أعلن رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة مساء أمس في نهاية الجلسة العامة المنعقدة طيلة اليوم بقصر باردو عن إسقاط مقترح القانون المتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، وكانت نتيجة التصويت على المرور من النقاش العام لهذا المقترح الذي دافع عنه النائب نزار الصديق إلى النظر فيه فصلا فصلا كما يلي: 15 موافقون و11 محتفظون و68 رافضون.
وفي المقابل، صادق المجلس خلال الحصة الصباحية، بحضور مشكاة سلامة وزيرة المالية، على مشروع القانون المتعلّق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2021 برمّته، إذ كانت نتيجة التصويت عليه كما يلي: 64 موافقون، 7 محتفظون، 8 رافضون، ليتم إثر ذلك رفع الجلسة.
وعند استئنافها، أعلن بودربالة عن الانتقال إلى النقطة الثانية المدرجة بجدول الأعمال والمتعلّقة بالنظر في المبادرة التشريعية المتعلّقة بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، وذكّر في بداية الأمر بمختلف الإجراءات المعمول بها في الجلسات العامة التشريعية، ولكن قبل الشروع في التداول حول هذه المبادرة، أذن بودربالة برفع الجلسة العامة للتشاور مع رؤساء الكتل وأعضاء مكتب المجلس.
وعند استئناف الأشغال، تم عرض تقرير مشترك من إعداد لجنة التشريع العام التي يرأسها النائب ياسر قوراري، ولجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية التي يرأسها النائب محمد أحمد، وتم من خلال هذا التقرير استعراض مسار دراسة مقترح القانون المتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، الذي تم إيداعه من قبل 45 نائبًا في مقدّمتهم نزار الصديق منذ يوم الخميس 13 فيفري 2025.
أهداف العفو العام
أشار يوسف طرشون، مقرر لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية، إلى أن مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، لا يفوق المبلغ المضمّن به خمسة آلاف دينار، يهدف إلى الحدّ من الآثار السلبية لسوء استعمال الشيك قبل صدور القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلّة التجارية وإتمامها. ويرمي بالأساس إلى إلغاء العقوبة السجنية عن مُصدري الشيك دون رصيد في حدود المبلغ المذكور، إذ أبرزت الإحصائيات الرسمية أن الشيكات التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دينار تحتل النسبة الأكبر من حيث عدد القضايا وعدد المحكومين.
وجاء في نفس التقرير، الذي تلاه طرشون على مسامع الحاضرين، أن القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلّة التجارية وإتمامها، عالج هذه المسألة حتى يوقف الاستعمال الخاطئ للشيك كوسيلة للضمان، ويفرض استعماله بصفة قانونية كوسيلة دفع حينية، لأن الاستعمال الخاطئ أدّى إلى بروز العديد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة، علاوة على إثقال كاهل العدالة والقضاء بآلاف القضايا وارتفاع عدد المساجين بالمؤسسات السجنية.
كما يهدف العفو العام إلى إعادة تأهيل المحكوم ضدهم والموقوفين، والسماح لهم بإعادة الاندماج في الاقتصاد الوطني والعودة إلى سالف نشاطهم للتمكن من خلاص مبالغ الشيكات المتخلدة بذمتهم، مع المحافظة على الحقوق المدنية للدائن المستفيد، ليتولّى القيام بإجراءات الاستخلاص المتاحة له مدنيًا، حيث لا يتسلّط العفو العام إلا على الجانب الجزائي.
ضرورة ملحّة
استعرض التقرير المشترك للجنتي التشريع العام والنظام الداخلي، المعروض أمس على أنظار الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب، حسب ما أشار إليه يوسف طرشون، مختلف المبررات التي تجعل من مقترح العفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحّة.
ومن أهمّها: عدم توحيد الإجراءات في المحاكم، حيث يوجد تباين كبير في تطبيق الإجراءات لدى المحاكم، وبطء في معالجة القضايا المتعلّقة بإصدار شيكات دون رصيد، مع غياب معيار موحد للتعامل مع هذه القضايا، بما ساهم في زيادة الأعباء المحمولة على كل من الدائن والمدين، وهو ما يقتضي إيجاد حل جذري على غرار إصدار عفو عام لتجاوز هذه التناقضات.
وذلك فضلًا عن اختلاف المحاكم في تطبيق سقوط العقوبة بمرور الزمن، حيث استمرت الملاحقات القضائية رغم انقضاء المدة القانونية لسقوط العقوبة، وهو من شأنه أن يؤدي إلى انتهاك واضح لحقوق المدينين، ويضمن مقترح العفو العام معالجة هذه الثغرة بشكل منصف ويعزز الالتزام بالقوانين المتعلّقة بالتقادم.
وفي علاقة بدور العفو العام في تعزيز الثقة في القضاء، تمّت الإشارة في التقرير إلى أن عدم توحيد الإجراءات المتعلّقة بآجال سقوط العقوبة من شأنه المساس بمصداقية القضاء لدى المواطنين. وفي المقابل، يمكن أن يكون العفو خطوة إصلاحية تُظهر التزام المرفق القضائي بتطبيق العدالة بشكل ناجع وشفاف.
مبررات أخرى
ومن المبرّرات الأخرى للعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، الإجراءات الإدارية المعقدة وتأثيرها السلبي، والبيروقراطية التي تعيق تنفيذ عمليات التسوية وتُعرقل إمكانية استئناف المحكوم ضده لنشاطه الاقتصادي، وتزيد في تفاقم الأزمة المالية للمدين في ظل تزايد التحديات والأزمات الاقتصادية.
وقد يساهم هذا العفو العام في تبسيط هذه الإجراءات من خلال تقديم إطار قانوني موحد لإنهاء النزاعات الجزائية المتعلّقة بالشيكات.
كما تمت الإشارة في نفس التقرير إلى تأثير الأسباب الاقتصادية الوطنية والعالمية على قدرة المدينين على سداد ديونهم في الوقت المناسب، ومن شأن العفو أن يساهم في تخفيف الأعباء على الأفراد والشركات التي تأثرت بشكل مباشر من الركود الاقتصادي، خاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وأن يعزز فرص التسوية السريعة، ويُعيد إدماج المدينين في الدورة الاقتصادية، ويساهم في النمو الاقتصادي.
إضافة إلى الأزمات الجيوسياسية وتأثيرها على الاقتصاد، سواء تعلّق الأمر بالحرب في أوكرانيا أو أزمات الطاقة والغذاء العالمية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتعطّل حلقات التوريد، مما أثّر على القدرة الشرائية للمواطنين، ومن شأن العفو العام أن يُخفف من تأثير هذه التحديات، وأن يعزز التماسك الاجتماعي، ويُظهر التزام الدولة بدعم الفئات الأكثر تضررًا من الأزمات الاقتصادية المركّبة.
كما أشار التقرير المعروض على الجلسة العامة إلى رفض البنوك تمويل الأفراد، وإحجامها عن تمويل المؤسسات الصغرى، وهو ما أدّى إلى الحدّ من قدراتهم على تسوية أوضاعهم المالية. ويمكن العفو العام من إعادة بناء الثقة بين البنوك والحرفاء، ومن إيجاد حلول مرنة للمشاكل المالية.
وأضاف يوسف طرشون أن لجنة التشريع العام ولجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية تعهدتا بالنظر في مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، بموجب إحالة من رئيس مجلس نواب الشعب، وذلك بناءً على قرار مكتب المجلس المنعقد بتاريخ 13 فيفري 2025، مع التوصية باستعجال النظر.
وفي هذا الإطار، عقدت اللجنتان جلسات استماع مشتركة يومي 20 و21 فيفري 2025 إلى النواب أصحاب المبادرة، ثم إلى ممثلين عن الهيئة الوطنية للمحامين، وإلى ممثلين عن نقابة القضاة التونسيين، وإلى ممثلين عن وزارة العدل. وشرعت اللجنتان في مناقشة فصول المقترح المعروض في جلسة بتاريخ 25 فيفري 2025.
الصيغة الأصلية
وأوضح ممثلو جهة المبادرة، حسب ما أشار إليه مقرر لجنة النظام الداخلي يوسف طرشون، أن مقترح القانون المعروض تضمن ثلاثة فصول، وفي نفس اليوم تمت إحالته من قبل مكتب المجلس إلى اللجنتين. وتضمن في صيغته الأصلية ثلاثة فصول، نصّ الفصل الأول منها على أن يتمتع بالعفو العام كلّ من أصدر شيكًا لا يفوق المبلغ المضمّن به خمسة آلاف دينار، أو قام بالاعتراض على الخلاص في غير الحالات المنصوص عليها بالفصل 374 من المجلة التجارية، وحرّرت في شأنه شهادة في عدم الخلاص قبل 2 فيفري 2025.
ونصّ الفصل الثاني على أن لا يمسّ العفو العام المقرّر بمقتضى هذا القانون حقوق الغير، وخاصة حقوق المستفيد من الشيك، ولا يشمل مصاريف الإعلام التي دفعها البنك المسحوب عليه، ولا المصاريف القضائية، ولو التي لم تُستخلص، ولا الاستقصاء الذي تم تنفيذه، ولا الخطية التي تم استخلاصها. وتبقى الحقوق المدنية للمستفيد قائمة لاستخلاص المبالغ المتعلقة بالشيك كاملة.
في حين نصّ الفصل الثالث على أن يُكلّف وزير العدل ووزير الداخلية ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي التونسي بتنفيذ أحكام هذا القانون حال نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وبيّن ممثلو جهة المبادرة، بالخصوص، أن مقترح القانون يأتي تماهيًا وتناغمًا مع ما تم إقراره من أحكام بمقتضى القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح أحكام المجلة التجارية وإتمامها، والتي ترمي إلى الحدّ من التداعيات السلبية الاجتماعية والاقتصادية لتجريم إصدار شيك دون رصيد، وذلك بتمتيع كلّ من أصدر شيكًا دون رصيد لا يفوق المبلغ المضمّن به خمسة آلاف دينار بالعفو العام.
وأضافوا أن تحديد هذا المبلغ يعود إلى العدد الهام من القضايا المتعلقة بجرائم الشيك دون رصيد في حدود هذا المبلغ، وبيّنوا أن العفو يهدف إلى إعادة إدماج المنتفعين به في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مع ضمان الحقوق المالية للدائنين من خلال الإبقاء على حقوقهم في القيام بالدعوى المدنية لاستخلاص المبالغ المضمّنة بالشيك، فضلًا عن التداعيات الإيجابية لهذا المقترح في التخفيف من عدد القضايا المنشورة لدى المحاكم، وتوجيه جهود المرفق القضائي نحو تكريس العدالة.
رأي هيئة المحامين
قدّم مليك كمون، مقرر لجنة التشريع العام، تفاصيل حول جلسات الاستماع المشتركة إلى ممثلي الهيئة الوطنية للمحامين، وممثلي نقابة القضاة التونسيين، وممثلي وزارة العدل.
ومن بين ما أشار إليه في هذا الخصوص، أن عميد الهيئة الوطنية للمحامين ثمّن مقترح القانون المعروض على اللجنتين، واعتبر أن هذه المبادرة التشريعية جاءت إثر صدور القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، الذي تضمن العديد من النقاط الإيجابية، لكن تطبيقه، الذي نزع التجريم عن الشيكات دون خمسة آلاف دينار، أفرز بعض الإشكاليات، خاصة على مستوى المحاكم، لاختلاف الإجراءات والاجتهادات.
وأضاف أن هذه المبادرة تتنزل في إطار استكمال تنقيح بعض أحكام المجلة التجارية، في تناغم مع أحكام القانون عدد 41 لسنة 2024، للحدّ من الآثار الجانبية لسوء استعمال الشيك، مؤكدًا على الموقف المبدئي للهيئة الوطنية للمحامين في نزع التجريم في ما يتعلّق بجرائم إصدار شيك دون رصيد.
واعتبر أن العفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد يُعدّ خطوة إيجابية لتسوية عدد من الوضعيات، وقدم بعض الملاحظات والمقترحات بهدف تحسين نص مقترح القانون المعروض وتجويد صياغته، واستعرض كمون مختلف هذه المقترحات.
رأي نقابة القضاة
وأضاف مقرر لجنة التشريع العام، مليك كمون، أن ممثل نقابة القضاة التونسيين بيّن أن مقترح القانون المتعلّق بالعفو في جريمة الشيك دون رصيد لا يمكن دراسته بمعزل عن القانون عدد 41 لسنة 2024 المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، وأشار إلى أن هذا القانون كانت له نتائج إيجابية، تمثلت خاصة في الإفراج عن عديد المساجين والموقوفين من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد.
وبخصوص موقف النقابة من المبادرة التشريعية، أوضح أنه قد يترتب عن تطبيقها بعض الآثار السلبية التي تتمثل أساسًا في المساس بمبدأ المساواة بين المتقاضين، وعدم الموازنة بين حق الدائن وحق المدين. واقترح التمديد في إجراءات التسوية بالنسبة إلى المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وكذلك الأشخاص غير القادرين على تسوية وضعياتهم في آجال إبرام الالتزامات الأحادية المنصوص عليها بالفصل السادس من القانون عدد 41 لسنة 2024، واقترح أن يكون العفو العام دون تسقيف، ضمانًا للمساواة بين الجميع، وتمسّك بضرورة خلاص مبلغ الشيك أو ما تبقى منه للتمتع بالعفو العام، ثم تولى ممثل نقابة القضاة التونسيين تقديم مقترحات النقابة مكتوبة.
رأي وزارة العدل
وبيّن مليك كمون، مقرر لجنة التشريع العام، أن ممثلي وزارة العدل تطرقوا في مداخلتهم إلى أهداف القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، والمتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها. وبخصوص مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، فقد أشار ممثلو وزارة العدل إلى أنه لا ينطوي على ضمانات كفيلة بحفظ حقوق المستفيد، ويكتفي بإسقاط العقوبة عن مصدري الشيكات دون رصيد. وفي المقابل، عبّروا عن تمسّكهم بالمقتضيات الواردة بالقانون عدد 41 سالف الذكر، والتي تعرّضت إلى مسألة السراح وإسقاط التتبعات الجزائية دون الإضرار بمصلحة وذمة المستفيد، وبالتالي فهي تراعي مصالح الطرفين وتكفل في الآن نفسه الحفاظ على النسيج الاقتصادي وحرية المواطنين التونسيين.
كما قدّم كمون تفاصيل حول النقاشات التي دارت صلب لجنتي التشريع العام والنظام الداخلي بمناسبة جلسات الاستماع المذكورة، وكذلك بمناسبة النظر في فصول المبادرة والتصويت عليها، وخلُص إلى تقديم الصيغة المعدّلة المعروضة على أنظار الجلسة العامة المنعقدة أمس بقصر باردو، وقد شمل التعديل حذف التسقيف المضمّن في الصيغة الأصلية للمقترح والمقدّر بخمسة آلاف دينار.
تبيان المواقف
وخلال الجلسة المسائية المخصّصة للنقاش العام لمقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، اختلفت آراء النواب حول هذا المقترح؛ فهناك من رحّبوا بهذه المبادرة، في حين عبّر آخرون عن تحفّظاتهم عليها، وهناك من خيّر الدفاع عن مقترح قانون آخر لا علاقة له بالشيكات دون رصيد.
النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة، عماد أولاد جبريل، كان من بين المدافعين عن المبادرة التشريعية، وأشار إلى أن الدستور التونسي منح للمشرّع آلية العفو، وقال إن هذا المقترح لا يهدف إلى إسقاط حقوق المدين، بل تم من خلاله إلغاء العقوبة السجنية من أجل تمكين المساجين من العودة إلى العمل، وبهذه الكيفية يمكنهم خلاص ديونهم، وبالتالي فإن المدين نفسه سيستفيد. وأضاف قائلاً إنه لا يدافع عن المتحيلين، وذكر أنه إذا كان هناك من تعرّض إلى التحيل فعليه تقديم شكاية في الغرض. وفسّر أنه لا يمكن تحميل مقترح القانون ما لا يتحمّله، فهذا المقترح هدفه تسوية وضعية من لم يستطع قانون 2024 حل مشاكلهم، فالغاية من العفو ليست إسقاط الدين، بل اختزال المسار الطويل الذي يتم أمام المحاكم، وبالتالي ترك المجال للسجين لكي يعمل ويقوم بخلاص ديونه. وبيّن أنه عند تطبيق القانون عدد 41 لسنة 2024، تبيّن أن قلة قليلة من عدول الإشهاد طبّقوا تعريفة إبرام الحجة العادلة.
وأكّد أولاد جبريل أن هناك من تُوفي وهو خارج البلاد لأن الوزارة التي تعامل معها لم تقم بخلاصه، وبالتالي لا يمكن وضع الجميع في خانة المتحيلين، لأن هناك الكثير من الناس تعرضوا إلى مشاكل خلال جائحة كورونا، ولأن الوزارات لم تقم بخلاصهم، ويرى النائب أنه لا بد من منح فرصة لهؤلاء لتسوية وضعياتهم. وأشار إلى أن العفو العام لا يمكن أن يقوم به سوى مجلس نواب الشعب، وأنه ما على المشرّع سوى تحمّل مسؤولياته. وذكر أن هذا المقترح هو جزء من الحل، وفسّر أن المطلوب اليوم هو دعوة البنوك لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ودعوة البنك المركزي إلى مراجعة تصنيف هذه المؤسسات حتى تتمكن من الحصول على قروض. وأوضح أن العفو سيمنح هذه المؤسسات جرعة من الأمل، لكنه لا يكفي، بل يجب الانكباب على دراسة الكمبيالة.
أما النائب حاتم الهواوي، عن كتلة صوت الجمهورية، ففسّر كيف أن مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار صك دون رصيد واضح وصريح، وجاء لضمان حق المستفيد. وترحّم النائب على من أقدموا على الانتحار بسبب شيكات دون رصيد، وذكر أن الشعب يريد عفواً شاملاً، ودعا المجلس النيابي إلى إقرار عفو شامل.
لا للدفاع عن اللصوص
وبيّن النوري الجريدي، النائب عن كتلة لينتصر الشعب، أن المبادئ لا تتجزأ، وذكر أن كتلته مع العفو، لكنها لا تدافع عن اللصوص والمتحيلين والمتمعشين الذين استثروا من مال غيرهم. ويرى النائب أنه من المهم جداً نقاش مقترح قانون يتعلق بالعفو، لكن هناك أيضاً آلاف المعطلين عن العمل المهمشين الذين لا يعرفون شيكات ولا رصيد، لأنهم موجودون في مثلث الإقصاء والخوف من المستقبل والإحساس بالدونية، وهناك منهم من قضى عشر سنوات فما فوق في بطالة، وهو يشاهد العالم حوله يتحرك، لكنه يقبع في نفس المكان بعد أن كافح وسهر الليالي ودرس وتعب وحصل على الشهادة، بل هناك منهم من توفي وهو عاطل عن العمل.
وتمسك الجريدي بمطلب عرض تقرير لجنة التخطيط الاستراتيجي المتعلق بسن القانون الاستثنائي لتشغيل من طالت بطالتهم من خريجي الجامعات على جلسة عامة، لأن جميع النواب موافقون عليه، كما دعا رئيسة الحكومة إلى تضمين اعتمادات لانتداب الدفعة الأولى من أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم، صلب قانون المالية للسنة القادمة، وتوفير هذه الاعتمادات من خلال الاقتصاد في مصاريف السيارات الإدارية والبعثات للخارج. وقال إن التنكيل بهؤلاء لا يمكن أن يتواصل، وإنه لا خيار أمام الحكومة سوى فتح باب الانتداب أمام الدفعة الأولى من أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم.
مخاطر حقيقية
وعبّرت النائبة غير المنتمية إلى كتل، فاطمة المسدي، عن تحفّظها المبدئي على مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، لما يحمله من مخاطر حقيقية على النظام المالي والاقتصادي للدولة، وعلى مبدأ المساواة أمام القانون. وقالت إن القانون عدد 41 لسنة 2024، الذي صادق عليه المجلس النيابي السنة الماضية، تحوّل بدوره من أداة لتخفيف العبء عن السجون والمحاكم إلى أداة للتحايل على القانون ولإفلات بعض المجرمين من العقاب.
وإثر النقاش العام، دافع نزار الصديق، ممثل جهة المبادرة التشريعية المتعلقة بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، عن هذه المبادرة، وأوضح بالخصوص أن تقديمها يعود إلى أسباب اجتماعية واقتصادية بحتة، وذلك بالنظر إلى تداعيات جائحة كورونا، خاصة على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، حيث تفاقمت مشاكل عشرات الآلاف من التونسيين، حتى أن هناك من المقاولين من أقدم على الانتحار في ليبيا لأنه لم يقع خلاصه من قبل الدولة. وذكر أن الانتحار دليل على الإحساس بالإحباط.
وأوضح الصديق أن العفو يتعلّق بالعقوبة السجنية فقط، وبالتالي فهو لا يسقط الديون، لأنه تم الإبقاء في الفصل الثاني من المبادرة على حقوق المستفيدين، وأكّد أن مقترح القانون لا يمسّ من حقوق المستفيد.
وعملاً بأحكام الفصل 109 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، تم المرور من النقاش العام للمبادرة التشريعية سالفة الذكر إلى نقاش الفصول الواردة فيها بأغلبية الأعضاء الحاضرين، ولكن نتيجة التصويت أدّت إلى إسقاطها.
سعيدة بوهلال
أعلن رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة مساء أمس في نهاية الجلسة العامة المنعقدة طيلة اليوم بقصر باردو عن إسقاط مقترح القانون المتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، وكانت نتيجة التصويت على المرور من النقاش العام لهذا المقترح الذي دافع عنه النائب نزار الصديق إلى النظر فيه فصلا فصلا كما يلي: 15 موافقون و11 محتفظون و68 رافضون.
وفي المقابل، صادق المجلس خلال الحصة الصباحية، بحضور مشكاة سلامة وزيرة المالية، على مشروع القانون المتعلّق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2021 برمّته، إذ كانت نتيجة التصويت عليه كما يلي: 64 موافقون، 7 محتفظون، 8 رافضون، ليتم إثر ذلك رفع الجلسة.
وعند استئنافها، أعلن بودربالة عن الانتقال إلى النقطة الثانية المدرجة بجدول الأعمال والمتعلّقة بالنظر في المبادرة التشريعية المتعلّقة بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، وذكّر في بداية الأمر بمختلف الإجراءات المعمول بها في الجلسات العامة التشريعية، ولكن قبل الشروع في التداول حول هذه المبادرة، أذن بودربالة برفع الجلسة العامة للتشاور مع رؤساء الكتل وأعضاء مكتب المجلس.
وعند استئناف الأشغال، تم عرض تقرير مشترك من إعداد لجنة التشريع العام التي يرأسها النائب ياسر قوراري، ولجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية التي يرأسها النائب محمد أحمد، وتم من خلال هذا التقرير استعراض مسار دراسة مقترح القانون المتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، الذي تم إيداعه من قبل 45 نائبًا في مقدّمتهم نزار الصديق منذ يوم الخميس 13 فيفري 2025.
أهداف العفو العام
أشار يوسف طرشون، مقرر لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية، إلى أن مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، لا يفوق المبلغ المضمّن به خمسة آلاف دينار، يهدف إلى الحدّ من الآثار السلبية لسوء استعمال الشيك قبل صدور القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلّة التجارية وإتمامها. ويرمي بالأساس إلى إلغاء العقوبة السجنية عن مُصدري الشيك دون رصيد في حدود المبلغ المذكور، إذ أبرزت الإحصائيات الرسمية أن الشيكات التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دينار تحتل النسبة الأكبر من حيث عدد القضايا وعدد المحكومين.
وجاء في نفس التقرير، الذي تلاه طرشون على مسامع الحاضرين، أن القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلّة التجارية وإتمامها، عالج هذه المسألة حتى يوقف الاستعمال الخاطئ للشيك كوسيلة للضمان، ويفرض استعماله بصفة قانونية كوسيلة دفع حينية، لأن الاستعمال الخاطئ أدّى إلى بروز العديد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة، علاوة على إثقال كاهل العدالة والقضاء بآلاف القضايا وارتفاع عدد المساجين بالمؤسسات السجنية.
كما يهدف العفو العام إلى إعادة تأهيل المحكوم ضدهم والموقوفين، والسماح لهم بإعادة الاندماج في الاقتصاد الوطني والعودة إلى سالف نشاطهم للتمكن من خلاص مبالغ الشيكات المتخلدة بذمتهم، مع المحافظة على الحقوق المدنية للدائن المستفيد، ليتولّى القيام بإجراءات الاستخلاص المتاحة له مدنيًا، حيث لا يتسلّط العفو العام إلا على الجانب الجزائي.
ضرورة ملحّة
استعرض التقرير المشترك للجنتي التشريع العام والنظام الداخلي، المعروض أمس على أنظار الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب، حسب ما أشار إليه يوسف طرشون، مختلف المبررات التي تجعل من مقترح العفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحّة.
ومن أهمّها: عدم توحيد الإجراءات في المحاكم، حيث يوجد تباين كبير في تطبيق الإجراءات لدى المحاكم، وبطء في معالجة القضايا المتعلّقة بإصدار شيكات دون رصيد، مع غياب معيار موحد للتعامل مع هذه القضايا، بما ساهم في زيادة الأعباء المحمولة على كل من الدائن والمدين، وهو ما يقتضي إيجاد حل جذري على غرار إصدار عفو عام لتجاوز هذه التناقضات.
وذلك فضلًا عن اختلاف المحاكم في تطبيق سقوط العقوبة بمرور الزمن، حيث استمرت الملاحقات القضائية رغم انقضاء المدة القانونية لسقوط العقوبة، وهو من شأنه أن يؤدي إلى انتهاك واضح لحقوق المدينين، ويضمن مقترح العفو العام معالجة هذه الثغرة بشكل منصف ويعزز الالتزام بالقوانين المتعلّقة بالتقادم.
وفي علاقة بدور العفو العام في تعزيز الثقة في القضاء، تمّت الإشارة في التقرير إلى أن عدم توحيد الإجراءات المتعلّقة بآجال سقوط العقوبة من شأنه المساس بمصداقية القضاء لدى المواطنين. وفي المقابل، يمكن أن يكون العفو خطوة إصلاحية تُظهر التزام المرفق القضائي بتطبيق العدالة بشكل ناجع وشفاف.
مبررات أخرى
ومن المبرّرات الأخرى للعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، الإجراءات الإدارية المعقدة وتأثيرها السلبي، والبيروقراطية التي تعيق تنفيذ عمليات التسوية وتُعرقل إمكانية استئناف المحكوم ضده لنشاطه الاقتصادي، وتزيد في تفاقم الأزمة المالية للمدين في ظل تزايد التحديات والأزمات الاقتصادية.
وقد يساهم هذا العفو العام في تبسيط هذه الإجراءات من خلال تقديم إطار قانوني موحد لإنهاء النزاعات الجزائية المتعلّقة بالشيكات.
كما تمت الإشارة في نفس التقرير إلى تأثير الأسباب الاقتصادية الوطنية والعالمية على قدرة المدينين على سداد ديونهم في الوقت المناسب، ومن شأن العفو أن يساهم في تخفيف الأعباء على الأفراد والشركات التي تأثرت بشكل مباشر من الركود الاقتصادي، خاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وأن يعزز فرص التسوية السريعة، ويُعيد إدماج المدينين في الدورة الاقتصادية، ويساهم في النمو الاقتصادي.
إضافة إلى الأزمات الجيوسياسية وتأثيرها على الاقتصاد، سواء تعلّق الأمر بالحرب في أوكرانيا أو أزمات الطاقة والغذاء العالمية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتعطّل حلقات التوريد، مما أثّر على القدرة الشرائية للمواطنين، ومن شأن العفو العام أن يُخفف من تأثير هذه التحديات، وأن يعزز التماسك الاجتماعي، ويُظهر التزام الدولة بدعم الفئات الأكثر تضررًا من الأزمات الاقتصادية المركّبة.
كما أشار التقرير المعروض على الجلسة العامة إلى رفض البنوك تمويل الأفراد، وإحجامها عن تمويل المؤسسات الصغرى، وهو ما أدّى إلى الحدّ من قدراتهم على تسوية أوضاعهم المالية. ويمكن العفو العام من إعادة بناء الثقة بين البنوك والحرفاء، ومن إيجاد حلول مرنة للمشاكل المالية.
وأضاف يوسف طرشون أن لجنة التشريع العام ولجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية والقوانين البرلمانية والوظيفة الانتخابية تعهدتا بالنظر في مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، بموجب إحالة من رئيس مجلس نواب الشعب، وذلك بناءً على قرار مكتب المجلس المنعقد بتاريخ 13 فيفري 2025، مع التوصية باستعجال النظر.
وفي هذا الإطار، عقدت اللجنتان جلسات استماع مشتركة يومي 20 و21 فيفري 2025 إلى النواب أصحاب المبادرة، ثم إلى ممثلين عن الهيئة الوطنية للمحامين، وإلى ممثلين عن نقابة القضاة التونسيين، وإلى ممثلين عن وزارة العدل. وشرعت اللجنتان في مناقشة فصول المقترح المعروض في جلسة بتاريخ 25 فيفري 2025.
الصيغة الأصلية
وأوضح ممثلو جهة المبادرة، حسب ما أشار إليه مقرر لجنة النظام الداخلي يوسف طرشون، أن مقترح القانون المعروض تضمن ثلاثة فصول، وفي نفس اليوم تمت إحالته من قبل مكتب المجلس إلى اللجنتين. وتضمن في صيغته الأصلية ثلاثة فصول، نصّ الفصل الأول منها على أن يتمتع بالعفو العام كلّ من أصدر شيكًا لا يفوق المبلغ المضمّن به خمسة آلاف دينار، أو قام بالاعتراض على الخلاص في غير الحالات المنصوص عليها بالفصل 374 من المجلة التجارية، وحرّرت في شأنه شهادة في عدم الخلاص قبل 2 فيفري 2025.
ونصّ الفصل الثاني على أن لا يمسّ العفو العام المقرّر بمقتضى هذا القانون حقوق الغير، وخاصة حقوق المستفيد من الشيك، ولا يشمل مصاريف الإعلام التي دفعها البنك المسحوب عليه، ولا المصاريف القضائية، ولو التي لم تُستخلص، ولا الاستقصاء الذي تم تنفيذه، ولا الخطية التي تم استخلاصها. وتبقى الحقوق المدنية للمستفيد قائمة لاستخلاص المبالغ المتعلقة بالشيك كاملة.
في حين نصّ الفصل الثالث على أن يُكلّف وزير العدل ووزير الداخلية ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي التونسي بتنفيذ أحكام هذا القانون حال نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وبيّن ممثلو جهة المبادرة، بالخصوص، أن مقترح القانون يأتي تماهيًا وتناغمًا مع ما تم إقراره من أحكام بمقتضى القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح أحكام المجلة التجارية وإتمامها، والتي ترمي إلى الحدّ من التداعيات السلبية الاجتماعية والاقتصادية لتجريم إصدار شيك دون رصيد، وذلك بتمتيع كلّ من أصدر شيكًا دون رصيد لا يفوق المبلغ المضمّن به خمسة آلاف دينار بالعفو العام.
وأضافوا أن تحديد هذا المبلغ يعود إلى العدد الهام من القضايا المتعلقة بجرائم الشيك دون رصيد في حدود هذا المبلغ، وبيّنوا أن العفو يهدف إلى إعادة إدماج المنتفعين به في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مع ضمان الحقوق المالية للدائنين من خلال الإبقاء على حقوقهم في القيام بالدعوى المدنية لاستخلاص المبالغ المضمّنة بالشيك، فضلًا عن التداعيات الإيجابية لهذا المقترح في التخفيف من عدد القضايا المنشورة لدى المحاكم، وتوجيه جهود المرفق القضائي نحو تكريس العدالة.
رأي هيئة المحامين
قدّم مليك كمون، مقرر لجنة التشريع العام، تفاصيل حول جلسات الاستماع المشتركة إلى ممثلي الهيئة الوطنية للمحامين، وممثلي نقابة القضاة التونسيين، وممثلي وزارة العدل.
ومن بين ما أشار إليه في هذا الخصوص، أن عميد الهيئة الوطنية للمحامين ثمّن مقترح القانون المعروض على اللجنتين، واعتبر أن هذه المبادرة التشريعية جاءت إثر صدور القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، الذي تضمن العديد من النقاط الإيجابية، لكن تطبيقه، الذي نزع التجريم عن الشيكات دون خمسة آلاف دينار، أفرز بعض الإشكاليات، خاصة على مستوى المحاكم، لاختلاف الإجراءات والاجتهادات.
وأضاف أن هذه المبادرة تتنزل في إطار استكمال تنقيح بعض أحكام المجلة التجارية، في تناغم مع أحكام القانون عدد 41 لسنة 2024، للحدّ من الآثار الجانبية لسوء استعمال الشيك، مؤكدًا على الموقف المبدئي للهيئة الوطنية للمحامين في نزع التجريم في ما يتعلّق بجرائم إصدار شيك دون رصيد.
واعتبر أن العفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد يُعدّ خطوة إيجابية لتسوية عدد من الوضعيات، وقدم بعض الملاحظات والمقترحات بهدف تحسين نص مقترح القانون المعروض وتجويد صياغته، واستعرض كمون مختلف هذه المقترحات.
رأي نقابة القضاة
وأضاف مقرر لجنة التشريع العام، مليك كمون، أن ممثل نقابة القضاة التونسيين بيّن أن مقترح القانون المتعلّق بالعفو في جريمة الشيك دون رصيد لا يمكن دراسته بمعزل عن القانون عدد 41 لسنة 2024 المتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها، وأشار إلى أن هذا القانون كانت له نتائج إيجابية، تمثلت خاصة في الإفراج عن عديد المساجين والموقوفين من أجل جريمة إصدار شيك دون رصيد.
وبخصوص موقف النقابة من المبادرة التشريعية، أوضح أنه قد يترتب عن تطبيقها بعض الآثار السلبية التي تتمثل أساسًا في المساس بمبدأ المساواة بين المتقاضين، وعدم الموازنة بين حق الدائن وحق المدين. واقترح التمديد في إجراءات التسوية بالنسبة إلى المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وكذلك الأشخاص غير القادرين على تسوية وضعياتهم في آجال إبرام الالتزامات الأحادية المنصوص عليها بالفصل السادس من القانون عدد 41 لسنة 2024، واقترح أن يكون العفو العام دون تسقيف، ضمانًا للمساواة بين الجميع، وتمسّك بضرورة خلاص مبلغ الشيك أو ما تبقى منه للتمتع بالعفو العام، ثم تولى ممثل نقابة القضاة التونسيين تقديم مقترحات النقابة مكتوبة.
رأي وزارة العدل
وبيّن مليك كمون، مقرر لجنة التشريع العام، أن ممثلي وزارة العدل تطرقوا في مداخلتهم إلى أهداف القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024، والمتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة التجارية وإتمامها. وبخصوص مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، فقد أشار ممثلو وزارة العدل إلى أنه لا ينطوي على ضمانات كفيلة بحفظ حقوق المستفيد، ويكتفي بإسقاط العقوبة عن مصدري الشيكات دون رصيد. وفي المقابل، عبّروا عن تمسّكهم بالمقتضيات الواردة بالقانون عدد 41 سالف الذكر، والتي تعرّضت إلى مسألة السراح وإسقاط التتبعات الجزائية دون الإضرار بمصلحة وذمة المستفيد، وبالتالي فهي تراعي مصالح الطرفين وتكفل في الآن نفسه الحفاظ على النسيج الاقتصادي وحرية المواطنين التونسيين.
كما قدّم كمون تفاصيل حول النقاشات التي دارت صلب لجنتي التشريع العام والنظام الداخلي بمناسبة جلسات الاستماع المذكورة، وكذلك بمناسبة النظر في فصول المبادرة والتصويت عليها، وخلُص إلى تقديم الصيغة المعدّلة المعروضة على أنظار الجلسة العامة المنعقدة أمس بقصر باردو، وقد شمل التعديل حذف التسقيف المضمّن في الصيغة الأصلية للمقترح والمقدّر بخمسة آلاف دينار.
تبيان المواقف
وخلال الجلسة المسائية المخصّصة للنقاش العام لمقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، اختلفت آراء النواب حول هذا المقترح؛ فهناك من رحّبوا بهذه المبادرة، في حين عبّر آخرون عن تحفّظاتهم عليها، وهناك من خيّر الدفاع عن مقترح قانون آخر لا علاقة له بالشيكات دون رصيد.
النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة، عماد أولاد جبريل، كان من بين المدافعين عن المبادرة التشريعية، وأشار إلى أن الدستور التونسي منح للمشرّع آلية العفو، وقال إن هذا المقترح لا يهدف إلى إسقاط حقوق المدين، بل تم من خلاله إلغاء العقوبة السجنية من أجل تمكين المساجين من العودة إلى العمل، وبهذه الكيفية يمكنهم خلاص ديونهم، وبالتالي فإن المدين نفسه سيستفيد. وأضاف قائلاً إنه لا يدافع عن المتحيلين، وذكر أنه إذا كان هناك من تعرّض إلى التحيل فعليه تقديم شكاية في الغرض. وفسّر أنه لا يمكن تحميل مقترح القانون ما لا يتحمّله، فهذا المقترح هدفه تسوية وضعية من لم يستطع قانون 2024 حل مشاكلهم، فالغاية من العفو ليست إسقاط الدين، بل اختزال المسار الطويل الذي يتم أمام المحاكم، وبالتالي ترك المجال للسجين لكي يعمل ويقوم بخلاص ديونه. وبيّن أنه عند تطبيق القانون عدد 41 لسنة 2024، تبيّن أن قلة قليلة من عدول الإشهاد طبّقوا تعريفة إبرام الحجة العادلة.
وأكّد أولاد جبريل أن هناك من تُوفي وهو خارج البلاد لأن الوزارة التي تعامل معها لم تقم بخلاصه، وبالتالي لا يمكن وضع الجميع في خانة المتحيلين، لأن هناك الكثير من الناس تعرضوا إلى مشاكل خلال جائحة كورونا، ولأن الوزارات لم تقم بخلاصهم، ويرى النائب أنه لا بد من منح فرصة لهؤلاء لتسوية وضعياتهم. وأشار إلى أن العفو العام لا يمكن أن يقوم به سوى مجلس نواب الشعب، وأنه ما على المشرّع سوى تحمّل مسؤولياته. وذكر أن هذا المقترح هو جزء من الحل، وفسّر أن المطلوب اليوم هو دعوة البنوك لتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ودعوة البنك المركزي إلى مراجعة تصنيف هذه المؤسسات حتى تتمكن من الحصول على قروض. وأوضح أن العفو سيمنح هذه المؤسسات جرعة من الأمل، لكنه لا يكفي، بل يجب الانكباب على دراسة الكمبيالة.
أما النائب حاتم الهواوي، عن كتلة صوت الجمهورية، ففسّر كيف أن مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار صك دون رصيد واضح وصريح، وجاء لضمان حق المستفيد. وترحّم النائب على من أقدموا على الانتحار بسبب شيكات دون رصيد، وذكر أن الشعب يريد عفواً شاملاً، ودعا المجلس النيابي إلى إقرار عفو شامل.
لا للدفاع عن اللصوص
وبيّن النوري الجريدي، النائب عن كتلة لينتصر الشعب، أن المبادئ لا تتجزأ، وذكر أن كتلته مع العفو، لكنها لا تدافع عن اللصوص والمتحيلين والمتمعشين الذين استثروا من مال غيرهم. ويرى النائب أنه من المهم جداً نقاش مقترح قانون يتعلق بالعفو، لكن هناك أيضاً آلاف المعطلين عن العمل المهمشين الذين لا يعرفون شيكات ولا رصيد، لأنهم موجودون في مثلث الإقصاء والخوف من المستقبل والإحساس بالدونية، وهناك منهم من قضى عشر سنوات فما فوق في بطالة، وهو يشاهد العالم حوله يتحرك، لكنه يقبع في نفس المكان بعد أن كافح وسهر الليالي ودرس وتعب وحصل على الشهادة، بل هناك منهم من توفي وهو عاطل عن العمل.
وتمسك الجريدي بمطلب عرض تقرير لجنة التخطيط الاستراتيجي المتعلق بسن القانون الاستثنائي لتشغيل من طالت بطالتهم من خريجي الجامعات على جلسة عامة، لأن جميع النواب موافقون عليه، كما دعا رئيسة الحكومة إلى تضمين اعتمادات لانتداب الدفعة الأولى من أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم، صلب قانون المالية للسنة القادمة، وتوفير هذه الاعتمادات من خلال الاقتصاد في مصاريف السيارات الإدارية والبعثات للخارج. وقال إن التنكيل بهؤلاء لا يمكن أن يتواصل، وإنه لا خيار أمام الحكومة سوى فتح باب الانتداب أمام الدفعة الأولى من أصحاب الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم.
مخاطر حقيقية
وعبّرت النائبة غير المنتمية إلى كتل، فاطمة المسدي، عن تحفّظها المبدئي على مقترح القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، لما يحمله من مخاطر حقيقية على النظام المالي والاقتصادي للدولة، وعلى مبدأ المساواة أمام القانون. وقالت إن القانون عدد 41 لسنة 2024، الذي صادق عليه المجلس النيابي السنة الماضية، تحوّل بدوره من أداة لتخفيف العبء عن السجون والمحاكم إلى أداة للتحايل على القانون ولإفلات بعض المجرمين من العقاب.
وإثر النقاش العام، دافع نزار الصديق، ممثل جهة المبادرة التشريعية المتعلقة بالعفو العام في جريمة إصدار شيك دون رصيد، عن هذه المبادرة، وأوضح بالخصوص أن تقديمها يعود إلى أسباب اجتماعية واقتصادية بحتة، وذلك بالنظر إلى تداعيات جائحة كورونا، خاصة على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، حيث تفاقمت مشاكل عشرات الآلاف من التونسيين، حتى أن هناك من المقاولين من أقدم على الانتحار في ليبيا لأنه لم يقع خلاصه من قبل الدولة. وذكر أن الانتحار دليل على الإحساس بالإحباط.
وأوضح الصديق أن العفو يتعلّق بالعقوبة السجنية فقط، وبالتالي فهو لا يسقط الديون، لأنه تم الإبقاء في الفصل الثاني من المبادرة على حقوق المستفيدين، وأكّد أن مقترح القانون لا يمسّ من حقوق المستفيد.
وعملاً بأحكام الفصل 109 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، تم المرور من النقاش العام للمبادرة التشريعية سالفة الذكر إلى نقاش الفصول الواردة فيها بأغلبية الأعضاء الحاضرين، ولكن نتيجة التصويت أدّت إلى إسقاطها.