يفصل البنوك والمؤسّسات الماليّة عن ضبط المخطّط الاستراتيجيّ الخاصّ بها لتنفيذ برنامج الاصلاح المعتمد من قبل البنك المركزيّ التّونسيّ والمتعلّق بتطبيق جملة من التّدابير الوقائيّة و الترتيبيّة و الاعلام به أيّام معدودات، اذ حدّد اخر شهر سبتمبر كأجل أقصى لتقديم المخطّط المشار اليه اعلاه.
يأتي هذا الاجراء من البنك المركزيّ التّونسيّ كخطوة أخرى على درب الحداثة و بناء منظومة ماليّة متينة هدفها الرّيادة و منطلقها رؤية استشرافيّة و عقليّة استراتيجيّة تلتزم بالمعايير الدوليّة ممّا يفتح الطّريق أمام مزيد النموّ و الاستدامة.
فلقد صدر بتاريخ 16 ماي 2025 منشور البنك المركزيّ التّونسيّ عدد 08 لسنة 2025 المتعلّق بالاجراءات الأوّليّة لتركيز اصلاحات وقائيّة و ترتيبيّة قائمة على عديد الأسس من جهة و ضابطة لعدد من الاجراءات الواجب اتّخاذها من قبل جميع المتداخلين من جهة أخرى.
يتمحور برنامج الاصلاح حول ثلاثة أسس، أوّلها تطبيق معايير كفاية الموارد الذّاتيّة. و يقوم ذلك على تحديث المقصود بالموارد الذّاتية الحمائيّة و الحدّ الأدنى المطلوب طبقا لمقتضيات بازل III ، اذ تقدّم الأخيرة شروط أكثر صرامة هدفها تأمين رأس المال بشكل تحافظ فيه البنوك على حدّ أدنى من رأس المال مقارنة بأصولها المرجّحة بالمخاطر.
و يشمل كذلك،اضافة لتحديث المقصود المشار اليه أعلاه، مراجعة التوجّه المعتمد لاحتساب مخاطر القروض باعتماد معيار « SCRA » ومراجعة الطّريقة المعتمدة لتحديد ما يلزم من موارد ذاتيّة بعنوان المخاطر التشغيليّة انطلاقا من مبادئ « SMA » ومراجعة قواعد توزّع وتركّز المخاطر.
ويتعلّق الأساس الثّاني بالمراجعة الشّاملة للاطار العامّ للتّصنيف ولتغطية مخاطر القروض، لتنطوي بذلك عمليّة تصنيف أنواع القروض على تحديد درجة الجودة للقرض الذي يستند إلى تاريخ الائتمان وجودة الضمانات واحتمالية السداد.
يأتي ذلك في سياق متّصل مع أحكام منشور البنك المركزيّ عدد 5 لسنة 2023 و الصّادر بتاريخ 10أكتوبر 2023 والمتعلّق بإرساء الرقابة على أساس مجمّع. وتهدف الرّقابة على أساس مجمّع إلى إرساء إطار رقابي يمكّن من حسن متابعة مخاطر ورصدها على مستوى مجمّع بما يمكّن من الحفاظ على صلابتها المالية. و يتعيّن على البنوك والمؤسّسات المالية المعنية إرساء الأطر التنظيمية الداخلية لإعداد التصاريح الى البنك المركزي التونسي واحتساب معايير التصرف الحذر على أساس مجمّع، فالرّقابة المجمّعة تلعب دور الحامي لهذه التجمّعات بأخذها بعين الاعتبار لمختلف المخاطر التّي تهمّ الأصول والفروع ممّا يقف حائلا أمام أيّ عدوى بينها للمخاطر.
تجدر الاشارة في هذا الباب الى أنّه بالنّسبة لأغلب البنوك الاسلاميّة عبر العالم فانّه يتمّ تطبّق المعايير المحاسبيّة الصّادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ( Les normes AAOIFI ) .
ويبرز أساس الاصلاح الثالث على مستوى اعتماد المعيار المحاسبي الدولي للأدوات المالية رقم 9 (IFRS 9) بهدف تحسين وتوحيد كيفية الاعتراف والقياس وانخفاض القيمة والإفصاح عن الأدوات المالية في القوائم المالية.
والجدير بالذّكر في هذا السّياق أنّ المساعي حثيثة لاعتماد هذا المعيار المحاسبيّ من قبل الجميع على أمل المصادقة و النّشر في أقرب الاجال للقانون المتعلّق بتطبيقه. و يلاحظ أنّ الهيئة الوطنيّة للمحاسبين قد قرّرت في 06 سبتمبر 2018 تبنّي هذا المعيار صلب القطاع البنكيّ التّونسيّ، ممّا يجعل من تدخّل المشرّع وتأطير هذه النّقطة أمرا ذا أولويّة.
ينتظر في سياق اخر، وتفاعلا مع هاته الاصلاحات الرّائدة، أن تتّخذ البنوك والمؤسّسات الماليّة القرارات الاستراتيجيّة اللاّزمة لاعتماد هذا المشروع. ويكون ذلك بالأساس على مستوى الحوكمة والقيادة بالاستئناس خاصّة بالمشهود لهم بالكفاءة العلميّة والعمليّة وذوي الخبرة في التّسيير و الادارة مع توفير المدّ اللّوجستيّ اللاّزم.
ويجب على كلّ خارطة طريق مظبوطة من قبل كلّ بنك بخصوص الاصلاحات الوقائيّة و الترتيبيّة أن تكون مصادق عليها من قبل مجلس الادارة. وتسهر كلّ من لجنة المخاطر ولجنة التّدقيق صلب كلّ بنك على متابعة حسن تنفيذ هاته الاصلاحات وعلى قيام اللّجنة المحدثة مسبّقا للغرض والمكلّفة بهذا البرنامج على أداء مهّامها بكلّ حرفيّة وحياديّة.
والجدير بالذّكر أنّ كلّ بنك ملزم بتعيين مسؤول على خليّة البيانات أو ما شابهها لتنسيق مهمّة حوكمة البيانات. وتكون هاته الخليّة عادة من أنظار الادارة العامّة أو الادارة الماليّة أو ادارة المخاطر أو أحيانا ادارة الاعلاميّة.
ويكون كلّ بنك ملزم باعتماد قاعدة للبيانات المستعملة تتوفّر فيها حدّ أدنى من التّنظيم المحكم للمعلومات لكي تتماشى مع معيار BCBS 239 المنبثق عن لجنة بازل للرقابة المصرفية. يُركّز هذا الأخير على مبادئ التجميع الفعال لبيانات المخاطر وإعداد التقارير عنها بهدف ضمان قدرة البنوك على تقييم المخاطر بدقة والتخفيف من حدتها ان حصلت، وهو أمرٌ ضروري لاستقرار الأنظمة المالية وفرض أقصى درجات الجاهزيّة لمواجهة أيّ تحدّيات. وقد أثبتت التّجربة العالميّة أنّ التدرّب على الجاهزيّة ليس ترفا، بل استثمارا يدرّ أضعاف تكلفته ساعة الخطر.
يكتمل نجاح هذا المشروع بالتّفاعل الايجابيّ المنتظر مع حزمة الاصلاحات المقترحة و المساعدة على اتّخاذ الاجراءات اللاّزمة لضمان أقصى درجات الشّفافيّة والمصداقيّة بخصوص البيانات الماليّة المقدّمة في واقع الحال. يمكّن هذا من مزيد المساهمة في بناء منظومة حوكمة ماليّة متينة واستراتجيات فعّالة لادارة المخاطر ممّا يجعل من هذا الاصلاح احدى لبنات المستقبل الذّي يبنى بالاستباق لا بالانتظار.
حليم البرتاجي
يفصل البنوك والمؤسّسات الماليّة عن ضبط المخطّط الاستراتيجيّ الخاصّ بها لتنفيذ برنامج الاصلاح المعتمد من قبل البنك المركزيّ التّونسيّ والمتعلّق بتطبيق جملة من التّدابير الوقائيّة و الترتيبيّة و الاعلام به أيّام معدودات، اذ حدّد اخر شهر سبتمبر كأجل أقصى لتقديم المخطّط المشار اليه اعلاه.
يأتي هذا الاجراء من البنك المركزيّ التّونسيّ كخطوة أخرى على درب الحداثة و بناء منظومة ماليّة متينة هدفها الرّيادة و منطلقها رؤية استشرافيّة و عقليّة استراتيجيّة تلتزم بالمعايير الدوليّة ممّا يفتح الطّريق أمام مزيد النموّ و الاستدامة.
فلقد صدر بتاريخ 16 ماي 2025 منشور البنك المركزيّ التّونسيّ عدد 08 لسنة 2025 المتعلّق بالاجراءات الأوّليّة لتركيز اصلاحات وقائيّة و ترتيبيّة قائمة على عديد الأسس من جهة و ضابطة لعدد من الاجراءات الواجب اتّخاذها من قبل جميع المتداخلين من جهة أخرى.
يتمحور برنامج الاصلاح حول ثلاثة أسس، أوّلها تطبيق معايير كفاية الموارد الذّاتيّة. و يقوم ذلك على تحديث المقصود بالموارد الذّاتية الحمائيّة و الحدّ الأدنى المطلوب طبقا لمقتضيات بازل III ، اذ تقدّم الأخيرة شروط أكثر صرامة هدفها تأمين رأس المال بشكل تحافظ فيه البنوك على حدّ أدنى من رأس المال مقارنة بأصولها المرجّحة بالمخاطر.
و يشمل كذلك،اضافة لتحديث المقصود المشار اليه أعلاه، مراجعة التوجّه المعتمد لاحتساب مخاطر القروض باعتماد معيار « SCRA » ومراجعة الطّريقة المعتمدة لتحديد ما يلزم من موارد ذاتيّة بعنوان المخاطر التشغيليّة انطلاقا من مبادئ « SMA » ومراجعة قواعد توزّع وتركّز المخاطر.
ويتعلّق الأساس الثّاني بالمراجعة الشّاملة للاطار العامّ للتّصنيف ولتغطية مخاطر القروض، لتنطوي بذلك عمليّة تصنيف أنواع القروض على تحديد درجة الجودة للقرض الذي يستند إلى تاريخ الائتمان وجودة الضمانات واحتمالية السداد.
يأتي ذلك في سياق متّصل مع أحكام منشور البنك المركزيّ عدد 5 لسنة 2023 و الصّادر بتاريخ 10أكتوبر 2023 والمتعلّق بإرساء الرقابة على أساس مجمّع. وتهدف الرّقابة على أساس مجمّع إلى إرساء إطار رقابي يمكّن من حسن متابعة مخاطر ورصدها على مستوى مجمّع بما يمكّن من الحفاظ على صلابتها المالية. و يتعيّن على البنوك والمؤسّسات المالية المعنية إرساء الأطر التنظيمية الداخلية لإعداد التصاريح الى البنك المركزي التونسي واحتساب معايير التصرف الحذر على أساس مجمّع، فالرّقابة المجمّعة تلعب دور الحامي لهذه التجمّعات بأخذها بعين الاعتبار لمختلف المخاطر التّي تهمّ الأصول والفروع ممّا يقف حائلا أمام أيّ عدوى بينها للمخاطر.
تجدر الاشارة في هذا الباب الى أنّه بالنّسبة لأغلب البنوك الاسلاميّة عبر العالم فانّه يتمّ تطبّق المعايير المحاسبيّة الصّادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ( Les normes AAOIFI ) .
ويبرز أساس الاصلاح الثالث على مستوى اعتماد المعيار المحاسبي الدولي للأدوات المالية رقم 9 (IFRS 9) بهدف تحسين وتوحيد كيفية الاعتراف والقياس وانخفاض القيمة والإفصاح عن الأدوات المالية في القوائم المالية.
والجدير بالذّكر في هذا السّياق أنّ المساعي حثيثة لاعتماد هذا المعيار المحاسبيّ من قبل الجميع على أمل المصادقة و النّشر في أقرب الاجال للقانون المتعلّق بتطبيقه. و يلاحظ أنّ الهيئة الوطنيّة للمحاسبين قد قرّرت في 06 سبتمبر 2018 تبنّي هذا المعيار صلب القطاع البنكيّ التّونسيّ، ممّا يجعل من تدخّل المشرّع وتأطير هذه النّقطة أمرا ذا أولويّة.
ينتظر في سياق اخر، وتفاعلا مع هاته الاصلاحات الرّائدة، أن تتّخذ البنوك والمؤسّسات الماليّة القرارات الاستراتيجيّة اللاّزمة لاعتماد هذا المشروع. ويكون ذلك بالأساس على مستوى الحوكمة والقيادة بالاستئناس خاصّة بالمشهود لهم بالكفاءة العلميّة والعمليّة وذوي الخبرة في التّسيير و الادارة مع توفير المدّ اللّوجستيّ اللاّزم.
ويجب على كلّ خارطة طريق مظبوطة من قبل كلّ بنك بخصوص الاصلاحات الوقائيّة و الترتيبيّة أن تكون مصادق عليها من قبل مجلس الادارة. وتسهر كلّ من لجنة المخاطر ولجنة التّدقيق صلب كلّ بنك على متابعة حسن تنفيذ هاته الاصلاحات وعلى قيام اللّجنة المحدثة مسبّقا للغرض والمكلّفة بهذا البرنامج على أداء مهّامها بكلّ حرفيّة وحياديّة.
والجدير بالذّكر أنّ كلّ بنك ملزم بتعيين مسؤول على خليّة البيانات أو ما شابهها لتنسيق مهمّة حوكمة البيانات. وتكون هاته الخليّة عادة من أنظار الادارة العامّة أو الادارة الماليّة أو ادارة المخاطر أو أحيانا ادارة الاعلاميّة.
ويكون كلّ بنك ملزم باعتماد قاعدة للبيانات المستعملة تتوفّر فيها حدّ أدنى من التّنظيم المحكم للمعلومات لكي تتماشى مع معيار BCBS 239 المنبثق عن لجنة بازل للرقابة المصرفية. يُركّز هذا الأخير على مبادئ التجميع الفعال لبيانات المخاطر وإعداد التقارير عنها بهدف ضمان قدرة البنوك على تقييم المخاطر بدقة والتخفيف من حدتها ان حصلت، وهو أمرٌ ضروري لاستقرار الأنظمة المالية وفرض أقصى درجات الجاهزيّة لمواجهة أيّ تحدّيات. وقد أثبتت التّجربة العالميّة أنّ التدرّب على الجاهزيّة ليس ترفا، بل استثمارا يدرّ أضعاف تكلفته ساعة الخطر.
يكتمل نجاح هذا المشروع بالتّفاعل الايجابيّ المنتظر مع حزمة الاصلاحات المقترحة و المساعدة على اتّخاذ الاجراءات اللاّزمة لضمان أقصى درجات الشّفافيّة والمصداقيّة بخصوص البيانات الماليّة المقدّمة في واقع الحال. يمكّن هذا من مزيد المساهمة في بناء منظومة حوكمة ماليّة متينة واستراتجيات فعّالة لادارة المخاطر ممّا يجعل من هذا الاصلاح احدى لبنات المستقبل الذّي يبنى بالاستباق لا بالانتظار.