إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

شدد عليها رئيس الجمهورية.. المحاسبة بوابة الإصلاح والتنمية

شكّل لقاء قرطاج الأخير الذي جمع، يوم الجمعة 15 أوت الجاري، رئيس الجمهورية قيس سعيّد برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، مناسبة لتجديد التأكيد على ثوابت المرحلة الحالية، وفي مقدمتها أولوية المحاسبة باعتبارها خيارا لا رجعة فيه وأساسا لأي إصلاح حقيقي يفتح الطريق نحو التنمية الشاملة.

وشدّد رئيس الدولة خلال هذا اللقاء بوضوح على أنه لا نية لتصفية الحسابات مع أي طرف كان، لكن في المقابل، لا مجال للتراجع عن المحاسبة ولا للتردد في استرجاع أي مليم من المال العام.

وهو موقف يعكس رؤية تعتبر أن الإصلاح لا يكتمل إلا بتكريس العدالة المالية والاقتصادية، وإعادة الثقة للمواطن في مؤسسات الدولة.

المحاسبة كأداة إصلاح

في هذا الخصوص، يبدو طرح آلية المحاسبة من قبل رئيس الدولة لا يقتصر على الجانب الجزائي أو القانوني فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكون مدخلا لإعادة هيكلة الإدارات العمومية وضمان نجاعتها. فمضاعفة الجهود لتصحيح مكامن الخلل داخل المؤسسات واستبدال كل من عجز عن تحمل مسؤولياته، يعدّ خطوة ضرورية حتى تتحول الدولة إلى جهاز فعّال في خدمة الصالح العام.

وبالتالي، فالمحاسبة ليست عقابا بقدر ما هي آلية لحماية موارد الدولة وتوظيفها في مسارات التنمية. فكل دينار «يُسترجع» وكل مرفق «يتعافى» هو في النهاية رصيد إضافي يتم توجيهه لتحقيق مطالب الشعب في الشغل والحرية والكرامة. وبهذا الشكل، تصبح المحاسبة ركيزة من ركائز السيادة الوطنية وأحد محركات التنمية العادلة.

وفي هذا السياق، جدير بالذكر أن آلية المحاسبة لا تتوقف عند حدود كونها مجرد إجراء إداري أو مالي، بل هي منهج يؤكد عليه رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا في معرض لقاءاته الرسمية.

فالمحاسبة المالية لا تقتصر على ملاحقة التجاوزات أو استرجاع الأموال فحسب، بل تتعداها إلى تكريس ثقافة جديدة داخل أجهزة الدولة، ثقافة تقوم على الشفافية في التصرف والوضوح في إدارة المال العام. علاوة على أن المحاسبة الناجعة تضع المسؤول أمام واجباته وتمنع تكرار الأخطاء، وهو ما يؤشر لبناء مؤسسات أكثر صلابة وقدرة على الاستجابة لحاجيات المواطن.

وهنا تتجلى مواصفات «جديدة» للمسؤول، لطالما أكد عليها رئيس الدولة. فالمرحلة الراهنة تقتضي أن يكون المسؤول في تناغم تام مع موقعه ومع جسامة المسؤولية الموكولة إليه، وأن يدرك أن المرحلة تقتضي الصدق والانضباط ونكران الذات. أما من يقصر أو يتخلف عن واجباته، فمكانه الطبيعي خارج دوائر القرار، لأن الدولة اليوم تحتاج إلى كفاءات صادقة متقدة بالوطنية، قادرة على خدمة الشعب وتحقيق تطلعاته في العدالة والتنمية.

إرادة سياسية صلبة

وفي سياق متصل، أكد رئيس الجمهورية خلال هذا اللقاء أن تونس تعيش لحظات فرز تاريخية بين من اصطفّ إلى جانب الشعب ومطالبه المشروعة وبين من راهن على مصالح ضيقة وحسابات آنية. وفي هذا السياق، تبدو الإرادة السياسية واضحة وصلبة في ربط الإصلاح بالمحاسبة، وفي جعل التنمية رهينة النزاهة والشفافية.

وكان رئيس الجمهورية قد شدد في عدة مناسبات رسمية على أن الشعب التونسي يقدم يوميًا دروسًا في الصمود والإيمان بالمسار الوطني، ومن واجب الدولة أن تقابل هذه الثقة بإجراءات عملية تحمي المال العام وتضع حدا للفساد. وفي هذا الإطار، تشكل المحاسبة آلية أساسية لإعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة وهياكلها، بما يفتح الطريق أمام مشاركة أوسع في جهود الإصلاح والبناء.

وهنا يرى كثيرون أن كل عملية ناجحة لاسترجاع موارد منهوبة هي في جوهرها استثمار في المستقبل، على اعتبار أن الأموال التي تعود إلى خزينة الدولة تعني قدرة أكبر على تمويل المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية والخدمات الأساسية. وهكذا تصبح المحاسبة أداة مباشرة لتحقيق التنمية، إذ تحول موارد مهدورة إلى مشاريع ملموسة يستفيد منها المواطن يوميا.

وفي هذا الاتجاه، يعتبر تكريس آلية المحاسبة وفقا لرؤية وتوجه رئيس الجمهورية من المداخل الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية. فتكريس الشفافية واسترجاع المال العام ليس هدفا في حد ذاته، بل وسيلة لضمان توزيع عادل للموارد وتمويل مشاريع تخدم الفئات الضعيفة وتفتح آفاقا أوسع للشباب. وهكذا تتحول المحاسبة إلى رافعة حقيقية لترجمة الشعار الوطني في الشغل والحرية والكرامة إلى واقع ملموس يشعر به كل مواطن في حياته اليومية.

ليعكس لقاء قرطاج الأخير بين رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة أن المحاسبة تعد في صميم المشروع الوطني الذي يقوده رئيس الجمهورية، كونها تمثل مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية التي ظلّ رئيس الدولة يؤكد عليها في أكثر من مناسبة. فاسترجاع المال العام وإغلاق منافذ الفساد لا يهدفان إلى تصفية حسابات أو ممارسات ظرفية، بل يرميان إلى إعادة توجيه الموارد نحو مستحقيها. فعندما تُسترجع أموال الشعب وتُضبط آليات إنفاقها بشفافية، تصبح الدولة قادرة على تخفيف الأعباء عن الفئات الهشة، وتحسين الخدمات العمومية، وفتح فرص عمل جديدة للشباب، لاسيما وأن العدالة الاجتماعية التي ينادي بها رئيس الدولة لا تُبنى على الخطاب فقط، بل على إجراءات عملية تضمن المساواة في الفرص وتعيد الاعتبار لقيمة العمل.

وفي هذا الإطار، تمثل المحاسبة حجر الزاوية، كونها تحمي حقوق الأجيال القادمة من التبديد والفساد. وهكذا تصبح المحاسبة أداة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة وإرساء أسس تنمية عادلة تضع الإنسان وكرامته في قلب كل السياسات العمومية.

الإدارة في قلب  عملية الإصلاح

من جهة أخرى، ومن خلال لقاء قرطاج، يتضح أن المحاسبة الناجعة تعني أيضا إعادة النظر في المنظومات الإدارية، من خلال محاربة البيروقراطية التي عطّلت لسنوات تحقيق الأهداف الوطنية. فالإدارة الناجعة والشفافة قادرة على تحويل المحاسبة إلى ممارسة يومية وليست مجرد إجراءات استثنائية، وهو ما يرسخ دولة القانون ويضمن السير العادي للمؤسسات في كل الظروف.

وفي هذا الاتجاه، لم يغب عن هذا اللقاء تأكيد رئيس الجمهورية على أن العديد من الإدارات فقدت جدواها، والإصلاح هنا لا يكتمل إلا بمراجعة هذه الهياكل وإعادة هيكلتها بما ينسجم مع متطلبات المرحلة حتى لا تثقل أكثر كاهل الدولة. ومن هنا جاءت دعوة رئيس الدولة إلى عدم التردد في استبدال كل مسؤول قصّر في مهامه، وإلى فسح المجال أمام كفاءات جديدة قد تنقصها الخبرة، ولكنها مشبعة بروح وطنية قادرة على المساهمة في معركة التحرر الوطني وبناء تونس جديدة أكثر نجاعة وعدلا.

في هذا الخضم، يبرز لقاء قرطاج أن المحاسبة ليست خيارا ظرفيا، بل هي خيار استراتيجي، يمثل حجر الزاوية في مشروع وطني يروم استعادة ثقة التونسيين بدولتهم، وبناء مستقبل قوامه العدل والشفافية والتنمية المستدامة. ليعكس اللقاء رسالة واضحة بأنه لا إصلاح دون محاسبة، ولا تقدم دون مسؤولية.

منال حرزي

 

 

شدد عليها رئيس الجمهورية..    المحاسبة بوابة الإصلاح والتنمية

شكّل لقاء قرطاج الأخير الذي جمع، يوم الجمعة 15 أوت الجاري، رئيس الجمهورية قيس سعيّد برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، مناسبة لتجديد التأكيد على ثوابت المرحلة الحالية، وفي مقدمتها أولوية المحاسبة باعتبارها خيارا لا رجعة فيه وأساسا لأي إصلاح حقيقي يفتح الطريق نحو التنمية الشاملة.

وشدّد رئيس الدولة خلال هذا اللقاء بوضوح على أنه لا نية لتصفية الحسابات مع أي طرف كان، لكن في المقابل، لا مجال للتراجع عن المحاسبة ولا للتردد في استرجاع أي مليم من المال العام.

وهو موقف يعكس رؤية تعتبر أن الإصلاح لا يكتمل إلا بتكريس العدالة المالية والاقتصادية، وإعادة الثقة للمواطن في مؤسسات الدولة.

المحاسبة كأداة إصلاح

في هذا الخصوص، يبدو طرح آلية المحاسبة من قبل رئيس الدولة لا يقتصر على الجانب الجزائي أو القانوني فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكون مدخلا لإعادة هيكلة الإدارات العمومية وضمان نجاعتها. فمضاعفة الجهود لتصحيح مكامن الخلل داخل المؤسسات واستبدال كل من عجز عن تحمل مسؤولياته، يعدّ خطوة ضرورية حتى تتحول الدولة إلى جهاز فعّال في خدمة الصالح العام.

وبالتالي، فالمحاسبة ليست عقابا بقدر ما هي آلية لحماية موارد الدولة وتوظيفها في مسارات التنمية. فكل دينار «يُسترجع» وكل مرفق «يتعافى» هو في النهاية رصيد إضافي يتم توجيهه لتحقيق مطالب الشعب في الشغل والحرية والكرامة. وبهذا الشكل، تصبح المحاسبة ركيزة من ركائز السيادة الوطنية وأحد محركات التنمية العادلة.

وفي هذا السياق، جدير بالذكر أن آلية المحاسبة لا تتوقف عند حدود كونها مجرد إجراء إداري أو مالي، بل هي منهج يؤكد عليه رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا في معرض لقاءاته الرسمية.

فالمحاسبة المالية لا تقتصر على ملاحقة التجاوزات أو استرجاع الأموال فحسب، بل تتعداها إلى تكريس ثقافة جديدة داخل أجهزة الدولة، ثقافة تقوم على الشفافية في التصرف والوضوح في إدارة المال العام. علاوة على أن المحاسبة الناجعة تضع المسؤول أمام واجباته وتمنع تكرار الأخطاء، وهو ما يؤشر لبناء مؤسسات أكثر صلابة وقدرة على الاستجابة لحاجيات المواطن.

وهنا تتجلى مواصفات «جديدة» للمسؤول، لطالما أكد عليها رئيس الدولة. فالمرحلة الراهنة تقتضي أن يكون المسؤول في تناغم تام مع موقعه ومع جسامة المسؤولية الموكولة إليه، وأن يدرك أن المرحلة تقتضي الصدق والانضباط ونكران الذات. أما من يقصر أو يتخلف عن واجباته، فمكانه الطبيعي خارج دوائر القرار، لأن الدولة اليوم تحتاج إلى كفاءات صادقة متقدة بالوطنية، قادرة على خدمة الشعب وتحقيق تطلعاته في العدالة والتنمية.

إرادة سياسية صلبة

وفي سياق متصل، أكد رئيس الجمهورية خلال هذا اللقاء أن تونس تعيش لحظات فرز تاريخية بين من اصطفّ إلى جانب الشعب ومطالبه المشروعة وبين من راهن على مصالح ضيقة وحسابات آنية. وفي هذا السياق، تبدو الإرادة السياسية واضحة وصلبة في ربط الإصلاح بالمحاسبة، وفي جعل التنمية رهينة النزاهة والشفافية.

وكان رئيس الجمهورية قد شدد في عدة مناسبات رسمية على أن الشعب التونسي يقدم يوميًا دروسًا في الصمود والإيمان بالمسار الوطني، ومن واجب الدولة أن تقابل هذه الثقة بإجراءات عملية تحمي المال العام وتضع حدا للفساد. وفي هذا الإطار، تشكل المحاسبة آلية أساسية لإعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة وهياكلها، بما يفتح الطريق أمام مشاركة أوسع في جهود الإصلاح والبناء.

وهنا يرى كثيرون أن كل عملية ناجحة لاسترجاع موارد منهوبة هي في جوهرها استثمار في المستقبل، على اعتبار أن الأموال التي تعود إلى خزينة الدولة تعني قدرة أكبر على تمويل المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية والخدمات الأساسية. وهكذا تصبح المحاسبة أداة مباشرة لتحقيق التنمية، إذ تحول موارد مهدورة إلى مشاريع ملموسة يستفيد منها المواطن يوميا.

وفي هذا الاتجاه، يعتبر تكريس آلية المحاسبة وفقا لرؤية وتوجه رئيس الجمهورية من المداخل الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية. فتكريس الشفافية واسترجاع المال العام ليس هدفا في حد ذاته، بل وسيلة لضمان توزيع عادل للموارد وتمويل مشاريع تخدم الفئات الضعيفة وتفتح آفاقا أوسع للشباب. وهكذا تتحول المحاسبة إلى رافعة حقيقية لترجمة الشعار الوطني في الشغل والحرية والكرامة إلى واقع ملموس يشعر به كل مواطن في حياته اليومية.

ليعكس لقاء قرطاج الأخير بين رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة أن المحاسبة تعد في صميم المشروع الوطني الذي يقوده رئيس الجمهورية، كونها تمثل مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية التي ظلّ رئيس الدولة يؤكد عليها في أكثر من مناسبة. فاسترجاع المال العام وإغلاق منافذ الفساد لا يهدفان إلى تصفية حسابات أو ممارسات ظرفية، بل يرميان إلى إعادة توجيه الموارد نحو مستحقيها. فعندما تُسترجع أموال الشعب وتُضبط آليات إنفاقها بشفافية، تصبح الدولة قادرة على تخفيف الأعباء عن الفئات الهشة، وتحسين الخدمات العمومية، وفتح فرص عمل جديدة للشباب، لاسيما وأن العدالة الاجتماعية التي ينادي بها رئيس الدولة لا تُبنى على الخطاب فقط، بل على إجراءات عملية تضمن المساواة في الفرص وتعيد الاعتبار لقيمة العمل.

وفي هذا الإطار، تمثل المحاسبة حجر الزاوية، كونها تحمي حقوق الأجيال القادمة من التبديد والفساد. وهكذا تصبح المحاسبة أداة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة وإرساء أسس تنمية عادلة تضع الإنسان وكرامته في قلب كل السياسات العمومية.

الإدارة في قلب  عملية الإصلاح

من جهة أخرى، ومن خلال لقاء قرطاج، يتضح أن المحاسبة الناجعة تعني أيضا إعادة النظر في المنظومات الإدارية، من خلال محاربة البيروقراطية التي عطّلت لسنوات تحقيق الأهداف الوطنية. فالإدارة الناجعة والشفافة قادرة على تحويل المحاسبة إلى ممارسة يومية وليست مجرد إجراءات استثنائية، وهو ما يرسخ دولة القانون ويضمن السير العادي للمؤسسات في كل الظروف.

وفي هذا الاتجاه، لم يغب عن هذا اللقاء تأكيد رئيس الجمهورية على أن العديد من الإدارات فقدت جدواها، والإصلاح هنا لا يكتمل إلا بمراجعة هذه الهياكل وإعادة هيكلتها بما ينسجم مع متطلبات المرحلة حتى لا تثقل أكثر كاهل الدولة. ومن هنا جاءت دعوة رئيس الدولة إلى عدم التردد في استبدال كل مسؤول قصّر في مهامه، وإلى فسح المجال أمام كفاءات جديدة قد تنقصها الخبرة، ولكنها مشبعة بروح وطنية قادرة على المساهمة في معركة التحرر الوطني وبناء تونس جديدة أكثر نجاعة وعدلا.

في هذا الخضم، يبرز لقاء قرطاج أن المحاسبة ليست خيارا ظرفيا، بل هي خيار استراتيجي، يمثل حجر الزاوية في مشروع وطني يروم استعادة ثقة التونسيين بدولتهم، وبناء مستقبل قوامه العدل والشفافية والتنمية المستدامة. ليعكس اللقاء رسالة واضحة بأنه لا إصلاح دون محاسبة، ولا تقدم دون مسؤولية.

منال حرزي