جمع في مسيرته بين الشعر والفلسفة والسياسة، وكان أحد أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، ما جعله فاعلًا وشاهد عيان على أبرز التحديات التي شهدتها بلادنا في تلك الفترة الانتقالية. هو الشاعر وأستاذ الفلسفة في المعاهد الثانوية مراد العمدوني، الذي تحدث لـ«الصباح» عن الكثير من هواجسه في مجالات اهتمامه المتعددة.
*مراد العمدوني من جيل التسعينات الشعري، ماذا بقي في الذاكرة من هذه التجربة؟
- ما بقي في الذاكرة هو روح التمرد والبحث عن هوية شعرية جديدة. جيل التسعينات كان يحاول أن يجد لنفسه مكانًا في خريطة الشعر التونسي والعربي، بعيدًا عن الأصوات التقليدية. لقد كنا نبحث عن لغة تعبر عن واقعنا ونعيش تغييراته النوعية، لغة أكثر حرية وأقل تقيدًا بالقواعد الكلاسيكية. ما بقي هو تلك المحاولات الجريئة لتجديد الشعر، وإدخال موضوعات جديدة كانت تعتبر محظورة أو غير شعرية.
*ماذا قدم شعراء التسعينات لمدونة الشعر التونسي من وجهة نظرك؟
-قدمنا للشعر التونسي جرعة من الحرية والانفتاح على الوطن العربي والعالم. حاولنا أن نخرج من دائرة الشعر المغلق إلى فضاءات أكثر رحابة، حيث يمكن للشعر أن يتفاعل مع الحياة اليومية، مع الهموم الإنسانية، مع التحولات الاجتماعية والسياسية وفق رؤية جمالية متجددة. لقد أضفنا مقاربات جمالية متنوعة لموضوعات جديدة مثل الهوية، الاغتراب، الحلم، والثورة. كما حاولنا أن نجعل الشعر أكثر قربًا من الناس، وأكثر قدرة على التعبير عن تناقضات العصر.
*ألا يزال الحنين يهزك إلى تلك الفترة – أعني فترة مهرجان الشعراء الطلبة؟
- بالطبع، الحنين إلى تلك الفترة لا يزال حاضرًا بقوة. مهرجان الشعراء الطلبة كان مساحة للحرية، للّقاء، وللحلم. كنا نلتقي كشعراء شباب، نحلم بتغيير العالم من خلال الكلمة. كانت تلك الفترة مليئة بالطاقة والإبداع، وكنا نعتقد أن الشعر يمكن أن يغير الواقع. الحنين إلى تلك الأيام لا يزال يهزني، لأنها كانت فترة تكوين، فترة اكتشاف الذات والعالم.
* أنت أستاذ فلسفة... كيف نجحت في ترويض الشعر ليكون صنوًا لها؟
- الفلسفة والشعر بالنسبة لي وجهان لعملة واحدة. كلاهما يسعى لفهم العالم، لفك شفراته، وللتعبير عن الأسئلة الوجودية الكبرى والتفاصيل اليومية. الفلسفة تعطيني الأدوات الفكرية لفهم العالم، بينما الشعر يعطيني الحرية للتعبير عن هذا الفهم بطريقة أكثر إبداعًا. لقد حاولت النجاح في الجمع بينهما، لأنني أرى أن الشعر هو فلسفة مكثفة، والفلسفة هي شعر ممتد يحفر عميقًا في وجودنا النوعي وتمنحنا أجنحة للتحليق.
* ما الذي تغير في مراد العمدوني الشاعر بين الأمس واليوم؟
- تغير الكثير. في الماضي، كنت أكثر اندفاعًا، أكثر تمردًا، وأكثر حماسًا لكسر القواعد. اليوم، أصبحت أكثر هدوءًا، أكثر تأملًا، وأكثر وعيًا بثقل الكلمة. لقد تعلمت أن الشعر ليس فقط تعبيرًا عن الذات، بل هو أيضًا مسؤولية تجاه الآخرين. تغيرت لغتي، مواضيعي، وحتى طريقة تعاملي مع الشعر.
* أي قصيدة تريدها اليوم في هذا العالم المتغير؟
- أريد قصيدة تعبر عن التناقضات التي نعيشها اليوم، قصيدة تلامس الواقع بكل تحولاته وصراعاته، ولكنها لا تنسى الحلم. أريد قصيدة تكون صوتًا للضعفاء، للمهمّشين، وللمنسيين. قصيدة تكون مرآة لعصرنا، تعكس آلامه وأحلامه، ولكنها أيضًا تفتح نوافذ للأمل، وتجعل للأحلام ممكنات التحقق بشكل يحترم إنسانيتنا وذائقتنا الجمالية.
* يصفك النقاد والمتابعون بكونك «الشاعر المتمرد» من خلال الكشف عن المحظور، فأي محظور تعمل على تعريته؟
- أعمل على تعرية المحظورات الاجتماعية والسياسية التي تكبل الإنسان، المحظورات التي تمنعنا من أن نكون أحرارًا، من أن نعبر عن أنفسنا بحرية، وأن نعيد تشكيل ممكنات الوجود النوعي لذواتنا الحالمة. أتعرض للمواضيع التي يعتبرها البعض «تابوهات»، مثل الدين، السياسة، الهجرة السرية، الاتجار بالبشر، الإرهاب، إرادة التحرر عند الشعوب، وصراعات الوجود والهوية. وطبعًا عن القضية المركزية وهي المقاومة الفلسطينية والنضال من أجل تحرير كامل الأراضي العربية، في زمن أصبح فيه التطبيع يُعتبر لدى البعض وجهة نظر. أريد أن أكسر هذه «التابوهات» لأنني أؤمن أن الشعر يجب أن يكون حرًا، وأن يعبر عن كل جوانب الحياة.
* يتحدث الكثير عن أن أزمة الشعر اليوم تكمن أساسًا في غياب قارئ له، ما هي قراءتك لذلك؟
- هذا صحيح إلى حد ما. الشعر اليوم يواجه أزمة قراءة، ولكن هذه الأزمة ليست فقط بسبب غياب القارئ، بل أيضًا بسبب تغير طرق التواصل. الناس اليوم يبحثون عن أشكال تعبير سريعة ومباشرة، بينما الشعر يحتاج إلى وقت وتأمل. لكنني أؤمن أن الشعر سيظل موجودًا، لأنه يعبر عن شيء عميق في الإنسان، عن حاجته إلى الجمال، إلى الحلم، وإلى فهم العالم.
* يتفق الكثير على أن الكتاب الورقي أصبح مهددًا بشكل لافت في وجوده أمام زحف النشر الإلكتروني، إلى أي حد أنت مع هذا الرأي؟
- أنا مع هذا الرأي إلى حد ما. النشر الإلكتروني أصبح سائدًا، ولكنه لا يلغي أهمية الكتاب الورقي. الكتاب الورقي له سحره الخاص، لمسة الحروف، رائحة الورق، كل هذا يجعله تجربة فريدة. لكن النشر الإلكتروني يقدم إمكانيات كبيرة للوصول إلى قرّاء أكثر. أعتقد أن المستقبل سيكون للتعايش بين الشكلين. وشخصيًا، كانت لي تجربة مع دار «إنانا» للنشر الورقي والإلكتروني، وقد حاولنا ضمن هذا المشروع أن نخلق منافذ إلكترونية لخلق حركية ثقافية نشيطة في الواقع، ببعديه الملموس والافتراضي، وجعلنا من التكنولوجيات الحديثة سندًا للتعريف بالكتاب الورقي وترويجه.
* أصبحت قليل الظهور في الملتقيات والمهرجانات الشعرية، هل هذا اختيار منك؟
- نعم، هذا اختيار ولو أنه مرير. أحب أن أكون حاضرًا في الملتقيات، ولكنني اليوم أختار الحضور في الفضاءات التي أجد فيها قيمة حقيقية. أصبحت أكثر انتقائية، لأنني أريد أن أكون حيث يمكن للشعر أن يكون له تأثير حقيقي، وليس مجرد حدث عابر أو مناسبة لأخذ الصور وصناعة مشهد أدبي مزيف، أو بمعنى أدق: مشوّه.
* كيف تبدو لك المهرجانات الشعرية اليوم؟
- المهرجانات الشعرية اليوم أصبحت أكثر تنظيمًا في ظاهرها، وربما أكثر احترافية في رسم لافتتها ومعلقاتها الإشهارية، ولكنها في أغلب الأحيان فقدت جزءًا من روحها. أصبحت أكثر رسمية بالمعنى السطحي للكلمة، وأقل عفوية أو شغف إبداعي، بالمعنى الذي جعلها مجرد تقارير نشاط، أو مناسبة لقاء مجموعة ما في إطار تبادل الزيارات، أو منطق الجماعات التي تبحث عن إثراء سيرها الذاتية المزيفة، على شاكلة الدكتوراه الفخرية، وفي غياب إضافة حقيقية أو قيمة إبداعية. في كلمة: مجرد مناسبات عابرة.
*كانت لك تجربة سياسية من خلال انتخابك نائبًا في المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، ماذا بقي في الذاكرة من هذه التجربة؟
- ما بقي في الذاكرة هو الإحساس بالمسؤولية الكبيرة التي كانت على عاتقنا. كنا نحاول أن نبني مستقبلًا جديدًا لتونس، وكانت التجربة مليئة بالتحديات والصراعات الموجعة ضد منظومة أرادت أن تنحرف بكل حلم ثوري، واغتالت رموزًا نضالية مثل الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. لكنني تعلمت الكثير، خاصة عن تعقيدات العمل السياسي، وعن الفرق بين الحلم والواقع.
* أي تأثير لتجربتك السياسية على مسارك الإبداعي؟
- التجربة السياسية أثرت على شعري بشكل كبير. جعلتني أكثر وعيًا بالواقع، وبالتحديات التي تواجه المجتمع. أصبحت قصائدي أكثر ارتباطًا بالهموم الاجتماعية والسياسية، وأكثر تعبيرًا عن التناقضات التي نعيشها.
* هل من الضروري اليوم للشاعر أن يحمل أيديولوجية سياسية ما، يسير على هديها في شعره؟
- لا أعتقد أن الشاعر يجب أن يكون مقيدًا بأيديولوجية معينة. الشعر يجب أن يكون حرًا، وأن يعبر عن رؤية الشاعر الخاصة. لكنني أؤمن أن الشاعر لا يمكن أن يكون بمعزل عن العالم، وعن القضايا التي تهم المجتمع. على المبدع الحقيقي أن يؤسس لرؤية قيمية ترتقي بعمقه الوطني والإنساني، وتتقبل معاني التعدد، والتحرر، واحترام حق الآخر في الحرية والاختلاف.
حوار محسن بن احمد
جمع في مسيرته بين الشعر والفلسفة والسياسة، وكان أحد أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، ما جعله فاعلًا وشاهد عيان على أبرز التحديات التي شهدتها بلادنا في تلك الفترة الانتقالية. هو الشاعر وأستاذ الفلسفة في المعاهد الثانوية مراد العمدوني، الذي تحدث لـ«الصباح» عن الكثير من هواجسه في مجالات اهتمامه المتعددة.
*مراد العمدوني من جيل التسعينات الشعري، ماذا بقي في الذاكرة من هذه التجربة؟
- ما بقي في الذاكرة هو روح التمرد والبحث عن هوية شعرية جديدة. جيل التسعينات كان يحاول أن يجد لنفسه مكانًا في خريطة الشعر التونسي والعربي، بعيدًا عن الأصوات التقليدية. لقد كنا نبحث عن لغة تعبر عن واقعنا ونعيش تغييراته النوعية، لغة أكثر حرية وأقل تقيدًا بالقواعد الكلاسيكية. ما بقي هو تلك المحاولات الجريئة لتجديد الشعر، وإدخال موضوعات جديدة كانت تعتبر محظورة أو غير شعرية.
*ماذا قدم شعراء التسعينات لمدونة الشعر التونسي من وجهة نظرك؟
-قدمنا للشعر التونسي جرعة من الحرية والانفتاح على الوطن العربي والعالم. حاولنا أن نخرج من دائرة الشعر المغلق إلى فضاءات أكثر رحابة، حيث يمكن للشعر أن يتفاعل مع الحياة اليومية، مع الهموم الإنسانية، مع التحولات الاجتماعية والسياسية وفق رؤية جمالية متجددة. لقد أضفنا مقاربات جمالية متنوعة لموضوعات جديدة مثل الهوية، الاغتراب، الحلم، والثورة. كما حاولنا أن نجعل الشعر أكثر قربًا من الناس، وأكثر قدرة على التعبير عن تناقضات العصر.
*ألا يزال الحنين يهزك إلى تلك الفترة – أعني فترة مهرجان الشعراء الطلبة؟
- بالطبع، الحنين إلى تلك الفترة لا يزال حاضرًا بقوة. مهرجان الشعراء الطلبة كان مساحة للحرية، للّقاء، وللحلم. كنا نلتقي كشعراء شباب، نحلم بتغيير العالم من خلال الكلمة. كانت تلك الفترة مليئة بالطاقة والإبداع، وكنا نعتقد أن الشعر يمكن أن يغير الواقع. الحنين إلى تلك الأيام لا يزال يهزني، لأنها كانت فترة تكوين، فترة اكتشاف الذات والعالم.
* أنت أستاذ فلسفة... كيف نجحت في ترويض الشعر ليكون صنوًا لها؟
- الفلسفة والشعر بالنسبة لي وجهان لعملة واحدة. كلاهما يسعى لفهم العالم، لفك شفراته، وللتعبير عن الأسئلة الوجودية الكبرى والتفاصيل اليومية. الفلسفة تعطيني الأدوات الفكرية لفهم العالم، بينما الشعر يعطيني الحرية للتعبير عن هذا الفهم بطريقة أكثر إبداعًا. لقد حاولت النجاح في الجمع بينهما، لأنني أرى أن الشعر هو فلسفة مكثفة، والفلسفة هي شعر ممتد يحفر عميقًا في وجودنا النوعي وتمنحنا أجنحة للتحليق.
* ما الذي تغير في مراد العمدوني الشاعر بين الأمس واليوم؟
- تغير الكثير. في الماضي، كنت أكثر اندفاعًا، أكثر تمردًا، وأكثر حماسًا لكسر القواعد. اليوم، أصبحت أكثر هدوءًا، أكثر تأملًا، وأكثر وعيًا بثقل الكلمة. لقد تعلمت أن الشعر ليس فقط تعبيرًا عن الذات، بل هو أيضًا مسؤولية تجاه الآخرين. تغيرت لغتي، مواضيعي، وحتى طريقة تعاملي مع الشعر.
* أي قصيدة تريدها اليوم في هذا العالم المتغير؟
- أريد قصيدة تعبر عن التناقضات التي نعيشها اليوم، قصيدة تلامس الواقع بكل تحولاته وصراعاته، ولكنها لا تنسى الحلم. أريد قصيدة تكون صوتًا للضعفاء، للمهمّشين، وللمنسيين. قصيدة تكون مرآة لعصرنا، تعكس آلامه وأحلامه، ولكنها أيضًا تفتح نوافذ للأمل، وتجعل للأحلام ممكنات التحقق بشكل يحترم إنسانيتنا وذائقتنا الجمالية.
* يصفك النقاد والمتابعون بكونك «الشاعر المتمرد» من خلال الكشف عن المحظور، فأي محظور تعمل على تعريته؟
- أعمل على تعرية المحظورات الاجتماعية والسياسية التي تكبل الإنسان، المحظورات التي تمنعنا من أن نكون أحرارًا، من أن نعبر عن أنفسنا بحرية، وأن نعيد تشكيل ممكنات الوجود النوعي لذواتنا الحالمة. أتعرض للمواضيع التي يعتبرها البعض «تابوهات»، مثل الدين، السياسة، الهجرة السرية، الاتجار بالبشر، الإرهاب، إرادة التحرر عند الشعوب، وصراعات الوجود والهوية. وطبعًا عن القضية المركزية وهي المقاومة الفلسطينية والنضال من أجل تحرير كامل الأراضي العربية، في زمن أصبح فيه التطبيع يُعتبر لدى البعض وجهة نظر. أريد أن أكسر هذه «التابوهات» لأنني أؤمن أن الشعر يجب أن يكون حرًا، وأن يعبر عن كل جوانب الحياة.
* يتحدث الكثير عن أن أزمة الشعر اليوم تكمن أساسًا في غياب قارئ له، ما هي قراءتك لذلك؟
- هذا صحيح إلى حد ما. الشعر اليوم يواجه أزمة قراءة، ولكن هذه الأزمة ليست فقط بسبب غياب القارئ، بل أيضًا بسبب تغير طرق التواصل. الناس اليوم يبحثون عن أشكال تعبير سريعة ومباشرة، بينما الشعر يحتاج إلى وقت وتأمل. لكنني أؤمن أن الشعر سيظل موجودًا، لأنه يعبر عن شيء عميق في الإنسان، عن حاجته إلى الجمال، إلى الحلم، وإلى فهم العالم.
* يتفق الكثير على أن الكتاب الورقي أصبح مهددًا بشكل لافت في وجوده أمام زحف النشر الإلكتروني، إلى أي حد أنت مع هذا الرأي؟
- أنا مع هذا الرأي إلى حد ما. النشر الإلكتروني أصبح سائدًا، ولكنه لا يلغي أهمية الكتاب الورقي. الكتاب الورقي له سحره الخاص، لمسة الحروف، رائحة الورق، كل هذا يجعله تجربة فريدة. لكن النشر الإلكتروني يقدم إمكانيات كبيرة للوصول إلى قرّاء أكثر. أعتقد أن المستقبل سيكون للتعايش بين الشكلين. وشخصيًا، كانت لي تجربة مع دار «إنانا» للنشر الورقي والإلكتروني، وقد حاولنا ضمن هذا المشروع أن نخلق منافذ إلكترونية لخلق حركية ثقافية نشيطة في الواقع، ببعديه الملموس والافتراضي، وجعلنا من التكنولوجيات الحديثة سندًا للتعريف بالكتاب الورقي وترويجه.
* أصبحت قليل الظهور في الملتقيات والمهرجانات الشعرية، هل هذا اختيار منك؟
- نعم، هذا اختيار ولو أنه مرير. أحب أن أكون حاضرًا في الملتقيات، ولكنني اليوم أختار الحضور في الفضاءات التي أجد فيها قيمة حقيقية. أصبحت أكثر انتقائية، لأنني أريد أن أكون حيث يمكن للشعر أن يكون له تأثير حقيقي، وليس مجرد حدث عابر أو مناسبة لأخذ الصور وصناعة مشهد أدبي مزيف، أو بمعنى أدق: مشوّه.
* كيف تبدو لك المهرجانات الشعرية اليوم؟
- المهرجانات الشعرية اليوم أصبحت أكثر تنظيمًا في ظاهرها، وربما أكثر احترافية في رسم لافتتها ومعلقاتها الإشهارية، ولكنها في أغلب الأحيان فقدت جزءًا من روحها. أصبحت أكثر رسمية بالمعنى السطحي للكلمة، وأقل عفوية أو شغف إبداعي، بالمعنى الذي جعلها مجرد تقارير نشاط، أو مناسبة لقاء مجموعة ما في إطار تبادل الزيارات، أو منطق الجماعات التي تبحث عن إثراء سيرها الذاتية المزيفة، على شاكلة الدكتوراه الفخرية، وفي غياب إضافة حقيقية أو قيمة إبداعية. في كلمة: مجرد مناسبات عابرة.
*كانت لك تجربة سياسية من خلال انتخابك نائبًا في المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، ماذا بقي في الذاكرة من هذه التجربة؟
- ما بقي في الذاكرة هو الإحساس بالمسؤولية الكبيرة التي كانت على عاتقنا. كنا نحاول أن نبني مستقبلًا جديدًا لتونس، وكانت التجربة مليئة بالتحديات والصراعات الموجعة ضد منظومة أرادت أن تنحرف بكل حلم ثوري، واغتالت رموزًا نضالية مثل الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. لكنني تعلمت الكثير، خاصة عن تعقيدات العمل السياسي، وعن الفرق بين الحلم والواقع.
* أي تأثير لتجربتك السياسية على مسارك الإبداعي؟
- التجربة السياسية أثرت على شعري بشكل كبير. جعلتني أكثر وعيًا بالواقع، وبالتحديات التي تواجه المجتمع. أصبحت قصائدي أكثر ارتباطًا بالهموم الاجتماعية والسياسية، وأكثر تعبيرًا عن التناقضات التي نعيشها.
* هل من الضروري اليوم للشاعر أن يحمل أيديولوجية سياسية ما، يسير على هديها في شعره؟
- لا أعتقد أن الشاعر يجب أن يكون مقيدًا بأيديولوجية معينة. الشعر يجب أن يكون حرًا، وأن يعبر عن رؤية الشاعر الخاصة. لكنني أؤمن أن الشاعر لا يمكن أن يكون بمعزل عن العالم، وعن القضايا التي تهم المجتمع. على المبدع الحقيقي أن يؤسس لرؤية قيمية ترتقي بعمقه الوطني والإنساني، وتتقبل معاني التعدد، والتحرر، واحترام حق الآخر في الحرية والاختلاف.