إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد الإعلان عن صفقة اقتناء شاحنات جديدة.. عودة الفسفاط تمرّ عبر تجديد الأسطول.. والنقل الهيدروليكي رهان المستقبل

تعدّدت أزمات الفسفاط خلال كل السنوات الماضية، وكان النقل أحد أكبر أزمات القطاع، الذي يحاول في الأشهر الأخيرة استعادة توازنه والعودة إلى معدلات الإنتاج المرجعية، والتي جعلت تونس من أهم المنتجين الدوليين لهذه الثروة الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني.

وقد عانى الفسفاط من تراجع في الإنتاج وتأخّر كبير في نقل الكميات الجاهزة من وإلى وحدات التحويل بقابس وغيرها، وهو ما انعكس سلبا على كميات الإنتاج وأثّر على مكانة تونس كمنتج عالمي، بسبب أزمة هيكلية مرتبطة بضعف البنية التحتية المتعلقة بالنقل الحديدي، حيث عجزت وسائل النقل عبر الشاحنات عن تغطية حاجيات الإنتاج والسوق. وكان لزاما، وفي إطار الخطط الحكومية الجديدة لمعالجة أزمات الإنتاج وتجاوزها وإعادة البريق لهذا القطاع، أن يكون نقل الفسفاط أحد الملفات ذات الأولوية. لذلك، أطلقت أوّل أمس «شركة نقل المواد المنجمية» برنامجا استثماريا بقيمة 20 مليون دينار، بهدف الترفيع في نسق نقل الفسفاط، بما يضمن عودة الإنتاج إلى نسقه المرجعي كما كان قبل الثورة أو حتى أكثر.

وقبل 2011، كان النقل الحديدي هو الذي يتولى نقل الفسفاط عبر القطارات، إلا أن الواقع تغيّر لاحقًا، وأصبح النقل عبر الشاحنات من الوسائل المستعملة، لكن هذا الخيار بدوره عانى من إشكاليات كبيرة فرضت اليوم ضرورة إعادة هيكلته وإخراجه من أزمته.

في انتظار تنفيذ مشروع النقل الهيدروليكي، الذي يُعد ثورة في نقل الفسفاط، والذي تتبناه اليوم الحكومة كمشروع استراتيجي، مع وجود شراكات دولية معتبرة في هذا المشروع، مثل البنك الدولي، حيث إن تنفيذ هذا المشروع سيُحدث نقلة نوعية في قطاع الفسفاط من حيث مستوى الإنتاج والجودة، بالإضافة إلى المساهمة في تخفيف الضغط على الموارد الجوفية، والتخلّي عن النقل الحديدي، مع تحقيق مكاسب بيئية.

النقل عبر الشاحنات

قرّرت الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية إطلاق برنامج استثماري استعجالي بقيمة 20 مليون دينار، يهدف إلى الرفع من طاقة نقل الفسفاط إلى 14 مليون طن سنويا، وذلك في إطار خطّتها الاستراتيجية لتأهيل الأسطول وتعزيز قدراتها اللوجستية، وفق ما أفاد به مدير عام الشركة مكرم سعايدية في تصريح إذاعي، مؤكّدا أن صفقة اقتناء معدات حديثة تشمل 6 محمّلات و6 شاحنات ثقيلة بسعة 55 طنا، إضافة إلى عشر شاحنات بسعة 30 طنا، مشيرا إلى أن هذه الصفقة ستساعد على تحسين انتظام نقل الفسفاط المحمول والشوائب من المقاطع الجبلية الراجعة بالنظر إلى شركة فسفاط قفصة، في اتجاه مغاسل الشركة، وكذلك إلى مصنع المظيلة 1 التابع للمجمع الكيميائي التونسي.

ومن المتوقع أن تدخل هذه المعدّات حيّز الاستغلال مع بداية سنة 2026، وذلك لمواجهة الطلب المتزايد على الفسفاط وتحسين مردودية الشركات المنتجة والناقلة للفسفاط، بما في ذلك شركة فسفاط قفصة.

وتأتي هذه الخطوة في سياق رغبة الحكومة في إعادة الفسفاط إلى سالف نشاطه، وتكملة لاتفاق ماي الماضي بين وزير النقل رشيد عامري ووزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب خلال جلسة عمل مشتركة، حيث اتفقا على جملة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز نسق نقل الفسفاط ومشتقاته عبر السكك الحديدية والرفع من المردودية. ومن بين النقاط التي تم الاتفاق عليها:

* العمل على إضافة قطار لنقل الفسفاط من مغسلة أم العرايس.

* تكثيف حركة القطارات لتشمل أكبر عدد ممكن من مواقع الإنتاج، وذلك من خلال:

* تخصيص قطار مكوّن من 30 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة المتلوي.

*تخصيص قطار مكوّن من 35 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة أم العرايس.

*تخصيص قطار مكوّن من 35 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة الرديف.

*تخصيص قطار مكوّن من 35 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة سهيب.

كما تم اعتماد الرقمنة، من خلال التوجّه نحو تركيز منظومة GPS على القاطرات وتطوير تطبيقة متاحة لجميع الأطراف المتدخلة لمتابعة سير نقل الفسفاط، من أجل الضغط على الآجال والتقيد بالمدة الزمنية التي تم تحديدها لاختزال ساعات الشحن والتفريغ.

وقد تراجعت كمية الفسفاط المنقولة بواسطة القاطرات في السنوات الأخيرة من 7.3 مليون طن سنة 2010 إلى ما دون 4 ملايين طن سنة 2019، فيما ارتفعت الكميات المنقولة عبر الشاحنات من 240 ألف طن سنة 2010 إلى 1.4 مليون طن في السنوات القليلة الماضية، ولكن ظلّت كمية بحجم 3 ملايين طن من فسفاط الحوض المنجمي دون نقل، ما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاجية الشركة.

أزمة نقل الفسفاط

وفق بيانات نشرتها شركة فسفاط قفصة عبر صفحتها الرسمية في أواخر سنة 2020، فإن إنتاج قطاع الفسفاط والأسمدة في تونس يمكن أن يبلغ 6.5 ملايين طن سنويا، ويتوجب - طبقا للالتزامات التعاقدية للشركة - نقل هذه الكمية إلى مصانع التحويل الكيميائي بكل من قابس، والصخيرة، وصفاقس.

في المقابل، لم تعد السكك الحديدية قادرة على نقل أكثر من 2.1 مليون طن سنويا، وتقرّ شركة فسفاط قفصة بأن الكميات المستوجب نقلها عبر الشاحنات لسدّ العجز السنوي تُقدّر بـنحو 4.4 ملايين طن سنويا.

وقد أنتجت أزمة النقل الحديدي أزمة جديدة، وهي أزمة النقل عبر الشاحنات. فأزمة النقل عبر السكك الحديدية، التي ما فتئت تتفاقم منذ سنة 2011، بسبب انهيار الأسطول وضعف العربات وفساد بعض الصفقات، بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والاحتجاجات المتواصلة من الأهالي، مع ارتفاع معدّلات البطالة بالجهة والضغط الكبير الذي سُلّط على شركة فسفاط قفصة لاستيعاب العاطلين عن العمل، كانت من أسباب تفاقم الأزمة، التي وُجد لها في البداية مخرجٌ من خلال النقل عبر الشاحنات. إلا أن هذا المخرج تحوّل أيضا إلى أزمة جديدة.

ومنذ سنة 2014، تعرّضت عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات إلى الانتقادات، بعد ارتباط اسم النائب عن حركة نداء تونس الحاكمة وقتها، لطفي علي، بشركات النقل عبر الشاحنات، والاشتباه في وجود تلاعب، ومحاباة، وفساد في صفقة نيل شركته امتياز نقل الفسفاط. وقد تمّ بعد ذلك فتح تحقيقات شملت وزير الصناعة والطاقة والمناجم في حكومة يوسف الشاهد، سليم الفرياني، وانتهت بإدانة موظفين وإطارات سامية في شركة فسفاط قفصة.

واليوم، ترى الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية أنه، رغم التحديات الاجتماعية والبيئية التي تشهدها منطقة الحوض المنجمي، فإن صفقة اقتناء شاحنات جديدة هي خطوة استراتيجية سيتم من خلالها تجاوز فشل السنوات الماضية، بسبب اهتراء آليات العمل، وأن ذلك سيفتح آفاقًا جديدة للدخول في مرحلة انتعاشة، خاصة بعد مراجعة سعر نقل الفسفاط بكامل أنواعه خلال السنة الفارطة، والذي بقي مستقرًا منذ سنة 2011.

ثورة النقل الهيدروليكي

النقل الهيدروليكي هو نظام يُنقل فيه الفسفاط عن طريق ضخه كـ»لبّ» ممزوج بالماء عبر أنابيب، بدلا من استخدام الشاحنات أو القطارات. ويُستخدم إلى الآن في منطقة الحوض المنجمي بطريقة محدودة، رغم أهمية المشروع في التقليل الكبير من الكلفة، والحماية من الأضرار البيئية، وزيادة كفاءة الإنتاج، دون تعطيل، ودون أن تؤثّر العوامل الخارجية، من اهتراء الأسطول أو الإضرابات، على كفاءة عملية النقل الهيدروليكي.

وقد تمّ إحداث لجنة قيادة في الأشهر الأخيرة لدراسة الجدوى الخاصة بمشروع النقل الهيدروليكي للفسفاط، تنعقد دوريا بمقر وزارة الصناعة، لدراسة سبل التقدّم بالمشروع، والتنسيق مع مختلف الأطراف المتداخلة. وإنجاز هذه الدراسة يندرج في إطار متابعة تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين شركة فسفاط قفصة ومؤسسة  IFC، والمتعلّقة بالدراسات الخاصة بإنجاز المشروع المندمج للنقل الهيدروليكي للفسفاط، وفق ما أعلنت عنه وزارة الصناعة في وقت سابق.

وتهدف هذه الدراسة بالأساس إلى تحديد الخيارات التقنية الكفيلة بضمان الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع، والعمل على إيجاد شركاء لإنجاز بعض مكونات المشروع، على غرار محطة تحلية مياه البحر ومنشآت إنتاج الطاقات المتجددة.

ويتضمّن المشروع المندمج للنقل الهيدروليكي للفسفاط، الذي تناهز كلفته 1100 مليون دينار، شبكة لتحضير وضخّ لبّ الفسفاط عبر القنوات من الحوض المنجمي إلى مواقع معامل التحويل بالصخيرة وقابس، بطاقة تقارب 8 ملايين طن سنويًا من الفسفاط التجاري، ومحطة لتحلية مياه البحر، ومحطات ضخّ، وقنوات لجلب المياه إلى مناطق إنتاج الفسفاط بقفصة، بطاقة تقريبية تبلغ 100 ألف م³ يوميا، ومحطة فولتاضوئية بطاقة إنتاج تقارب 30 ميغاوات لتشغيل كافة مكونات المشروع.

وتُعدّ مؤسسة التمويل الدولية  IFC، التابعة لمجموعة البنك الدولي والممولة لدراسة الجدوى، شريكا رئيسيا في هذا المشروع الضخم، الذي يُتوقع أن يتحوّل إلى إنجاز فعلي في السنوات القليلة القادمة.

منية العرفاوي

بعد الإعلان عن صفقة اقتناء شاحنات جديدة..   عودة الفسفاط تمرّ عبر تجديد الأسطول.. والنقل الهيدروليكي رهان المستقبل

تعدّدت أزمات الفسفاط خلال كل السنوات الماضية، وكان النقل أحد أكبر أزمات القطاع، الذي يحاول في الأشهر الأخيرة استعادة توازنه والعودة إلى معدلات الإنتاج المرجعية، والتي جعلت تونس من أهم المنتجين الدوليين لهذه الثروة الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني.

وقد عانى الفسفاط من تراجع في الإنتاج وتأخّر كبير في نقل الكميات الجاهزة من وإلى وحدات التحويل بقابس وغيرها، وهو ما انعكس سلبا على كميات الإنتاج وأثّر على مكانة تونس كمنتج عالمي، بسبب أزمة هيكلية مرتبطة بضعف البنية التحتية المتعلقة بالنقل الحديدي، حيث عجزت وسائل النقل عبر الشاحنات عن تغطية حاجيات الإنتاج والسوق. وكان لزاما، وفي إطار الخطط الحكومية الجديدة لمعالجة أزمات الإنتاج وتجاوزها وإعادة البريق لهذا القطاع، أن يكون نقل الفسفاط أحد الملفات ذات الأولوية. لذلك، أطلقت أوّل أمس «شركة نقل المواد المنجمية» برنامجا استثماريا بقيمة 20 مليون دينار، بهدف الترفيع في نسق نقل الفسفاط، بما يضمن عودة الإنتاج إلى نسقه المرجعي كما كان قبل الثورة أو حتى أكثر.

وقبل 2011، كان النقل الحديدي هو الذي يتولى نقل الفسفاط عبر القطارات، إلا أن الواقع تغيّر لاحقًا، وأصبح النقل عبر الشاحنات من الوسائل المستعملة، لكن هذا الخيار بدوره عانى من إشكاليات كبيرة فرضت اليوم ضرورة إعادة هيكلته وإخراجه من أزمته.

في انتظار تنفيذ مشروع النقل الهيدروليكي، الذي يُعد ثورة في نقل الفسفاط، والذي تتبناه اليوم الحكومة كمشروع استراتيجي، مع وجود شراكات دولية معتبرة في هذا المشروع، مثل البنك الدولي، حيث إن تنفيذ هذا المشروع سيُحدث نقلة نوعية في قطاع الفسفاط من حيث مستوى الإنتاج والجودة، بالإضافة إلى المساهمة في تخفيف الضغط على الموارد الجوفية، والتخلّي عن النقل الحديدي، مع تحقيق مكاسب بيئية.

النقل عبر الشاحنات

قرّرت الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية إطلاق برنامج استثماري استعجالي بقيمة 20 مليون دينار، يهدف إلى الرفع من طاقة نقل الفسفاط إلى 14 مليون طن سنويا، وذلك في إطار خطّتها الاستراتيجية لتأهيل الأسطول وتعزيز قدراتها اللوجستية، وفق ما أفاد به مدير عام الشركة مكرم سعايدية في تصريح إذاعي، مؤكّدا أن صفقة اقتناء معدات حديثة تشمل 6 محمّلات و6 شاحنات ثقيلة بسعة 55 طنا، إضافة إلى عشر شاحنات بسعة 30 طنا، مشيرا إلى أن هذه الصفقة ستساعد على تحسين انتظام نقل الفسفاط المحمول والشوائب من المقاطع الجبلية الراجعة بالنظر إلى شركة فسفاط قفصة، في اتجاه مغاسل الشركة، وكذلك إلى مصنع المظيلة 1 التابع للمجمع الكيميائي التونسي.

ومن المتوقع أن تدخل هذه المعدّات حيّز الاستغلال مع بداية سنة 2026، وذلك لمواجهة الطلب المتزايد على الفسفاط وتحسين مردودية الشركات المنتجة والناقلة للفسفاط، بما في ذلك شركة فسفاط قفصة.

وتأتي هذه الخطوة في سياق رغبة الحكومة في إعادة الفسفاط إلى سالف نشاطه، وتكملة لاتفاق ماي الماضي بين وزير النقل رشيد عامري ووزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب خلال جلسة عمل مشتركة، حيث اتفقا على جملة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز نسق نقل الفسفاط ومشتقاته عبر السكك الحديدية والرفع من المردودية. ومن بين النقاط التي تم الاتفاق عليها:

* العمل على إضافة قطار لنقل الفسفاط من مغسلة أم العرايس.

* تكثيف حركة القطارات لتشمل أكبر عدد ممكن من مواقع الإنتاج، وذلك من خلال:

* تخصيص قطار مكوّن من 30 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة المتلوي.

*تخصيص قطار مكوّن من 35 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة أم العرايس.

*تخصيص قطار مكوّن من 35 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة الرديف.

*تخصيص قطار مكوّن من 35 عربة لنقل الفسفاط من مغسلة سهيب.

كما تم اعتماد الرقمنة، من خلال التوجّه نحو تركيز منظومة GPS على القاطرات وتطوير تطبيقة متاحة لجميع الأطراف المتدخلة لمتابعة سير نقل الفسفاط، من أجل الضغط على الآجال والتقيد بالمدة الزمنية التي تم تحديدها لاختزال ساعات الشحن والتفريغ.

وقد تراجعت كمية الفسفاط المنقولة بواسطة القاطرات في السنوات الأخيرة من 7.3 مليون طن سنة 2010 إلى ما دون 4 ملايين طن سنة 2019، فيما ارتفعت الكميات المنقولة عبر الشاحنات من 240 ألف طن سنة 2010 إلى 1.4 مليون طن في السنوات القليلة الماضية، ولكن ظلّت كمية بحجم 3 ملايين طن من فسفاط الحوض المنجمي دون نقل، ما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاجية الشركة.

أزمة نقل الفسفاط

وفق بيانات نشرتها شركة فسفاط قفصة عبر صفحتها الرسمية في أواخر سنة 2020، فإن إنتاج قطاع الفسفاط والأسمدة في تونس يمكن أن يبلغ 6.5 ملايين طن سنويا، ويتوجب - طبقا للالتزامات التعاقدية للشركة - نقل هذه الكمية إلى مصانع التحويل الكيميائي بكل من قابس، والصخيرة، وصفاقس.

في المقابل، لم تعد السكك الحديدية قادرة على نقل أكثر من 2.1 مليون طن سنويا، وتقرّ شركة فسفاط قفصة بأن الكميات المستوجب نقلها عبر الشاحنات لسدّ العجز السنوي تُقدّر بـنحو 4.4 ملايين طن سنويا.

وقد أنتجت أزمة النقل الحديدي أزمة جديدة، وهي أزمة النقل عبر الشاحنات. فأزمة النقل عبر السكك الحديدية، التي ما فتئت تتفاقم منذ سنة 2011، بسبب انهيار الأسطول وضعف العربات وفساد بعض الصفقات، بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والاحتجاجات المتواصلة من الأهالي، مع ارتفاع معدّلات البطالة بالجهة والضغط الكبير الذي سُلّط على شركة فسفاط قفصة لاستيعاب العاطلين عن العمل، كانت من أسباب تفاقم الأزمة، التي وُجد لها في البداية مخرجٌ من خلال النقل عبر الشاحنات. إلا أن هذا المخرج تحوّل أيضا إلى أزمة جديدة.

ومنذ سنة 2014، تعرّضت عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات إلى الانتقادات، بعد ارتباط اسم النائب عن حركة نداء تونس الحاكمة وقتها، لطفي علي، بشركات النقل عبر الشاحنات، والاشتباه في وجود تلاعب، ومحاباة، وفساد في صفقة نيل شركته امتياز نقل الفسفاط. وقد تمّ بعد ذلك فتح تحقيقات شملت وزير الصناعة والطاقة والمناجم في حكومة يوسف الشاهد، سليم الفرياني، وانتهت بإدانة موظفين وإطارات سامية في شركة فسفاط قفصة.

واليوم، ترى الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية أنه، رغم التحديات الاجتماعية والبيئية التي تشهدها منطقة الحوض المنجمي، فإن صفقة اقتناء شاحنات جديدة هي خطوة استراتيجية سيتم من خلالها تجاوز فشل السنوات الماضية، بسبب اهتراء آليات العمل، وأن ذلك سيفتح آفاقًا جديدة للدخول في مرحلة انتعاشة، خاصة بعد مراجعة سعر نقل الفسفاط بكامل أنواعه خلال السنة الفارطة، والذي بقي مستقرًا منذ سنة 2011.

ثورة النقل الهيدروليكي

النقل الهيدروليكي هو نظام يُنقل فيه الفسفاط عن طريق ضخه كـ»لبّ» ممزوج بالماء عبر أنابيب، بدلا من استخدام الشاحنات أو القطارات. ويُستخدم إلى الآن في منطقة الحوض المنجمي بطريقة محدودة، رغم أهمية المشروع في التقليل الكبير من الكلفة، والحماية من الأضرار البيئية، وزيادة كفاءة الإنتاج، دون تعطيل، ودون أن تؤثّر العوامل الخارجية، من اهتراء الأسطول أو الإضرابات، على كفاءة عملية النقل الهيدروليكي.

وقد تمّ إحداث لجنة قيادة في الأشهر الأخيرة لدراسة الجدوى الخاصة بمشروع النقل الهيدروليكي للفسفاط، تنعقد دوريا بمقر وزارة الصناعة، لدراسة سبل التقدّم بالمشروع، والتنسيق مع مختلف الأطراف المتداخلة. وإنجاز هذه الدراسة يندرج في إطار متابعة تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين شركة فسفاط قفصة ومؤسسة  IFC، والمتعلّقة بالدراسات الخاصة بإنجاز المشروع المندمج للنقل الهيدروليكي للفسفاط، وفق ما أعلنت عنه وزارة الصناعة في وقت سابق.

وتهدف هذه الدراسة بالأساس إلى تحديد الخيارات التقنية الكفيلة بضمان الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع، والعمل على إيجاد شركاء لإنجاز بعض مكونات المشروع، على غرار محطة تحلية مياه البحر ومنشآت إنتاج الطاقات المتجددة.

ويتضمّن المشروع المندمج للنقل الهيدروليكي للفسفاط، الذي تناهز كلفته 1100 مليون دينار، شبكة لتحضير وضخّ لبّ الفسفاط عبر القنوات من الحوض المنجمي إلى مواقع معامل التحويل بالصخيرة وقابس، بطاقة تقارب 8 ملايين طن سنويًا من الفسفاط التجاري، ومحطة لتحلية مياه البحر، ومحطات ضخّ، وقنوات لجلب المياه إلى مناطق إنتاج الفسفاط بقفصة، بطاقة تقريبية تبلغ 100 ألف م³ يوميا، ومحطة فولتاضوئية بطاقة إنتاج تقارب 30 ميغاوات لتشغيل كافة مكونات المشروع.

وتُعدّ مؤسسة التمويل الدولية  IFC، التابعة لمجموعة البنك الدولي والممولة لدراسة الجدوى، شريكا رئيسيا في هذا المشروع الضخم، الذي يُتوقع أن يتحوّل إلى إنجاز فعلي في السنوات القليلة القادمة.

منية العرفاوي