-1650 شخصا ينتظرون إيجاد متبرعين.. 11 قلبا.. 7 زراعة كبد و34 كلية
-كل حالة موت دماغي قادرة على إحياء 5 أو 6 مرضى
مازال التبرع بالأعضاء وزرعها في بلادنا يشغل الجهات والأفراد المعنيين بهذه العملية، على اعتبار أنها ثقافة في حاجة إلى مزيد الانتشار والتوسع لأهميتها وجدواها في منح فرصة ثانية للحياة لمن يحتاجها. ورغم أن العمليات الجراحية الناجحة لزرع الأعضاء، التي تقوم بها الفرق الطبية في مستشفياتنا العمومية، تجد قبولا وتثمينا لدى التونسيين والتونسيات وتمثل مصدر فخر للصحة العمومية في كل مرة، فإن هذه المقبولية لا تنعكس بالمرة في مستوى انخراط المواطنين طوعا، في مسار التبرع وزرع الأعضاء، الذي يبقى ضعيفا ودون المطلوب، وفق تأكيد أهل الاختصاص. في المقابل يتزايد سنويا العدد في قائمات انتظار «التبرع بحياة» والظفر بفرصة ثانية للعيش والنجاة.
ويعتبر زرع الأعضاء خيارا علاجيا ذا ضوابط طبية وقانونية وأخلاقية، ويتطلب تكاثف مجهودات جهات متعددة الاختصاصات تشرف على عملية جراحية يتم خلالها استبدال عضو مريض بآخر سليم. ويمكن أن نحصل على الأعضاء البديلة من متبرع حي له صلة قرابة بالمريض المنتفع أو من متبرع في حالة موت دماغي.
الزرع والتبرع في التشريع التونسي
وفي تونس ينظم القانون عدد 22 لسنة 1991 عملية أخذ الأعضاء وزرعها. وينصص على العطاء دون مقابل والشفافية والعدالة في إسناد الأعضاء كما يمنع أخذ الأعضاء الناقلة للصفات الوراثية. ويؤكد القانون في حالة المتبرع الحي على ألا تكون هناك موانع طبية وأن يكون راشدا وسليم المدارك العقلية ومتمتعا بالأهلية القانونية الكاملة وأن يكون رضاه صريحا صادرا عن اختيار معلن أمام رئيس المحكمة الابتدائية، وتبقى للمتبرع الحرية في التراجع قبل عملية الأخذ، دون أي إجراءات، ويمنع منعا باتا أخذ عضو ضروري للحياة.
أما في حالة المتبرع الميت دماغيا، فتقول الفصول عدد 3 و10 و12 من نفس القانون إنه يجب التأكد من عدم ممانعة المتبرع في قائم حياته وعدم ممانعة عائلة المتبرع المتوفي بعد إثبات حالة الموت الدماغي.
هذا وقد أعطى قانون 1 مارس 1999 فرصة إقرار رغبة أي مواطن في العطاء عبر التنصيص على صفة «متبرع» في بطاقة التعريف الوطنية.
ويضبط قرار وزير الصحة المؤرخ في 28 جويلية 2004، مهام مختلف الأشخاص الفاعلين في مجال عمليات أخذ وزرع الأعضاء البشرية ومسارات العمليات الجراحية المنجزة في ذلك الإطار.
نسق ضعيف للتبرع
وفي تصريحها لـ«الصباح» أشارت المنسقة الوطنية والمسؤولة على التحسين بالمركز الوطني لزرع الأعضاء بثينة زنّاد، إلى أن من مهام المركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء حث المواطنين على التبرع بالأعضاء عن طريق حملات التحسيس والتكوين للإطارات الطبية وشبه الطبية العاملة في هذا الإطار، فضلا على تشريك وسائل الإعلام لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء في تونس.
واعتبرت الدكتورة زنّاد، أن ثقافة التبرع بالأعضاء مازالت منقوصة للغاية لدى التونسي، وأضافت قائلة: «ثقافة التبرع بالأعضاء لا تزال في أوساط محدودة وغير منتشرة بالقدر المطلوب رغم تحسنها النسبي المسجل، فبالنظر للدول المجاورة نحن الوحيدون الذين نسمح قانونا بأخذ أعضاء من المتوفي دماغيا، في حين أن دولا على غرار الجزائر ومصر تقتصر على المتبرع الحي فقط. وهو ما يعكس ويدل على أن ثقافة التبرع بالأعضاء بدأت تتحسن في تونس».
وتكشف زنّاد على سبيل المثال أن 19 عائلة قامت خلال السنة الماضية 2024، بالسماح لمركز النهوض بزرع الأعضاء بأخذ أعضاء من أبناء لهم متوفين دماغيا. وهو ما مكن المركز من القيام بـ52 عملية زراعة أعضاء، توزعت بين 11 قلبا و7 زراعة كبد و34 كلية.. ورغم أهمية ما تم انجازه فإنه يظل ضئيلا مقارنة بقائمة المرضى الذين مازالوا في انتظار متبرع في تونس. ومقارنة بالدول المتقدمة مازلت ثقافة التبرع ضعيفة في صفوف التونسيين والتونسيات. وكثيرة هي العائلات التي ترفض السماح بأخذ الأعضاء.
وفي سياق متصل تضيف المسؤولة على التحسين بالمركز الوطني لزرع الأعضاء: «يعود الرفض المسجل في صفوف العائلة، التي يتفهم جزء كبير منها أهمية التبرع والسماح بأخذ عضو من أعضاء أحد أفرادها المتوفي دماغيا، لمنح الحياة لشخص أو أشخاص آخرين، في الكثير من الحالات ينبني الرفض على أنهم لا يعلمون هل المتوفي دماغيا له الرغبة في التبرع بأعضائه أم لا».
وبالنسبة لعمليات زراعة الأعضاء المسجلة بشكل سنوي، أفادت الدكتورة بثينة زنّاد، انه وفضلا عن عدد العمليات التي يتم إجراؤها على خلفية تبرع متوف دماغيا، والتي تتراوح بين الـ12 و15 حالة سنويا، هناك حالات تتعلق بالمتبرعين وهم على قيد الحياة وهي مسألة تشمل الكلى وجزءا من الكبد وليس جميع المرضى قادرين على أن يكون لهم متبرع حي، فهو أمر تشترط فيه صلة القرابة وسلامة المتبرع وعدم حمله أي أمراض وراثية أو مزمنة من شأنها أن تتسبب في تعكر حالته الصحية بعد التبرع، في حين لا يمكن الحصول على القلب أو القرنية أو غيرها من الأعضاء.
وبينت أن 80 % من عمليات زرع الكلى تتم بين الأقارب، لكن يبقى عددا محدودا، موضحة أن قائمة الانتظار طويلة للغاية وهناك 1650 شخصا ينتظرون دورهم في إيجاد متبرع. وتطول فترة الانتظار لسنوات في كثير من الأحيان، يواصل خلالها المريض القيام بالية العلاج الموازية للقصور الكلوي وهي التصفية، بما تحمله هذه الآلية العلاجية من مشاكل وتعب لمريض.
وأضافت: «أما بالنسبة للقلب مثلا والكبد فلا وجود لأي وسيلة علاجية بديلة عن الزرع، ولذلك لا نجد قائمة انتظار طويلة فعلى الأقصى سنة أو أكثر بقليل ويتوفى المريض، وسنويا تقريبا نسجل بين 60 و70 مريضا يحتاجون لزراعة قلب. وفي تونس سجلنا أعلى عدد لعمليات زرع القلب السنة الماضية أين قمنا بزراعة 12 قلبا. ونفس الأمر بالنسبة لزراعة الكبد سنويا نفقد غالبية المرضى المصابين أمام غياب المتبرعين».
وكشفت الدكتورة بثينة زنّاد، أنه على المستوى الوطني هناك ما معدله 60 ألف مواطن تونسي تقريبا يتوفون سنويا، منهم 600 فقط يمرون بحالات الموت الدماغي لا غير.
وأوضحت محدثتنا في نفس السياق أن الموت الدماغي أمر غير منتشر، فيتمثل في وفاة شخص في قسم إنعاش، وتحت التنفس الاصطناعي ويواصل قلبه النبض وأداء دوره بمفعول الأدوية وبمجرد سحب آلات التنفس وإيقاف مده بالأدوية يتوقف قلبه على النبض ويموت، وتصبح أعضاؤه غير قابلة للزرع دون أن يتمكن أي من المرضى في قائمات الانتظار من الاستفادة من أحد أعضائه.
وبينت المنسقة الوطنية والمسؤولة على حملات التحسيس بالمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، أن فرضية الاستفادة من حالات موافقة العائلات تشمل نصف الذين يتوفون دماغيا فقط وهو 300 شخص وإذا حذفنا منهم من يحمل إصابات أو إشكاليات وراثية يكون هناك 150 متبرعا فقط في حالة الموت الدماغي، في وقت أن عدد المرضى الذين سيستفيدون من إمكانيات الزرع ستكون جيدة للغاية فحالة الموت الدماغي يمكن لها ان تعطي الحياة وتساهم في إنقاذ 5 أو 6 أشخاص. وبعملية حسابية يمكن القول إننا إذا بلغنا هذا الرقم من المتبرعين من حالات الموت الدماغي فإنه لن يكون لدينا قائمة انتظار بعد الآن، مثلما يسجل في دول مثل اسبانيا وفرنسا التي لا تشهد قائمات انتظار طويلة وبالنسبة لهم كل من توفي في قسم الإنعاش فهو متبرع مفترض.
وتضع وزارة الصحة شروطا قانونية لوضع المتبرع في حالات الموت الدماغي، وهو أن يكون في قسم إنعاش بمستشفى عمومي له ترخيص.
«متبرع» في بطاقة التعريف الوطنية
وكشفت الدكتورة بثينة زنّاد أن تونس الوحيدة التي لها نص تشريعي يسمح بالتنصيص على صفة «متبرع» في بطاقة التعريف الوطنية، فمثلا في فرنسا هناك نص قانوني في بطاقة متبرع لكن اليوم هم بصدد التراجع عنها. ونحن في تونس المشرع أعطى الفرصة والحق للمواطن في حياته ليقرر أن يكون متبرعا في حالة موته دماغيا أم لا، وبالتالي يعطي إجابة أيضا لعائلته عن رغبته من عدمها.
وأوضحت أيضا أن عدد الذين ينصصون على صفة المتبرع في تونس تبقى بسيطة وضعيفة حيث بلغ العدد 16 ألف مواطن تونسي فقط حسب آخر تحيين للمركز لسنة 2024.
وفي هذا الإطار ينظم المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء حملات تحسيسية بالمعاهد والكليات العمومية والخاصة، بالمشاركة مع الشرطة الفنية أين يتم تمكين الطلبة في اخر هذه الحملات من فرصة وحق التنصيص على صفة المتبرع في بطاقات التعريف الوطنية.
حياة جديدة
والنجاحات والانجازات الطبية التي تقوم بها الفرق الطبية في حالات زرع الأعضاء، هي انجازات مرتبطة أساسا بتواجد المتبرعين وقبول العائلات. وأشارت الدكتورة زناد «أننا في تونس ومنذ 1986 بدأت عمليات اخذ الأعضاء من المتبرع الحي أو المتبرع الميت دماغيا ويتم زرعها لدى المرضى وسجلنا على امتداد هذه السنوات نجاحات كبرى، فلا ينقصنا لا الكفاءات ولا التجهيزات الطبية».
وقالت: «انطلقت الإطارات الطبية في عمليات زرع الكلى منذ 1986 في حين بدأ زرع القلب في سنة 1993 وبدأت زراعة الكبد في 1998 واليوم أصبحت هذه العمليات عادية، فيوميا يمكن القيام بها في مستشفياتنا العمومية. والانجاز الأكبر بالنسبة لي هو انخراط العائلات والمواطن التونسي في هذا المسار.. فنحن نواجه في رفض من العائلات بنسبة 50 % (كانت في حدود الـ80 % سابقا)».
وأضافت في نفس السياق انه سنويا يتم إخراج بين 30 و35 مريضا يحتاجون إلى عملية زرع كلى من قائمة الانتظار (كل متوف دماغيا ينقذ مريضين بحالات القصور الكلوي) في المقابل يضاف سنويا ضعفهم تقريبا اي نحو 60 مريضا جديدا بالقصور الكلوي. هذا دون احتساب عمليات الزرع من المتبرع الحي التي في اغلبها لا يتم التنصيص عليها في قائمات الانتظار الرسمية التي تصل الى نحو 80 عملية زرع في السنة تقريبا. اما في خصوص قائمة مرضى الكبد والقلب يكون التدخل فيها اقل (متبرع ميت دماغيا) بنحو 10 أو 12 تدخل سنويا. وتسجل قائمة الانتظار بالنسبة لزراعة القرنية 1800 شخص تقريبا، لا تتجاوز 80 عملية زرع قرنية في السنة من متبرع في حالة وفاة دماغية.
وأوضحت في نفس السياق زنّاد، انه في عديد الحالات تتم زراعة الأعضاء في مرحلة متقدمة من المرض، وهو ما يؤثر على فترة الحياة أو أمل الحياة الذي سيتمتع به المريض بعد إجرائه للعملية. وبالنسبة لأول شخص قام بزراعة قلب في تونس ومازال على قيد الحياة فقد خضع لعملية زرع سنة 2003 والشخص الذي مكنه من قلب بعد وفاته منذ 22 سنة مازال قلبه ينبض الى غاية اليوم. وتتباين مدة حياة العضو المزروع بحالة المريض ومدى تعكرها، ومستوى حفاظه لاحقا على أسلوب حياة واكل صحي ومواظبته على تناول دواء إنقاص المناعة الذي يحافظ به على سلامة العضو المزروع وزياراته للطبيب عند شعوره بأي تعكر صحي.
وأكدت الدكتورة بثينة زنّاد على أن سن المتبرع وإصابته بمرض لا تمنعه من أن يكون متبرعا فيمكن لمسن في الـ60 او اكثر ان يتبرع بالقلب او بالكلى او الكبد لسلامة ذلك العضو. في نفس الوقت أشارت إلى أن الفرق الطبية المشرفة على عمليات الزرع هي التي تقوم بالمطابقة بين المتبرع والمريض المتلقي على أساس السن فمن غير المنطقي مثلا تمكين طفل من قلب كهل نظرا انه لا وجود تطابق في الحجم.
ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن عمليات التبرع بالمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء تشمل أيضا الأنسجة من الأشخاص الذين يجرون عمليات على مستوى الحوض ويتم تجميد ذلك العظم الاسفنجي ونفس الأمر بالنسبة للغشاء السلوي وبعد موافقة المرأة المعنية بحالة الولادة في مستشفى مصرح لها. ويشرف المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء على عملية تعقيمها وتحضيرها وفي حال تم طلب تلك الأنسجة من قبل أحد الأطباء سواء فيما يهم زراعة القرنية او جراحة العظام يتم مدهم بتلك الأنسجة، والتي تمكن المريض من اعتماد انسجة بشرية عوض مواد مصنعة. ويسهر المركز على شفافية إسناد الأعضاء والأنسجة للمرسمين بالسجل حسب المعايير التي يقرها المجلس العلمي.
ريم سوودي
-1650 شخصا ينتظرون إيجاد متبرعين.. 11 قلبا.. 7 زراعة كبد و34 كلية
-كل حالة موت دماغي قادرة على إحياء 5 أو 6 مرضى
مازال التبرع بالأعضاء وزرعها في بلادنا يشغل الجهات والأفراد المعنيين بهذه العملية، على اعتبار أنها ثقافة في حاجة إلى مزيد الانتشار والتوسع لأهميتها وجدواها في منح فرصة ثانية للحياة لمن يحتاجها. ورغم أن العمليات الجراحية الناجحة لزرع الأعضاء، التي تقوم بها الفرق الطبية في مستشفياتنا العمومية، تجد قبولا وتثمينا لدى التونسيين والتونسيات وتمثل مصدر فخر للصحة العمومية في كل مرة، فإن هذه المقبولية لا تنعكس بالمرة في مستوى انخراط المواطنين طوعا، في مسار التبرع وزرع الأعضاء، الذي يبقى ضعيفا ودون المطلوب، وفق تأكيد أهل الاختصاص. في المقابل يتزايد سنويا العدد في قائمات انتظار «التبرع بحياة» والظفر بفرصة ثانية للعيش والنجاة.
ويعتبر زرع الأعضاء خيارا علاجيا ذا ضوابط طبية وقانونية وأخلاقية، ويتطلب تكاثف مجهودات جهات متعددة الاختصاصات تشرف على عملية جراحية يتم خلالها استبدال عضو مريض بآخر سليم. ويمكن أن نحصل على الأعضاء البديلة من متبرع حي له صلة قرابة بالمريض المنتفع أو من متبرع في حالة موت دماغي.
الزرع والتبرع في التشريع التونسي
وفي تونس ينظم القانون عدد 22 لسنة 1991 عملية أخذ الأعضاء وزرعها. وينصص على العطاء دون مقابل والشفافية والعدالة في إسناد الأعضاء كما يمنع أخذ الأعضاء الناقلة للصفات الوراثية. ويؤكد القانون في حالة المتبرع الحي على ألا تكون هناك موانع طبية وأن يكون راشدا وسليم المدارك العقلية ومتمتعا بالأهلية القانونية الكاملة وأن يكون رضاه صريحا صادرا عن اختيار معلن أمام رئيس المحكمة الابتدائية، وتبقى للمتبرع الحرية في التراجع قبل عملية الأخذ، دون أي إجراءات، ويمنع منعا باتا أخذ عضو ضروري للحياة.
أما في حالة المتبرع الميت دماغيا، فتقول الفصول عدد 3 و10 و12 من نفس القانون إنه يجب التأكد من عدم ممانعة المتبرع في قائم حياته وعدم ممانعة عائلة المتبرع المتوفي بعد إثبات حالة الموت الدماغي.
هذا وقد أعطى قانون 1 مارس 1999 فرصة إقرار رغبة أي مواطن في العطاء عبر التنصيص على صفة «متبرع» في بطاقة التعريف الوطنية.
ويضبط قرار وزير الصحة المؤرخ في 28 جويلية 2004، مهام مختلف الأشخاص الفاعلين في مجال عمليات أخذ وزرع الأعضاء البشرية ومسارات العمليات الجراحية المنجزة في ذلك الإطار.
نسق ضعيف للتبرع
وفي تصريحها لـ«الصباح» أشارت المنسقة الوطنية والمسؤولة على التحسين بالمركز الوطني لزرع الأعضاء بثينة زنّاد، إلى أن من مهام المركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء حث المواطنين على التبرع بالأعضاء عن طريق حملات التحسيس والتكوين للإطارات الطبية وشبه الطبية العاملة في هذا الإطار، فضلا على تشريك وسائل الإعلام لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء في تونس.
واعتبرت الدكتورة زنّاد، أن ثقافة التبرع بالأعضاء مازالت منقوصة للغاية لدى التونسي، وأضافت قائلة: «ثقافة التبرع بالأعضاء لا تزال في أوساط محدودة وغير منتشرة بالقدر المطلوب رغم تحسنها النسبي المسجل، فبالنظر للدول المجاورة نحن الوحيدون الذين نسمح قانونا بأخذ أعضاء من المتوفي دماغيا، في حين أن دولا على غرار الجزائر ومصر تقتصر على المتبرع الحي فقط. وهو ما يعكس ويدل على أن ثقافة التبرع بالأعضاء بدأت تتحسن في تونس».
وتكشف زنّاد على سبيل المثال أن 19 عائلة قامت خلال السنة الماضية 2024، بالسماح لمركز النهوض بزرع الأعضاء بأخذ أعضاء من أبناء لهم متوفين دماغيا. وهو ما مكن المركز من القيام بـ52 عملية زراعة أعضاء، توزعت بين 11 قلبا و7 زراعة كبد و34 كلية.. ورغم أهمية ما تم انجازه فإنه يظل ضئيلا مقارنة بقائمة المرضى الذين مازالوا في انتظار متبرع في تونس. ومقارنة بالدول المتقدمة مازلت ثقافة التبرع ضعيفة في صفوف التونسيين والتونسيات. وكثيرة هي العائلات التي ترفض السماح بأخذ الأعضاء.
وفي سياق متصل تضيف المسؤولة على التحسين بالمركز الوطني لزرع الأعضاء: «يعود الرفض المسجل في صفوف العائلة، التي يتفهم جزء كبير منها أهمية التبرع والسماح بأخذ عضو من أعضاء أحد أفرادها المتوفي دماغيا، لمنح الحياة لشخص أو أشخاص آخرين، في الكثير من الحالات ينبني الرفض على أنهم لا يعلمون هل المتوفي دماغيا له الرغبة في التبرع بأعضائه أم لا».
وبالنسبة لعمليات زراعة الأعضاء المسجلة بشكل سنوي، أفادت الدكتورة بثينة زنّاد، انه وفضلا عن عدد العمليات التي يتم إجراؤها على خلفية تبرع متوف دماغيا، والتي تتراوح بين الـ12 و15 حالة سنويا، هناك حالات تتعلق بالمتبرعين وهم على قيد الحياة وهي مسألة تشمل الكلى وجزءا من الكبد وليس جميع المرضى قادرين على أن يكون لهم متبرع حي، فهو أمر تشترط فيه صلة القرابة وسلامة المتبرع وعدم حمله أي أمراض وراثية أو مزمنة من شأنها أن تتسبب في تعكر حالته الصحية بعد التبرع، في حين لا يمكن الحصول على القلب أو القرنية أو غيرها من الأعضاء.
وبينت أن 80 % من عمليات زرع الكلى تتم بين الأقارب، لكن يبقى عددا محدودا، موضحة أن قائمة الانتظار طويلة للغاية وهناك 1650 شخصا ينتظرون دورهم في إيجاد متبرع. وتطول فترة الانتظار لسنوات في كثير من الأحيان، يواصل خلالها المريض القيام بالية العلاج الموازية للقصور الكلوي وهي التصفية، بما تحمله هذه الآلية العلاجية من مشاكل وتعب لمريض.
وأضافت: «أما بالنسبة للقلب مثلا والكبد فلا وجود لأي وسيلة علاجية بديلة عن الزرع، ولذلك لا نجد قائمة انتظار طويلة فعلى الأقصى سنة أو أكثر بقليل ويتوفى المريض، وسنويا تقريبا نسجل بين 60 و70 مريضا يحتاجون لزراعة قلب. وفي تونس سجلنا أعلى عدد لعمليات زرع القلب السنة الماضية أين قمنا بزراعة 12 قلبا. ونفس الأمر بالنسبة لزراعة الكبد سنويا نفقد غالبية المرضى المصابين أمام غياب المتبرعين».
وكشفت الدكتورة بثينة زنّاد، أنه على المستوى الوطني هناك ما معدله 60 ألف مواطن تونسي تقريبا يتوفون سنويا، منهم 600 فقط يمرون بحالات الموت الدماغي لا غير.
وأوضحت محدثتنا في نفس السياق أن الموت الدماغي أمر غير منتشر، فيتمثل في وفاة شخص في قسم إنعاش، وتحت التنفس الاصطناعي ويواصل قلبه النبض وأداء دوره بمفعول الأدوية وبمجرد سحب آلات التنفس وإيقاف مده بالأدوية يتوقف قلبه على النبض ويموت، وتصبح أعضاؤه غير قابلة للزرع دون أن يتمكن أي من المرضى في قائمات الانتظار من الاستفادة من أحد أعضائه.
وبينت المنسقة الوطنية والمسؤولة على حملات التحسيس بالمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، أن فرضية الاستفادة من حالات موافقة العائلات تشمل نصف الذين يتوفون دماغيا فقط وهو 300 شخص وإذا حذفنا منهم من يحمل إصابات أو إشكاليات وراثية يكون هناك 150 متبرعا فقط في حالة الموت الدماغي، في وقت أن عدد المرضى الذين سيستفيدون من إمكانيات الزرع ستكون جيدة للغاية فحالة الموت الدماغي يمكن لها ان تعطي الحياة وتساهم في إنقاذ 5 أو 6 أشخاص. وبعملية حسابية يمكن القول إننا إذا بلغنا هذا الرقم من المتبرعين من حالات الموت الدماغي فإنه لن يكون لدينا قائمة انتظار بعد الآن، مثلما يسجل في دول مثل اسبانيا وفرنسا التي لا تشهد قائمات انتظار طويلة وبالنسبة لهم كل من توفي في قسم الإنعاش فهو متبرع مفترض.
وتضع وزارة الصحة شروطا قانونية لوضع المتبرع في حالات الموت الدماغي، وهو أن يكون في قسم إنعاش بمستشفى عمومي له ترخيص.
«متبرع» في بطاقة التعريف الوطنية
وكشفت الدكتورة بثينة زنّاد أن تونس الوحيدة التي لها نص تشريعي يسمح بالتنصيص على صفة «متبرع» في بطاقة التعريف الوطنية، فمثلا في فرنسا هناك نص قانوني في بطاقة متبرع لكن اليوم هم بصدد التراجع عنها. ونحن في تونس المشرع أعطى الفرصة والحق للمواطن في حياته ليقرر أن يكون متبرعا في حالة موته دماغيا أم لا، وبالتالي يعطي إجابة أيضا لعائلته عن رغبته من عدمها.
وأوضحت أيضا أن عدد الذين ينصصون على صفة المتبرع في تونس تبقى بسيطة وضعيفة حيث بلغ العدد 16 ألف مواطن تونسي فقط حسب آخر تحيين للمركز لسنة 2024.
وفي هذا الإطار ينظم المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء حملات تحسيسية بالمعاهد والكليات العمومية والخاصة، بالمشاركة مع الشرطة الفنية أين يتم تمكين الطلبة في اخر هذه الحملات من فرصة وحق التنصيص على صفة المتبرع في بطاقات التعريف الوطنية.
حياة جديدة
والنجاحات والانجازات الطبية التي تقوم بها الفرق الطبية في حالات زرع الأعضاء، هي انجازات مرتبطة أساسا بتواجد المتبرعين وقبول العائلات. وأشارت الدكتورة زناد «أننا في تونس ومنذ 1986 بدأت عمليات اخذ الأعضاء من المتبرع الحي أو المتبرع الميت دماغيا ويتم زرعها لدى المرضى وسجلنا على امتداد هذه السنوات نجاحات كبرى، فلا ينقصنا لا الكفاءات ولا التجهيزات الطبية».
وقالت: «انطلقت الإطارات الطبية في عمليات زرع الكلى منذ 1986 في حين بدأ زرع القلب في سنة 1993 وبدأت زراعة الكبد في 1998 واليوم أصبحت هذه العمليات عادية، فيوميا يمكن القيام بها في مستشفياتنا العمومية. والانجاز الأكبر بالنسبة لي هو انخراط العائلات والمواطن التونسي في هذا المسار.. فنحن نواجه في رفض من العائلات بنسبة 50 % (كانت في حدود الـ80 % سابقا)».
وأضافت في نفس السياق انه سنويا يتم إخراج بين 30 و35 مريضا يحتاجون إلى عملية زرع كلى من قائمة الانتظار (كل متوف دماغيا ينقذ مريضين بحالات القصور الكلوي) في المقابل يضاف سنويا ضعفهم تقريبا اي نحو 60 مريضا جديدا بالقصور الكلوي. هذا دون احتساب عمليات الزرع من المتبرع الحي التي في اغلبها لا يتم التنصيص عليها في قائمات الانتظار الرسمية التي تصل الى نحو 80 عملية زرع في السنة تقريبا. اما في خصوص قائمة مرضى الكبد والقلب يكون التدخل فيها اقل (متبرع ميت دماغيا) بنحو 10 أو 12 تدخل سنويا. وتسجل قائمة الانتظار بالنسبة لزراعة القرنية 1800 شخص تقريبا، لا تتجاوز 80 عملية زرع قرنية في السنة من متبرع في حالة وفاة دماغية.
وأوضحت في نفس السياق زنّاد، انه في عديد الحالات تتم زراعة الأعضاء في مرحلة متقدمة من المرض، وهو ما يؤثر على فترة الحياة أو أمل الحياة الذي سيتمتع به المريض بعد إجرائه للعملية. وبالنسبة لأول شخص قام بزراعة قلب في تونس ومازال على قيد الحياة فقد خضع لعملية زرع سنة 2003 والشخص الذي مكنه من قلب بعد وفاته منذ 22 سنة مازال قلبه ينبض الى غاية اليوم. وتتباين مدة حياة العضو المزروع بحالة المريض ومدى تعكرها، ومستوى حفاظه لاحقا على أسلوب حياة واكل صحي ومواظبته على تناول دواء إنقاص المناعة الذي يحافظ به على سلامة العضو المزروع وزياراته للطبيب عند شعوره بأي تعكر صحي.
وأكدت الدكتورة بثينة زنّاد على أن سن المتبرع وإصابته بمرض لا تمنعه من أن يكون متبرعا فيمكن لمسن في الـ60 او اكثر ان يتبرع بالقلب او بالكلى او الكبد لسلامة ذلك العضو. في نفس الوقت أشارت إلى أن الفرق الطبية المشرفة على عمليات الزرع هي التي تقوم بالمطابقة بين المتبرع والمريض المتلقي على أساس السن فمن غير المنطقي مثلا تمكين طفل من قلب كهل نظرا انه لا وجود تطابق في الحجم.
ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن عمليات التبرع بالمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء تشمل أيضا الأنسجة من الأشخاص الذين يجرون عمليات على مستوى الحوض ويتم تجميد ذلك العظم الاسفنجي ونفس الأمر بالنسبة للغشاء السلوي وبعد موافقة المرأة المعنية بحالة الولادة في مستشفى مصرح لها. ويشرف المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء على عملية تعقيمها وتحضيرها وفي حال تم طلب تلك الأنسجة من قبل أحد الأطباء سواء فيما يهم زراعة القرنية او جراحة العظام يتم مدهم بتلك الأنسجة، والتي تمكن المريض من اعتماد انسجة بشرية عوض مواد مصنعة. ويسهر المركز على شفافية إسناد الأعضاء والأنسجة للمرسمين بالسجل حسب المعايير التي يقرها المجلس العلمي.