إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ندوة برلمانية.. جامعيون يتحدثون عن سن التشريع والنظام العام

نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو ندوة حول «سن التشريع والنظام العام»، شارك فيها عدد من الجامعيين،  وبالمناسبة أكد إبراهيم بودربالة رئيس المجلس على أهمية تدارس هذا الموضوع  لأنه يجب على المشرع أن يفهم معنى النظام العام والحدود التي لا يمكن للنص القانوني تجاوزها إذا تعلق الأمر بالنظام العام.

وفي مداخلة حول «مفهوم النظام العام»  أشار الأستاذ كمال شرف الدين إلى أن كل باحث في القانون ينطلق من تعريف المفاهيم، ويقوم التعريف على  منهجية تخضع لأولويات. وذكر أن المشرع في تاريخ تونس لم يعرف النظام العام وتعمد أحيانا عدم التعريف حتى لا يبقى سجينا للأحكام التي قد تتغير وهذا ليس شأن المشرع التونسي فحسب بل غاب تعريف النظام العام في القانون الفرنسي وكذلك في القانون الجزائري وغيرها من القوانين لكن رغم ذلك فإن الأحكام التشريعية العامة تفرز أربع مميزات للنظام العام.

وتتمثل الميزة الأولى حسب قوله في أن القاعدة التي تهم النظام العام هي قاعدة ملزمة للأطراف وللسلط، أما الميزة الثانية فهي أن جزاء مخالفة قاعدة النظام العام هو  البطلان، وتتمثل الميزة الثالثة في أن قاعدة النظام تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها وحتى إن لم يثرها القاضي الجالس فتتم إثارتها من قبل النيابة العمومية وبالنسبة إلى الميزة الأخيرة  فمفادها أنه لا يمكن الدفع بقاعدة النظام العام أمام المحكمة الابتدائية ولاحظ أن المشرع ضاعف من حظوظ مراقبة النظام العام وقام بتسليط جزاء على ذلك وبالتالي فإنه بكل هذه المواصفات يصعب على مخالفة النظام العام أن تمر على القاضي الجزائي دون أن يقع تسليط العقوبة المستوجبة. وبين الجامعي أنه يوجد تعريف لغوي للنظام العام على أنه مجموعة القواعد الآمرة التي لا يجوز للأفراد مخالفتها سواء كانت مضمنة بنص تشريعي أو غير مضمنة.. فهي القواعد المتصلة بالمصلحة العامة، وأضاف أن التعريف الفقهي يقوم على ربط النظام العام بالمصلحة العامة.  ولاحظ أن التشريع فيه قواعد مرنة وقواعد آمرة وكل قاعدة قانونية تنقسم تركيبتها المنطقية إلى فرض وحل، وأحيانا نجد المشرع يسطر الحل ويعلن أنه آمر وبالتالي لا يمكن مخالفته وبهذه الكيفية هو أغلق الباب أمام حرية مخالفة القاعدة.

وأضاف الأستاذ كمال شرف الدين أن الفقهاء ينبهون إلى أن مفهوم النظام العام مفهوم متغير في الزمان لأن المجتمع متغير، وبين أن المنظومة التشريعية التونسية محل فخر بل كانت مصدر تشريع العديد من البلدان.. ولاحظ أن فقه القضاء التونسي قام بتعريف النظام العام وهذا ينم عن شجاعة، وبين أنه أحيانا تأتي بعض القضايا المثيرة للجدل وتلزم رجل القانون بأن يتكلم وعلى سبيل الذكر طرح في وقت من الأوقات الموضوع على محكمة الاستئناف في علاقة بشخص غير جنسه إراديا وطالب المحكمة بتغيير اسمه من سامي إلى سامية وانفردت محكمة الاستئناف بتونس بقرار تم تداوله حتى في الخارج إذ قالت المحكمة إنه لا يمكن تغيير الاسم ولم تبح تغيير الاسم بمجرد تغيير الجنس نظرا لأن تغيير الجنس من قبل المدعي كان إراديا ويكون المدعي بذلك قد خالف الموروث الحضاري والأخلاقي لهذه الأمة وهو ما يعبر عنه بالنظام العام وبالتالي فإن القاضي كيّف العلمية واعتبرها مخالفة للنظام العام.

وخلص شرف الدين إلى أن تعريف النظام العام ليس أمرا يسيرا. وأضاف أن القاعدة القانونية التي تهم النظام العام يجب أن تكون تشريعية المصدر من صنف النص الآمر. وفسر أنه عند قراءة الكثير من النصوص التشريعية نجد أن المشرع يغلق الباب على الحل الذي فرضه فهو يعتبر ذلك الحل سيفا قاطعا ولا بديل له ولا مجال لحرية تغيير هذا الحل. ولاحظ أن النصوص الآمرة التي تهم النظام العام في تونس كثيرة جدا منها على سبيل الذكر أن المتاجرة بالبشر ممنوعة ومحجرة وأن المرأة لا يمكنها كراء رحمها وأنه لا يمكن المتاجرة بالمخدرات.. وبين أن المحكمة قد تنطق بأن الأمر يتعلق  بأحكام في النظام العام حتى وإن لم يقل المشرع أي كلمة في الموضوع ومن ذلك أن مجلة الحقوق العينية فهذه المجلة لم تتطرق إلى النظام العام لكن المحكمة أثارت مخالفة لأحكام النظام العام في علاقة بالحق في الشفعة.

الدستور نص آمر

وأشار الجامعي كمال شرف الدين إلى أن النظام العام بدا لمدة طويلة كما لو أنه حد من الحرية سواء حرية الأشخاص أو حرية السلط، ومع تطور الاقتصاد والمجتمع تغيرت النظرة وأصبح هناك حديث عن دور ايجابي للنظام العام وليس عن دور سلبي كما كان عليه الحال في السابق. وأوضح أنه توجد العديد من الدراسات حول النظام العام ولكن ما يهم النواب حليا هو أن الدستور في مجمله نص آمر فالمشرع الدستوري وضع دستور 2022 وضمنه العديد من الحقوق الأساسية وأنشأ محكمة دستورية تتولى مراقبة مدى تقيد الوظيفة التشريعية بالضوابط الدستورية في صياغة النصوص القانونية فالمحكمة الدستورية ستراقب دستورية القوانين وتكون المراقبة أصلا أو دفعا فهي بالتالي ستراقب دستورية القوانين الجديدة كما أنها ستراقب القوانين القديمة التي تقوم المحكمة بمناسبة نظرها في قضية معينة بإيقاف النظر في تلك القضية وتحيل على المحكمة الدستورية النص القانوني موضوع الدفع بعدم الدستورية لكي تقول فيه كلمتها الفصل. وفسر أن الهدف من آلية الدفع هو  تنقية المنظومة القانونية من الشوائب حتى يرتقي التشريع التونسي إلى أن يكون مطابقا للدستور.. وتطرق الأستاذ كمال شرف الدين في جانب من محاضرته إلى الحدود التي تقيد الحقوق الأساسية وبين أن تلك القيود يجب ألا تمس من جوهر الحق، وبخصوص شرط التناسب بين أن النص يتحدث عن التناسب بين القيد والهدف من القيد ويجب على المشرع عندما يريد الحد من الحق أن يحترم الفصل 55 من الدستور.  

النظام العام الأسري

وتابع نواب الشعب خلال الندوة العلمية المنتظمة ببادرة من الأكاديمية البرلمانية محاضرة أخرى قدمها الأستاذ منصف بوقرة وهي حول «النظام العام الأسري من خلال مؤسسة الزواج». ولاحظ الجامعي أن الدستور استعمل عبارة الأسرة ولم يستعمل عبارة العائلة. وأضاف أن النص التشريعي يجب أن يكون دقيقا لأنه في حال غياب الدقة قد يكون محل طعن أمام المحكمة الدستورية لأنه في القوانين يتم التعامل مع مصطلحات وكلمات دقيقة متفق عليها من قبل رجال القانون ولأن المشرع يعطي نصا قانونيا للقاضي حتى يطبق ذلك النص بدقة لذلك يجب عليه استعمال مصطلحات دقيقة سواء تعلق النص بالنظام العام أو غيره. أما عندما يهم النص النظام العام فإن النص التشريعي حسب قول بوقرة يكون آمرا. وقال  الجامعي إن قواعد النظام العام بدأت تكتسح القانون المدني ففي بعض الأحيان يحد المشرع من حرية الطرفين لحماية النظام العام أو لحماية مصلحة الطرف الضعيف وهناك في مادة القانون المدني  الزواج. وذكر أن العقد هو اتفاق طرفين على إنشاء قاعدة قانونية بينهما يلتزمان بها لكن جاء المشرع ليفتكّ الزواج لأن الزواج مؤسسة وهو من صميم النظام العام فمثلما أن المشرع افتك الشركات التجارية التي هي في الأصل عقود فقد فعل نفس الشيء مع الزواج. وذكر أن المشرع في الدول العربية الإسلامية عرف الزواج بإطناب، ففي المغرب الزواج هو ركيزة الأسرة وهناك معايير معتمدة مثل معيار النفقة ومعيار القرابة ومعيار التوارث ثم طبيعة هذه الأسرة وركز المشرع على نوع واحد من الأسر وهي الأسرة الشرعية القائمة على الزواج وعلى هذا الأساس فإنه افتك مؤسسة الزواج، أما قانون الأسرة الجزائري فينص على أن الزواج عقد رضائي يتم بين رجل وإمرة على وجه شرعي في حين أن المشرع التونسي ورغم القيمة التي منحها للزواج ورغم أنه خصص بابا من مجلة الأحوال للزواج فقد صمت لأن القيمة والأهمية انصبت على الزواج دون سواه لأنه رمز الشرعية.

مؤسسة الزواج

وعن سؤال حول طبيعة الزواج وهل أن الزواج عقد أم مؤسسة؟ أجاب الأستاذ منصف بوقرة أن بعض شراح القانون ومنهم الأستاذ الراحل ساسي بن حليمة يقول إن الزواج عقد عند إبرامه ويتحول إلى مؤسسة عندما يتعلق الأمر بنتائجه وآثاره نظرا لأن العقد تبرمه أطراف لكن المشرع هو الذي ينظمه بقواعد آمرة وهي قواعد من النظام العام. وفسر أنه منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية أصبح الزواج مؤسسة بالكامل فحتى إبرام الزواج ليس من مشمولات الزوجين ففي إنشاء الزواج يتم إبرام الزواج على مرحلتين تهم المرحلة الأولى الطرفين وذلك في إعداد العدة للزواج للاستجابة إلى جميع الموجبات، وبعد إعدادهما العدة معا يذهبان إلى المأمور العمومي ليزوجهما وبالتالي فإن الزواج لم يعد عقدا. وأضاف أنه من موجبات الزواج اختلاف الجنس، والاستجابة لشرط السن الدنيا وفي صورة عدم بلوغ السن الدنيا يجب الحصول على ترخيص من القاضي وبالتالي فإن القاضي بدأ يتدخل حتى قبل الزواج وهذا يدل على أهمية الأسرة لأن الأسرة هي رمز المجتمع ونواته الأولى، كما ينبغي على الراغبين في الزواج الذهاب إلى الطبيب للحصول على شهادة طبية، وأضاف أنه يجب ألا تكون هناك موانع وهذه الموانع حددها المشرع بدقة فهناك موانع مؤبدة وأخرى مؤقتة والموانع المؤدبة هي القرابة والمصاهرة والرضاعة والطلاق بالثلاثة أما الموانع المؤقتة فهي تعدد الزوجات أو تعدد الأزواج وعدم استنفاد فترة العدة، ونبه إلى أن كل زواج يبرم دون احترام هذه الموجبات يعتبر زواجا فاسدا والزواج الفاسد يبطل وجوبا.

 ومن صور الزواج الفاسد التي تترتب عنها عقوبة جزائية حسب قول الأستاذ بوقرة تعدد الزوجات، وخلص الجامعي إلى أن إقحام الزواج في نص مدني دليل على أنه يتعلق بالنظام العام وبالتالي كانت إرادة المشرع واضحة وصريحة. وذكر أن وظيفة المأمور العمومي تغيرت من محرر صكوك إلى مبرم زواج وبين أن المأمور العمومي كان في السابق يوثق الزواج في حجة عادلة لكن بعدها تغيرت وظيفته، فهو مطالب بأن يتأكد من الحالة المدنية للطرفين وبأن يتأكد من السن القانونية وبأن يتأكد من أن المعنيين في حل من الروابط الزوجية وعليه أن يطلب إثر ذلك الشهادة الطبية السابقة للزواج وفي صورة عدم بلوغ السن القانونية يطلب مده بإذن قضائي وفي صورة عدم الاستجابة فإنه لا يبرم عقد الزواج وبهذه الكيفية فإن المأمور العمومي هو حارس مؤسسة الزواج ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فهو يطلب الشهود لإعطاء حد أدنى من إشهار الزواج ويقوم بالاستعانة بالشاهدين لإبرام عقد الزواج وبعد ذلك يسأل الرجل عن المهر الذي اسماه الرجل ثم يسأل المرأة وعندما يتم الإيجاب والقبول بين الطرفين يصرح بالزواج وأضاف أن وجود آلية الرضا ليس بالضرورة العقد فوظيفة الرضا تغيرت ففي العقود تعد وظيفة الرضا إنشائية ودون رضا الطرفين ليس هناك عقد أما في وظيفة الزواج فإن آلية الرضا هي آلية للدخول إلى مؤسسة الزواج، فرغم اتفاق الطرفين على الزواج فلا يمكن أن يكون الزواج قائما إلا بذلك التصريح وقبل أن يقوم المأمور العمومي بالتصريح بالزواج يذكرهما بالفصل 23 المتعلق بالواجبات وبالتالي فإنه يتحمل مسؤولية كاملة فهو ليس مجرد محرر للكتاب بل هو مسؤول عن إبرام الزواج ولكي يحمي نفسه فإنه قبل التصريح بقيام الزواج يطلب من الطرفين الإمضاء على دفتر طلبات الزواج وليس هذا فقط فهو الذي يحرر الكتب الرسمي وهو الذي يرسل طلبا لترسيم ذلك الزواج بدفاتر الحالة المدنية وبالتالي فإن الكتب الرسمي هو وسيلة إثبات والزواج لا يثبت إلا بحجة رسمية يضبطها القانون فالأمر يتعلق بقواعد نظام عام بكل ثقلها وبالدخول لم يعد الزواج عقدا بل صار مؤسسة وهو مؤسسة حتى في إثباتها.

ولاحظ الجامعي أنه بعد إبرام الزواج فإن الزواج يرتب واجبات وبعض الالتزامات، شريطة أن لا تكون هذه الاتفاقات مخلة بشرط الزواج لأن جسم الزواج لا يمكن المساس به فعلى سبيل الذكر يمكن للزوجين الاتفاق بينهما على أن ينفق كل واحد على نفسه ولكن هذه الاتفاقات باطلة لأنها مخلة بشرط الزواج المتمثل في النفقة. ولدى حديثه عن أهمية مؤسسة الزواج أشار إلى أن العلاقات الجنسية خارج الزواج في المجتمع التونسي تعتبر مظهرا للعار فحتى وإن كان القانون الجزائي التونسي لا يعاقب راشدان يقومان بعلاقة جنسية برضاهما فإن نتائج تلك العلاقة إذا تعلق الأمر بإنجاب طفل فهي غير شرعية  أما العلاقة الجنسية في إطار الزواج فيتم الاحتفال بها وإطلاق الزغاريد وتظل العائلة تترقب حمل الزوجة وعند الولادة يكون الطفل شرعيا ومن نتائجه قرينة الفراش وهذه القرينة بسيطة لكنها قوية لا يدحضها أيا كان فالزوج وحده يمكنه أن يدحضها. من نتائج الزواج أيضا حسب قوله ترشيد القاصر شريطة بلوغ 17 سنة من عمره ويتم ترشيد القاصر لإبرام عقود بنفسه ولكي يصبح مؤهلا لتحمل مسؤولية نفسه، وأوضح أن الزواج لا يقع حله إلا عن طريق القضاء وذلك باستثناء صورة الوفاة.

الطلاق الرضائي

ويرى الأستاذ منصف بوقرة أن غاية المشرع الأولى هي الحفاظ على مؤسسة الزواج لكنه أعطى حرية الطلاق وهذه الحرية محروسة فهو لا يريد أن يكون الزواج سجنا ولكنه لا يريد إطلاق العنان للطلاق فالطلاق يتم في المحكمة وهناك إمكانية التعقيب وذهب المشرع إلى أبعد من ذلك إذ لا يصبح الطرفان مفترقين إلا عندما يصبح الحكم باتا.

ولم يفوت منصف بوقرة فرصة الجلوس أمام نواب الشعب دون أن يشير إلى مقترح تمكين عدول الإشهاد من اختصاص توثيق الطلاق الرضائي ونبه إلى أنه في هذه الحالة سيتم خسران إمكانية الطعن بالاستئناف على درجتين والطعن بالتعقيب كما أنه في صورة التساهل في الطلاق الرضائي فيمكن للزوجين أن يجدا نفسيهما أمام مانع مؤبد ومعلوم أن المأمور العمومي لا يمكنه أن يبرم عقدا في حال الطلاق بالثلاثة لأنه من الموانع المؤبدة وفي هذه الحالة فإن الزوج لا يمكنه أن يتزوج بطليقته للمرة الرابعة إلا بعد أن تتزوج هي بغيره وفسر أن النص القرآني أراد من خلال هذا المانع معاقبة الزوج لأنه استسهل الطلاق. أما المشرع التونسي فإنه يعاقب الزوجين مهما كان طالب الطلاق فعندما يحصل الطلاق ثلاث مرات لا يمكنهما الزواج ببعضهما مرة أخرى فالانفصال صعب لذلك منح المشرع في تونس الأمر للمحكمة لأنه يعتبر أن الزواج هو الركيزة الأساسية للأسرة التي هي النواة الأولى للمجتمع. ولاحظ أن المشرع افتك الشركات التجارية وأحدث نظاما خاصا بالعقارات وجاء التسجيل الاختياري والمسح الإجباري كما افتك المشرع الزواج، ونظم الحالة المدنية للأشخاص وذلك لأنه يعتبر  الشركات التجارية والعقارات ثروة مالية أما الزواج فهو يعتبره ثروة بشرية وبالتالي لم يتساهل في التعاطي معها.

فن التشريع

وقبل المرور للنقاش العام قدم الأستاذ نعمان الرقيق مداخلة علمية حول:«النظام العام الاقتصادي والاجتماعي في رحاب فن التشريع».  وأشار إلى أن النواب مطالبون عند صياغة النص القانوني بأن يأخذوا بعين الاعتبار مستلزمات النظام العام الاقتصادي والاجتماعي فهذا ليس من باب الترف الفكري بل يجب عليهم إخضاع النصوص إلى ضوابط تمليها نسقية المنظومة التشريعية في البلاد وتحددها الإمكانيات المالية اللوجستية كما توجبها التزامات البلاد مع الخارج من خلال المعاهدات الدولية التي من شأنها صياغة النظام العام. وبين أن النظام العام هو ضابط للتشريع ومكون له فهو ضابط للتشريع لأنه يحدد القيود التي لا يجب تجاوزها وهو مكون له لأن التشريع عند إصداره يصبح عنصرا من عناصر النظام العام ومؤسسا له.

وفسر الرقيق أن فن التشريع هو علم صياغة النص القانوني وهو يعنى بشكل النص وبكيفية صياغة القاعدة القانونية إذ يجب أن يكون النص واضحا وقادرا على التعبير عن مقاصد واضعه، أما من حيث المضمون فيجب أن يكون محتوى النص القانوني قابلا للتطبيق ومتناسبا مع المنظومة التشريعية ويجب أن يكون متوقعا أي أن لا يفاجئ الناس ويباغتهم  وكما يجب أن يكون ضامنا للاستقرار وأن يستجيب لشرط المقروئية. ولاحظ الجامعي أن النظام العام يتطلب عدم التدخل في حقوق الأفراد وتحقيق ذلك ليس مكلفا للدولة ماليا أو لوجستيا وتعتبر الحقوق الناشئة عنه محمية قضائيا. 

ولدى حديثه عن النظام العام الاقتصادي والاجتماعي، أشار الرقيق إلى أنه نظام عام مركب لأنه يشمل معطى اقتصادي ومعطى اجتماعي وهو غير متجانس فهو في نفس الوقت سلبي وايجابي. وفسر أن النظام العام الاقتصادي يقوم على الحرية وبالتالي لا يتطلب من الدولة التدخل لمنع هذه الحرية وهو يوجب على الدولة التدخل لتتحقق أحكامه من خلال وضع برامج توفر لها إعتمادات مادية وبشرية فهو حسب قوله نظام عام برنامجي. وأوضح أن النظام العام الاقتصادي يتطلب الدقة عند تدخل المشرع حتى لا يقع المساس بجوهر الحرية أما النظام العام الاجتماعي فهو مكلف ويتطلب من الدولة أحيانا التدرج وهذا يقتضي من المشرع الانتباه إلى هذه المسألة لتلافي التضخم التشريعي لأنه يمس من الأمن القانوني ومن مقروئية النص كما عليه الانتباه من أن المساس من الحريات يقلص من الاندماج الاجتماعي.

ولاحظ الجامعي أن الدولة من الناحية الاقتصادية لم تكن في الماضي تتدخل في الأسعار وهي عندما تدخلت فذلك في حالات استثنائية وأقرت الدعم وذكر أن الأسعار خاضعة للعرض والطلب بما يجعل الحرية هي جوهر النظام العام الاقتصادي والفضاء الحامي لها وبالتالي كل تدخل تشريعي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تحول النظام العام الاقتصادي في تونس من نظام عام توجيهي إلى نظام عام يقوم على الحرية. ولاحظ أن النظام العام الاقتصادي والاجتماعي محدد لفن التشريع وفن التشريع محدد للنظام العام الاقتصادي والاجتماعي. وبين أن تحديد النظام العام يجب أن يكون محكوما بضوابط.

خصائص كل نظام

ولدى حديثه عن النظام العام الاقتصادي ذكر الأستاذ نعمان الرقيق أنه ليس من السهل ضبط هذا المضمون فهو محكوم بنصوص قانونية متعددة وذات أبعاد مختلفة لكنها تبرز في نفس الوقت نواته الصلبة لذلك من الضروري أن يقوم المشرع في صورة الرغبة في سن قانون بالبحث عن هذه النواة . ولاحظ أنه يوجد نظام عام تنافسي يقر بالحرية ويضع شروطها، وبالنظر إلى هذه القيمة يمكن ملاحظة أن هذا النظام العام له عدة خصائص فهو حمائي لأنه يحمي حرية خلق المؤسسة الاقتصادية وحرية تسييرها وكل شخص له الحق في ممارسة التجارة والصناعة دون تمييز بين المقيم وغير المقيم كما تشمل هذه الحرية حرية التعاقد وحرية حركة السلع والخدمات، كما يهدف النظام العام الاقتصادي إلى حماية حق الملكية وذلك ضمانة للاستثمار وحماية له وبالتالي فهو نظام حمائي وهو أيضا محرك للحرية ويهدف لدعم الحرية من خلال تخلي الدولة لفائدة الخواض عن قطاعات كانت تحتكرها وهو كذلك نظام عام مهندس بمعنى أن المشرع ينصص في القوانين التي يصوغها على أهداف تلك القوانين وهو ما من شأنه أن يضع ضوابط أمام من يقوم بتأويل النص أي فقه القضاء، وذكر أنه إضافة إلى ذلك توجد هياكل تعديلية حتى تكون المنافسة شريفة ونزيهة وأشار في هذا الصدد إلى مجلس المنافسة. وخلص الجامعي إلى أن اعتماد الحرية كقيمة وجوهر النظام العام الاقتصادي يتطلب من المشرع الانتباه إليها عند صياغة النصوص القانونية فكل قيد على الحريات يجب أن يكون مدروسا ومحكوما بقاعدة الضرورة والتناسب كما يجب أن يكون القانون منسجما مع الاتفاقيات الدولية.

وتطرق الأستاذ نعمان الرقيق إثر ذلك إلى النظام العام الاجتماعي وبين أن هذا الأخير له خصائص، إذ يتم بإسناد حقوق لفئات اجتماعية  دون فئات أخرى وتوجد نصوص غزيرة في هذا الشأن ويتكون هذا النظام من خلال حقوق تلتزم بها الدولة تجاه مواطنيها ويعكس ذلك تخليها عن واجب الحياد فهي تتدخل لإقرار تلك الحقوق لتحقيق الإدماج الاجتماعي والتضامن بين فئات المجتمع وهذا فيه موازنة بين الخيار الليبرالي للدولة وخيارها الاجتماعي.  ولاحظ أن الإقرار الدستوري بالحقوق الاجتماعية تطور من دستور 1959 إلى دستور 2014 فدستور 2022  وكان التطور في اتجاه توسيع دائرة هذه الحقوق، وعدد الجامعي الحقوق الاجتماعية المنصوص عليها بدستور 2022. كما أشار إلى وجود حقوق أخرى مثل الإعانة العدلية والضمان الاجتماعي منصوص عليها في المعاهدات الدولية لكن لم يقع التنصيص عليها في الدستور كما توجد نصوص تحمي المستهلك لكنها مبعثرة ومشتتة.

أما الخاصية الثانية للحقوق الاجتماعية فهي حسب قوله أنها حقوق برامجية ويتطلب تحقيقها من الدولة وضع برامج وتمويلات في إطار سياسات عمومية محددة ويتم التحقيق على مراحل حسب المخططات وحسب الأولويات. وذكر أن الخاصية الأخيرة لهذه الحقوق هي أنها حقوق مكملة لبعضها. وخلص إلى أن النظام العام بصنفيه الاقتصادي والاجتماعي حدد مضمون التشريع وبين أن فن التشريع يؤثر بدوره على النظام العام من خلال قاعدتين أولهما قاعدة التناسب أما القاعدة الثانية فهي الضرورة  وهو ما تم التنصيص عليه صلب الفصل 55 من الدستور، وفسر الأستاذ نعمان الرقيق لنواب الشعب القاعدتين المذكورتين من خلال تقديم أمثلة عديدة.

الجلسات الصلحية

وخلال النقاش تساءلت النائبة عواطف الشنيتي عن كيفية مراقبة دستورية القوانين عن طريق الدفع ودعت إلى تحميل عدول الإشهاد مسؤولية تسجيل العقود وطالب النائب عماد الدين سديري بالتنصيص على إجبارية إخضاع الزوجين لعيادة طبية حقيقية عند الزواج حماية للأسرة ولتلافي المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الإعاقة جراء زواج الأقارب، وتحدث النائب يسري البواب عن إجراءات الطلاق بالتراضي وعن ظروف تنظيم الجلسات الصلحية في المحاكم وكيف أنها تدفع الزوجين أحيانا إلى التمسك أكثر بطلب الطلاق وتساءل عن سبب تغييب المحامي عن تلك الجلسات ودعا إلى الابتعاد عن شيطنة مقترح القانون المتعلق بعدول الإشهاد وطالب بالتعمق في نقاشه وبتقديم معطيات دقيقة حول نسبة قضايا الطلاق الملغاة بفضل الجلسات الصلحية.

وتعقيبا على استفسارات النواب حول المراقبة الدستورية دفعا وأصلا بين الأستاذ كمال شرف الدين أن النصوص القانونية الجديدة يقع الطعن فيها أصلا أما النصوص القديمة فيقع الطعن فيها دفعا وذكر أن تدقيق الإجراءات والآثار فيتم من خلال إصدار قانون أساسي لأن الدستور الجديد لم يتعرض إلى التفاصيل وهو ما يعني أن هذه التفاصيل سيتم ضبطها في القانون الأساسي المنظم للمحكمة الدستورية ولاحظ أنه بمقتضى دستور 2022 يجب سن قانون أساسي جديد ينظم المحكمة الدستورية. وبخصوص إلزامية الشهادة الطبية للزواج قال إن القانون نص على هذه الإلزامية وجرم أعمال الطبيب الذي يعطي شهادة طبية دون فحص المريض.

أما الأستاذ منصف بوقرة فبين تعقيبا على أسئلة النواب  أن القانون في علاقة بالشهادة الطبية السابقة للزواج عدد جملة الأمراض التي يجب على الطبيب البحث عنها وأجبره على القيام بتحاليل ولكن الطبيب لا يمكنه أن يذكر الأمراض في الشهادة التي يسلمها ويبقى موكول لضمير الطبيب إذا كانت الأمراض خطيرة وتنتقل عن طريق العلاقة الجنسية ففي هذه الحالة يمكنه أن يمتنع عن تسليم الشهادة الطبية وبهذه الكيفية يمتنع المأمور العمومي عن إبرام عقد الزواج، كما أن المشرع نص على معاقبة كل من يدلي بشهادة طبية تتضمن وقائع غير صحيحة أو يخفي أو يشهد زورا بوجود مرض أو عجز وهذا ينسحب على الشهادة الطبية السابقة للزواج وهناك عقوبة بالسجن مع خطية مالية في صورة المخالفة. كما تمسك بوقرة بشدة بأن الزواج ليس عقدا بل هو مؤسسة وشدد على ضرورة حماية مؤسسة الزواج وحذر من أن هذه المؤسسة انخرمت في فرنسا بسبب تساهل المشرع. وبخصوص الجلسات الصلحية أشار إلى أن القاضي يوجب على الطرفين حضورها وعن سبب عدم حضور المحامي فسر أن مصلحة المحامي حصول الطلاق لذلك لا يحضر الجلسات الصلحية. 

أما الأستاذ نعمان الرقيق فلاحظ أن عدم تسجيل العقود من قبل عدول الإشهاد فيه مسؤولية يتحملها عدل الإشهاد. وبخصوص المبادرات التشريعية التي لها تأثير مالي على الميزانية  أشار إلى أنه بإمكان مجلس النواب تكوين لجنة فيها خبراء من عدة اختصاصات تساعد النواب في أعمالهم عند إعداد مقترحات القوانين، وذكر أنه بالنسبة إلى مقترح قانون عدول الإشهاد فإن ما لفت انتباهه هو تمتيع عدل الإشهاد بحصانة مطلقة وهو ما يمس من حق التقاضي.

وخلال اختتام الندوة أشار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إلى أن المحاضرات التي قدمها الجامعيون تكتسي قيمة علمية كبيرة وأضاف أن المشرع يتمتع بصلاحية التشريع خاصة في علاقة بمقترحات القوانين التي يقدمها النواب والتي يجب التمعن فيها ودراستها بشكل مستفيض وبيان الضوابط التي يجب التمسك بها عند سن القوانين وعند دراسة مقترحات القوانين التي يقدمها النواب وأعلن رئيس المجلس عن نيته تنظيم ندوة أخرى حول الأمان القانوني والأمان القضائي.

سعيدة بوهلال

في ندوة برلمانية..   جامعيون يتحدثون عن سن التشريع والنظام العام

نظّمت الأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو ندوة حول «سن التشريع والنظام العام»، شارك فيها عدد من الجامعيين،  وبالمناسبة أكد إبراهيم بودربالة رئيس المجلس على أهمية تدارس هذا الموضوع  لأنه يجب على المشرع أن يفهم معنى النظام العام والحدود التي لا يمكن للنص القانوني تجاوزها إذا تعلق الأمر بالنظام العام.

وفي مداخلة حول «مفهوم النظام العام»  أشار الأستاذ كمال شرف الدين إلى أن كل باحث في القانون ينطلق من تعريف المفاهيم، ويقوم التعريف على  منهجية تخضع لأولويات. وذكر أن المشرع في تاريخ تونس لم يعرف النظام العام وتعمد أحيانا عدم التعريف حتى لا يبقى سجينا للأحكام التي قد تتغير وهذا ليس شأن المشرع التونسي فحسب بل غاب تعريف النظام العام في القانون الفرنسي وكذلك في القانون الجزائري وغيرها من القوانين لكن رغم ذلك فإن الأحكام التشريعية العامة تفرز أربع مميزات للنظام العام.

وتتمثل الميزة الأولى حسب قوله في أن القاعدة التي تهم النظام العام هي قاعدة ملزمة للأطراف وللسلط، أما الميزة الثانية فهي أن جزاء مخالفة قاعدة النظام العام هو  البطلان، وتتمثل الميزة الثالثة في أن قاعدة النظام تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها وحتى إن لم يثرها القاضي الجالس فتتم إثارتها من قبل النيابة العمومية وبالنسبة إلى الميزة الأخيرة  فمفادها أنه لا يمكن الدفع بقاعدة النظام العام أمام المحكمة الابتدائية ولاحظ أن المشرع ضاعف من حظوظ مراقبة النظام العام وقام بتسليط جزاء على ذلك وبالتالي فإنه بكل هذه المواصفات يصعب على مخالفة النظام العام أن تمر على القاضي الجزائي دون أن يقع تسليط العقوبة المستوجبة. وبين الجامعي أنه يوجد تعريف لغوي للنظام العام على أنه مجموعة القواعد الآمرة التي لا يجوز للأفراد مخالفتها سواء كانت مضمنة بنص تشريعي أو غير مضمنة.. فهي القواعد المتصلة بالمصلحة العامة، وأضاف أن التعريف الفقهي يقوم على ربط النظام العام بالمصلحة العامة.  ولاحظ أن التشريع فيه قواعد مرنة وقواعد آمرة وكل قاعدة قانونية تنقسم تركيبتها المنطقية إلى فرض وحل، وأحيانا نجد المشرع يسطر الحل ويعلن أنه آمر وبالتالي لا يمكن مخالفته وبهذه الكيفية هو أغلق الباب أمام حرية مخالفة القاعدة.

وأضاف الأستاذ كمال شرف الدين أن الفقهاء ينبهون إلى أن مفهوم النظام العام مفهوم متغير في الزمان لأن المجتمع متغير، وبين أن المنظومة التشريعية التونسية محل فخر بل كانت مصدر تشريع العديد من البلدان.. ولاحظ أن فقه القضاء التونسي قام بتعريف النظام العام وهذا ينم عن شجاعة، وبين أنه أحيانا تأتي بعض القضايا المثيرة للجدل وتلزم رجل القانون بأن يتكلم وعلى سبيل الذكر طرح في وقت من الأوقات الموضوع على محكمة الاستئناف في علاقة بشخص غير جنسه إراديا وطالب المحكمة بتغيير اسمه من سامي إلى سامية وانفردت محكمة الاستئناف بتونس بقرار تم تداوله حتى في الخارج إذ قالت المحكمة إنه لا يمكن تغيير الاسم ولم تبح تغيير الاسم بمجرد تغيير الجنس نظرا لأن تغيير الجنس من قبل المدعي كان إراديا ويكون المدعي بذلك قد خالف الموروث الحضاري والأخلاقي لهذه الأمة وهو ما يعبر عنه بالنظام العام وبالتالي فإن القاضي كيّف العلمية واعتبرها مخالفة للنظام العام.

وخلص شرف الدين إلى أن تعريف النظام العام ليس أمرا يسيرا. وأضاف أن القاعدة القانونية التي تهم النظام العام يجب أن تكون تشريعية المصدر من صنف النص الآمر. وفسر أنه عند قراءة الكثير من النصوص التشريعية نجد أن المشرع يغلق الباب على الحل الذي فرضه فهو يعتبر ذلك الحل سيفا قاطعا ولا بديل له ولا مجال لحرية تغيير هذا الحل. ولاحظ أن النصوص الآمرة التي تهم النظام العام في تونس كثيرة جدا منها على سبيل الذكر أن المتاجرة بالبشر ممنوعة ومحجرة وأن المرأة لا يمكنها كراء رحمها وأنه لا يمكن المتاجرة بالمخدرات.. وبين أن المحكمة قد تنطق بأن الأمر يتعلق  بأحكام في النظام العام حتى وإن لم يقل المشرع أي كلمة في الموضوع ومن ذلك أن مجلة الحقوق العينية فهذه المجلة لم تتطرق إلى النظام العام لكن المحكمة أثارت مخالفة لأحكام النظام العام في علاقة بالحق في الشفعة.

الدستور نص آمر

وأشار الجامعي كمال شرف الدين إلى أن النظام العام بدا لمدة طويلة كما لو أنه حد من الحرية سواء حرية الأشخاص أو حرية السلط، ومع تطور الاقتصاد والمجتمع تغيرت النظرة وأصبح هناك حديث عن دور ايجابي للنظام العام وليس عن دور سلبي كما كان عليه الحال في السابق. وأوضح أنه توجد العديد من الدراسات حول النظام العام ولكن ما يهم النواب حليا هو أن الدستور في مجمله نص آمر فالمشرع الدستوري وضع دستور 2022 وضمنه العديد من الحقوق الأساسية وأنشأ محكمة دستورية تتولى مراقبة مدى تقيد الوظيفة التشريعية بالضوابط الدستورية في صياغة النصوص القانونية فالمحكمة الدستورية ستراقب دستورية القوانين وتكون المراقبة أصلا أو دفعا فهي بالتالي ستراقب دستورية القوانين الجديدة كما أنها ستراقب القوانين القديمة التي تقوم المحكمة بمناسبة نظرها في قضية معينة بإيقاف النظر في تلك القضية وتحيل على المحكمة الدستورية النص القانوني موضوع الدفع بعدم الدستورية لكي تقول فيه كلمتها الفصل. وفسر أن الهدف من آلية الدفع هو  تنقية المنظومة القانونية من الشوائب حتى يرتقي التشريع التونسي إلى أن يكون مطابقا للدستور.. وتطرق الأستاذ كمال شرف الدين في جانب من محاضرته إلى الحدود التي تقيد الحقوق الأساسية وبين أن تلك القيود يجب ألا تمس من جوهر الحق، وبخصوص شرط التناسب بين أن النص يتحدث عن التناسب بين القيد والهدف من القيد ويجب على المشرع عندما يريد الحد من الحق أن يحترم الفصل 55 من الدستور.  

النظام العام الأسري

وتابع نواب الشعب خلال الندوة العلمية المنتظمة ببادرة من الأكاديمية البرلمانية محاضرة أخرى قدمها الأستاذ منصف بوقرة وهي حول «النظام العام الأسري من خلال مؤسسة الزواج». ولاحظ الجامعي أن الدستور استعمل عبارة الأسرة ولم يستعمل عبارة العائلة. وأضاف أن النص التشريعي يجب أن يكون دقيقا لأنه في حال غياب الدقة قد يكون محل طعن أمام المحكمة الدستورية لأنه في القوانين يتم التعامل مع مصطلحات وكلمات دقيقة متفق عليها من قبل رجال القانون ولأن المشرع يعطي نصا قانونيا للقاضي حتى يطبق ذلك النص بدقة لذلك يجب عليه استعمال مصطلحات دقيقة سواء تعلق النص بالنظام العام أو غيره. أما عندما يهم النص النظام العام فإن النص التشريعي حسب قول بوقرة يكون آمرا. وقال  الجامعي إن قواعد النظام العام بدأت تكتسح القانون المدني ففي بعض الأحيان يحد المشرع من حرية الطرفين لحماية النظام العام أو لحماية مصلحة الطرف الضعيف وهناك في مادة القانون المدني  الزواج. وذكر أن العقد هو اتفاق طرفين على إنشاء قاعدة قانونية بينهما يلتزمان بها لكن جاء المشرع ليفتكّ الزواج لأن الزواج مؤسسة وهو من صميم النظام العام فمثلما أن المشرع افتك الشركات التجارية التي هي في الأصل عقود فقد فعل نفس الشيء مع الزواج. وذكر أن المشرع في الدول العربية الإسلامية عرف الزواج بإطناب، ففي المغرب الزواج هو ركيزة الأسرة وهناك معايير معتمدة مثل معيار النفقة ومعيار القرابة ومعيار التوارث ثم طبيعة هذه الأسرة وركز المشرع على نوع واحد من الأسر وهي الأسرة الشرعية القائمة على الزواج وعلى هذا الأساس فإنه افتك مؤسسة الزواج، أما قانون الأسرة الجزائري فينص على أن الزواج عقد رضائي يتم بين رجل وإمرة على وجه شرعي في حين أن المشرع التونسي ورغم القيمة التي منحها للزواج ورغم أنه خصص بابا من مجلة الأحوال للزواج فقد صمت لأن القيمة والأهمية انصبت على الزواج دون سواه لأنه رمز الشرعية.

مؤسسة الزواج

وعن سؤال حول طبيعة الزواج وهل أن الزواج عقد أم مؤسسة؟ أجاب الأستاذ منصف بوقرة أن بعض شراح القانون ومنهم الأستاذ الراحل ساسي بن حليمة يقول إن الزواج عقد عند إبرامه ويتحول إلى مؤسسة عندما يتعلق الأمر بنتائجه وآثاره نظرا لأن العقد تبرمه أطراف لكن المشرع هو الذي ينظمه بقواعد آمرة وهي قواعد من النظام العام. وفسر أنه منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية أصبح الزواج مؤسسة بالكامل فحتى إبرام الزواج ليس من مشمولات الزوجين ففي إنشاء الزواج يتم إبرام الزواج على مرحلتين تهم المرحلة الأولى الطرفين وذلك في إعداد العدة للزواج للاستجابة إلى جميع الموجبات، وبعد إعدادهما العدة معا يذهبان إلى المأمور العمومي ليزوجهما وبالتالي فإن الزواج لم يعد عقدا. وأضاف أنه من موجبات الزواج اختلاف الجنس، والاستجابة لشرط السن الدنيا وفي صورة عدم بلوغ السن الدنيا يجب الحصول على ترخيص من القاضي وبالتالي فإن القاضي بدأ يتدخل حتى قبل الزواج وهذا يدل على أهمية الأسرة لأن الأسرة هي رمز المجتمع ونواته الأولى، كما ينبغي على الراغبين في الزواج الذهاب إلى الطبيب للحصول على شهادة طبية، وأضاف أنه يجب ألا تكون هناك موانع وهذه الموانع حددها المشرع بدقة فهناك موانع مؤبدة وأخرى مؤقتة والموانع المؤدبة هي القرابة والمصاهرة والرضاعة والطلاق بالثلاثة أما الموانع المؤقتة فهي تعدد الزوجات أو تعدد الأزواج وعدم استنفاد فترة العدة، ونبه إلى أن كل زواج يبرم دون احترام هذه الموجبات يعتبر زواجا فاسدا والزواج الفاسد يبطل وجوبا.

 ومن صور الزواج الفاسد التي تترتب عنها عقوبة جزائية حسب قول الأستاذ بوقرة تعدد الزوجات، وخلص الجامعي إلى أن إقحام الزواج في نص مدني دليل على أنه يتعلق بالنظام العام وبالتالي كانت إرادة المشرع واضحة وصريحة. وذكر أن وظيفة المأمور العمومي تغيرت من محرر صكوك إلى مبرم زواج وبين أن المأمور العمومي كان في السابق يوثق الزواج في حجة عادلة لكن بعدها تغيرت وظيفته، فهو مطالب بأن يتأكد من الحالة المدنية للطرفين وبأن يتأكد من السن القانونية وبأن يتأكد من أن المعنيين في حل من الروابط الزوجية وعليه أن يطلب إثر ذلك الشهادة الطبية السابقة للزواج وفي صورة عدم بلوغ السن القانونية يطلب مده بإذن قضائي وفي صورة عدم الاستجابة فإنه لا يبرم عقد الزواج وبهذه الكيفية فإن المأمور العمومي هو حارس مؤسسة الزواج ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فهو يطلب الشهود لإعطاء حد أدنى من إشهار الزواج ويقوم بالاستعانة بالشاهدين لإبرام عقد الزواج وبعد ذلك يسأل الرجل عن المهر الذي اسماه الرجل ثم يسأل المرأة وعندما يتم الإيجاب والقبول بين الطرفين يصرح بالزواج وأضاف أن وجود آلية الرضا ليس بالضرورة العقد فوظيفة الرضا تغيرت ففي العقود تعد وظيفة الرضا إنشائية ودون رضا الطرفين ليس هناك عقد أما في وظيفة الزواج فإن آلية الرضا هي آلية للدخول إلى مؤسسة الزواج، فرغم اتفاق الطرفين على الزواج فلا يمكن أن يكون الزواج قائما إلا بذلك التصريح وقبل أن يقوم المأمور العمومي بالتصريح بالزواج يذكرهما بالفصل 23 المتعلق بالواجبات وبالتالي فإنه يتحمل مسؤولية كاملة فهو ليس مجرد محرر للكتاب بل هو مسؤول عن إبرام الزواج ولكي يحمي نفسه فإنه قبل التصريح بقيام الزواج يطلب من الطرفين الإمضاء على دفتر طلبات الزواج وليس هذا فقط فهو الذي يحرر الكتب الرسمي وهو الذي يرسل طلبا لترسيم ذلك الزواج بدفاتر الحالة المدنية وبالتالي فإن الكتب الرسمي هو وسيلة إثبات والزواج لا يثبت إلا بحجة رسمية يضبطها القانون فالأمر يتعلق بقواعد نظام عام بكل ثقلها وبالدخول لم يعد الزواج عقدا بل صار مؤسسة وهو مؤسسة حتى في إثباتها.

ولاحظ الجامعي أنه بعد إبرام الزواج فإن الزواج يرتب واجبات وبعض الالتزامات، شريطة أن لا تكون هذه الاتفاقات مخلة بشرط الزواج لأن جسم الزواج لا يمكن المساس به فعلى سبيل الذكر يمكن للزوجين الاتفاق بينهما على أن ينفق كل واحد على نفسه ولكن هذه الاتفاقات باطلة لأنها مخلة بشرط الزواج المتمثل في النفقة. ولدى حديثه عن أهمية مؤسسة الزواج أشار إلى أن العلاقات الجنسية خارج الزواج في المجتمع التونسي تعتبر مظهرا للعار فحتى وإن كان القانون الجزائي التونسي لا يعاقب راشدان يقومان بعلاقة جنسية برضاهما فإن نتائج تلك العلاقة إذا تعلق الأمر بإنجاب طفل فهي غير شرعية  أما العلاقة الجنسية في إطار الزواج فيتم الاحتفال بها وإطلاق الزغاريد وتظل العائلة تترقب حمل الزوجة وعند الولادة يكون الطفل شرعيا ومن نتائجه قرينة الفراش وهذه القرينة بسيطة لكنها قوية لا يدحضها أيا كان فالزوج وحده يمكنه أن يدحضها. من نتائج الزواج أيضا حسب قوله ترشيد القاصر شريطة بلوغ 17 سنة من عمره ويتم ترشيد القاصر لإبرام عقود بنفسه ولكي يصبح مؤهلا لتحمل مسؤولية نفسه، وأوضح أن الزواج لا يقع حله إلا عن طريق القضاء وذلك باستثناء صورة الوفاة.

الطلاق الرضائي

ويرى الأستاذ منصف بوقرة أن غاية المشرع الأولى هي الحفاظ على مؤسسة الزواج لكنه أعطى حرية الطلاق وهذه الحرية محروسة فهو لا يريد أن يكون الزواج سجنا ولكنه لا يريد إطلاق العنان للطلاق فالطلاق يتم في المحكمة وهناك إمكانية التعقيب وذهب المشرع إلى أبعد من ذلك إذ لا يصبح الطرفان مفترقين إلا عندما يصبح الحكم باتا.

ولم يفوت منصف بوقرة فرصة الجلوس أمام نواب الشعب دون أن يشير إلى مقترح تمكين عدول الإشهاد من اختصاص توثيق الطلاق الرضائي ونبه إلى أنه في هذه الحالة سيتم خسران إمكانية الطعن بالاستئناف على درجتين والطعن بالتعقيب كما أنه في صورة التساهل في الطلاق الرضائي فيمكن للزوجين أن يجدا نفسيهما أمام مانع مؤبد ومعلوم أن المأمور العمومي لا يمكنه أن يبرم عقدا في حال الطلاق بالثلاثة لأنه من الموانع المؤبدة وفي هذه الحالة فإن الزوج لا يمكنه أن يتزوج بطليقته للمرة الرابعة إلا بعد أن تتزوج هي بغيره وفسر أن النص القرآني أراد من خلال هذا المانع معاقبة الزوج لأنه استسهل الطلاق. أما المشرع التونسي فإنه يعاقب الزوجين مهما كان طالب الطلاق فعندما يحصل الطلاق ثلاث مرات لا يمكنهما الزواج ببعضهما مرة أخرى فالانفصال صعب لذلك منح المشرع في تونس الأمر للمحكمة لأنه يعتبر أن الزواج هو الركيزة الأساسية للأسرة التي هي النواة الأولى للمجتمع. ولاحظ أن المشرع افتك الشركات التجارية وأحدث نظاما خاصا بالعقارات وجاء التسجيل الاختياري والمسح الإجباري كما افتك المشرع الزواج، ونظم الحالة المدنية للأشخاص وذلك لأنه يعتبر  الشركات التجارية والعقارات ثروة مالية أما الزواج فهو يعتبره ثروة بشرية وبالتالي لم يتساهل في التعاطي معها.

فن التشريع

وقبل المرور للنقاش العام قدم الأستاذ نعمان الرقيق مداخلة علمية حول:«النظام العام الاقتصادي والاجتماعي في رحاب فن التشريع».  وأشار إلى أن النواب مطالبون عند صياغة النص القانوني بأن يأخذوا بعين الاعتبار مستلزمات النظام العام الاقتصادي والاجتماعي فهذا ليس من باب الترف الفكري بل يجب عليهم إخضاع النصوص إلى ضوابط تمليها نسقية المنظومة التشريعية في البلاد وتحددها الإمكانيات المالية اللوجستية كما توجبها التزامات البلاد مع الخارج من خلال المعاهدات الدولية التي من شأنها صياغة النظام العام. وبين أن النظام العام هو ضابط للتشريع ومكون له فهو ضابط للتشريع لأنه يحدد القيود التي لا يجب تجاوزها وهو مكون له لأن التشريع عند إصداره يصبح عنصرا من عناصر النظام العام ومؤسسا له.

وفسر الرقيق أن فن التشريع هو علم صياغة النص القانوني وهو يعنى بشكل النص وبكيفية صياغة القاعدة القانونية إذ يجب أن يكون النص واضحا وقادرا على التعبير عن مقاصد واضعه، أما من حيث المضمون فيجب أن يكون محتوى النص القانوني قابلا للتطبيق ومتناسبا مع المنظومة التشريعية ويجب أن يكون متوقعا أي أن لا يفاجئ الناس ويباغتهم  وكما يجب أن يكون ضامنا للاستقرار وأن يستجيب لشرط المقروئية. ولاحظ الجامعي أن النظام العام يتطلب عدم التدخل في حقوق الأفراد وتحقيق ذلك ليس مكلفا للدولة ماليا أو لوجستيا وتعتبر الحقوق الناشئة عنه محمية قضائيا. 

ولدى حديثه عن النظام العام الاقتصادي والاجتماعي، أشار الرقيق إلى أنه نظام عام مركب لأنه يشمل معطى اقتصادي ومعطى اجتماعي وهو غير متجانس فهو في نفس الوقت سلبي وايجابي. وفسر أن النظام العام الاقتصادي يقوم على الحرية وبالتالي لا يتطلب من الدولة التدخل لمنع هذه الحرية وهو يوجب على الدولة التدخل لتتحقق أحكامه من خلال وضع برامج توفر لها إعتمادات مادية وبشرية فهو حسب قوله نظام عام برنامجي. وأوضح أن النظام العام الاقتصادي يتطلب الدقة عند تدخل المشرع حتى لا يقع المساس بجوهر الحرية أما النظام العام الاجتماعي فهو مكلف ويتطلب من الدولة أحيانا التدرج وهذا يقتضي من المشرع الانتباه إلى هذه المسألة لتلافي التضخم التشريعي لأنه يمس من الأمن القانوني ومن مقروئية النص كما عليه الانتباه من أن المساس من الحريات يقلص من الاندماج الاجتماعي.

ولاحظ الجامعي أن الدولة من الناحية الاقتصادية لم تكن في الماضي تتدخل في الأسعار وهي عندما تدخلت فذلك في حالات استثنائية وأقرت الدعم وذكر أن الأسعار خاضعة للعرض والطلب بما يجعل الحرية هي جوهر النظام العام الاقتصادي والفضاء الحامي لها وبالتالي كل تدخل تشريعي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تحول النظام العام الاقتصادي في تونس من نظام عام توجيهي إلى نظام عام يقوم على الحرية. ولاحظ أن النظام العام الاقتصادي والاجتماعي محدد لفن التشريع وفن التشريع محدد للنظام العام الاقتصادي والاجتماعي. وبين أن تحديد النظام العام يجب أن يكون محكوما بضوابط.

خصائص كل نظام

ولدى حديثه عن النظام العام الاقتصادي ذكر الأستاذ نعمان الرقيق أنه ليس من السهل ضبط هذا المضمون فهو محكوم بنصوص قانونية متعددة وذات أبعاد مختلفة لكنها تبرز في نفس الوقت نواته الصلبة لذلك من الضروري أن يقوم المشرع في صورة الرغبة في سن قانون بالبحث عن هذه النواة . ولاحظ أنه يوجد نظام عام تنافسي يقر بالحرية ويضع شروطها، وبالنظر إلى هذه القيمة يمكن ملاحظة أن هذا النظام العام له عدة خصائص فهو حمائي لأنه يحمي حرية خلق المؤسسة الاقتصادية وحرية تسييرها وكل شخص له الحق في ممارسة التجارة والصناعة دون تمييز بين المقيم وغير المقيم كما تشمل هذه الحرية حرية التعاقد وحرية حركة السلع والخدمات، كما يهدف النظام العام الاقتصادي إلى حماية حق الملكية وذلك ضمانة للاستثمار وحماية له وبالتالي فهو نظام حمائي وهو أيضا محرك للحرية ويهدف لدعم الحرية من خلال تخلي الدولة لفائدة الخواض عن قطاعات كانت تحتكرها وهو كذلك نظام عام مهندس بمعنى أن المشرع ينصص في القوانين التي يصوغها على أهداف تلك القوانين وهو ما من شأنه أن يضع ضوابط أمام من يقوم بتأويل النص أي فقه القضاء، وذكر أنه إضافة إلى ذلك توجد هياكل تعديلية حتى تكون المنافسة شريفة ونزيهة وأشار في هذا الصدد إلى مجلس المنافسة. وخلص الجامعي إلى أن اعتماد الحرية كقيمة وجوهر النظام العام الاقتصادي يتطلب من المشرع الانتباه إليها عند صياغة النصوص القانونية فكل قيد على الحريات يجب أن يكون مدروسا ومحكوما بقاعدة الضرورة والتناسب كما يجب أن يكون القانون منسجما مع الاتفاقيات الدولية.

وتطرق الأستاذ نعمان الرقيق إثر ذلك إلى النظام العام الاجتماعي وبين أن هذا الأخير له خصائص، إذ يتم بإسناد حقوق لفئات اجتماعية  دون فئات أخرى وتوجد نصوص غزيرة في هذا الشأن ويتكون هذا النظام من خلال حقوق تلتزم بها الدولة تجاه مواطنيها ويعكس ذلك تخليها عن واجب الحياد فهي تتدخل لإقرار تلك الحقوق لتحقيق الإدماج الاجتماعي والتضامن بين فئات المجتمع وهذا فيه موازنة بين الخيار الليبرالي للدولة وخيارها الاجتماعي.  ولاحظ أن الإقرار الدستوري بالحقوق الاجتماعية تطور من دستور 1959 إلى دستور 2014 فدستور 2022  وكان التطور في اتجاه توسيع دائرة هذه الحقوق، وعدد الجامعي الحقوق الاجتماعية المنصوص عليها بدستور 2022. كما أشار إلى وجود حقوق أخرى مثل الإعانة العدلية والضمان الاجتماعي منصوص عليها في المعاهدات الدولية لكن لم يقع التنصيص عليها في الدستور كما توجد نصوص تحمي المستهلك لكنها مبعثرة ومشتتة.

أما الخاصية الثانية للحقوق الاجتماعية فهي حسب قوله أنها حقوق برامجية ويتطلب تحقيقها من الدولة وضع برامج وتمويلات في إطار سياسات عمومية محددة ويتم التحقيق على مراحل حسب المخططات وحسب الأولويات. وذكر أن الخاصية الأخيرة لهذه الحقوق هي أنها حقوق مكملة لبعضها. وخلص إلى أن النظام العام بصنفيه الاقتصادي والاجتماعي حدد مضمون التشريع وبين أن فن التشريع يؤثر بدوره على النظام العام من خلال قاعدتين أولهما قاعدة التناسب أما القاعدة الثانية فهي الضرورة  وهو ما تم التنصيص عليه صلب الفصل 55 من الدستور، وفسر الأستاذ نعمان الرقيق لنواب الشعب القاعدتين المذكورتين من خلال تقديم أمثلة عديدة.

الجلسات الصلحية

وخلال النقاش تساءلت النائبة عواطف الشنيتي عن كيفية مراقبة دستورية القوانين عن طريق الدفع ودعت إلى تحميل عدول الإشهاد مسؤولية تسجيل العقود وطالب النائب عماد الدين سديري بالتنصيص على إجبارية إخضاع الزوجين لعيادة طبية حقيقية عند الزواج حماية للأسرة ولتلافي المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الإعاقة جراء زواج الأقارب، وتحدث النائب يسري البواب عن إجراءات الطلاق بالتراضي وعن ظروف تنظيم الجلسات الصلحية في المحاكم وكيف أنها تدفع الزوجين أحيانا إلى التمسك أكثر بطلب الطلاق وتساءل عن سبب تغييب المحامي عن تلك الجلسات ودعا إلى الابتعاد عن شيطنة مقترح القانون المتعلق بعدول الإشهاد وطالب بالتعمق في نقاشه وبتقديم معطيات دقيقة حول نسبة قضايا الطلاق الملغاة بفضل الجلسات الصلحية.

وتعقيبا على استفسارات النواب حول المراقبة الدستورية دفعا وأصلا بين الأستاذ كمال شرف الدين أن النصوص القانونية الجديدة يقع الطعن فيها أصلا أما النصوص القديمة فيقع الطعن فيها دفعا وذكر أن تدقيق الإجراءات والآثار فيتم من خلال إصدار قانون أساسي لأن الدستور الجديد لم يتعرض إلى التفاصيل وهو ما يعني أن هذه التفاصيل سيتم ضبطها في القانون الأساسي المنظم للمحكمة الدستورية ولاحظ أنه بمقتضى دستور 2022 يجب سن قانون أساسي جديد ينظم المحكمة الدستورية. وبخصوص إلزامية الشهادة الطبية للزواج قال إن القانون نص على هذه الإلزامية وجرم أعمال الطبيب الذي يعطي شهادة طبية دون فحص المريض.

أما الأستاذ منصف بوقرة فبين تعقيبا على أسئلة النواب  أن القانون في علاقة بالشهادة الطبية السابقة للزواج عدد جملة الأمراض التي يجب على الطبيب البحث عنها وأجبره على القيام بتحاليل ولكن الطبيب لا يمكنه أن يذكر الأمراض في الشهادة التي يسلمها ويبقى موكول لضمير الطبيب إذا كانت الأمراض خطيرة وتنتقل عن طريق العلاقة الجنسية ففي هذه الحالة يمكنه أن يمتنع عن تسليم الشهادة الطبية وبهذه الكيفية يمتنع المأمور العمومي عن إبرام عقد الزواج، كما أن المشرع نص على معاقبة كل من يدلي بشهادة طبية تتضمن وقائع غير صحيحة أو يخفي أو يشهد زورا بوجود مرض أو عجز وهذا ينسحب على الشهادة الطبية السابقة للزواج وهناك عقوبة بالسجن مع خطية مالية في صورة المخالفة. كما تمسك بوقرة بشدة بأن الزواج ليس عقدا بل هو مؤسسة وشدد على ضرورة حماية مؤسسة الزواج وحذر من أن هذه المؤسسة انخرمت في فرنسا بسبب تساهل المشرع. وبخصوص الجلسات الصلحية أشار إلى أن القاضي يوجب على الطرفين حضورها وعن سبب عدم حضور المحامي فسر أن مصلحة المحامي حصول الطلاق لذلك لا يحضر الجلسات الصلحية. 

أما الأستاذ نعمان الرقيق فلاحظ أن عدم تسجيل العقود من قبل عدول الإشهاد فيه مسؤولية يتحملها عدل الإشهاد. وبخصوص المبادرات التشريعية التي لها تأثير مالي على الميزانية  أشار إلى أنه بإمكان مجلس النواب تكوين لجنة فيها خبراء من عدة اختصاصات تساعد النواب في أعمالهم عند إعداد مقترحات القوانين، وذكر أنه بالنسبة إلى مقترح قانون عدول الإشهاد فإن ما لفت انتباهه هو تمتيع عدل الإشهاد بحصانة مطلقة وهو ما يمس من حق التقاضي.

وخلال اختتام الندوة أشار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إلى أن المحاضرات التي قدمها الجامعيون تكتسي قيمة علمية كبيرة وأضاف أن المشرع يتمتع بصلاحية التشريع خاصة في علاقة بمقترحات القوانين التي يقدمها النواب والتي يجب التمعن فيها ودراستها بشكل مستفيض وبيان الضوابط التي يجب التمسك بها عند سن القوانين وعند دراسة مقترحات القوانين التي يقدمها النواب وأعلن رئيس المجلس عن نيته تنظيم ندوة أخرى حول الأمان القانوني والأمان القضائي.

سعيدة بوهلال