إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الروائي‭ ‬علي‭ ‬الخميلي‭ ‬لـ"الصباح"‬‭:‬ الرواية‭ ‬التونسية‭ ‬فرضت‭ ‬حضورها‭ ‬المتوهج‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي

جمع‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬بين‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والسرد‭ ‬الروائي،‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬متنفسًا‭ ‬للغوص‭ ‬في‭ ‬هواجس‭ ‬ومشاغل‭ ‬الواقع‭ ‬التونسي‭ ‬بكل‭ ‬إرهاصاته‭ ‬وتناقضاته‭ ‬وأحلامه‭ ‬وطموحاته‭ ‬وانكساراته‭. ‬وجد‭ ‬علي‭ ‬الخميلي‭ ‬في‭ ‬موطنه‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬،‭ ‬قلعة‭ ‬الفسفاط‭ ‬الشامخة،‭ ‬القادح‭ ‬الأول‭ ‬لكتابة‭ ‬إبداعية‭ ‬سردية،‭ ‬سلسلة‭ ‬في‭ ‬لغتها،‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬ومقاصدها‭ ‬الإنسانية‭... ‬كتابة‭ ‬إبداعية‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬علي‭ ‬الخميلي‭ ‬أحد‭ ‬أساطين‭ ‬التأريخ‭ ‬للحوض‭ ‬المنجمي،‭ ‬وما‭ ‬عرفه‭ ‬وعاشه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬ووقائع‭ ‬وتحديات،‭ ‬مستحضرًا‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬وموقف‭ ‬وحدث،‭ ‬ومعه‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭:‬

‭* ‬أي‭ ‬جديد‭ ‬إبداعي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكشفه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء؟

‭- ‬جديدي‭ ‬الإبداعي،‭ ‬وبعد‭ ‬إصدار‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ألم‭ ‬على‭ ‬شفاه‭ ‬تبتسم‮»‬،‭ ‬أنتظر‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الصائفة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬قبلها‭ ‬بقليل‭ ‬صدور‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬الطرابلسية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬كما‭ ‬أنتظر‭ ‬صدور‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جنون‭ ‬الأقنعة‮»‬‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الثقافية‭ ‬للنشر‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬رفوف‭ ‬مكتبتي‭ ‬مثقلة‭ ‬بعديد‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬النشر،‭ ‬على‭ ‬غرار‭: ‬‮«‬صراع‭ ‬الصمت‮»‬،‭ ‬و‮»‬الثلج‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬و»هذيان‭ ‬في‭ ‬البرلمان‮»‬،‭ ‬و«مملكة‭ ‬الشتائم‭ ‬والغنائم‮»‬،‭ ‬و»أرى‭ ‬الفخاخ‭ ‬تبتسم‮»‬،‭ ‬و»وجع‭ ‬الزمن‮»‬،‭ ‬و»قصور‭ ‬الأفاعي‮»‬‭ ‬وغيرها‭.‬

فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المجموعات‭ ‬القصصية‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬من‭ ‬ثقب‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‮»‬،‭ ‬و»للبؤساء‭ ‬والكادحين‮»‬،‭ ‬و»عبر‭ ‬مقاهي‭ ‬المدينة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬سينشر‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬عربية‭.‬

‭* ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬أولوياتك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬تصوغه؟

‭- ‬ككل‭ ‬كاتب‭ ‬تأرجح‭ ‬لسنوات‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬إبداعي،‭ ‬شعرًا‭ ‬وقصة‭ ‬ورواية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬النمط‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يناسبه‭ ‬ويتناغم‭ ‬مع‭ ‬مبادئه‭ ‬وأفكاره‭ ‬ومخزونه‭ ‬الفكري،‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬وخلفياته‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬اخترت‭ ‬نمط‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬أعتبرها‭ ‬من‭ ‬أولوياتي،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬للرواية‭ - ‬كفن‭ ‬أدبي‭ ‬نثري‭ ‬طويل‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬أساسه‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬المتوهج‭ ‬بالخيال‭ - ‬من‭ ‬وصف‭ ‬لأحداث‭ ‬وتجارب‭ ‬إنسانية‭ ‬فردية‭ ‬وجماعية‭ ‬متسمة‭ ‬بالتشويق‭ ‬والإثارة،‭ ‬تعكسه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬الرواية‭.‬

وربما‭ ‬لهذا،‭ ‬ولغيره،‭ ‬اخترت‭ ‬الرواية‭ ‬وتمسكت‭ ‬بها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنكر‭ ‬أن‭ ‬المسيرة‭ ‬الصحفية‭ ‬ساعدتني‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬والواقع‭ ‬المعيش‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق،‭ ‬لأكون‭ ‬روائيًا‭ ‬منتهجًا‭ ‬للمنحى‭ ‬الواقعي‭.‬

‭* ‬ماذا‭ ‬قدمت‭ ‬لك‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬‭ ‬ككاتب؟

‭- ‬موطني‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬‭ ‬هو،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬منجم‭ ‬فسفاط‭ ‬يجمع‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكادحين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬جهات‭ ‬البلاد‭ ‬وخارجها،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفكرية،‭ ‬ما‭ ‬أهله‭ ‬ليكون‭ ‬قلعة‭ ‬عمالية‭ ‬كبرى‭ ‬متوهجة‭ ‬بالنضال‭ ‬السياسي‭ ‬والنقابي،‭ ‬فهو‭ ‬موطن‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬والإبداع‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

ومنه‭ ‬تدفق‭ ‬الأدباء‭ ‬المبدعون‭: ‬أحمد‭ ‬المختار‭ ‬الهادي،‭ ‬محمد‭ ‬عمار‭ ‬شعابنية،‭ ‬محمد‭ ‬الطاهر‭ ‬سودة‭ (‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراهم‭)‬،‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الخالدي،‭ ‬سالم‭ ‬الشعباني،‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬الجوادي،‭ ‬الدكتور‭ ‬سمير‭ ‬السحيمي،‭ ‬الدكتور‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬رمضان،‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬المنصوري،‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الحبيب‭ ‬مبروكي،‭ ‬شكري‭ ‬مسعي،‭ ‬المولدي‭ ‬الشعباني،‭ ‬يسير‭ ‬السحيمي،‭ ‬سميرة‭ ‬السحيمي،‭ ‬محمد‭ ‬الصغير‭ ‬القاسمي،‭ ‬محمد‭ ‬العائش‭ ‬القوتي،‭ ‬جمال‭ ‬الخليفي،‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬أكدوا‭ ‬جدارتهم‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الأدبي‭ ‬الوطني‭ ‬والعربي‭.‬

ولو‭ ‬ذكرتهم‭ ‬كلهم‭ ‬لتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬صفحات‭ ‬عديدة‭. ‬وبالمناسبة،‭ ‬فإنهم‭ ‬كلهم‭ ‬طيبون،‭ ‬ومثل‭ ‬الزهور‭ ‬وأنواع‭ ‬العطور،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬روائحها‭.‬

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بالمبدعين‭ ‬بفضل‭ ‬واقعها‭ ‬المنجمي‭ ‬المتنوع‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬والمتسم‭ ‬بالخضخضات‭ ‬والانتفاضات‭ ‬والنضالات‭ ‬والعلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والثقافات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والعادات،‭ ‬المحلية‭ ‬منها‭ ‬والوافدة،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬تأثيراتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬والعميقة‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والوجدان‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تنفس‭ ‬هواءها،‭ ‬وخاصة‭ ‬لمرهفي‭ ‬المشاعر‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬اكتووا‭ ‬بنار‭ ‬الوهج‭ ‬الإبداعي‭ ‬وتورطوا‭ ‬بحبها‭ ‬وتفاعلوا‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭.‬

وعشقوا‭ ‬الوطن‭ ‬وتناغموا‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬أينما‭ ‬كان،‭ ‬وذلك‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬وفسيفساء‭ ‬التنوع،‭ ‬وأيضًا‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬الفريدة‭ ‬العملاقة‭ ‬وهي‭ ‬شركة‭ ‬الفسفاط،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬انعكاساتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الواجهات،‭ ‬الإيجابية‭ ‬منها‭ ‬والسلبية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اشتغل‭ ‬فيها‭ ‬والدي‭ ‬عاملاً‭ ‬منجميًا،‭ ‬حوالي‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬أفرز‭ ‬ما‭ ‬يجذر‭ ‬التأثر‭ ‬العميق‭ ‬بالموطن،‭ ‬الذي‭ ‬منحني‭ ‬الثبات‭ ‬في‭ ‬المواقف،‭ ‬والالتزام‭ ‬بقضايا‭ ‬البؤساء‭ ‬والكادحين،‭ ‬والشموخ،‭ ‬والوقوف‭ ‬عند‭ ‬الشدائد،‭ ‬والعمق‭ ‬في‭ ‬التجربة،‭ ‬وحسن‭ ‬التناغم‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬وتقبل‭ ‬مختلف‭ ‬الآراء،‭ ‬وعشق‭ ‬الوطن‭.‬

وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬‭ ‬قدمت‭ ‬لي‭ ‬الحياة‭ ‬بمعناها‭ ‬الحقيقي‭.‬

‭* ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬المشهد‭ ‬الروائي‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم؟

‭- ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬يتطلب‭ ‬المجلدات‭ ‬لإبراز‭ ‬كل‭ ‬الحقائق،‭ ‬فإنني‭ ‬أختزل‭ ‬القول‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الروائي‭ ‬التونسي‭ ‬عرف‭ ‬تطورًا‭ ‬لافتًا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكم‭ ‬والنوعية،‭ ‬وفرض‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الروائيين‭ ‬التونسيين،‭ ‬وعن‭ ‬جدارة‭ ‬وبكل‭ ‬تألق،‭ ‬حضوره‭ ‬العربي،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬خصوصيات‭ ‬سردية‭ ‬وفنية‭ ‬وجمالية‭ ‬ومضامين‭ ‬إنسانية‭ ‬عميقة‭ ‬وجدية‭ ‬أدركت‭ ‬العالمية‭ ‬ونالت‭ ‬الجوائز‭ ‬الكبرى،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬تجاوزهم‭ ‬للأشكال‭ ‬السائدة‭ ‬ونبذ‭ ‬أكثرهم‭ ‬للقواعد‭ ‬والسنن‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭.‬

‭* ‬لو‭ ‬نغير‭ ‬السؤال‭ ‬وأقول‭ ‬لك‭: ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬دور‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي؟

‭- ‬الرواية‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬حديثة‭ ‬العهد‭ ‬قياسًا‭ ‬مع‭ ‬عراقتها‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬وأوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يمرّ‭ ‬على‭ ‬ظهورها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭ ‬تقريبًا‭ ‬فقط،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬تونسية‭ ‬القلب‭ ‬والقالب،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬ترجمة‭ ‬ولا‭ ‬اقتباس،‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الهيفاء‭ ‬وسراج‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬لصاحبها‭ ‬الأديب‭ ‬صالح‭ ‬السويسي‭ ‬القيرواني،‭ ‬والتي‭ ‬رأت‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الأولى‭ ‬لبداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬سنة‭ (‬1906‭). ‬يمكن‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬في‭ ‬النوعية‭ ‬والكمية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية‭ - ‬منذ‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ - ‬تطورًا‭ ‬لافتًا،‭ ‬قبل‭ ‬بعث‭ ‬بيت‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬التجربة‭ ‬وصب‭ ‬الدماء‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الأدبي،‭ ‬وهو‭ ‬بالمناسبة‭ ‬أول‭ ‬بيت‭ ‬للرواية‭ ‬يرى‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يلاحظ‭ ‬المتابع‭ ‬للمشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬انتعاشة‭ ‬وطفرة‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬والكيف‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬وارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعيش‭ ‬زمن‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬السرد،‭ ‬ولذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية،‭ ‬كفن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الذات‭ ‬والمجتمع‭ ‬والكون‭ ‬وكجنس‭ ‬متفرد‭ ‬بذاته‭ ‬وكمدونة‭ ‬للحياة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬نسقها‭ ‬خلال‭ ‬السّنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬أفرز‭ ‬بروز‭ ‬الروائي‭ ‬إبراهيم‭ ‬الدرغوثي‭ ‬الذي‭ ‬مارس‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬التحديثية‭ ‬ونال‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية‭ ‬وترجمت‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬عدة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إجماع‭ ‬النقاد‭ ‬حول‭ ‬نجاح‭ ‬تجربته،‭ ‬ومثله‭ ‬شكري‭ ‬المبخوت‭ ‬ومحمد‭ ‬الحبيب‭ ‬السالمي‭ ‬وحسونة‭ ‬المصباحي‭ ‬ومحمد‭ ‬عيسى‭ ‬المؤدب‭ ‬وماهر‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬ومسعودة‭ ‬بوبكر‭ ‬وكذلك‭ ‬عباس‭ ‬سليمان‭ ‬الذي‭ ‬تتسم‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬بالميل‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬قضايا‭ ‬العولمة‭ ‬وانعكاسها‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬وكذلك‭ ‬مصطفى‭ ‬الكيلاني‭ ‬وحافظ‭ ‬محفوظ‭ ‬وعبد‭ ‬الجبار‭ ‬العش‭ ‬وفضيلة‭ ‬الشابي‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬اليوسفي‭ ‬وعروسية‭ ‬النالوتي‭ ‬وجلول‭ ‬عزونة‭ ‬ومحمد‭ ‬آيت‭ ‬ميهوب‭ ‬وفاطمة‭ ‬الشريف‭ ‬وكمال‭ ‬الزعباني‭ ‬وكمال‭ ‬الرياحي‭ ‬والشاذلي‭ ‬القرواشي‭ ‬والأسعد‭ ‬بن‭ ‬حسين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬بأن‭ ‬الرواية‭ ‬طبيعة‭ ‬فنية‭ ‬تفسح‭ ‬المجال‭ ‬للطّرح‭ ‬بآليات‭ ‬تنهل‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الفنون،‭ ‬وأدركوا‭ ‬أن‭ ‬الإنتاج‭ ‬الروائي‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬طفرة،‭ ‬فإن‭ ‬الظاهرة‭ ‬تعتبر‭ ‬صحية‭ ‬وتتيح‭ ‬عملية‭ ‬الغربلة‭ ‬بين‭ ‬الغثّ‭ ‬والسّمين،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬برزت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬سابقة‭ ‬بروايات‭ ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ ‬وبشير‭ ‬خريف‭ ‬ومحمد‭ ‬العروسي‭ ‬المطوي‭ ‬ومحمد‭ ‬الصالح‭ ‬الجابري‭ ‬ومحمد‭ ‬رشاد‭ ‬الحمزاوي‭ ‬ومصطفى‭ ‬الفارسي‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬بلحاج‭ ‬نصر‭ ‬ويحيى‭ ‬محمد‭ ‬ومحمد‭ ‬المختار‭ ‬جنات‭ ‬وعمر‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬وعز‭ ‬الدين‭ ‬المدني‭ ‬وسمير‭ ‬العيادي‭ ‬ومحمود‭ ‬التونسي‭ ‬ورضوان‭ ‬الكوني‭ ‬وأحمد‭ ‬ممّو‭ ‬وغيرهم‭.‬

‭*‬أصدرت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬قنديل‭ ‬الثنايا‮»‬‭ ‬و«عفراء‭ ‬تغسل‭ ‬السماء‮»‬‭ ‬و»ألم‭ ‬على‭ ‬شفاه‭ ‬تبتسم‮»‬،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬القضايا‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لمعالجتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال؟

‭- ‬ككل‭ ‬كاتب،‭ ‬أو‭ ‬ممارس‭ ‬لأي‭ ‬نمط‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬وملتصق‭ ‬بواقعه،‭ ‬ففي‭ ‬كتاباتي‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ ‬الصادقة‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬هي‭ ‬انحياز‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬والتمرد‭ ‬عليه،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬بما‭ ‬يحملانه‭ ‬من‭ ‬مظالم‭ ‬وصراعات‭ ‬وحروب‭ ‬ومآس،‭ ‬والإدراك‭ ‬أيضًا‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬الكاتب‭ ‬يقترف‭ ‬فعل‭ ‬الكتابة‭ ‬ليكون‭ ‬محرضًا‭ ‬بقلبه‭ ‬وعقله‭ ‬وقلمه‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بهذا‭ ‬الانحياز‭ ‬للمنحى‭ ‬الواقعي‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬القضايا‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬أسعى‭ ‬لمعالجتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬وغيرها،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالقيم‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭* ‬ماذا‭ ‬أضافت‭ ‬لك‭ ‬مسيرتك‭ ‬الإعلامية‭ ‬كروائي؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬بمفهومها‭ ‬العميق‭ ‬هي‭ ‬أدب‭ ‬يومي‭ ‬ينخرط‭ ‬فيه‭ ‬الكاتب‭ ‬بواقعه‭ ‬أشد‭ ‬ارتباطًا،‭ ‬ويلتصق‭ ‬فيه‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتنوعة‭ ‬والمختلفة،‭ ‬كما‭ ‬يتأثر‭ ‬بإرهاصات‭ ‬مظالم‭ ‬الواقع‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬المسيرة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬توزعت‭ ‬بين‭ ‬المراسل‭ ‬الجهوي‭ ‬والمحرر‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬واختصاص،‭ ‬ورئيس‭ ‬التحرير،‭ ‬تقدم‭ ‬الكثير‭ ‬للكاتب،‭ ‬وتدفعه‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقالًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬وأعمق،‭ ‬وهو‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭ ‬وما‭ ‬يتضمنه‭ ‬من‭ ‬سرد،‭ ‬وما‭ ‬يعطره‭ ‬من‭ ‬موروث‭ ‬إنساني‭ ‬وحضاري،‭ ‬يجعل‭ ‬الرواية‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬التأريخ‭ ‬للواقع‭ ‬المعيش‭ ‬وذلك‭ ‬بأسلوب‭ ‬آخر‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الصحفي‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬كبار‭ ‬الصحافيين‭ ‬العرب‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬الإبداع‭ ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الدهر‭ ‬وعالق‭ ‬بالأذهان‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الأدبية‭ ‬جمعاء،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬الصحافة‭ ‬بالأدب‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تفاعل‭ ‬إيجابي،‭ ‬أخذ‭ ‬وعطاء،‭ ‬وكلنا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والروائيين‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬علاقة‭ ‬بالسلطة‭ ‬الرابعة،‭ ‬ومن‭ ‬أشهرهم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬مثلًا‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬السور‮»‬،‭ ‬من‭ ‬علي‭ ‬الدوعاجي‭ ‬والبشير‭ ‬خريف‭ ‬ومحمود‭ ‬المسعدي‭ ‬والهادي‭ ‬العبيدي‭ ‬إلى‭ ‬غيرهم،‭ ‬ومن‭ ‬العرب‭ ‬أيضًا‭ ‬نجد‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وإحسان‭ ‬عبد‭ ‬القدوس‭ ‬وجرجي‭ ‬زيدان‭ ‬وأمين‭ ‬معلوف‭ ‬وأحمد‭ ‬حسن‭ ‬الزيات‭ ‬وإبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬المازني‭ ‬وعباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭ ‬وعبد‭ ‬الكريم‭ ‬الغلاب‭ ‬ويوسف‭ ‬السباعي‭ ‬وغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬ومحمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل‭ ‬وغيرهم‭ ‬أيضًا،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الهجرة‮»‬‭ ‬الشهير‭ ‬غارسيا‭ ‬ماركيز‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬علمتني‭ ‬الصحافة‭ ‬إضفاء‭ ‬الأصالة‭ ‬والصحة‭ ‬على‭ ‬قصصي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬تضيف‭ ‬للمبدع‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬متابعته‭ ‬الدقيقة‭ ‬والقريبة‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬وارتباطه‭ ‬بالشعب‭ ‬وتعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬التجربة‭ ‬الصحفية‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬وتؤثر‭ ‬فيه‭ ‬إيجابًا،‭ ‬وهو‭ ‬تكامل‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬مجد‭ ‬وفاعل‭.‬

‭* ‬كيف‭ ‬هي‭ ‬علاقتك‭ ‬اليوم‭ ‬باتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين؟

‭- ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أتأهب‭ ‬فيها‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب،‭ ‬أتراجع‭ ‬بسبب‭ ‬موقف‭ ‬ما‭ ‬يتخذه‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وأرى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬مبادئي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬التكتلات‭ ‬التي‭ ‬تشتت‭ ‬الكتاب‭ ‬ولا‭ ‬تجمعهم،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنني‭ ‬أراها‭ ‬لم‭ ‬تتخلص‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الضيقة‭ ‬والصراعات‭ ‬المجانية‭ ‬بين‭ ‬الأكاديميين‭ ‬وغيرهم‭ ‬والمحاصصات‭ ‬والمحاباة،‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالإبداع‭ ‬ولا‭ ‬بالمبدعين‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬ولا‭ ‬يضيف‭ ‬للمبدع،‭ ‬كاتبًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬شاعرًا‭ ‬أو‭ ‬باحثًا،‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬لتطوير‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي‭ ‬والعناية‭ ‬بالمبدعين‭ ‬الذين‭ ‬تتعثر‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الأخرى،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬فتور‭ ‬مواقفه‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بعلاقاته‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬ومنها‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬الإجراء‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬دون‭ ‬استشارته،‭ ‬وغيابه‭ ‬شبه‭ ‬الكلي‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬ويوم‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬الكتاب‭ ‬أحسن‭ ‬تمثيل،‭ ‬لا‭ ‬نتردد‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬والمساهمة‭ ‬بدفعه‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬وباتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين‭ ‬نفسه‭ ‬كمنظمة‭ ‬عريقة‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اسمًا‭ ‬على‭ ‬مسمى‭.‬

‭* ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬انخراطك،‭ ‬أيّ‭ ‬انتظارات‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬المؤتمر‭ ‬القادم‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتّاب‭ ‬التونسيين؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مرتبط‭ ‬بالشرعية‭ ‬وبشفافية‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وإرادة‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬الحالي‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري‭ ‬والعميق‭ ‬لتجاوز‭ ‬التصدعات‭ ‬وجمع‭ ‬شتات‭ ‬الكتّاب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬مرتبط‭ ‬أيضًا‭ ‬بإرادة‭ ‬الكتّاب‭ ‬المنخرطين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬دون‭ ‬محاباة‭ ‬ولا‭ ‬مجاملات،‭ ‬ولا‭ ‬لهث‭ ‬وراء‭ ‬المشاركات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المشاركات‭ ‬لدعم‭ ‬السير‭ ‬الذاتية‭ ‬أو‭ ‬السفريات‭ ‬المجانية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإنه‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬انتظار‭ ‬التغيير‭ ‬الإيجابي،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬توقّع‭ ‬المكوث‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتقدّم‭ ‬بعمل‭ ‬الاتحاد‭.‬

حوار‭: ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد

الروائي‭ ‬علي‭ ‬الخميلي‭ ‬لـ"الصباح"‬‭:‬ الرواية‭ ‬التونسية‭ ‬فرضت‭ ‬حضورها‭ ‬المتوهج‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي

جمع‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬بين‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والسرد‭ ‬الروائي،‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬متنفسًا‭ ‬للغوص‭ ‬في‭ ‬هواجس‭ ‬ومشاغل‭ ‬الواقع‭ ‬التونسي‭ ‬بكل‭ ‬إرهاصاته‭ ‬وتناقضاته‭ ‬وأحلامه‭ ‬وطموحاته‭ ‬وانكساراته‭. ‬وجد‭ ‬علي‭ ‬الخميلي‭ ‬في‭ ‬موطنه‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬،‭ ‬قلعة‭ ‬الفسفاط‭ ‬الشامخة،‭ ‬القادح‭ ‬الأول‭ ‬لكتابة‭ ‬إبداعية‭ ‬سردية،‭ ‬سلسلة‭ ‬في‭ ‬لغتها،‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬ومقاصدها‭ ‬الإنسانية‭... ‬كتابة‭ ‬إبداعية‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬علي‭ ‬الخميلي‭ ‬أحد‭ ‬أساطين‭ ‬التأريخ‭ ‬للحوض‭ ‬المنجمي،‭ ‬وما‭ ‬عرفه‭ ‬وعاشه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬ووقائع‭ ‬وتحديات،‭ ‬مستحضرًا‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬وموقف‭ ‬وحدث،‭ ‬ومعه‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭:‬

‭* ‬أي‭ ‬جديد‭ ‬إبداعي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكشفه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء؟

‭- ‬جديدي‭ ‬الإبداعي،‭ ‬وبعد‭ ‬إصدار‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ألم‭ ‬على‭ ‬شفاه‭ ‬تبتسم‮»‬،‭ ‬أنتظر‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الصائفة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬قبلها‭ ‬بقليل‭ ‬صدور‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬الطرابلسية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬كما‭ ‬أنتظر‭ ‬صدور‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جنون‭ ‬الأقنعة‮»‬‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الثقافية‭ ‬للنشر‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬رفوف‭ ‬مكتبتي‭ ‬مثقلة‭ ‬بعديد‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬النشر،‭ ‬على‭ ‬غرار‭: ‬‮«‬صراع‭ ‬الصمت‮»‬،‭ ‬و‮»‬الثلج‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬و»هذيان‭ ‬في‭ ‬البرلمان‮»‬،‭ ‬و«مملكة‭ ‬الشتائم‭ ‬والغنائم‮»‬،‭ ‬و»أرى‭ ‬الفخاخ‭ ‬تبتسم‮»‬،‭ ‬و»وجع‭ ‬الزمن‮»‬،‭ ‬و»قصور‭ ‬الأفاعي‮»‬‭ ‬وغيرها‭.‬

فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المجموعات‭ ‬القصصية‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬من‭ ‬ثقب‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‮»‬،‭ ‬و»للبؤساء‭ ‬والكادحين‮»‬،‭ ‬و»عبر‭ ‬مقاهي‭ ‬المدينة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬سينشر‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬عربية‭.‬

‭* ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬أولوياتك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬تصوغه؟

‭- ‬ككل‭ ‬كاتب‭ ‬تأرجح‭ ‬لسنوات‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬إبداعي،‭ ‬شعرًا‭ ‬وقصة‭ ‬ورواية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬النمط‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يناسبه‭ ‬ويتناغم‭ ‬مع‭ ‬مبادئه‭ ‬وأفكاره‭ ‬ومخزونه‭ ‬الفكري،‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬وخلفياته‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬اخترت‭ ‬نمط‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬أعتبرها‭ ‬من‭ ‬أولوياتي،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬للرواية‭ - ‬كفن‭ ‬أدبي‭ ‬نثري‭ ‬طويل‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬أساسه‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬المتوهج‭ ‬بالخيال‭ - ‬من‭ ‬وصف‭ ‬لأحداث‭ ‬وتجارب‭ ‬إنسانية‭ ‬فردية‭ ‬وجماعية‭ ‬متسمة‭ ‬بالتشويق‭ ‬والإثارة،‭ ‬تعكسه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬الرواية‭.‬

وربما‭ ‬لهذا،‭ ‬ولغيره،‭ ‬اخترت‭ ‬الرواية‭ ‬وتمسكت‭ ‬بها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنكر‭ ‬أن‭ ‬المسيرة‭ ‬الصحفية‭ ‬ساعدتني‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬والواقع‭ ‬المعيش‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق،‭ ‬لأكون‭ ‬روائيًا‭ ‬منتهجًا‭ ‬للمنحى‭ ‬الواقعي‭.‬

‭* ‬ماذا‭ ‬قدمت‭ ‬لك‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬‭ ‬ككاتب؟

‭- ‬موطني‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬‭ ‬هو،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬منجم‭ ‬فسفاط‭ ‬يجمع‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكادحين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬جهات‭ ‬البلاد‭ ‬وخارجها،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفكرية،‭ ‬ما‭ ‬أهله‭ ‬ليكون‭ ‬قلعة‭ ‬عمالية‭ ‬كبرى‭ ‬متوهجة‭ ‬بالنضال‭ ‬السياسي‭ ‬والنقابي،‭ ‬فهو‭ ‬موطن‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬والإبداع‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

ومنه‭ ‬تدفق‭ ‬الأدباء‭ ‬المبدعون‭: ‬أحمد‭ ‬المختار‭ ‬الهادي،‭ ‬محمد‭ ‬عمار‭ ‬شعابنية،‭ ‬محمد‭ ‬الطاهر‭ ‬سودة‭ (‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراهم‭)‬،‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الخالدي،‭ ‬سالم‭ ‬الشعباني،‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬الجوادي،‭ ‬الدكتور‭ ‬سمير‭ ‬السحيمي،‭ ‬الدكتور‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬رمضان،‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬المنصوري،‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الحبيب‭ ‬مبروكي،‭ ‬شكري‭ ‬مسعي،‭ ‬المولدي‭ ‬الشعباني،‭ ‬يسير‭ ‬السحيمي،‭ ‬سميرة‭ ‬السحيمي،‭ ‬محمد‭ ‬الصغير‭ ‬القاسمي،‭ ‬محمد‭ ‬العائش‭ ‬القوتي،‭ ‬جمال‭ ‬الخليفي،‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬أكدوا‭ ‬جدارتهم‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الأدبي‭ ‬الوطني‭ ‬والعربي‭.‬

ولو‭ ‬ذكرتهم‭ ‬كلهم‭ ‬لتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬صفحات‭ ‬عديدة‭. ‬وبالمناسبة،‭ ‬فإنهم‭ ‬كلهم‭ ‬طيبون،‭ ‬ومثل‭ ‬الزهور‭ ‬وأنواع‭ ‬العطور،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬روائحها‭.‬

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بالمبدعين‭ ‬بفضل‭ ‬واقعها‭ ‬المنجمي‭ ‬المتنوع‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬والمتسم‭ ‬بالخضخضات‭ ‬والانتفاضات‭ ‬والنضالات‭ ‬والعلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والثقافات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والعادات،‭ ‬المحلية‭ ‬منها‭ ‬والوافدة،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬تأثيراتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬والعميقة‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والوجدان‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تنفس‭ ‬هواءها،‭ ‬وخاصة‭ ‬لمرهفي‭ ‬المشاعر‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬اكتووا‭ ‬بنار‭ ‬الوهج‭ ‬الإبداعي‭ ‬وتورطوا‭ ‬بحبها‭ ‬وتفاعلوا‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭.‬

وعشقوا‭ ‬الوطن‭ ‬وتناغموا‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬أينما‭ ‬كان،‭ ‬وذلك‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬وفسيفساء‭ ‬التنوع،‭ ‬وأيضًا‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬الفريدة‭ ‬العملاقة‭ ‬وهي‭ ‬شركة‭ ‬الفسفاط،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬انعكاساتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الواجهات،‭ ‬الإيجابية‭ ‬منها‭ ‬والسلبية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اشتغل‭ ‬فيها‭ ‬والدي‭ ‬عاملاً‭ ‬منجميًا،‭ ‬حوالي‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬أفرز‭ ‬ما‭ ‬يجذر‭ ‬التأثر‭ ‬العميق‭ ‬بالموطن،‭ ‬الذي‭ ‬منحني‭ ‬الثبات‭ ‬في‭ ‬المواقف،‭ ‬والالتزام‭ ‬بقضايا‭ ‬البؤساء‭ ‬والكادحين،‭ ‬والشموخ،‭ ‬والوقوف‭ ‬عند‭ ‬الشدائد،‭ ‬والعمق‭ ‬في‭ ‬التجربة،‭ ‬وحسن‭ ‬التناغم‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬وتقبل‭ ‬مختلف‭ ‬الآراء،‭ ‬وعشق‭ ‬الوطن‭.‬

وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬المتلوي‮»‬‭ ‬قدمت‭ ‬لي‭ ‬الحياة‭ ‬بمعناها‭ ‬الحقيقي‭.‬

‭* ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬المشهد‭ ‬الروائي‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم؟

‭- ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬يتطلب‭ ‬المجلدات‭ ‬لإبراز‭ ‬كل‭ ‬الحقائق،‭ ‬فإنني‭ ‬أختزل‭ ‬القول‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الروائي‭ ‬التونسي‭ ‬عرف‭ ‬تطورًا‭ ‬لافتًا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكم‭ ‬والنوعية،‭ ‬وفرض‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الروائيين‭ ‬التونسيين،‭ ‬وعن‭ ‬جدارة‭ ‬وبكل‭ ‬تألق،‭ ‬حضوره‭ ‬العربي،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬خصوصيات‭ ‬سردية‭ ‬وفنية‭ ‬وجمالية‭ ‬ومضامين‭ ‬إنسانية‭ ‬عميقة‭ ‬وجدية‭ ‬أدركت‭ ‬العالمية‭ ‬ونالت‭ ‬الجوائز‭ ‬الكبرى،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬تجاوزهم‭ ‬للأشكال‭ ‬السائدة‭ ‬ونبذ‭ ‬أكثرهم‭ ‬للقواعد‭ ‬والسنن‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭.‬

‭* ‬لو‭ ‬نغير‭ ‬السؤال‭ ‬وأقول‭ ‬لك‭: ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬دور‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي؟

‭- ‬الرواية‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬حديثة‭ ‬العهد‭ ‬قياسًا‭ ‬مع‭ ‬عراقتها‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬وأوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يمرّ‭ ‬على‭ ‬ظهورها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭ ‬تقريبًا‭ ‬فقط،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬تونسية‭ ‬القلب‭ ‬والقالب،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬ترجمة‭ ‬ولا‭ ‬اقتباس،‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الهيفاء‭ ‬وسراج‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬لصاحبها‭ ‬الأديب‭ ‬صالح‭ ‬السويسي‭ ‬القيرواني،‭ ‬والتي‭ ‬رأت‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الأولى‭ ‬لبداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬سنة‭ (‬1906‭). ‬يمكن‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬في‭ ‬النوعية‭ ‬والكمية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية‭ - ‬منذ‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ - ‬تطورًا‭ ‬لافتًا،‭ ‬قبل‭ ‬بعث‭ ‬بيت‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬التجربة‭ ‬وصب‭ ‬الدماء‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الأدبي،‭ ‬وهو‭ ‬بالمناسبة‭ ‬أول‭ ‬بيت‭ ‬للرواية‭ ‬يرى‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يلاحظ‭ ‬المتابع‭ ‬للمشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬انتعاشة‭ ‬وطفرة‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬والكيف‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬وارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الساحة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعيش‭ ‬زمن‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬السرد،‭ ‬ولذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬الرواية‭ ‬التونسية،‭ ‬كفن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الذات‭ ‬والمجتمع‭ ‬والكون‭ ‬وكجنس‭ ‬متفرد‭ ‬بذاته‭ ‬وكمدونة‭ ‬للحياة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬نسقها‭ ‬خلال‭ ‬السّنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬أفرز‭ ‬بروز‭ ‬الروائي‭ ‬إبراهيم‭ ‬الدرغوثي‭ ‬الذي‭ ‬مارس‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬التحديثية‭ ‬ونال‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية‭ ‬وترجمت‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬عدة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إجماع‭ ‬النقاد‭ ‬حول‭ ‬نجاح‭ ‬تجربته،‭ ‬ومثله‭ ‬شكري‭ ‬المبخوت‭ ‬ومحمد‭ ‬الحبيب‭ ‬السالمي‭ ‬وحسونة‭ ‬المصباحي‭ ‬ومحمد‭ ‬عيسى‭ ‬المؤدب‭ ‬وماهر‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬ومسعودة‭ ‬بوبكر‭ ‬وكذلك‭ ‬عباس‭ ‬سليمان‭ ‬الذي‭ ‬تتسم‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬بالميل‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬قضايا‭ ‬العولمة‭ ‬وانعكاسها‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬وكذلك‭ ‬مصطفى‭ ‬الكيلاني‭ ‬وحافظ‭ ‬محفوظ‭ ‬وعبد‭ ‬الجبار‭ ‬العش‭ ‬وفضيلة‭ ‬الشابي‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬اليوسفي‭ ‬وعروسية‭ ‬النالوتي‭ ‬وجلول‭ ‬عزونة‭ ‬ومحمد‭ ‬آيت‭ ‬ميهوب‭ ‬وفاطمة‭ ‬الشريف‭ ‬وكمال‭ ‬الزعباني‭ ‬وكمال‭ ‬الرياحي‭ ‬والشاذلي‭ ‬القرواشي‭ ‬والأسعد‭ ‬بن‭ ‬حسين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬بأن‭ ‬الرواية‭ ‬طبيعة‭ ‬فنية‭ ‬تفسح‭ ‬المجال‭ ‬للطّرح‭ ‬بآليات‭ ‬تنهل‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الفنون،‭ ‬وأدركوا‭ ‬أن‭ ‬الإنتاج‭ ‬الروائي‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬طفرة،‭ ‬فإن‭ ‬الظاهرة‭ ‬تعتبر‭ ‬صحية‭ ‬وتتيح‭ ‬عملية‭ ‬الغربلة‭ ‬بين‭ ‬الغثّ‭ ‬والسّمين،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬برزت‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬سابقة‭ ‬بروايات‭ ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ ‬وبشير‭ ‬خريف‭ ‬ومحمد‭ ‬العروسي‭ ‬المطوي‭ ‬ومحمد‭ ‬الصالح‭ ‬الجابري‭ ‬ومحمد‭ ‬رشاد‭ ‬الحمزاوي‭ ‬ومصطفى‭ ‬الفارسي‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬بلحاج‭ ‬نصر‭ ‬ويحيى‭ ‬محمد‭ ‬ومحمد‭ ‬المختار‭ ‬جنات‭ ‬وعمر‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬وعز‭ ‬الدين‭ ‬المدني‭ ‬وسمير‭ ‬العيادي‭ ‬ومحمود‭ ‬التونسي‭ ‬ورضوان‭ ‬الكوني‭ ‬وأحمد‭ ‬ممّو‭ ‬وغيرهم‭.‬

‭*‬أصدرت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬قنديل‭ ‬الثنايا‮»‬‭ ‬و«عفراء‭ ‬تغسل‭ ‬السماء‮»‬‭ ‬و»ألم‭ ‬على‭ ‬شفاه‭ ‬تبتسم‮»‬،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬القضايا‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لمعالجتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال؟

‭- ‬ككل‭ ‬كاتب،‭ ‬أو‭ ‬ممارس‭ ‬لأي‭ ‬نمط‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬وملتصق‭ ‬بواقعه،‭ ‬ففي‭ ‬كتاباتي‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ ‬الصادقة‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬هي‭ ‬انحياز‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬والتمرد‭ ‬عليه،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬بما‭ ‬يحملانه‭ ‬من‭ ‬مظالم‭ ‬وصراعات‭ ‬وحروب‭ ‬ومآس،‭ ‬والإدراك‭ ‬أيضًا‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬الكاتب‭ ‬يقترف‭ ‬فعل‭ ‬الكتابة‭ ‬ليكون‭ ‬محرضًا‭ ‬بقلبه‭ ‬وعقله‭ ‬وقلمه‭ ‬على‭ ‬التمسك‭ ‬بهذا‭ ‬الانحياز‭ ‬للمنحى‭ ‬الواقعي‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬القضايا‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬أسعى‭ ‬لمعالجتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬وغيرها،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالقيم‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭* ‬ماذا‭ ‬أضافت‭ ‬لك‭ ‬مسيرتك‭ ‬الإعلامية‭ ‬كروائي؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬بمفهومها‭ ‬العميق‭ ‬هي‭ ‬أدب‭ ‬يومي‭ ‬ينخرط‭ ‬فيه‭ ‬الكاتب‭ ‬بواقعه‭ ‬أشد‭ ‬ارتباطًا،‭ ‬ويلتصق‭ ‬فيه‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتنوعة‭ ‬والمختلفة،‭ ‬كما‭ ‬يتأثر‭ ‬بإرهاصات‭ ‬مظالم‭ ‬الواقع‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬المسيرة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬توزعت‭ ‬بين‭ ‬المراسل‭ ‬الجهوي‭ ‬والمحرر‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬واختصاص،‭ ‬ورئيس‭ ‬التحرير،‭ ‬تقدم‭ ‬الكثير‭ ‬للكاتب،‭ ‬وتدفعه‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقالًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬وأعمق،‭ ‬وهو‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭ ‬وما‭ ‬يتضمنه‭ ‬من‭ ‬سرد،‭ ‬وما‭ ‬يعطره‭ ‬من‭ ‬موروث‭ ‬إنساني‭ ‬وحضاري،‭ ‬يجعل‭ ‬الرواية‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬التأريخ‭ ‬للواقع‭ ‬المعيش‭ ‬وذلك‭ ‬بأسلوب‭ ‬آخر‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الصحفي‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬كبار‭ ‬الصحافيين‭ ‬العرب‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬الإبداع‭ ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الدهر‭ ‬وعالق‭ ‬بالأذهان‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الأدبية‭ ‬جمعاء،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬الصحافة‭ ‬بالأدب‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تفاعل‭ ‬إيجابي،‭ ‬أخذ‭ ‬وعطاء،‭ ‬وكلنا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والروائيين‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬علاقة‭ ‬بالسلطة‭ ‬الرابعة،‭ ‬ومن‭ ‬أشهرهم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬مثلًا‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬السور‮»‬،‭ ‬من‭ ‬علي‭ ‬الدوعاجي‭ ‬والبشير‭ ‬خريف‭ ‬ومحمود‭ ‬المسعدي‭ ‬والهادي‭ ‬العبيدي‭ ‬إلى‭ ‬غيرهم،‭ ‬ومن‭ ‬العرب‭ ‬أيضًا‭ ‬نجد‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وإحسان‭ ‬عبد‭ ‬القدوس‭ ‬وجرجي‭ ‬زيدان‭ ‬وأمين‭ ‬معلوف‭ ‬وأحمد‭ ‬حسن‭ ‬الزيات‭ ‬وإبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬المازني‭ ‬وعباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭ ‬وعبد‭ ‬الكريم‭ ‬الغلاب‭ ‬ويوسف‭ ‬السباعي‭ ‬وغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬ومحمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل‭ ‬وغيرهم‭ ‬أيضًا،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الهجرة‮»‬‭ ‬الشهير‭ ‬غارسيا‭ ‬ماركيز‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬علمتني‭ ‬الصحافة‭ ‬إضفاء‭ ‬الأصالة‭ ‬والصحة‭ ‬على‭ ‬قصصي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬تضيف‭ ‬للمبدع‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬متابعته‭ ‬الدقيقة‭ ‬والقريبة‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬وارتباطه‭ ‬بالشعب‭ ‬وتعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬التجربة‭ ‬الصحفية‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬وتؤثر‭ ‬فيه‭ ‬إيجابًا،‭ ‬وهو‭ ‬تكامل‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬مجد‭ ‬وفاعل‭.‬

‭* ‬كيف‭ ‬هي‭ ‬علاقتك‭ ‬اليوم‭ ‬باتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين؟

‭- ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أتأهب‭ ‬فيها‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب،‭ ‬أتراجع‭ ‬بسبب‭ ‬موقف‭ ‬ما‭ ‬يتخذه‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وأرى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬مبادئي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬التكتلات‭ ‬التي‭ ‬تشتت‭ ‬الكتاب‭ ‬ولا‭ ‬تجمعهم،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنني‭ ‬أراها‭ ‬لم‭ ‬تتخلص‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الضيقة‭ ‬والصراعات‭ ‬المجانية‭ ‬بين‭ ‬الأكاديميين‭ ‬وغيرهم‭ ‬والمحاصصات‭ ‬والمحاباة،‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالإبداع‭ ‬ولا‭ ‬بالمبدعين‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬ولا‭ ‬يضيف‭ ‬للمبدع،‭ ‬كاتبًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬شاعرًا‭ ‬أو‭ ‬باحثًا،‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬لتطوير‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي‭ ‬والعناية‭ ‬بالمبدعين‭ ‬الذين‭ ‬تتعثر‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الأخرى،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬فتور‭ ‬مواقفه‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بعلاقاته‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬ومنها‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬الإجراء‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬دون‭ ‬استشارته،‭ ‬وغيابه‭ ‬شبه‭ ‬الكلي‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬ويوم‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬الكتاب‭ ‬أحسن‭ ‬تمثيل،‭ ‬لا‭ ‬نتردد‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬والمساهمة‭ ‬بدفعه‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬وباتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين‭ ‬نفسه‭ ‬كمنظمة‭ ‬عريقة‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اسمًا‭ ‬على‭ ‬مسمى‭.‬

‭* ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬انخراطك،‭ ‬أيّ‭ ‬انتظارات‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬المؤتمر‭ ‬القادم‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتّاب‭ ‬التونسيين؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مرتبط‭ ‬بالشرعية‭ ‬وبشفافية‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وإرادة‭ ‬المكتب‭ ‬التنفيذي‭ ‬الحالي‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري‭ ‬والعميق‭ ‬لتجاوز‭ ‬التصدعات‭ ‬وجمع‭ ‬شتات‭ ‬الكتّاب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬مرتبط‭ ‬أيضًا‭ ‬بإرادة‭ ‬الكتّاب‭ ‬المنخرطين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬دون‭ ‬محاباة‭ ‬ولا‭ ‬مجاملات،‭ ‬ولا‭ ‬لهث‭ ‬وراء‭ ‬المشاركات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المشاركات‭ ‬لدعم‭ ‬السير‭ ‬الذاتية‭ ‬أو‭ ‬السفريات‭ ‬المجانية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإنه‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬انتظار‭ ‬التغيير‭ ‬الإيجابي،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬توقّع‭ ‬المكوث‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتقدّم‭ ‬بعمل‭ ‬الاتحاد‭.‬

حوار‭: ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد