إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قمة بغداد 2025.. اختبار متجدد للوحدة العربية وسط عواصف أنهكت الأمة

تستضيف بغداد الشهر القادم وبالتحديد يوم 17 ماي 2025، القمة العربية الرابعة والثلاثين، في لحظة فارقة إقليميًا ودوليًا، تزداد فيها الأزمات تعقيدا، والتوازنات هشاشة. لكن القمة لا تُقرأ فقط في سياق ظرفها الآني، بل تمثل اختبارا لمدى قدرة النظام العربي على إعادة تعريف دوره وموقعه في نظام دولي متحول، تتصاعد فيه المنافسات الكبرى، وتعيد فيه القوى الإقليمية رسم خرائط النفوذ.

وتمثل استضافة العراق للقمة العربية بعد أكثر من عقدين من الاضطراب السياسي والأمني لحظة رمزية عميقة. فللمرة الأولى منذ الغزو الأمريكي عام 2003، تُعقد القمة في بغداد دون أجندة أمنية ضاغطة أو مقاطعات عربية، مما يشير أولا إلى عودة تدريجية للدور العراقي كفاعل إقليمي قادر على الجمع لا التفريق، بعد سنوات من الانكفاء الداخلي. وثانيا رغبة عربية في إسناد العراق وإعادة دمجه في المنظومة العربية كحائط صد أمام تنامي النفوذ الإيراني والتركي. وثالثا هي رسالة ضمنية من الجامعة العربية بأن وحدة العرب تبدأ من احتضان الدول التي خرجت من رماد الحروب والانقسامات، لا تهميشها.

ملفات ساخنة بينها المستعجل والمزمن

وتعقد القمة في ظل بيئة عربية يغلب عليها طابع «التفكك المزمن»، حيث تتداخل القضايا المستعجلة بالأزمات البنيوية العالقة منذ سنوات. فالقضية الفلسطينية ما بعد غزة زادت تعقيدا. فمع الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في خريف 2024، والمجازر التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، أصبح الملف الفلسطيني مجددًا في قلب الرأي العام العربي. لكن هل ننتظر من القمة أن تذهب إلى قرارات عملية، مثل قطع علاقات أو فرض عقوبات رمزية على إسرائيل؟ أم أنها ستكتفي كالعادة ببيانات الشجب والاستنكار والدعم المعنوي للفلسطينيين مع إعادة تفعيل مبادرة السلام العربية التي لم تجد صدى منذ 2002؟

الملف الثاني المطروح هو دون شك ملف السودان الذي يشهد حربا أهلية بين الجيش والدعم السريع حولت البلاد إلى مستنقع لحرب استنزاف إقليمية تهدد أمن دول الجوار على غرار مصر، إثيوبيا وتشاد. وتجد القمة نفسها أمام لحظة مصيرية في ظل غياب أي تصور موحد للدول العربية للدفع نحو حل سياسي وفي ظل الانقسامات بين من يدعم حميدتي ومن يقف مع البرهان وهو ما يقف حائلا أمام أي دور فاعل.

الملف الثالث هو بالتأكيد الملف السوري بين إعادة التأهيل أم تواصل التجميد حيث أن عودة سوريا للجامعة العربية في 2023 لم تترجم بعد إلى انخراط فعلي في العمل العربي. وهو ما يجعل التساؤل قائما هل ستدفع القمة نحو خارطة طريق لعودة سوريا سياسيا واقتصاديا أم أن الموضوع سيؤجل في ظل المواقف المترددة من النظام الجديد وعلى رأسه الجولاني وهو ما يعني الإبقاء على سوريا مجرّد «ضيف شرف رمزي» في النظام العربي؟

نحو أجندة اقتصادية جديدة

الى جانب الوضع السياسي لعدد من الدول العربية والقضايا المزمنة، فإن الملف الاقتصادي سيكون له شأن في قمة بغداد خاصة ما يهدد الدول العربية بعد رسومات الرئيس الأمريكي ترامب وتلميحات هذا الأخير تجاه بعض دول الخليج ونواياه الاستحواذ على جزء من ثرواتها. فمع تنامي التحديات الاقتصادية، من أزمة الغذاء والطاقة، إلى تغير المناخ والبطالة المتزايدة، يطرح مجددا سؤالا حول الوضع وكذلك التعاون الاقتصادي العربي. وهل آن الأوان لإعادة إحياء مشاريع السوق العربية المشتركة، وربط سلاسل الإمداد، وإنشاء صندوق طوارئ غذائي عربي؟ وما موقع الشباب والابتكار والاقتصاد الرقمي في الرؤية المستقبلية للعمل العربي المشترك؟

القمة قد تكون فرصة لإطلاق مبادرة اقتصادية عراقية بدعم خليجي ومغاربي، تعيد الأمل في التكامل لا التنافس. لكن الوضع الاقتصادي والتنموي المختلف والرؤى غير المشتركة والتفاوت في الثروات والنمو قد يعرقل أي تقدم في الملف الاقتصادي العربي خلال القمة لتبقى كل دولة تتعامل مع الملف بمفردها.

النظام العربي في ميزان التحولات الدولية

النقطة الأخرى المنتظرة أو الواجب تواجدها ضمن أجندة قمة القادة العرب، هي التمركز دوليا. فالعالم لم يعد أحادي القطبية والتقارب الصيني-الروسي، والتراجع الأمريكي النسبي في الشرق الأوسط، وصعود القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل، كلها عوامل تتطلب من الدول العربية إعادة التفكير في علاقاتها الخارجية خارج إطار «التبعية» التقليدية والانحياز. ومن الضروري بلورة موقف جماعي من الملفات الكبرى ومنها خاصة أوكرانيا، والعقوبات، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأمن الطاقة. وقمة بغداد ستكون اختبارا لهذه الرؤية: هل يمكن للعرب أن يتحولوا من «منطقة نفوذ» إلى «تكتل فاعل» في العالم متعدد الأقطاب؟

وإذا كانت القمم العربية في العقود الأخيرة تنتج «قرارات بلا تنفيذ»، فإن نجاح قمة بغداد مرهون بعدة شروط واعتبارات منها ضرورة تكوين آلية متابعة واقعية للقرارات، بإشراف ثلاثي الرئاسة العراقية والأمانة العامة ودولة أو أكثر مشاركة. مع وجوب إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ مخرجات اقتصادية وتنموية. وتحديد أولويات واضحة لا تتجاوز خمسة ملفات بدل الخوض في عشرات القضايا دون نتائج. مع أهمية اعتبار القمة كنهاية لمشاورات وتفاهمات تنتهي بعودة الزعماء، بل يجب أن تكون بداية لمسار جديد أساسه تحول التضامن العربي من شعار إلى ممارسة في زمن تتفتت فيه الجغرافيا، وتتبدد فيه السيادة، وتستنزف فيه الموارد. والأمل قائم في أن تمثل قمة بغداد فرصة نادرة لإعادة ترميم الجدار العربي بعيدا عن الشعارات التي سئمتها الشعوب العربية.

بقلم: سفيان رجب

قمة بغداد 2025.. اختبار متجدد  للوحدة العربية وسط عواصف أنهكت الأمة

تستضيف بغداد الشهر القادم وبالتحديد يوم 17 ماي 2025، القمة العربية الرابعة والثلاثين، في لحظة فارقة إقليميًا ودوليًا، تزداد فيها الأزمات تعقيدا، والتوازنات هشاشة. لكن القمة لا تُقرأ فقط في سياق ظرفها الآني، بل تمثل اختبارا لمدى قدرة النظام العربي على إعادة تعريف دوره وموقعه في نظام دولي متحول، تتصاعد فيه المنافسات الكبرى، وتعيد فيه القوى الإقليمية رسم خرائط النفوذ.

وتمثل استضافة العراق للقمة العربية بعد أكثر من عقدين من الاضطراب السياسي والأمني لحظة رمزية عميقة. فللمرة الأولى منذ الغزو الأمريكي عام 2003، تُعقد القمة في بغداد دون أجندة أمنية ضاغطة أو مقاطعات عربية، مما يشير أولا إلى عودة تدريجية للدور العراقي كفاعل إقليمي قادر على الجمع لا التفريق، بعد سنوات من الانكفاء الداخلي. وثانيا رغبة عربية في إسناد العراق وإعادة دمجه في المنظومة العربية كحائط صد أمام تنامي النفوذ الإيراني والتركي. وثالثا هي رسالة ضمنية من الجامعة العربية بأن وحدة العرب تبدأ من احتضان الدول التي خرجت من رماد الحروب والانقسامات، لا تهميشها.

ملفات ساخنة بينها المستعجل والمزمن

وتعقد القمة في ظل بيئة عربية يغلب عليها طابع «التفكك المزمن»، حيث تتداخل القضايا المستعجلة بالأزمات البنيوية العالقة منذ سنوات. فالقضية الفلسطينية ما بعد غزة زادت تعقيدا. فمع الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في خريف 2024، والمجازر التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، أصبح الملف الفلسطيني مجددًا في قلب الرأي العام العربي. لكن هل ننتظر من القمة أن تذهب إلى قرارات عملية، مثل قطع علاقات أو فرض عقوبات رمزية على إسرائيل؟ أم أنها ستكتفي كالعادة ببيانات الشجب والاستنكار والدعم المعنوي للفلسطينيين مع إعادة تفعيل مبادرة السلام العربية التي لم تجد صدى منذ 2002؟

الملف الثاني المطروح هو دون شك ملف السودان الذي يشهد حربا أهلية بين الجيش والدعم السريع حولت البلاد إلى مستنقع لحرب استنزاف إقليمية تهدد أمن دول الجوار على غرار مصر، إثيوبيا وتشاد. وتجد القمة نفسها أمام لحظة مصيرية في ظل غياب أي تصور موحد للدول العربية للدفع نحو حل سياسي وفي ظل الانقسامات بين من يدعم حميدتي ومن يقف مع البرهان وهو ما يقف حائلا أمام أي دور فاعل.

الملف الثالث هو بالتأكيد الملف السوري بين إعادة التأهيل أم تواصل التجميد حيث أن عودة سوريا للجامعة العربية في 2023 لم تترجم بعد إلى انخراط فعلي في العمل العربي. وهو ما يجعل التساؤل قائما هل ستدفع القمة نحو خارطة طريق لعودة سوريا سياسيا واقتصاديا أم أن الموضوع سيؤجل في ظل المواقف المترددة من النظام الجديد وعلى رأسه الجولاني وهو ما يعني الإبقاء على سوريا مجرّد «ضيف شرف رمزي» في النظام العربي؟

نحو أجندة اقتصادية جديدة

الى جانب الوضع السياسي لعدد من الدول العربية والقضايا المزمنة، فإن الملف الاقتصادي سيكون له شأن في قمة بغداد خاصة ما يهدد الدول العربية بعد رسومات الرئيس الأمريكي ترامب وتلميحات هذا الأخير تجاه بعض دول الخليج ونواياه الاستحواذ على جزء من ثرواتها. فمع تنامي التحديات الاقتصادية، من أزمة الغذاء والطاقة، إلى تغير المناخ والبطالة المتزايدة، يطرح مجددا سؤالا حول الوضع وكذلك التعاون الاقتصادي العربي. وهل آن الأوان لإعادة إحياء مشاريع السوق العربية المشتركة، وربط سلاسل الإمداد، وإنشاء صندوق طوارئ غذائي عربي؟ وما موقع الشباب والابتكار والاقتصاد الرقمي في الرؤية المستقبلية للعمل العربي المشترك؟

القمة قد تكون فرصة لإطلاق مبادرة اقتصادية عراقية بدعم خليجي ومغاربي، تعيد الأمل في التكامل لا التنافس. لكن الوضع الاقتصادي والتنموي المختلف والرؤى غير المشتركة والتفاوت في الثروات والنمو قد يعرقل أي تقدم في الملف الاقتصادي العربي خلال القمة لتبقى كل دولة تتعامل مع الملف بمفردها.

النظام العربي في ميزان التحولات الدولية

النقطة الأخرى المنتظرة أو الواجب تواجدها ضمن أجندة قمة القادة العرب، هي التمركز دوليا. فالعالم لم يعد أحادي القطبية والتقارب الصيني-الروسي، والتراجع الأمريكي النسبي في الشرق الأوسط، وصعود القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل، كلها عوامل تتطلب من الدول العربية إعادة التفكير في علاقاتها الخارجية خارج إطار «التبعية» التقليدية والانحياز. ومن الضروري بلورة موقف جماعي من الملفات الكبرى ومنها خاصة أوكرانيا، والعقوبات، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأمن الطاقة. وقمة بغداد ستكون اختبارا لهذه الرؤية: هل يمكن للعرب أن يتحولوا من «منطقة نفوذ» إلى «تكتل فاعل» في العالم متعدد الأقطاب؟

وإذا كانت القمم العربية في العقود الأخيرة تنتج «قرارات بلا تنفيذ»، فإن نجاح قمة بغداد مرهون بعدة شروط واعتبارات منها ضرورة تكوين آلية متابعة واقعية للقرارات، بإشراف ثلاثي الرئاسة العراقية والأمانة العامة ودولة أو أكثر مشاركة. مع وجوب إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ مخرجات اقتصادية وتنموية. وتحديد أولويات واضحة لا تتجاوز خمسة ملفات بدل الخوض في عشرات القضايا دون نتائج. مع أهمية اعتبار القمة كنهاية لمشاورات وتفاهمات تنتهي بعودة الزعماء، بل يجب أن تكون بداية لمسار جديد أساسه تحول التضامن العربي من شعار إلى ممارسة في زمن تتفتت فيه الجغرافيا، وتتبدد فيه السيادة، وتستنزف فيه الموارد. والأمل قائم في أن تمثل قمة بغداد فرصة نادرة لإعادة ترميم الجدار العربي بعيدا عن الشعارات التي سئمتها الشعوب العربية.

بقلم: سفيان رجب