لا تُعدّ العلاقات التونسية الجزائرية مجرّد علاقات جوار جغرافي أو قرب ثقافي، بل تجاوزت ذلك إلى حركية تجارية متزايدة ومتجددة. فبلغة الأرقام، وخلال السنوات العشر الأخيرة، بلغ معدّل نمو المبادلات التجارية البينية بين تونس والجزائر 11.4 %، وفق ما أكّده الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات، مراد بلحسين.
وتُعدّ هذه النسبة لافتة بالنظر إلى أنها تفوق معدل تطور المبادلات مع بقية الشركاء خلال العقد الماضي، بـ2.5 نقطة مئوية، حيث لم تتجاوز النسبة مع بقية الشركاء 8.9 % . وخلال السنوات الثلاث الماضية، سجّل التعاون التجاري بين البلدين ارتفاعا متواصلا، إذ بلغت قيمة المبادلات التجارية 7.7 مليار دينار سنة 2024، بزيادة قدرها 0.9 مليار دينار مقارنة بسنة 2023، التي بلغت فيها المبادلات 6.8 مليار دينار، فيما كانت سنة 2022 في حدود 5.9 مليار دينار. كما شهدت الصادرات التونسية انتعاشة لافتة، حيث سجلت نموًا سنويًا بنسبة 28.8 % خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2024.
انتعاشة قوية للصادرات نحو الجزائر
هذا الأداء القوي للصادرات لم يفقد زخمه خلال الأشهر الأخيرة، إذ أشار المعهد الوطني للإحصاء، في نشرته حول «التجارة الخارجية بالأسعار الجارية»، إلى أن الصادرات التونسية نحو الجزائر ارتفعت بنسبة 18 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2025.
وشكل المعرض الإفريقي للتجارة البينية (IATF 2025)، في دورته الرابعة، الذي استضافته الجزائر العاصمة من 4 إلى 10 سبتمبر 2025، فرصة جديدة للتأكيد على أهمية تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وإبراز الحاجة إلى آليات حديثة تدعم هذا التطور في المبادلات.
وفي هذا الإطار، تم التأكيد، خلال لقاء جمع وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، بوزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية الجزائري، الطيب زيتوني، على هامش فعاليات المعرض، أن المرحلة المقبلة من العلاقات الثنائية تتطلّب إرساء آليات جديدة لتكريس وتحقيق التكامل الاقتصادي بين تونس والجزائر، بما يخدم مصالح الشعبين.
كما شدّد الجانبان على أهمية تكثيف اللقاءات الثنائية لإزالة العراقيل التي تحول دون تطوير التبادل التجاري، بالإضافة إلى تعزيز تبادل الخبرات، والتوجه المشترك نحو الأسواق الإفريقية، بما يسمح للمصدّرين من البلدين بالنفاذ الفعّال إلى هذه الأسواق المستهدفة.
استفادة من اتفاقية «زليكاف»
وفي كلمته خلال المعرض، شدد وزير التجارة وتنمية الصادرات على ضرورة الاستفادة القصوى من الامتيازات والآليات التي توفرها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية «زليكاف»، لتحقيق اندماج قاري ناجح، وتكثيف الجهود مع الدول الشقيقة والصديقة، خاصة الجزائر، لبناء قارة أكثر تنافسية وازدهارًا، وتعويلًا على الذات.
حرص تونسي-جزائري على النفاذ المشترك للأسواق الإفريقية
ويعكس هذا اللقاء التونسي-الجزائري حرصا مشتركا على جعل الأسواق الإفريقية وجهة رئيسية للسلع التونسية والجزائرية، في ظل قناعة متزايدة بأن اقتحام هذه الأسواق الواعدة والقوية، واستكشاف فرص الاستثمار والأعمال فيها، يتطلّب استراتيجية مشتركة، بنّاءة، تستهدف مصلحة الشعبين وتفتح بوابة جديدة في إفريقيا للتنمية المشتركة مع الشركاء الجزائريين.
أما من حيث تركيبة الصادرات التونسية إلى الجزائر في سنة 2024، فقد تميّزت بالتنوّع، حيث احتل قطاع الصناعات الميكانيكية المرتبة الأولى بنسبة 35.3 % من إجمالي الصادرات، يليه قطاع الصناعات المعملية بنسبة 29.8 %، ثم قطاع آليات النقل بنسبة 1.4 %.
ويُعدّ تفوّق قطاع الصناعات الميكانيكية أمرا طبيعيا، نظرا لريادة تونس في هذا المجال على المستوى الإفريقي، إذ تنشط في البلاد أكثر من 300 مؤسسة في قطاع صناعة مكونات السيارات والمعدات، توفّر نحو 120 ألف موطن شغل، وقد سجّلت تونس خلال العقد الأخير نموا سنويا في هذا القطاع بنسبة تقارب 12 %.
الواردات من الجزائر.. سيطرة قطاع الطاقة
وعلى عكس الصادرات، فإن تركيبة الواردات من الجزائر تفتقر إلى التنوع، حيث يُهيمن عليها قطاع الطاقة، لا سيما الغاز الطبيعي والكهرباء، ما يجعل الجزائر من كبار مزودي تونس بالطاقة.
فحسب بيانات نشرها المرصد الوطني للطاقة ضمن نشرية جويلية 2025، ساهمت الجزائر، مع نهاية الشهر ذاته، في تغطية 11 % من الحاجيات الوطنية من الكهرباء، في وقت سجّل فيه إنتاج الكهرباء ارتفاعا بنسبة 4 % مقارنة بجويلية 2024، ليبلغ نحو 11,631 جيغاواط/ساعة.
الجزائر سوق واعدة للمنتجات التونسية
ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي لا تزال الشريك التجاري الأول لتونس، فإن السوق الجزائرية تُعدّ سوقا واعدة للسلع التونسية، بالنظر إلى النمو اللافت للصادرات نحوها، وثراء المنتوجات التونسية المُوجّهة لها، والتي تشمل أساسا المواد المعدنية، والصناعات الميكانيكية، والمنتجات البلاستيكية، والمواد الكيميائية، والإسمنت، وأجهزة القياس، ومعدات البناء. وتُمثّل هذه العوامل مجتمعة حوافز قوية لتوسيع نطاق المنتجات التونسية الموجّهة إلى الجزائر، مع إمكانية تنمية الصادرات لتشمل قطاعات إضافية، من بينها الملابس الجاهزة، والخدمات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الحديثة.
وفي هذا الإطار، صرّح المحلل المالي والأستاذ الجامعي، زياد أيوب، لـ»الصباح»، بأن حظوظ تونس كبيرة لتنويع صادراتها إلى الجزائر في عدة مجالات، من بينها الصناعات الغذائية والخدمات، خاصة في مجالات الإعلامية، والاستشارات، والمالية.
وأشار إلى أن الشركات الناشئة التونسية يمكن أن تلعب دورا فعالا في هذا الاتجاه، بفضل مجهوداتها المتواصلة في هذه القطاعات الواعدة.
وأوضح أن التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، قد تجعل من الجزائر ملاذا آمنا لصادرات تونس، لا سيما في ظل تهديدات محتملة قد تطال ممرات استراتيجية مثل باب المندب أو مضيق هرمز، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وربما حتى إلى توقفها التام.
وأضاف أن الجزائر، نظرا لتقاسمها حدودا برية طويلة وغير وعرة مع تونس، تمثل شريكا مثاليا من الناحية اللوجستية، خلافا لدول أخرى.
مقترح المعاملات بالعملات المحلية
واقترح زياد أيوب ضمن تصريحاته، أن يتم العمل على اعتماد العملات المحلية — الدينار التونسي والدينار الجزائري — في المبادلات التجارية بين البلدين، لما لذلك من أثر في تشجيع المصدّرين، وخفض الضغط على احتياطي العملة الأجنبية، والحفاظ على نسق عدد أيام التوريد، خصوصا وأن تكاليف الواردات عادة ما تُدفع بالعملة الصعبة.
اللجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية ستُعقد هذا العام
من المنتظر أن تُعقد اللجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية خلال هذا العام، باعتبارها أحد أبرز أطر دعم التعاون الثنائي، لا سيما على المستويين التجاري والاقتصادي، بهدف إرساء شراكة استراتيجية فاعلة ودائمة.
يُذكر أن الدورة 22 للجنة المشتركة الكبرى عُقدت بالجزائر من 2 إلى 4 أكتوبر 2023، وأثمرت توقيع 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين، شملت عدة قطاعات.
ويبحث البلدان حاليا تطوير الاتفاق التجاري التفاضلي، بهدف رفع جميع الحواجز الجمركية وغير الجمركية، إلى جانب تذليل الصعوبات الفنية والإجرائية.
درصاف اللموشي
لا تُعدّ العلاقات التونسية الجزائرية مجرّد علاقات جوار جغرافي أو قرب ثقافي، بل تجاوزت ذلك إلى حركية تجارية متزايدة ومتجددة. فبلغة الأرقام، وخلال السنوات العشر الأخيرة، بلغ معدّل نمو المبادلات التجارية البينية بين تونس والجزائر 11.4 %، وفق ما أكّده الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات، مراد بلحسين.
وتُعدّ هذه النسبة لافتة بالنظر إلى أنها تفوق معدل تطور المبادلات مع بقية الشركاء خلال العقد الماضي، بـ2.5 نقطة مئوية، حيث لم تتجاوز النسبة مع بقية الشركاء 8.9 % . وخلال السنوات الثلاث الماضية، سجّل التعاون التجاري بين البلدين ارتفاعا متواصلا، إذ بلغت قيمة المبادلات التجارية 7.7 مليار دينار سنة 2024، بزيادة قدرها 0.9 مليار دينار مقارنة بسنة 2023، التي بلغت فيها المبادلات 6.8 مليار دينار، فيما كانت سنة 2022 في حدود 5.9 مليار دينار. كما شهدت الصادرات التونسية انتعاشة لافتة، حيث سجلت نموًا سنويًا بنسبة 28.8 % خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2024.
انتعاشة قوية للصادرات نحو الجزائر
هذا الأداء القوي للصادرات لم يفقد زخمه خلال الأشهر الأخيرة، إذ أشار المعهد الوطني للإحصاء، في نشرته حول «التجارة الخارجية بالأسعار الجارية»، إلى أن الصادرات التونسية نحو الجزائر ارتفعت بنسبة 18 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2025.
وشكل المعرض الإفريقي للتجارة البينية (IATF 2025)، في دورته الرابعة، الذي استضافته الجزائر العاصمة من 4 إلى 10 سبتمبر 2025، فرصة جديدة للتأكيد على أهمية تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وإبراز الحاجة إلى آليات حديثة تدعم هذا التطور في المبادلات.
وفي هذا الإطار، تم التأكيد، خلال لقاء جمع وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، بوزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية الجزائري، الطيب زيتوني، على هامش فعاليات المعرض، أن المرحلة المقبلة من العلاقات الثنائية تتطلّب إرساء آليات جديدة لتكريس وتحقيق التكامل الاقتصادي بين تونس والجزائر، بما يخدم مصالح الشعبين.
كما شدّد الجانبان على أهمية تكثيف اللقاءات الثنائية لإزالة العراقيل التي تحول دون تطوير التبادل التجاري، بالإضافة إلى تعزيز تبادل الخبرات، والتوجه المشترك نحو الأسواق الإفريقية، بما يسمح للمصدّرين من البلدين بالنفاذ الفعّال إلى هذه الأسواق المستهدفة.
استفادة من اتفاقية «زليكاف»
وفي كلمته خلال المعرض، شدد وزير التجارة وتنمية الصادرات على ضرورة الاستفادة القصوى من الامتيازات والآليات التي توفرها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية «زليكاف»، لتحقيق اندماج قاري ناجح، وتكثيف الجهود مع الدول الشقيقة والصديقة، خاصة الجزائر، لبناء قارة أكثر تنافسية وازدهارًا، وتعويلًا على الذات.
حرص تونسي-جزائري على النفاذ المشترك للأسواق الإفريقية
ويعكس هذا اللقاء التونسي-الجزائري حرصا مشتركا على جعل الأسواق الإفريقية وجهة رئيسية للسلع التونسية والجزائرية، في ظل قناعة متزايدة بأن اقتحام هذه الأسواق الواعدة والقوية، واستكشاف فرص الاستثمار والأعمال فيها، يتطلّب استراتيجية مشتركة، بنّاءة، تستهدف مصلحة الشعبين وتفتح بوابة جديدة في إفريقيا للتنمية المشتركة مع الشركاء الجزائريين.
أما من حيث تركيبة الصادرات التونسية إلى الجزائر في سنة 2024، فقد تميّزت بالتنوّع، حيث احتل قطاع الصناعات الميكانيكية المرتبة الأولى بنسبة 35.3 % من إجمالي الصادرات، يليه قطاع الصناعات المعملية بنسبة 29.8 %، ثم قطاع آليات النقل بنسبة 1.4 %.
ويُعدّ تفوّق قطاع الصناعات الميكانيكية أمرا طبيعيا، نظرا لريادة تونس في هذا المجال على المستوى الإفريقي، إذ تنشط في البلاد أكثر من 300 مؤسسة في قطاع صناعة مكونات السيارات والمعدات، توفّر نحو 120 ألف موطن شغل، وقد سجّلت تونس خلال العقد الأخير نموا سنويا في هذا القطاع بنسبة تقارب 12 %.
الواردات من الجزائر.. سيطرة قطاع الطاقة
وعلى عكس الصادرات، فإن تركيبة الواردات من الجزائر تفتقر إلى التنوع، حيث يُهيمن عليها قطاع الطاقة، لا سيما الغاز الطبيعي والكهرباء، ما يجعل الجزائر من كبار مزودي تونس بالطاقة.
فحسب بيانات نشرها المرصد الوطني للطاقة ضمن نشرية جويلية 2025، ساهمت الجزائر، مع نهاية الشهر ذاته، في تغطية 11 % من الحاجيات الوطنية من الكهرباء، في وقت سجّل فيه إنتاج الكهرباء ارتفاعا بنسبة 4 % مقارنة بجويلية 2024، ليبلغ نحو 11,631 جيغاواط/ساعة.
الجزائر سوق واعدة للمنتجات التونسية
ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي لا تزال الشريك التجاري الأول لتونس، فإن السوق الجزائرية تُعدّ سوقا واعدة للسلع التونسية، بالنظر إلى النمو اللافت للصادرات نحوها، وثراء المنتوجات التونسية المُوجّهة لها، والتي تشمل أساسا المواد المعدنية، والصناعات الميكانيكية، والمنتجات البلاستيكية، والمواد الكيميائية، والإسمنت، وأجهزة القياس، ومعدات البناء. وتُمثّل هذه العوامل مجتمعة حوافز قوية لتوسيع نطاق المنتجات التونسية الموجّهة إلى الجزائر، مع إمكانية تنمية الصادرات لتشمل قطاعات إضافية، من بينها الملابس الجاهزة، والخدمات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الحديثة.
وفي هذا الإطار، صرّح المحلل المالي والأستاذ الجامعي، زياد أيوب، لـ»الصباح»، بأن حظوظ تونس كبيرة لتنويع صادراتها إلى الجزائر في عدة مجالات، من بينها الصناعات الغذائية والخدمات، خاصة في مجالات الإعلامية، والاستشارات، والمالية.
وأشار إلى أن الشركات الناشئة التونسية يمكن أن تلعب دورا فعالا في هذا الاتجاه، بفضل مجهوداتها المتواصلة في هذه القطاعات الواعدة.
وأوضح أن التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، قد تجعل من الجزائر ملاذا آمنا لصادرات تونس، لا سيما في ظل تهديدات محتملة قد تطال ممرات استراتيجية مثل باب المندب أو مضيق هرمز، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وربما حتى إلى توقفها التام.
وأضاف أن الجزائر، نظرا لتقاسمها حدودا برية طويلة وغير وعرة مع تونس، تمثل شريكا مثاليا من الناحية اللوجستية، خلافا لدول أخرى.
مقترح المعاملات بالعملات المحلية
واقترح زياد أيوب ضمن تصريحاته، أن يتم العمل على اعتماد العملات المحلية — الدينار التونسي والدينار الجزائري — في المبادلات التجارية بين البلدين، لما لذلك من أثر في تشجيع المصدّرين، وخفض الضغط على احتياطي العملة الأجنبية، والحفاظ على نسق عدد أيام التوريد، خصوصا وأن تكاليف الواردات عادة ما تُدفع بالعملة الصعبة.
اللجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية ستُعقد هذا العام
من المنتظر أن تُعقد اللجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية خلال هذا العام، باعتبارها أحد أبرز أطر دعم التعاون الثنائي، لا سيما على المستويين التجاري والاقتصادي، بهدف إرساء شراكة استراتيجية فاعلة ودائمة.
يُذكر أن الدورة 22 للجنة المشتركة الكبرى عُقدت بالجزائر من 2 إلى 4 أكتوبر 2023، وأثمرت توقيع 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين، شملت عدة قطاعات.
ويبحث البلدان حاليا تطوير الاتفاق التجاري التفاضلي، بهدف رفع جميع الحواجز الجمركية وغير الجمركية، إلى جانب تذليل الصعوبات الفنية والإجرائية.