إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس على أعتاب ثورة رقمية.. استراتيجية وطنية جديدة لدفع قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة

تستعد تونس لإطلاق استراتيجية وطنية جديدة للاقتصاد الرقمي للفترة 2026-2030، في خطوة تهدف إلى تحويل التحديات الاقتصادية الخانقة إلى فرص للنمو. وتقوم الخطة على خمسة محاور أساسية، أبرزها رقمنة الخدمات العمومية وتطوير البنية التحتية الرقمية، بما يفتح الباب أمام إدماج التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والصناعة والسياحة، ويعزز موقع تونس إقليميًا ودوليًا.

وتسعى تونس إلى فتح آفاق اقتصادية جديدة من خلال إعداد هذه الاستراتيجية، التي تأتي في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية هيكلية وضغوطًا مالية خانقة. ومع هذه التحولات، يبرز الاقتصاد الرقمي كفرصة استراتيجية لتجاوز الأزمات التقليدية، وبناء محركات نمو جديدة تعزّز موقع تونس في الاقتصاد العالمي.

ووفقًا لما كشفه مؤخرًا لـ«الصباح»، وزير تكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي، فإن الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي تقوم على خمسة محاور رئيسية:

-رقمنة شاملة للخدمات العمومية؛

-تطوير البنية التحتية الرقمية بما يضمن العدالة الجغرافية والاجتماعية؛

-بناء اقتصاد رقمي مساهم وفاعل في الناتج الوطني؛

-تعزيز السيادة الرقمية وضمان فضاء سيبرني آمن؛

-توفير مناخ ملائم للابتكار وريادة الأعمال.

تشكل هذه المحاور خريطة طريق طموحة تهدف إلى وضع تونس ضمن الدول الرقمية الرائدة إقليميًا. لكن نجاحها مرتبط بقدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية القائمة.

التحول الرقمي ضرورة اقتصادية

يرى خبراء الاقتصاد، في تصريحات لـ«الصباح»، أن الاستثمار في الرقمنة لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل أصبح ضرورة لتحسين كفاءة الاقتصاد، وتعزيز الشمول المالي الرقمي، الذي بلغت نسبته نحو 45 % في تونس، مع تسجيل أكثر من 7 ملايين مستخدم للإنترنت.

ويُشدد جزء واسع من خبراء الاقتصاد على ضرورة دفع الاقتصاد الرقمي بما يخدم الاقتصاد الكلي، من خلال تحسين الصادرات، ورفع الإنتاجية، وخفض كلفة سلاسل التوريد.

دعم القطاعات التقليدية بالتكنولوجيا

يعتبر الخبراء أن الفرصة الذهبية أمام تونس تكمن في ترقية القطاعات التقليدية باستخدام الأدوات الرقمية. فالقطاع الزراعي، الذي يساهم بحوالي 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن يستفيد مباشرة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، والاستشعار، والطائرات المسيرة، والري الذكي، مما يقلل من هدر المياه بنسبة تصل إلى 30 %.

كما تسمح الرقمنة بمتابعة صحة المحاصيل، والتنبؤ بالأسعار، وهو ما يعزز ثقة المستهلك الأوروبي ويرفع من قيمة الصادرات.

أما في الصناعة، فتؤدي الخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا أساسيًا في تحسين خطوط الإنتاج، والتنبؤ بالصيانة الوقائية، وضبط الجودة بشكل آلي. هذه الأدوات يمكن أن ترفع الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 15 % و25 %، ما ينعكس على زيادة حجم الصادرات الصناعية التي تمثّل أكثر من 30 % من الصادرات الوطنية.

الذكاء الاصطناعي و«البلوكتشين» كأدوات تنافسية

يرى الخبراء أيضًا أن الميزة التنافسية لتونس في المستقبل لن تعتمد فقط على السعر، بل أيضًا على الجودة والمرونة. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في جعل خطوط الإنتاج أكثر كفاءة ودقة.

كما يفتح استعمال البلوكتشين في المعاملات الرقمية الباب أمام شفافية أكبر في سلاسل التوريد، وهو ما يعزز ثقة المستهلك الأوروبي ويمكّن تونس من النفاذ إلى أسواق ذات قيمة مضافة عالية.

وباستخدام هذه التكنولوجيا، يمكن للمستهلك تتبع رحلة المنتج من المزرعة أو المصنع وصولًا إلى المتجر، بما يضمن أصله وجودته ويقضي على مخاطر التقليد. هذه الثقة تترجم مباشرة إلى قيمة تسويقية أعلى وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات التونسية.

رقمنة السياحة لزيادة العائدات

قطاع السياحة، الذي يمثل أحد ركائز الاقتصاد التونسي، سيكون أيضًا مستفيدًا من هذه الاستراتيجية. فقد ارتفعت عائداته منذ بداية عام 2025 وحتى سبتمبر بنسبة 8.7 % على أساس سنوي، لتصل إلى 5.7 مليار دينار، مع تسجيل أكثر من 5 ملايين سائح خلال الأشهر السبعة الأولى من العام.

ويرى الخبراء أن إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في التسويق الشخصي يمكن أن يعزز هذه الأرقام بشكل كبير. كما يتيح الواقع المعزز (AR) تجربة جديدة للسائح المهتم بالثقافة والتكنولوجيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير منصات رقمية موحدة تجمع خدمات الحجز والدفع والتخطيط للسفر يمكن أن يبسط تجربة السائح ويزيد من حجم إنفاقه.

متطلبات النجاح

يتوقف نجاح الاستراتيجية الوطنية للرقمنة على عدة عوامل مترابطة، أولها:

-الاستثمار العاجل في البنية التحتية الرقمية، خصوصًا نشر الألياف البصرية لتعميم خدمة إنترنت عالية الجودة بأسعار معقولة؛

-تحديث الإطار التشريعي عبر إصدار قوانين عصرية لحماية البيانات والأمن السيبرني، بما يخلق بيئة رقمية آمنة ومستقرة؛

-الاستثمار في الرأسمال البشري عبر تطوير المناهج التعليمية في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لخلق جيل جديد من الخبراء المحليين القادرين على قيادة التحول الرقمي.

إضافة إلى ذلك، فإن تشجيع القطاع الخاص من خلال حوافز استثمارية للشركات الناشئة والمؤسسات المبتكرة سيكون عاملًا حاسمًا في تسريع وتيرة الرقمنة.

دفع الاقتصاد الرقمي

يرى المتخصصون أن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي ليست مجرد خطة حكومية، بل هي خطوة مفصلية في إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي. فهي توفر إطارًا عمليًا لتحويل التحديات إلى فرص، من خلال:

- تقليص العجز التجاري عبر رفع قيمة الصادرات؛

 -تحسين تنافسية المنتجات التونسية؛

 -دعم القطاعات التقليدية كالزراعة والصناعة بتقنيات متطورة تزيد الإنتاجية وتخفض التكاليف؛

- تعزيز مكانة تونس في الاقتصاد العالمي من خلال تبني معايير الشفافية والابتكار؛

- خلق بيئة استثمارية جاذبة عبر تشريعات عصرية وبنية تحتية رقمية متقدمة؛

- فتح آفاق جديدة للشباب في سوق العمل الرقمي، بما يسهم في خفض نسبة البطالة.

وبذلك، فإن هذه الاستراتيجية لا تمثل مجرد برنامج حكومي مؤقت، بل هي مشروع وطني شامل قادر على دفع الاقتصاد الرقمي ليصبح أحد أعمدة النمو في تونس خلال السنوات المقبلة.

وبين تحديات اقتصادية ضاغطة وفرص رقمية واعدة، تقف تونس اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها: التحول الرقمي.

فالاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي 2026-2030 يمكن أن تتحول إلى محرك رئيسي للنمو، إذا ما اقترنت بـإرادة سياسية واضحة واستثمارات مدروسة وإصلاحات تشريعية شاملة، بما يعزز موقع تونس إقليميًا، ويفتح لها آفاقًا رحبة لمستقبل اقتصادي أكثر استدامة.

سفيان المهداوي

تونس على أعتاب ثورة رقمية..   استراتيجية وطنية جديدة لدفع قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة

تستعد تونس لإطلاق استراتيجية وطنية جديدة للاقتصاد الرقمي للفترة 2026-2030، في خطوة تهدف إلى تحويل التحديات الاقتصادية الخانقة إلى فرص للنمو. وتقوم الخطة على خمسة محاور أساسية، أبرزها رقمنة الخدمات العمومية وتطوير البنية التحتية الرقمية، بما يفتح الباب أمام إدماج التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والصناعة والسياحة، ويعزز موقع تونس إقليميًا ودوليًا.

وتسعى تونس إلى فتح آفاق اقتصادية جديدة من خلال إعداد هذه الاستراتيجية، التي تأتي في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية هيكلية وضغوطًا مالية خانقة. ومع هذه التحولات، يبرز الاقتصاد الرقمي كفرصة استراتيجية لتجاوز الأزمات التقليدية، وبناء محركات نمو جديدة تعزّز موقع تونس في الاقتصاد العالمي.

ووفقًا لما كشفه مؤخرًا لـ«الصباح»، وزير تكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي، فإن الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي تقوم على خمسة محاور رئيسية:

-رقمنة شاملة للخدمات العمومية؛

-تطوير البنية التحتية الرقمية بما يضمن العدالة الجغرافية والاجتماعية؛

-بناء اقتصاد رقمي مساهم وفاعل في الناتج الوطني؛

-تعزيز السيادة الرقمية وضمان فضاء سيبرني آمن؛

-توفير مناخ ملائم للابتكار وريادة الأعمال.

تشكل هذه المحاور خريطة طريق طموحة تهدف إلى وضع تونس ضمن الدول الرقمية الرائدة إقليميًا. لكن نجاحها مرتبط بقدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية القائمة.

التحول الرقمي ضرورة اقتصادية

يرى خبراء الاقتصاد، في تصريحات لـ«الصباح»، أن الاستثمار في الرقمنة لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل أصبح ضرورة لتحسين كفاءة الاقتصاد، وتعزيز الشمول المالي الرقمي، الذي بلغت نسبته نحو 45 % في تونس، مع تسجيل أكثر من 7 ملايين مستخدم للإنترنت.

ويُشدد جزء واسع من خبراء الاقتصاد على ضرورة دفع الاقتصاد الرقمي بما يخدم الاقتصاد الكلي، من خلال تحسين الصادرات، ورفع الإنتاجية، وخفض كلفة سلاسل التوريد.

دعم القطاعات التقليدية بالتكنولوجيا

يعتبر الخبراء أن الفرصة الذهبية أمام تونس تكمن في ترقية القطاعات التقليدية باستخدام الأدوات الرقمية. فالقطاع الزراعي، الذي يساهم بحوالي 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن يستفيد مباشرة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، والاستشعار، والطائرات المسيرة، والري الذكي، مما يقلل من هدر المياه بنسبة تصل إلى 30 %.

كما تسمح الرقمنة بمتابعة صحة المحاصيل، والتنبؤ بالأسعار، وهو ما يعزز ثقة المستهلك الأوروبي ويرفع من قيمة الصادرات.

أما في الصناعة، فتؤدي الخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا أساسيًا في تحسين خطوط الإنتاج، والتنبؤ بالصيانة الوقائية، وضبط الجودة بشكل آلي. هذه الأدوات يمكن أن ترفع الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 15 % و25 %، ما ينعكس على زيادة حجم الصادرات الصناعية التي تمثّل أكثر من 30 % من الصادرات الوطنية.

الذكاء الاصطناعي و«البلوكتشين» كأدوات تنافسية

يرى الخبراء أيضًا أن الميزة التنافسية لتونس في المستقبل لن تعتمد فقط على السعر، بل أيضًا على الجودة والمرونة. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في جعل خطوط الإنتاج أكثر كفاءة ودقة.

كما يفتح استعمال البلوكتشين في المعاملات الرقمية الباب أمام شفافية أكبر في سلاسل التوريد، وهو ما يعزز ثقة المستهلك الأوروبي ويمكّن تونس من النفاذ إلى أسواق ذات قيمة مضافة عالية.

وباستخدام هذه التكنولوجيا، يمكن للمستهلك تتبع رحلة المنتج من المزرعة أو المصنع وصولًا إلى المتجر، بما يضمن أصله وجودته ويقضي على مخاطر التقليد. هذه الثقة تترجم مباشرة إلى قيمة تسويقية أعلى وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات التونسية.

رقمنة السياحة لزيادة العائدات

قطاع السياحة، الذي يمثل أحد ركائز الاقتصاد التونسي، سيكون أيضًا مستفيدًا من هذه الاستراتيجية. فقد ارتفعت عائداته منذ بداية عام 2025 وحتى سبتمبر بنسبة 8.7 % على أساس سنوي، لتصل إلى 5.7 مليار دينار، مع تسجيل أكثر من 5 ملايين سائح خلال الأشهر السبعة الأولى من العام.

ويرى الخبراء أن إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في التسويق الشخصي يمكن أن يعزز هذه الأرقام بشكل كبير. كما يتيح الواقع المعزز (AR) تجربة جديدة للسائح المهتم بالثقافة والتكنولوجيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير منصات رقمية موحدة تجمع خدمات الحجز والدفع والتخطيط للسفر يمكن أن يبسط تجربة السائح ويزيد من حجم إنفاقه.

متطلبات النجاح

يتوقف نجاح الاستراتيجية الوطنية للرقمنة على عدة عوامل مترابطة، أولها:

-الاستثمار العاجل في البنية التحتية الرقمية، خصوصًا نشر الألياف البصرية لتعميم خدمة إنترنت عالية الجودة بأسعار معقولة؛

-تحديث الإطار التشريعي عبر إصدار قوانين عصرية لحماية البيانات والأمن السيبرني، بما يخلق بيئة رقمية آمنة ومستقرة؛

-الاستثمار في الرأسمال البشري عبر تطوير المناهج التعليمية في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لخلق جيل جديد من الخبراء المحليين القادرين على قيادة التحول الرقمي.

إضافة إلى ذلك، فإن تشجيع القطاع الخاص من خلال حوافز استثمارية للشركات الناشئة والمؤسسات المبتكرة سيكون عاملًا حاسمًا في تسريع وتيرة الرقمنة.

دفع الاقتصاد الرقمي

يرى المتخصصون أن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي ليست مجرد خطة حكومية، بل هي خطوة مفصلية في إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي. فهي توفر إطارًا عمليًا لتحويل التحديات إلى فرص، من خلال:

- تقليص العجز التجاري عبر رفع قيمة الصادرات؛

 -تحسين تنافسية المنتجات التونسية؛

 -دعم القطاعات التقليدية كالزراعة والصناعة بتقنيات متطورة تزيد الإنتاجية وتخفض التكاليف؛

- تعزيز مكانة تونس في الاقتصاد العالمي من خلال تبني معايير الشفافية والابتكار؛

- خلق بيئة استثمارية جاذبة عبر تشريعات عصرية وبنية تحتية رقمية متقدمة؛

- فتح آفاق جديدة للشباب في سوق العمل الرقمي، بما يسهم في خفض نسبة البطالة.

وبذلك، فإن هذه الاستراتيجية لا تمثل مجرد برنامج حكومي مؤقت، بل هي مشروع وطني شامل قادر على دفع الاقتصاد الرقمي ليصبح أحد أعمدة النمو في تونس خلال السنوات المقبلة.

وبين تحديات اقتصادية ضاغطة وفرص رقمية واعدة، تقف تونس اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها: التحول الرقمي.

فالاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي 2026-2030 يمكن أن تتحول إلى محرك رئيسي للنمو، إذا ما اقترنت بـإرادة سياسية واضحة واستثمارات مدروسة وإصلاحات تشريعية شاملة، بما يعزز موقع تونس إقليميًا، ويفتح لها آفاقًا رحبة لمستقبل اقتصادي أكثر استدامة.

سفيان المهداوي