إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحسّن مناخ الأعمال واستعادة بعض القطاعات لعافيتها.. قفزة إيجابية في أرباح الشركات التونسية والنسيج الاقتصادي يستعيد حيويته

-الربح نصف السنوي الإجمالي للشركات المدرجة بالبورصة يتجاوز 1,6 مليار دينار

-القطاع المالي يقود ركب النمو.. وقطاع الخدمات يحقق أفضل أداء نصف سنوي

سجّلت البورصة التونسية خلال النصف الأول من سنة 2025 مؤشّرات إيجابية تعكس نشاطا ملحوظا في أداء الشركات المدرجة، حيث بلغ الربح نصف السنوي الإجمالي للشركات التي نشرت قوائمها المالية 1,6 مليار دينار، مسجّلًا نموًّا بنسبة 9,3 % مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، التي توقّف فيها الربح عند حدود 1,464 مليار دينار. ويعكس هذا التطور مدى قدرة النسيج الاقتصادي الوطني على التكيّف مع المتغيرات المحلية والدولية، رغم التحديات التي تواجه مختلف القطاعات.

من بين 62 شركة قامت بنشر بياناتها من أصل 75 شركة مدرجة، تمكّنت 57 شركة من تحقيق أرباح صافية، في حين لم تسجّل سوى 5 شركات نتائج سلبية، مقابل 7 شركات في السنة الماضية، وهو ما يُعد مؤشّرًا إضافيّا على تحسّن مناخ الأعمال واستعادة بعض القطاعات لعافيتها. أما على صعيد التطور النوعي، فقد تمكّنت 34 شركة مدرجة من تحسين نتائجها بشكل ملموس مقارنة بالنصف الأول من العام المنقضي، الأمر الذي يعكس جهودًا متواصلة في إعادة الهيكلة، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتبني استراتيجيات أكثر مرونة.

وعلى مستوى مؤشر Tunindex20، الذي يضم كبرى الشركات المدرجة، فقد استحوذت هذه المؤسسات على 79 % من إجمالي الأرباح نصف السنوية، حيث بلغت أرباحها 1,262 مليار دينار مقابل 1,162 مليار دينار خلال الفترة نفسها من سنة 2024، مسجّلة نموًّا بنسبة 8,6 %. وتؤكّد هذه الأرقام الثقل الكبير للشركات الكبرى في دفع مؤشرات البورصة، كما تعكس دورها الحيوي في تنشيط الدورة الاقتصادية الوطنية.

انتعاش القطاع المالي

فيما يتعلّق بالقطاع المالي، وهو الأكثر تمثيلا في السوق بـ29 شركة مدرجة، فقد واصل تعزيز مكانته الأساسية في المشهد الاقتصادي، إذ بلغ مجموع أرباح هذا القطاع 1,070 مليار دينار خلال النصف الأول من سنة 2025، مقابل 998 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024، مسجّلًا بذلك نموًّا بنسبة 7,1 %. ويعكس هذا الأداء قدرة البنوك والمؤسسات المالية على استيعاب التحديات الاقتصادية وتوظيف الفرص الاستثمارية، ما يُسهم في تعزيز الثقة بالقطاع المالي كركيزة أساسية للنمو.

أما شركات الإيجار المالي المدرجة في البورصة، وعددها سبع، فقد سجّلت ارتفاعًا في نتائجها الإجمالية بنسبة 5,8 %، لتبلغ 54 مليون دينار مقابل 51 مليون دينار في السنة الماضية. ويُجسّد هذا التطور المتدرّج تنامي الحاجة إلى حلول التمويل البديلة، ودور هذه المؤسسات في تسهيل نشاط المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

أداء جيّد لقطاع الخدمات

وفي سياق متّصل، برز قطاع خدمات المستهلكين كأحد أبرز الرابحين خلال هذه الفترة، حيث حقّق قفزة نوعية بنسبة 60,6 %، مدفوعًا بتحسّن الأداء في أنشطة التوزيع والبيع بالتجزئة. وقد نجح هذا القطاع في تحقيق نتائج إيجابية بلغت 1,2 مليون دينار، بعد أن تكبّد خسائر بقيمة 11,9 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام السابق. أما وكلاء السيارات المدرجون، باستثناء شركة واحدة، فقد حقّقوا زيادة معتبرة في أرباحهم بنسبة 36,2 %، لتصل إلى 84 مليون دينار مقابل 62 مليون دينار في النصف الأول من سنة 2024، وهو ما يعكس عودة تدريجية للطلب على السيارات وتوسّع السوق في هذا المجال.

من جانبه، حقّق قطاع السلع الاستهلاكية نموّا بنسبة 7 % في نتائجه نصف السنوية مقارنة بالسنة الماضية، ويُعزى هذا الأداء إلى ارتفاع ملحوظ في مبيعات قطاع المنتجات المنزلية ومنتجات العناية، الذي سجّل بدوره نموًّا بنسبة 14,2 %. كما ساهمت المجموعات الثلاث الكبرى الناشطة في الصناعات الغذائية في تحقيق نتائج جيّدة، من خلال زيادة أرباحها بنسبة 5,1 %، لتبلغ 288 مليون دينار مقابل 274 مليون دينار في الفترة نفسها من السنة الماضية، وهو ما يعكس استقرارا نسبيّا في هذا القطاع الاستراتيجي.

نموّ القطاع الصناعي

أما قطاع الصناعات، فقد واصل مسار النمو بتسجيل زيادة بنسبة 15,5 % في نتائجه نصف السنوية، ليبلغ 58 مليون دينار مقابل 50 مليون دينار خلال النصف الأول من سنة 2024. ويعكس هذا الأداء جهود المؤسسات الصناعية في تطوير الإنتاج وتبنّي استراتيجيات مبتكرة، رغم الضغوط المرتبطة بارتفاع كلفة المواد الأولية والطاقة.

في المقابل، شكّل قطاع المواد الأساسية الاستثناء الوحيد في هذا المسار الإيجابي، حيث تراجعت نتائجه بنسبة 14,5 %، لتبلغ 29 مليون دينار مقابل 34 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024. ويُعزى هذا الانخفاض إلى جملة من العوامل المرتبطة بتقلّبات أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، وتباطؤ الطلب في بعض القطاعات المرتبطة بالبناء والأشغال العامة.

وتُبرز هذه النتائج، في مجملها، تحسّنا ملحوظا في أداء مختلف القطاعات الاقتصادية المدرجة في البورصة، مع تسجيل تفاوت في نسب النمو من قطاع إلى آخر. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام يعكس حيوية متجدّدة للاقتصاد الوطني، وقدرته على استعادة نشاطه الإيجابي تدريجيّا، بدعم قوي من القطاعات المالية والاستهلاكية والصناعية.

كما أن النمو الذي حقّقته الشركات الكبرى المكوِّنة لمؤشر Tunindex20 يُجسّد أهمية هذه المؤسسات كقاطرة رئيسية لدفع النشاط الاقتصادي والاستثمار في البلاد.

ومن المنتظر أن يكون لهذه النتائج انعكاس إيجابي على مناخ الأعمال وثقة المستثمرين المحليين والأجانب في السوق التونسية. فهذه المؤشرات تمثّل رسالة واضحة حول متانة النسيج الاقتصادي الوطني، وقدرته على تحقيق نتائج إيجابية رغم الصعوبات، كما تفتح آفاقا جديدة أمام الاستثمارات في قطاعات واعدة.

ولعلّ التحدّي الأكبر يكمن في تعزيز استدامة هذا النمو، من خلال إصلاحات هيكلية، وتطوير بيئة الأعمال بما يضمن مواصلة هذه المؤشرات الإيجابية خلال الفترات القادمة، ويساعد في توجيه الاقتصاد نحو مسار أكثر استقرارا وازدهارا.

سفيان المهداوي

تحسّن مناخ الأعمال واستعادة بعض القطاعات لعافيتها..   قفزة إيجابية في أرباح الشركات التونسية والنسيج الاقتصادي يستعيد حيويته

-الربح نصف السنوي الإجمالي للشركات المدرجة بالبورصة يتجاوز 1,6 مليار دينار

-القطاع المالي يقود ركب النمو.. وقطاع الخدمات يحقق أفضل أداء نصف سنوي

سجّلت البورصة التونسية خلال النصف الأول من سنة 2025 مؤشّرات إيجابية تعكس نشاطا ملحوظا في أداء الشركات المدرجة، حيث بلغ الربح نصف السنوي الإجمالي للشركات التي نشرت قوائمها المالية 1,6 مليار دينار، مسجّلًا نموًّا بنسبة 9,3 % مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، التي توقّف فيها الربح عند حدود 1,464 مليار دينار. ويعكس هذا التطور مدى قدرة النسيج الاقتصادي الوطني على التكيّف مع المتغيرات المحلية والدولية، رغم التحديات التي تواجه مختلف القطاعات.

من بين 62 شركة قامت بنشر بياناتها من أصل 75 شركة مدرجة، تمكّنت 57 شركة من تحقيق أرباح صافية، في حين لم تسجّل سوى 5 شركات نتائج سلبية، مقابل 7 شركات في السنة الماضية، وهو ما يُعد مؤشّرًا إضافيّا على تحسّن مناخ الأعمال واستعادة بعض القطاعات لعافيتها. أما على صعيد التطور النوعي، فقد تمكّنت 34 شركة مدرجة من تحسين نتائجها بشكل ملموس مقارنة بالنصف الأول من العام المنقضي، الأمر الذي يعكس جهودًا متواصلة في إعادة الهيكلة، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتبني استراتيجيات أكثر مرونة.

وعلى مستوى مؤشر Tunindex20، الذي يضم كبرى الشركات المدرجة، فقد استحوذت هذه المؤسسات على 79 % من إجمالي الأرباح نصف السنوية، حيث بلغت أرباحها 1,262 مليار دينار مقابل 1,162 مليار دينار خلال الفترة نفسها من سنة 2024، مسجّلة نموًّا بنسبة 8,6 %. وتؤكّد هذه الأرقام الثقل الكبير للشركات الكبرى في دفع مؤشرات البورصة، كما تعكس دورها الحيوي في تنشيط الدورة الاقتصادية الوطنية.

انتعاش القطاع المالي

فيما يتعلّق بالقطاع المالي، وهو الأكثر تمثيلا في السوق بـ29 شركة مدرجة، فقد واصل تعزيز مكانته الأساسية في المشهد الاقتصادي، إذ بلغ مجموع أرباح هذا القطاع 1,070 مليار دينار خلال النصف الأول من سنة 2025، مقابل 998 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024، مسجّلًا بذلك نموًّا بنسبة 7,1 %. ويعكس هذا الأداء قدرة البنوك والمؤسسات المالية على استيعاب التحديات الاقتصادية وتوظيف الفرص الاستثمارية، ما يُسهم في تعزيز الثقة بالقطاع المالي كركيزة أساسية للنمو.

أما شركات الإيجار المالي المدرجة في البورصة، وعددها سبع، فقد سجّلت ارتفاعًا في نتائجها الإجمالية بنسبة 5,8 %، لتبلغ 54 مليون دينار مقابل 51 مليون دينار في السنة الماضية. ويُجسّد هذا التطور المتدرّج تنامي الحاجة إلى حلول التمويل البديلة، ودور هذه المؤسسات في تسهيل نشاط المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

أداء جيّد لقطاع الخدمات

وفي سياق متّصل، برز قطاع خدمات المستهلكين كأحد أبرز الرابحين خلال هذه الفترة، حيث حقّق قفزة نوعية بنسبة 60,6 %، مدفوعًا بتحسّن الأداء في أنشطة التوزيع والبيع بالتجزئة. وقد نجح هذا القطاع في تحقيق نتائج إيجابية بلغت 1,2 مليون دينار، بعد أن تكبّد خسائر بقيمة 11,9 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام السابق. أما وكلاء السيارات المدرجون، باستثناء شركة واحدة، فقد حقّقوا زيادة معتبرة في أرباحهم بنسبة 36,2 %، لتصل إلى 84 مليون دينار مقابل 62 مليون دينار في النصف الأول من سنة 2024، وهو ما يعكس عودة تدريجية للطلب على السيارات وتوسّع السوق في هذا المجال.

من جانبه، حقّق قطاع السلع الاستهلاكية نموّا بنسبة 7 % في نتائجه نصف السنوية مقارنة بالسنة الماضية، ويُعزى هذا الأداء إلى ارتفاع ملحوظ في مبيعات قطاع المنتجات المنزلية ومنتجات العناية، الذي سجّل بدوره نموًّا بنسبة 14,2 %. كما ساهمت المجموعات الثلاث الكبرى الناشطة في الصناعات الغذائية في تحقيق نتائج جيّدة، من خلال زيادة أرباحها بنسبة 5,1 %، لتبلغ 288 مليون دينار مقابل 274 مليون دينار في الفترة نفسها من السنة الماضية، وهو ما يعكس استقرارا نسبيّا في هذا القطاع الاستراتيجي.

نموّ القطاع الصناعي

أما قطاع الصناعات، فقد واصل مسار النمو بتسجيل زيادة بنسبة 15,5 % في نتائجه نصف السنوية، ليبلغ 58 مليون دينار مقابل 50 مليون دينار خلال النصف الأول من سنة 2024. ويعكس هذا الأداء جهود المؤسسات الصناعية في تطوير الإنتاج وتبنّي استراتيجيات مبتكرة، رغم الضغوط المرتبطة بارتفاع كلفة المواد الأولية والطاقة.

في المقابل، شكّل قطاع المواد الأساسية الاستثناء الوحيد في هذا المسار الإيجابي، حيث تراجعت نتائجه بنسبة 14,5 %، لتبلغ 29 مليون دينار مقابل 34 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024. ويُعزى هذا الانخفاض إلى جملة من العوامل المرتبطة بتقلّبات أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، وتباطؤ الطلب في بعض القطاعات المرتبطة بالبناء والأشغال العامة.

وتُبرز هذه النتائج، في مجملها، تحسّنا ملحوظا في أداء مختلف القطاعات الاقتصادية المدرجة في البورصة، مع تسجيل تفاوت في نسب النمو من قطاع إلى آخر. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام يعكس حيوية متجدّدة للاقتصاد الوطني، وقدرته على استعادة نشاطه الإيجابي تدريجيّا، بدعم قوي من القطاعات المالية والاستهلاكية والصناعية.

كما أن النمو الذي حقّقته الشركات الكبرى المكوِّنة لمؤشر Tunindex20 يُجسّد أهمية هذه المؤسسات كقاطرة رئيسية لدفع النشاط الاقتصادي والاستثمار في البلاد.

ومن المنتظر أن يكون لهذه النتائج انعكاس إيجابي على مناخ الأعمال وثقة المستثمرين المحليين والأجانب في السوق التونسية. فهذه المؤشرات تمثّل رسالة واضحة حول متانة النسيج الاقتصادي الوطني، وقدرته على تحقيق نتائج إيجابية رغم الصعوبات، كما تفتح آفاقا جديدة أمام الاستثمارات في قطاعات واعدة.

ولعلّ التحدّي الأكبر يكمن في تعزيز استدامة هذا النمو، من خلال إصلاحات هيكلية، وتطوير بيئة الأعمال بما يضمن مواصلة هذه المؤشرات الإيجابية خلال الفترات القادمة، ويساعد في توجيه الاقتصاد نحو مسار أكثر استقرارا وازدهارا.

سفيان المهداوي