من بينها غياب مدير فني وكثرة العروض التجارية.. انتقادات عديدة توجه لمهرجان قرطاج الدولي في دورته التاسعة والخمسين
مقالات الصباح
❞الموسيقار محمد القرفي مستاء من معلقة عرض الافتتاح.. وفلسطين حاضرة عبر عروض لمحمد عساف و«سان لوفان».. ❝
في أجواء حملت الكثير من التشنج والتوتر للمهرجان، عقدت مساء الخميس، الندوة الصحفية للدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي (من 19 جويلية إلى 21 أوت 2025)، والتي سبقها بأيام جدل متواصل حول برمجة المغنية الفرنسية إيلين سيغارا الداعمة للكيان الصهيوني، واستياء عدد من الفنانين التونسيين من أساليب التعامل معهم خلال الإعلان عن البرمجة بغيابهم عن الأفيشات. كما تم تغيير أفيش عرض «سان لوفان» بعد طرحه لرغبة الفنان المذكور في تغييره. ومن بين اللحظات الفارقة خلال الندوة الصحفية، تصريح الموسيقار محمد القرفي الذي قال فيه إنه مستاء من معلقة عرضه الافتتاحي التي لم تمنح مطربي السهرة مكانتهم المستحقة.
ولعّل أهم الانتقادات الموجهة لمهرجان قرطاج على غرار مهرجان الحمامات الدولي، هو غياب مدير فني يتحمل مسؤولية خيارات الدورة التاسعة والخمسين. وفي السياق أوضحت هند المقراني، المديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، خلال الندوة الصحفية ليلة أول أمس الخميس 10 جويلية، أن لجنة مختصة لم تكشف عن تركيبتها، تولت تحديد برمجة مهرجان قرطاج 2025. وقد سبق لهذه اللجنة العمل ضمن إدارة المهرجان في دورتي 57 و58. وتؤكد برمجة الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي أنها لا تعد بأن تكون أفضل الدورات على مستوى البرمجة، فمعظم الخيارات تندرج في خانة «الإنتاجات المستهلكة والتجارية» بعيدًا عن الالتزام الثقافي الذي يلوّن خيارات الدولة في المرحلة الحالية، مع غياب التنوع على مستوى الأنماط الموسيقية والتعبيرات الفنية المعتادة في المهرجان الأعرق في تونس وواحد من أهم المهرجانات الصيفية في العالم العربي. ففي هذه الدورة التاسعة والخمسين، تغيب العروض الإفريقية والمغاربية والأجنبية ذات الخصوصية، ونعتقد أن الخيارات ستكون أفضل بكثير بالاستعانة بكفاءات تونسية لها صيت في مجال موسيقات العالم والمشاريع الإبداعية البديلة والمغايرة. ولدينا في ذلك أسماء معروفة.
وتبدو سيطرة بعض متعهدي الحفلات على برمجة المهرجانات الكبرى في تونس واضحة على غرار السنوات الأخيرة، وهو ملف حارق من الضروري فتحه، خاصة وأن الوضع يهدد بتفاقم أكبر على عدة مستويات قد تكون وخيمة على الصورة الثقافية للبلاد.
الفنان التونسي، ورغم حضور لطيفة وعودة صوفية صادق وبرمجة بعض العروض، جانب منها أشبه بسهرات «الأعراس»، يظل الغائب الأكبر عن مهرجان بلاده الأهم. فالمشاريع الموسيقية والإبداعية من موسيقى ومسرح وغيرها من فنون الفرجة عديدة، وكان بالإمكان الاجتهاد أكثر وبجدية أكبر لنسج ملامح برمجة تليق بالحراك الفني التونسي، تثمن عمل الكبار وتمنح شباب الإبداع فرصة اعتلاء مسرح قرطاج.
ميزانية مهرجان قرطاج الدولي في دورته التاسعة والخمسين، وفقًا لتصريح هند المقراني، المديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، تبلغ 3 ملايين دينار. والحقيقة أنه مبلغ زهيد في عالم الترفيه – حتى لا نتحدث عن الثقافة ومقوماتها. ومع ذلك، تمنح عائدات التذاكر والرعاة والاتفاقيات المشتركة مع المهرجان إمكانيات مالية تقي قرطاج الدولي من العجز المالي، وهي ميزة يمكن أن يقع استثمارها أفضل بالتعاون مع وزارة السياحة وغيرها من الأطراف الفاعلة لمراجعة نوعية العروض واستقطاب أسماء أكثر نجاعة وفعالية في تحقيق الإشعاع والتجديد، بعيدًا عن الأسماء المستهلكة المتكررة كل فترة على مسرح قرطاج.
ومن الجيد أن تلامس برمجة قرطاج – ولو نسبيًا – الراهن العربي وتمنح هامشًا لصوت فلسطين في خياراتها، ولكن ألم يكن من الأفضل تقديم عمل عن هذه الأرض المسلوبة يجمع جنسيات عديدة، ومن بينهم تونسيون وفلسطينيون، ويكون من إنتاج المهرجان (في افتتاحه أو اختتامه)، عوضًا عن البحث عن معادلة صعبة بين التجارة والالتزام... لا تستقيم!?
وفي اعتقادنا، عودة مهرجان قرطاج لإنتاج عمل فني ضخم هو الرسالة الأفضل للعالم في هذا الزمن المزري.. زمن الصراع والحروب والهوية المفقودة.
التعلات عديدة، على غرار ضيق الوقت، البيروقراطية الإدارية، الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، لكن معظم هذه المبررات واهية، خاصة وأن الحلول ممكنة والتصورات متوفرة والكفاءات من أبناء هذا الوطن القادرين على تنفيذ أقوى العروض الكبرى موجودة، وسبق لهم النجاح في تونس وخارجها. ولكن هذه التغييرات لن تحدث في بلادنا إذا ظلت نفس التوجهات وأساليب التصرف تسيطر على المشهد الثقافي الوطني.
نجلاء قموع
❞الموسيقار محمد القرفي مستاء من معلقة عرض الافتتاح.. وفلسطين حاضرة عبر عروض لمحمد عساف و«سان لوفان».. ❝
في أجواء حملت الكثير من التشنج والتوتر للمهرجان، عقدت مساء الخميس، الندوة الصحفية للدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي (من 19 جويلية إلى 21 أوت 2025)، والتي سبقها بأيام جدل متواصل حول برمجة المغنية الفرنسية إيلين سيغارا الداعمة للكيان الصهيوني، واستياء عدد من الفنانين التونسيين من أساليب التعامل معهم خلال الإعلان عن البرمجة بغيابهم عن الأفيشات. كما تم تغيير أفيش عرض «سان لوفان» بعد طرحه لرغبة الفنان المذكور في تغييره. ومن بين اللحظات الفارقة خلال الندوة الصحفية، تصريح الموسيقار محمد القرفي الذي قال فيه إنه مستاء من معلقة عرضه الافتتاحي التي لم تمنح مطربي السهرة مكانتهم المستحقة.
ولعّل أهم الانتقادات الموجهة لمهرجان قرطاج على غرار مهرجان الحمامات الدولي، هو غياب مدير فني يتحمل مسؤولية خيارات الدورة التاسعة والخمسين. وفي السياق أوضحت هند المقراني، المديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، خلال الندوة الصحفية ليلة أول أمس الخميس 10 جويلية، أن لجنة مختصة لم تكشف عن تركيبتها، تولت تحديد برمجة مهرجان قرطاج 2025. وقد سبق لهذه اللجنة العمل ضمن إدارة المهرجان في دورتي 57 و58. وتؤكد برمجة الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي أنها لا تعد بأن تكون أفضل الدورات على مستوى البرمجة، فمعظم الخيارات تندرج في خانة «الإنتاجات المستهلكة والتجارية» بعيدًا عن الالتزام الثقافي الذي يلوّن خيارات الدولة في المرحلة الحالية، مع غياب التنوع على مستوى الأنماط الموسيقية والتعبيرات الفنية المعتادة في المهرجان الأعرق في تونس وواحد من أهم المهرجانات الصيفية في العالم العربي. ففي هذه الدورة التاسعة والخمسين، تغيب العروض الإفريقية والمغاربية والأجنبية ذات الخصوصية، ونعتقد أن الخيارات ستكون أفضل بكثير بالاستعانة بكفاءات تونسية لها صيت في مجال موسيقات العالم والمشاريع الإبداعية البديلة والمغايرة. ولدينا في ذلك أسماء معروفة.
وتبدو سيطرة بعض متعهدي الحفلات على برمجة المهرجانات الكبرى في تونس واضحة على غرار السنوات الأخيرة، وهو ملف حارق من الضروري فتحه، خاصة وأن الوضع يهدد بتفاقم أكبر على عدة مستويات قد تكون وخيمة على الصورة الثقافية للبلاد.
الفنان التونسي، ورغم حضور لطيفة وعودة صوفية صادق وبرمجة بعض العروض، جانب منها أشبه بسهرات «الأعراس»، يظل الغائب الأكبر عن مهرجان بلاده الأهم. فالمشاريع الموسيقية والإبداعية من موسيقى ومسرح وغيرها من فنون الفرجة عديدة، وكان بالإمكان الاجتهاد أكثر وبجدية أكبر لنسج ملامح برمجة تليق بالحراك الفني التونسي، تثمن عمل الكبار وتمنح شباب الإبداع فرصة اعتلاء مسرح قرطاج.
ميزانية مهرجان قرطاج الدولي في دورته التاسعة والخمسين، وفقًا لتصريح هند المقراني، المديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، تبلغ 3 ملايين دينار. والحقيقة أنه مبلغ زهيد في عالم الترفيه – حتى لا نتحدث عن الثقافة ومقوماتها. ومع ذلك، تمنح عائدات التذاكر والرعاة والاتفاقيات المشتركة مع المهرجان إمكانيات مالية تقي قرطاج الدولي من العجز المالي، وهي ميزة يمكن أن يقع استثمارها أفضل بالتعاون مع وزارة السياحة وغيرها من الأطراف الفاعلة لمراجعة نوعية العروض واستقطاب أسماء أكثر نجاعة وفعالية في تحقيق الإشعاع والتجديد، بعيدًا عن الأسماء المستهلكة المتكررة كل فترة على مسرح قرطاج.
ومن الجيد أن تلامس برمجة قرطاج – ولو نسبيًا – الراهن العربي وتمنح هامشًا لصوت فلسطين في خياراتها، ولكن ألم يكن من الأفضل تقديم عمل عن هذه الأرض المسلوبة يجمع جنسيات عديدة، ومن بينهم تونسيون وفلسطينيون، ويكون من إنتاج المهرجان (في افتتاحه أو اختتامه)، عوضًا عن البحث عن معادلة صعبة بين التجارة والالتزام... لا تستقيم!?
وفي اعتقادنا، عودة مهرجان قرطاج لإنتاج عمل فني ضخم هو الرسالة الأفضل للعالم في هذا الزمن المزري.. زمن الصراع والحروب والهوية المفقودة.
التعلات عديدة، على غرار ضيق الوقت، البيروقراطية الإدارية، الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، لكن معظم هذه المبررات واهية، خاصة وأن الحلول ممكنة والتصورات متوفرة والكفاءات من أبناء هذا الوطن القادرين على تنفيذ أقوى العروض الكبرى موجودة، وسبق لهم النجاح في تونس وخارجها. ولكن هذه التغييرات لن تحدث في بلادنا إذا ظلت نفس التوجهات وأساليب التصرف تسيطر على المشهد الثقافي الوطني.
نجلاء قموع