعية، وتنويع الأنشطة والورشات. هذا الانفتاح جعلها تتجاوز حدود الوظيفة الإدارية لتتحوّل إلى فضاءات ديناميكية تشبه المدينة وتنبض بحياتها. لكن تبقى هذه النماذج محدودة، لا تمثّل سياسة عامة بقدر ما هي اجتهادات فردية تستحق التعميم والدعم.

والمفارقة القائمة اليوم هي أن الدولة تُنفق على الفضاء أكثر مما تُنفق على الفعل. تُرمَّم القاعات وتُطلى الجدران، لكنّ البرمجة تبقى فقيرة، والأفكار متكرّرة، والمحتوى بعيد عن واقع الجيل الجديد. لذلك، فإنّ حملات النظافة والترميم الأخيرة، رغم وجاهتها، تكشف أزمة أولويات أكثر مما تعالجها.

الجيل الرقمي والفراغ الثقافي

فأحد أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الثقافية العمومية اليوم هو فقدانها القدرة على مواكبة التحوّلات الرقمية والاجتماعية التي أعادت تشكيل العلاقة بين الأفراد والثقافة، وبين الأفراد والمجتمع، وبين الأفراد ومحيطهم العائلي والمدرسي والجامعي. فالشباب التونسي يعيش اليوم في عالم موازٍ، يعبّر عن ذاته من خلال المنصّات الرقمية، وينتج محتوى متنوّعًا في الموسيقى والسينما والأدب والمسرح الافتراضي، دون الحاجة إلى الإطار التقليدي لدور الثقافة. وحتى وإن لم يكن من المنتجين والمبدعين للفعل الثقافي، فهو يجد ضالّته وحاجياته الثقافية خصوصًا في السينما عبر تصفّحه للمنصّات الرقمية.

ومع كل ذلك، لسنا متأكدين أن المشرفين على هذه المؤسسات قد التقطوا إشارات هذا التحوّل بالقدر الكافي. فبرامجها ما زالت تدور في فلك الورشات الكلاسيكية والعروض بحسب المناسبات، دون أن تدمج الفنون الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والمحتوى التفاعلي، أو حتى ثقافة المشاريع الإبداعية الجماعية.

ففي بلدان كثيرة، تحوّلت الفضاءات الثقافية العمومية إلى مختبرات رقمية مفتوحة للشباب، تجمع بين الفنّ والتكنولوجيا والتكوين. أما في تونس، فما زال الفضاء الثقافي العمومي بعيدًا عن هذا المسار، رغم وجود طاقات شبابية مهمّة تبحث عن فرص لتطوير مهاراتها في التصميم، والتصوير، والبرمجة الإبداعية، أو إدارة المشاريع الثقافية المستقلة. والتباطؤ في الانخراط في هذا التحوّل يُعمّق الفجوة بين جيلٍ يبتكر خارج أسوار هياكل الدولة، ومؤسسات ما زالت تشتغل داخلها بعقلية التسعينات. ولعلّ السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل تمتلك الوزارة اليوم استراتيجية متكاملة لإعادة جذب الشباب نحو مؤسسات الثقافة العمومية؟

الجواب يبدو ضبابيًا، فالبيانات الرسمية تتحدث عن «تنشيط الفضاءات» و»دعم البرامج الجهوية»، لكنها لا تقدّم رؤية حول طبيعة المحتوى الثقافي الجديد الذي يمكن أن يجذب هذا الجيل، ولا حول آليات الشراكة مع الفاعلين الرقميين والجمعيات المستقلة التي تشتغل فعليًا على الأرض.

رؤية جديدة لدور الثقافة

ولعلّ ما تحتاجه المؤسسات الثقافية اليوم ليس فقط مزيدًا من الصيانة والترميم، بل إعادة التعريف بدورها في المجتمع التونسي. فدار الثقافة ليست قاعة عروض فحسب، بل فضاء للتفكير الجماعي، ومختبر للهوية المحلية، وجسر بين الأجيال.

وبناء ثقافة المشاركة يتطلّب تمكين الإدارات المحلية والجهوية من حرية المبادرة، وتوفير ميزانيات صغيرة ولكن مرنة تسمح بالتجريب، وتشجيع الشراكات مع المدارس والجامعات والجمعيات الشبابية. كما يجب أن تتحوّل دور الثقافة إلى منصّات مفتوحة للابتكار والإنتاج المشترك، تجمع بين الفنون والعلوم والتكنولوجيا والمجتمع.

ولا يمكن إغفال أهمية استمرار جهد الوزارة في إعادة تأهيل هذه الفضاءات من حيث البنية الأساسية، لأنّ أي فعل ثقافي يحتاج إلى مكان لائق. ولكنّ القيمة الحقيقية لهذا الجهد لا تتحقق إلا إذا ترافق مع مشروع محتوى وبرمجة يربط الفضاء بمحيطه الاجتماعي، ويجعل من الثقافة عنصرًا حيويًا في الحياة اليومية للمواطن، لا حدثًا موسميًا يُذكر في بداية السنة الإدارية وينتهي بنهايتها.

إيمان عبد اللطيف