الاقتصار على ديكور واحد، ما عدا مشهد رمزي لبحر غزة ومشاهد نهاية الفيلم التوثيقية.
الفيلم يعرض للجمهور بداية من 17 سبتمبر.
لا جدال في قدرة كوثر بن هنية على إثارة الجدل مع كل فيلم سينمائي تخرجه، قصيرا كان أو طويلا. تتقن المخرجة التونسية جيدا تقنيات اللعب على العاطفة واقتناص لحظة الإثارة المستفزة للعواطف الإنسانية. في عالمها المتأرجح بين الوثائقي والروائي، تخط صاحبة «الشلاط»، «على كف عفريت»، «الرجل الذي باع ظهره» و»بنات ألفة» رؤية حرفية لحدث مأسوي أثر في المجتمع وأسال حبر الصحافة، بجرأة استثنائية.. تتجاوز مسافات الانتظار وتداعيات الحدث، تحمل الكاميرا وتشرع في نسج حكاية جديدة أسسها وقائع حقيقية..
في أحدث أفلامها «صوت هند رجب»، المتوج مؤخرا بالأسد الفضي لمهرجان البندقية السينمائي الدولي والمبرمج في قاعات السينما التونسية في عروض خاصة منذ يوم 10 سبتمبر الحالي، وفي عروض تجارية انطلاقا من 17 من الشهر نفسه، تحافظ كوثر بن هنية على وصفتها المعتادة وعادتها في اقتناص اللحظة. هذه المرة تمكنت من تسليط الأضواء على نطاق أوسع من القضية الفلسطينية زمن الإبادة لغزة وأبنائها. ونعتقد أن المخرجة التونسية لم تفكر كثيرا قبل أن تقرر تنفيذ فيلمها الأخير، فالأرضية مناسبة جدا لنوعية أعمالها ومسارها الفني. فالوثيقة المؤججة لكتابة «صوت هند رجب» شهادة لا تقدر بثمن: صوت طفلة من غزة المنكوبة تطلب المساعدة وفي الجانب الآخر من الخط أعوان الهلال الأحمر الفلسطيني.
في هذا العمل تجردت كوثر بن هنية من كل عوامل التردد وخاضت تجربتها الأكثر جرأة في عالم السينما، متسلحة بصوت طفلة تحت وطأة الحرب والإبادة تصرخ «ساعدوني». لعل الوازع الأخلاقي أو الدافع الإنساني كان أهم من العامل الفني في خيارها، نقطة ندرك نحن المهمومين بالجرح الفلسطيني معانيها، ومع ذلك يظل الالتزام الفني مطلبا في هذه التجارب السينمائية حتى تظل في الذاكرة.
الصمت، الخوف والتوتر مشاعر سيطرت على شخوص العمل وهم يتفاعلون مع الناجية الوحيدة في سيارة عائلية وقد اختبأت بين جثث أقاربها تنتظر قدوم سيارة الإسعاف. وفي انتظار الضوء الأخضر لتنفيذ عملية الإنقاذ يعكس الفيلم العجز بكل معانيه، رسالة تدرك جيدا كوثر بن هنية مغزاها...
يرسم مدير مركز الطوارئ «مهدي» مسار الإنقاذ في مشهد ساخر، نشاهده مع تصاعد أحداث الفيلم مرة أخرى وقد بانت باللون الأخضر علامة «إلى ما لا نهاية» في انعكاس الحاجز الزجاجي بالمكتب، وعلى مقربة أرقام باللون الأحمر تشير إلى مرور الدقائق والساعات ولم يتم إنقاذ هند رجب بعد، في انتظار انتهاء عملية التنسيق بين الهلال الأحمر والوسائط والجيش الإسرائيلي لمرور سيارة الإسعاف... التناقض يسيطر على هذا الواقع، مركز طوارئ مجهز بكل الإمكانيات الحديثة والظروف المريحة لموظفيه يملك سيارة إسعاف واحدة في شمال غزة ولا يمكنه المجازفة بخسارتها، عاجز عن إنقاذ فتاة في السادسة من العمر على بعد 8 دقائق.. «واقعة لا تحدث إلا في فلسطين» تقول إحدى الشخصيات بسخرية...
يمر الوقت ويظل صوت هند رجب الهش والبريء ينادي مستغيثا. تتحدث لعمر، لرنا وأخيرا للأخصائية النفسية نسرين، وجميعهم يحاولون إنقاذ الطفلة وفي عيونهم ملايين الأطفال والشهداء والجرحى... وكأن صوت الطفلة أمل واهم للنجاة رغم علمهم باستحالة الحياة والعدو يحتل أرضهم. تحادثهم هند عن أقاربها وقد استشهدوا بجوارها. تخبرها «رنا» الموظفة في الهلال الأحمر أن أفراد عائلتها نائمون، فترد هند بشجاعة ويقين «لا ماتوا»... هي معتادة على مشاهدة الموت. فشبحه يكبر مع الأطفال في فلسطين، ومع ذلك كأي طفل، فإن هند تخاف الظلام، فساعات الانتظار طالت ولم يحصل «مهدي» على الضوء الأخضر لإرسال سيارة الإسعاف. صوت الأم ينادي هند بعبارات الحب وكأنها تشعر باستحالة إنقاذها، تخبرها كم تحبها. هل كانت كتابة الرواية قادرة على تجاوز الواقع؟
التسجيلات الحقيقية في فيلم يمزج في نهجه السينمائي الوثائقي بالروائي منحت تجربة كوثر بن هنية الأخيرة بعدها الأعمق، مع خياراتها الفنية والتقنية على مستوى التصوير في ديكور واحد (ما عدا مشهد رمزي لبحر غزة ومشاهد نهاية الفيلم التوثيقية في علاقة بوالدة الطفلة الشهيدة وصورا لعائلتها...) واستخدامها للقطات المقربة والكاميرا المحمولة في مشاهد عبرت عن مشاعر العجز، الأمل والانتظار المميت. ومع ذلك يظل الحوار وأداء الممثلين (وهنا نتحدث عن إحدى مهام المخرجة والمتعلقة بإدارة الممثلين) الحلقة الأضعف في اعتقادنا في هذا العمل، فعدد من المشاهد كان من الأجدى الاستغناء عنها لصالح القصة الرئيسية للفيلم بعيدا عن حكايات العاملين الجانبية في مركز الطوارئ والتي أساءت للحالة العامة للعمل، كما أن أداء بعض المواقف في هذا الفيلم الروائي والوثائقي بدرجة أولى من منظورنا لم يكن موفقا، وكان من المهم التركيز على تطوير الشخصيات والعمل على تفاصيلها أكثر.
هند رجب حمادة عبر صوتها كانت جوهر فيلم كوثر بن هنية. هي الوثيقة والبطلة وروح هذا الفيلم، وقد منحت المخرجة التونسية واحدا من أهم أفلامها على مستوى التتويجات بعد حصوله على الأسد الفضي لمهرجان البندقية السينمائي وترشيحه ممثلا عن تونس للأوسكار في زمن يحاول الكثيرون من صناع «السلام» في الغرب تشكيل دعمهم المعنوي لفلسطين عبر تعبيرات فنية وأهمها السينما.
فيلم «صوت هند رجب» صور في تونس، وجسد أدواره الرئيسية كل من معتز ملحيس، كارلا خوري، عامل حليحل وسجى الكيلاني. ويواصل بعد عرضه العالمي في مهرجان البندقية جولته العالمية في كبرى المهرجانات، مع عروض تجارية في تونس بداية من 17 سبتمبر استيفاء لشروط ترشحه للأوسكار 2026
نجلاء قموع
هند رجب كانت الوثيقة والبطلة وروح هذا الفيلم.
الاقتصار على ديكور واحد، ما عدا مشهد رمزي لبحر غزة ومشاهد نهاية الفيلم التوثيقية.
الفيلم يعرض للجمهور بداية من 17 سبتمبر.
لا جدال في قدرة كوثر بن هنية على إثارة الجدل مع كل فيلم سينمائي تخرجه، قصيرا كان أو طويلا. تتقن المخرجة التونسية جيدا تقنيات اللعب على العاطفة واقتناص لحظة الإثارة المستفزة للعواطف الإنسانية. في عالمها المتأرجح بين الوثائقي والروائي، تخط صاحبة «الشلاط»، «على كف عفريت»، «الرجل الذي باع ظهره» و»بنات ألفة» رؤية حرفية لحدث مأسوي أثر في المجتمع وأسال حبر الصحافة، بجرأة استثنائية.. تتجاوز مسافات الانتظار وتداعيات الحدث، تحمل الكاميرا وتشرع في نسج حكاية جديدة أسسها وقائع حقيقية..
في أحدث أفلامها «صوت هند رجب»، المتوج مؤخرا بالأسد الفضي لمهرجان البندقية السينمائي الدولي والمبرمج في قاعات السينما التونسية في عروض خاصة منذ يوم 10 سبتمبر الحالي، وفي عروض تجارية انطلاقا من 17 من الشهر نفسه، تحافظ كوثر بن هنية على وصفتها المعتادة وعادتها في اقتناص اللحظة. هذه المرة تمكنت من تسليط الأضواء على نطاق أوسع من القضية الفلسطينية زمن الإبادة لغزة وأبنائها. ونعتقد أن المخرجة التونسية لم تفكر كثيرا قبل أن تقرر تنفيذ فيلمها الأخير، فالأرضية مناسبة جدا لنوعية أعمالها ومسارها الفني. فالوثيقة المؤججة لكتابة «صوت هند رجب» شهادة لا تقدر بثمن: صوت طفلة من غزة المنكوبة تطلب المساعدة وفي الجانب الآخر من الخط أعوان الهلال الأحمر الفلسطيني.
في هذا العمل تجردت كوثر بن هنية من كل عوامل التردد وخاضت تجربتها الأكثر جرأة في عالم السينما، متسلحة بصوت طفلة تحت وطأة الحرب والإبادة تصرخ «ساعدوني». لعل الوازع الأخلاقي أو الدافع الإنساني كان أهم من العامل الفني في خيارها، نقطة ندرك نحن المهمومين بالجرح الفلسطيني معانيها، ومع ذلك يظل الالتزام الفني مطلبا في هذه التجارب السينمائية حتى تظل في الذاكرة.
الصمت، الخوف والتوتر مشاعر سيطرت على شخوص العمل وهم يتفاعلون مع الناجية الوحيدة في سيارة عائلية وقد اختبأت بين جثث أقاربها تنتظر قدوم سيارة الإسعاف. وفي انتظار الضوء الأخضر لتنفيذ عملية الإنقاذ يعكس الفيلم العجز بكل معانيه، رسالة تدرك جيدا كوثر بن هنية مغزاها...
يرسم مدير مركز الطوارئ «مهدي» مسار الإنقاذ في مشهد ساخر، نشاهده مع تصاعد أحداث الفيلم مرة أخرى وقد بانت باللون الأخضر علامة «إلى ما لا نهاية» في انعكاس الحاجز الزجاجي بالمكتب، وعلى مقربة أرقام باللون الأحمر تشير إلى مرور الدقائق والساعات ولم يتم إنقاذ هند رجب بعد، في انتظار انتهاء عملية التنسيق بين الهلال الأحمر والوسائط والجيش الإسرائيلي لمرور سيارة الإسعاف... التناقض يسيطر على هذا الواقع، مركز طوارئ مجهز بكل الإمكانيات الحديثة والظروف المريحة لموظفيه يملك سيارة إسعاف واحدة في شمال غزة ولا يمكنه المجازفة بخسارتها، عاجز عن إنقاذ فتاة في السادسة من العمر على بعد 8 دقائق.. «واقعة لا تحدث إلا في فلسطين» تقول إحدى الشخصيات بسخرية...
يمر الوقت ويظل صوت هند رجب الهش والبريء ينادي مستغيثا. تتحدث لعمر، لرنا وأخيرا للأخصائية النفسية نسرين، وجميعهم يحاولون إنقاذ الطفلة وفي عيونهم ملايين الأطفال والشهداء والجرحى... وكأن صوت الطفلة أمل واهم للنجاة رغم علمهم باستحالة الحياة والعدو يحتل أرضهم. تحادثهم هند عن أقاربها وقد استشهدوا بجوارها. تخبرها «رنا» الموظفة في الهلال الأحمر أن أفراد عائلتها نائمون، فترد هند بشجاعة ويقين «لا ماتوا»... هي معتادة على مشاهدة الموت. فشبحه يكبر مع الأطفال في فلسطين، ومع ذلك كأي طفل، فإن هند تخاف الظلام، فساعات الانتظار طالت ولم يحصل «مهدي» على الضوء الأخضر لإرسال سيارة الإسعاف. صوت الأم ينادي هند بعبارات الحب وكأنها تشعر باستحالة إنقاذها، تخبرها كم تحبها. هل كانت كتابة الرواية قادرة على تجاوز الواقع؟
التسجيلات الحقيقية في فيلم يمزج في نهجه السينمائي الوثائقي بالروائي منحت تجربة كوثر بن هنية الأخيرة بعدها الأعمق، مع خياراتها الفنية والتقنية على مستوى التصوير في ديكور واحد (ما عدا مشهد رمزي لبحر غزة ومشاهد نهاية الفيلم التوثيقية في علاقة بوالدة الطفلة الشهيدة وصورا لعائلتها...) واستخدامها للقطات المقربة والكاميرا المحمولة في مشاهد عبرت عن مشاعر العجز، الأمل والانتظار المميت. ومع ذلك يظل الحوار وأداء الممثلين (وهنا نتحدث عن إحدى مهام المخرجة والمتعلقة بإدارة الممثلين) الحلقة الأضعف في اعتقادنا في هذا العمل، فعدد من المشاهد كان من الأجدى الاستغناء عنها لصالح القصة الرئيسية للفيلم بعيدا عن حكايات العاملين الجانبية في مركز الطوارئ والتي أساءت للحالة العامة للعمل، كما أن أداء بعض المواقف في هذا الفيلم الروائي والوثائقي بدرجة أولى من منظورنا لم يكن موفقا، وكان من المهم التركيز على تطوير الشخصيات والعمل على تفاصيلها أكثر.
هند رجب حمادة عبر صوتها كانت جوهر فيلم كوثر بن هنية. هي الوثيقة والبطلة وروح هذا الفيلم، وقد منحت المخرجة التونسية واحدا من أهم أفلامها على مستوى التتويجات بعد حصوله على الأسد الفضي لمهرجان البندقية السينمائي وترشيحه ممثلا عن تونس للأوسكار في زمن يحاول الكثيرون من صناع «السلام» في الغرب تشكيل دعمهم المعنوي لفلسطين عبر تعبيرات فنية وأهمها السينما.
فيلم «صوت هند رجب» صور في تونس، وجسد أدواره الرئيسية كل من معتز ملحيس، كارلا خوري، عامل حليحل وسجى الكيلاني. ويواصل بعد عرضه العالمي في مهرجان البندقية جولته العالمية في كبرى المهرجانات، مع عروض تجارية في تونس بداية من 17 سبتمبر استيفاء لشروط ترشحه للأوسكار 2026