تمثل أسعار النفط العالمية عاملا حاسما في استقرار الاقتصاد العالمي، وتزداد أهمية هذا العامل بالنسبة للبلدان غير المنتجة للنفط التي تعتمد على الاستيراد لتلبية حاجياتها من الطاقة. في هذا السياق، تلعب الأزمات الجيوسياسية دوراً كبيراً في تحديد أسعار النفط واتجاهاتها، حيث يشكل مضيق هرمز، الذي يمر عبره حوالي 20 % من الإمدادات العالمية للنفط، أحد أهم النقاط الاستراتيجية التي تؤثر في سوق الطاقة. وفي ظل تصاعد الأزمة الإيرانية وتهديدات إغلاق المضيق، ازدادت المخاوف من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يضع تونس، مثل العديد من الدول الأخرى، أمام تحديات اقتصادية صعبة.
وأثارت الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، وقرار الانسحاب المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قمة مجموعة السبع، مخاوف من تعطيل محتمل لتدفق النفط عبر مضيق هرمز، الذي ينقل نحو 20–25 % من النفط العالمي، ورغم ارتفاعها بأكثر من 7 % منتصف جوان الجاري، إلا أن الأسعار تراجعت مؤخرًا مع إشارات إلى محاولات دبلوماسية لتهدئة التوتر، إلا أن الأسعار قفزت في فترة قياسية من 67 دولارا الى 78 دولارا، ليستقر البرنت عند 74 دولارا، ومرجح لارتفاع قياسي في حال أقدمت إيران على غلق مضيق هرمز.
تونس، كدولة تعتمد على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة، تتأثر مباشرة بتقلبات أسعار النفط العالمية. في قانون المالية لعام 2023، حددت الحكومة التونسية سعر برميل النفط عند حوالي 89 دولاراً في الميزانية. هذا التقدير مبني على توقعات مستقرة نسبياً لأسعار النفط، لكنه بقي في تلك الفترة عرضة للتغيرات المفاجئة، والتي تسببت فيها جائحة كورونا. أما في ميزانية الدولة التونسية لسنة 2025 بُنيت على فرضية سعر نفط في حدود 79 دولارًا للبرميل، حسب ما أعلنته وزارة المالية، وجرى ضبط نفقات الدعم بناء على هذا المستوى السعري، لكن إذا تجاوزت الأسعار سقف 90 أو 100 دولار فإن الفجوة التمويلية ستتسع بشكل كبير مما يضع ضغطًا على المالية العمومية.
ومع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وتهديدات إغلاق مضيق هرمز، أصبحت أسعار النفط مرشحة للارتفاع إلى مستويات تتجاوز بكثير التوقعات الحكومية. تشير بعض السيناريوهات والتقارير الرسمية الصادرة عن وكالات أمريكية، إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط إلى ما بين 120 و150 دولاراً للبرميل، وهو ما قد يشكل ضغوطاً مالية كبيرة على اقتصاد العديد من دول العالم بما فيهم الاقتصاد التونسي.
انعكاسات ارتفاع أسعار النفط
تتمثل أبرز التأثيرات المباشرة لارتفاع أسعار النفط في زيادة تكاليف استيراد الطاقة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم عجز الميزان التجاري، حيث تشكل واردات الطاقة جزءاً كبيراً من إجمالي الواردات التونسية. في حال ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، قد ترتفع فاتورة استيراد النفط بنسبة تتراوح بين 30 % و50 %، ما يضع ضغوطاً إضافية على احتياطيات النقد الأجنبي ويزيد من عجز الميزانية.
وفق الأرقام الرسمية بلغ دعم المحروقات في تونس سنة 2024 حوالي 4.2 مليار دينار، وتم التخطيط لتخفيضه تدريجيًا في إطار برنامج الإصلاحات الذي تنفذه الحكومة التونسية.
وفق ما كشف عنه بعض خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، فإن زيادة أسعار النفط تؤدي أيضاً إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، مما ينعكس على أسعار السلع والخدمات عموماً، وعلى مستوى الدعم الحكومي، تعتمد تونس على دعم أسعار المحروقات لتخفيف الأعباء على المواطنين.
سيناريوهات مقلقة
وفي حال استمرار التوتر الإيراني وتصاعده إلى إغلاق حقيقي لمضيق هرمز، فإن السيناريوهات المرجحة هي التالية، أولا قفزة فورية في سعر برميل النفط قد تصل إلى حدود 120 أو 130 دولارا وهو ما سينعكس على كلفة التوريد، وثانيا اضطراب في الإمدادات خاصة بالنسبة للنفط القادم من الخليج وانطلاقًا من هذا المعطى يجب أن تتبنى تونس جملة من الإجراءات والتوصيات الاستباقية لتفادي الانعكاسات الأسوأ على المدى القريب، من أبرزها، تنويع مصادر التوريد من الطاقة عبر اتفاقيات مع دول خارج منطقة الخليج مثل الجزائر أو ليبيا أو حتى بلدان إفريقية منتجة للنفط لتقليل الاعتماد على النفط الخليجي، ثانيًا الإسراع في تفعيل اتفاقيات الطاقة البديلة والطاقة المتجددة التي جرى توقيعها في السنوات الأخيرة، وتوسيع الاستثمار في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح لتقليص حجم التوريد تدريجيًا.
الحلول الممكنة للتخفيف من حدة الأزمة
ولمواجهة انعكاسات ارتفاع أسعار النفط، يرى بعض الخبراء أنه يمكن اتخاذ عدة إجراءات على المديين القصير والمتوسط، من أهمها التفاوض مع شركاء دوليين للحصول على اتفاقيات توريد نفط بأسعار تفضيلية أو بشروط دفع ميسرة. هذه الخطوة قد تساعد في تخفيف الأعباء المالية على المدى القصير، لكنها تتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة.
كما يشدد جزء واسع من الخبراء الاقتصاديين، على ضرورة تسريع برامج الانتقال الطاقي وتنويع مصادر الطاقة من خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. هذه الخطوة قد لا تكون حلاً فورياً لكنها ضرورية على المدى الطويل لتقليل الاعتماد على النفط المستورد. في هذا السياق، تشير تقارير إلى أن تونس تتمتع بإمكانات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة، لكن الاستثمارات الحالية لا تزال دون المستوى المطلوب، رغم إيجابية الأهداف المرسومة الرامية الى رفع الإنتاج من الطاقات المتجددة الى 30 % في أفق سنة 2030. وعلى صعيد متصل، بات من الضروري اليوم، تعزيز التعاون الإقليمي مع دول المغرب العربي ودول جنوب أوروبا لتطوير شبكات طاقة مشتركة، بما في ذلك خطوط نقل الكهرباء والغاز. هذا التعاون قد يساعد في تحسين أمن الطاقة وخفض التكاليف في المنطقة المغاربية .
التوصيات لتجنب انعكاسات الأزمة
ومن بين التوصيات التي يرى خبراء الاقتصاد، أنها قد تساعد تونس في التخفيف من حدة التداعيات الممكنة، تعزيز الاستثمار في الطاقات المتجددة، حيث أن الحكومة التونسية، مطالبة بوضع خطط استثمارية واضحة ومدعومة بتمويلات محلية ودولية لتطوير قطاع الطاقات المتجددة. على سبيل المثال، يمكن استغلال الأراضي الشاسعة في الجنوب التونسي لإقامة مشاريع طاقة شمسية كبيرة، فضلا عن إصلاح منظومة الدعم، من خلال وضع برامج إصلاح تدريجية تستهدف الشرائح الأكثر ضعفاً وتقلل من الهدر، من خلال استخدام أنظمة رقمية لتحديد المستفيدين بدقة أكبر، وتحسين كفاءة الإنفاق العام، من خلال تقليص النفقات غير الضرورية، وتوجيه الموارد نحو القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة والنقل، وتطوير شراكات دولية، عبر التفاوض مع الدول المنتجة للنفط للحصول على عقود طويلة الأجل بأسعار ميسرة.
كما يمكن تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية للحصول على تمويلات ميسرة لدعم ميزانية الدولة. إضافة الى ذلك، هناك توصيات اليوم، بضرورة أن تعمل تونس على تنويع مصادر دخلها من خلال تطوير قطاعات أخرى مثل السياحة، والصناعات التصديرية، والزراعة المستدامة، والصناعات التكنولوجية،والطاقات المتجددة، بما يقلل من تأثر الاقتصاد بتقلبات أسعار النفط، فضلا عن تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع طاقية مبتكرة من خلال تقديم حوافز ضريبية وقانونية.
سفيان المهداوي
تمثل أسعار النفط العالمية عاملا حاسما في استقرار الاقتصاد العالمي، وتزداد أهمية هذا العامل بالنسبة للبلدان غير المنتجة للنفط التي تعتمد على الاستيراد لتلبية حاجياتها من الطاقة. في هذا السياق، تلعب الأزمات الجيوسياسية دوراً كبيراً في تحديد أسعار النفط واتجاهاتها، حيث يشكل مضيق هرمز، الذي يمر عبره حوالي 20 % من الإمدادات العالمية للنفط، أحد أهم النقاط الاستراتيجية التي تؤثر في سوق الطاقة. وفي ظل تصاعد الأزمة الإيرانية وتهديدات إغلاق المضيق، ازدادت المخاوف من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يضع تونس، مثل العديد من الدول الأخرى، أمام تحديات اقتصادية صعبة.
وأثارت الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، وقرار الانسحاب المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قمة مجموعة السبع، مخاوف من تعطيل محتمل لتدفق النفط عبر مضيق هرمز، الذي ينقل نحو 20–25 % من النفط العالمي، ورغم ارتفاعها بأكثر من 7 % منتصف جوان الجاري، إلا أن الأسعار تراجعت مؤخرًا مع إشارات إلى محاولات دبلوماسية لتهدئة التوتر، إلا أن الأسعار قفزت في فترة قياسية من 67 دولارا الى 78 دولارا، ليستقر البرنت عند 74 دولارا، ومرجح لارتفاع قياسي في حال أقدمت إيران على غلق مضيق هرمز.
تونس، كدولة تعتمد على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة، تتأثر مباشرة بتقلبات أسعار النفط العالمية. في قانون المالية لعام 2023، حددت الحكومة التونسية سعر برميل النفط عند حوالي 89 دولاراً في الميزانية. هذا التقدير مبني على توقعات مستقرة نسبياً لأسعار النفط، لكنه بقي في تلك الفترة عرضة للتغيرات المفاجئة، والتي تسببت فيها جائحة كورونا. أما في ميزانية الدولة التونسية لسنة 2025 بُنيت على فرضية سعر نفط في حدود 79 دولارًا للبرميل، حسب ما أعلنته وزارة المالية، وجرى ضبط نفقات الدعم بناء على هذا المستوى السعري، لكن إذا تجاوزت الأسعار سقف 90 أو 100 دولار فإن الفجوة التمويلية ستتسع بشكل كبير مما يضع ضغطًا على المالية العمومية.
ومع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وتهديدات إغلاق مضيق هرمز، أصبحت أسعار النفط مرشحة للارتفاع إلى مستويات تتجاوز بكثير التوقعات الحكومية. تشير بعض السيناريوهات والتقارير الرسمية الصادرة عن وكالات أمريكية، إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط إلى ما بين 120 و150 دولاراً للبرميل، وهو ما قد يشكل ضغوطاً مالية كبيرة على اقتصاد العديد من دول العالم بما فيهم الاقتصاد التونسي.
انعكاسات ارتفاع أسعار النفط
تتمثل أبرز التأثيرات المباشرة لارتفاع أسعار النفط في زيادة تكاليف استيراد الطاقة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم عجز الميزان التجاري، حيث تشكل واردات الطاقة جزءاً كبيراً من إجمالي الواردات التونسية. في حال ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، قد ترتفع فاتورة استيراد النفط بنسبة تتراوح بين 30 % و50 %، ما يضع ضغوطاً إضافية على احتياطيات النقد الأجنبي ويزيد من عجز الميزانية.
وفق الأرقام الرسمية بلغ دعم المحروقات في تونس سنة 2024 حوالي 4.2 مليار دينار، وتم التخطيط لتخفيضه تدريجيًا في إطار برنامج الإصلاحات الذي تنفذه الحكومة التونسية.
وفق ما كشف عنه بعض خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، فإن زيادة أسعار النفط تؤدي أيضاً إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، مما ينعكس على أسعار السلع والخدمات عموماً، وعلى مستوى الدعم الحكومي، تعتمد تونس على دعم أسعار المحروقات لتخفيف الأعباء على المواطنين.
سيناريوهات مقلقة
وفي حال استمرار التوتر الإيراني وتصاعده إلى إغلاق حقيقي لمضيق هرمز، فإن السيناريوهات المرجحة هي التالية، أولا قفزة فورية في سعر برميل النفط قد تصل إلى حدود 120 أو 130 دولارا وهو ما سينعكس على كلفة التوريد، وثانيا اضطراب في الإمدادات خاصة بالنسبة للنفط القادم من الخليج وانطلاقًا من هذا المعطى يجب أن تتبنى تونس جملة من الإجراءات والتوصيات الاستباقية لتفادي الانعكاسات الأسوأ على المدى القريب، من أبرزها، تنويع مصادر التوريد من الطاقة عبر اتفاقيات مع دول خارج منطقة الخليج مثل الجزائر أو ليبيا أو حتى بلدان إفريقية منتجة للنفط لتقليل الاعتماد على النفط الخليجي، ثانيًا الإسراع في تفعيل اتفاقيات الطاقة البديلة والطاقة المتجددة التي جرى توقيعها في السنوات الأخيرة، وتوسيع الاستثمار في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح لتقليص حجم التوريد تدريجيًا.
الحلول الممكنة للتخفيف من حدة الأزمة
ولمواجهة انعكاسات ارتفاع أسعار النفط، يرى بعض الخبراء أنه يمكن اتخاذ عدة إجراءات على المديين القصير والمتوسط، من أهمها التفاوض مع شركاء دوليين للحصول على اتفاقيات توريد نفط بأسعار تفضيلية أو بشروط دفع ميسرة. هذه الخطوة قد تساعد في تخفيف الأعباء المالية على المدى القصير، لكنها تتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة.
كما يشدد جزء واسع من الخبراء الاقتصاديين، على ضرورة تسريع برامج الانتقال الطاقي وتنويع مصادر الطاقة من خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. هذه الخطوة قد لا تكون حلاً فورياً لكنها ضرورية على المدى الطويل لتقليل الاعتماد على النفط المستورد. في هذا السياق، تشير تقارير إلى أن تونس تتمتع بإمكانات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة، لكن الاستثمارات الحالية لا تزال دون المستوى المطلوب، رغم إيجابية الأهداف المرسومة الرامية الى رفع الإنتاج من الطاقات المتجددة الى 30 % في أفق سنة 2030. وعلى صعيد متصل، بات من الضروري اليوم، تعزيز التعاون الإقليمي مع دول المغرب العربي ودول جنوب أوروبا لتطوير شبكات طاقة مشتركة، بما في ذلك خطوط نقل الكهرباء والغاز. هذا التعاون قد يساعد في تحسين أمن الطاقة وخفض التكاليف في المنطقة المغاربية .
التوصيات لتجنب انعكاسات الأزمة
ومن بين التوصيات التي يرى خبراء الاقتصاد، أنها قد تساعد تونس في التخفيف من حدة التداعيات الممكنة، تعزيز الاستثمار في الطاقات المتجددة، حيث أن الحكومة التونسية، مطالبة بوضع خطط استثمارية واضحة ومدعومة بتمويلات محلية ودولية لتطوير قطاع الطاقات المتجددة. على سبيل المثال، يمكن استغلال الأراضي الشاسعة في الجنوب التونسي لإقامة مشاريع طاقة شمسية كبيرة، فضلا عن إصلاح منظومة الدعم، من خلال وضع برامج إصلاح تدريجية تستهدف الشرائح الأكثر ضعفاً وتقلل من الهدر، من خلال استخدام أنظمة رقمية لتحديد المستفيدين بدقة أكبر، وتحسين كفاءة الإنفاق العام، من خلال تقليص النفقات غير الضرورية، وتوجيه الموارد نحو القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة والنقل، وتطوير شراكات دولية، عبر التفاوض مع الدول المنتجة للنفط للحصول على عقود طويلة الأجل بأسعار ميسرة.
كما يمكن تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية للحصول على تمويلات ميسرة لدعم ميزانية الدولة. إضافة الى ذلك، هناك توصيات اليوم، بضرورة أن تعمل تونس على تنويع مصادر دخلها من خلال تطوير قطاعات أخرى مثل السياحة، والصناعات التصديرية، والزراعة المستدامة، والصناعات التكنولوجية،والطاقات المتجددة، بما يقلل من تأثر الاقتصاد بتقلبات أسعار النفط، فضلا عن تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع طاقية مبتكرة من خلال تقديم حوافز ضريبية وقانونية.