إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع‭ ‬تواصل‭ ‬مسار‭ ‬بناء‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية.. اليوم‭.. ‬تونس‭ ‬تحيي‭ ‬الذكرى‭ ‬69‭ ‬لعيد‭ ‬الاستقلال

يحيي‭ ‬التونسيون‭ ‬اليوم‭ ‬20‭ ‬مارس،‭ ‬الذكرى‭ ‬التاسعة‭ ‬والستين‭ ‬لعيد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬تاريخية‭ ‬وحضارية‭ ‬وإنسانية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬المعاصر‭ ‬تظل‭ ‬خالدة‭ ‬وتتوارثها‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬وسط‭ ‬تطلع‭ ‬لتحويل‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬السيادة‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬للتداول‭ ‬ضمن‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والرسمي‭ ‬لمنظومة‭ ‬الحكم‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬وبرامج‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تكريس‭ ‬استقلال‭ ‬بلادنا‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬مفهوم‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬إحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬استقلال‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬ربقة‭ ‬الاستعمار‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬نضالات‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬أحرار‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وانخراطهم‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬والحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الواسعة،‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬تواتر‭ ‬الأحداث‭ ‬وزخم‭ ‬المستجدات‭ ‬وطنيا‭ ‬وإقليميا‭ ‬وعالميا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬والجيو‭-‬إستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬انفك‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭.‬

فبعد‭ ‬محاولة‭ ‬تغييب‭ ‬ولامبالاة‭ ‬وتهميش‭ ‬ذكرى‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬التاريخية‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬ممن‭ ‬عايشوا‭ ‬لحظة‭ ‬إعلانها‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والعيش‭ ‬تحت‭ ‬قيود‭ ‬المحتل‭ ‬الفرنسي،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظومات‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬2011‭ ‬وما‭ ‬خلفه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬واحتقان‭ ‬لدى‭ ‬فئات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التونسيين،‭ ‬أو‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬المجيدة‭ ‬الوطنية‭ ‬الخالدة‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬احتكارها‭ ‬حزبيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظومتي‭ ‬حكم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرئيسين‭ ‬الراحلين‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬وزين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬من‭ ‬حكمهما،‭ ‬يعود‭ ‬الأمل‭ ‬لالتفاف‭ ‬التونسيين‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الرمز‭ ‬لمنجز‭ ‬وطني‭ ‬وتاريخي‭ ‬دفع‭ ‬ثمنه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬والمناضلين‭ ‬من‭ ‬دمائهم‭ ‬الزكية‭ ‬وحياتهم‭ ‬واهتماماتهم‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬متصل قال‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬إبراهيم‭ ‬بودربالة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬عيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬ذكرى‭ ‬مجيدة‭ ‬نستلهم‭ ‬منها‭ ‬العبر‭ ‬والدروس‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬والتضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عزّته‭ ‬ومناعته‭ ‬وفيها‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬أمل‭ ‬وتفاؤل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬بلادنا‭ ‬لنجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬بوصلتنا‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني‭ ‬ومعركة‭ ‬البناء‭ ‬والتشييد‮»‬‭.‬

فتشديد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استعادة‭ ‬بلادنا‭ ‬لسيادتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومراهنة‭ ‬حكومتي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نجلاء‭ ‬بودن‭ ‬وأحمد‭ ‬الحشاني‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬تمهيد‭ ‬طريق‭ ‬إدراك‭ ‬وتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬دستوريا‭ ‬وقانونيا‭ ‬لتأخذ‭ ‬حكومة‭ ‬كمال‭ ‬المدوري‭ ‬منذ‭ ‬مباشرة‭ ‬مهامها‭ ‬في‭ ‬أوت‭ ‬الماضي‭ ‬بزمام‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بلورة‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تكرس‭ ‬هذه‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلال‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬وفي‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬عبر‭ ‬صياغتها‭ ‬وبلورتها‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬تترجم‭ ‬توجه‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬انسجام‭ ‬وتناغم‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬لبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬دستور‭ ‬2022‭ ‬خطوطها‭ ‬العريضة‭.‬

ويكفي‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬أبرز‭ ‬المنعرجات‭ ‬والمحطات‭ ‬المفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬دساتير‭ ‬وبرامج‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬وخيارات‭ ‬وهزات‭ ‬وإنجازات‭ ‬لمعرفة‭ ‬أهمية‭ ‬منجز‭ ‬الاستقلال‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬بمقومات‭ ‬سيادية‭ ‬وثقافية‭ ‬وحضارية‭.‬

وقد‭ ‬انطلق‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بمرور‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬مباشرة‭ ‬مهامه،‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بمراجعات‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬المبادرات‭ ‬وسن‭ ‬ووضع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬البناء‭ ‬والإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬تنتهجه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬التحديات‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والأمن‭ ‬المائي‭ ‬والأمن‭ ‬الطاقي‭ ‬والأمن‭ ‬التكنولوجي‭.. ‬كلها‭ ‬تتنزل‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‭.‬

واعتبر‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬أن‭ ‬معركة‭ ‬البناء‭ ‬‮«‬تتطلب‭ ‬مضاعفة‭ ‬الجهد‭ ‬ومزيد‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬للوطن‭ ‬وإعلاء‭ ‬مكانته‭ ‬وصيانة‭ ‬وحدته‭ ‬وتعزيز‭ ‬مقومات‭ ‬نمائه‭ ‬ورقيّه‮»‬‭.‬

وهو‭ ‬تقريبا‭ ‬ما‭ ‬تعمل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية،‭ ‬بغرفتيها،‭ ‬على‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬وذلك‭ ‬بوضع‭ ‬تشريعات‭ ‬وقوانين‭ ‬تراعي‭ ‬التوجه‭ ‬المحلي‭ ‬والجهوي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والوطني‭ ‬وتهدف‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭ ‬لتكريس‭ ‬دور‭ ‬ونفوذ‭ ‬وحضور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬مجالها‭ ‬الجغرافي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬للاستثمار‭ ‬والتنمية‭ ‬والتشغيل‭ ‬لجميع‭ ‬الفئات‭ ‬والجهات‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬جدي‭ ‬للقطع‭ ‬مع‭ ‬المركزية‭ ‬والتهميش‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬أبناء‭ ‬مناطق‭ ‬وجهات‭ ‬عديدة‭ ‬داخل‭ ‬الجمهورية‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسات‭ ‬متعاقبة‭ ‬تعمدت‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬التمييز‭ ‬والإقصاء والتهميش‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬والأفراد‭.‬

لتعيد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬السنوية‭ ‬أهمية‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬الوطن‭ ‬ووحدة‭ ‬أراضيه‭ ‬واستقلال‭ ‬قراره‭ ‬وسيادته‭ ‬والتمسك‭ ‬بخصوصيته‭ ‬الحضارية‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬القدم‭ ‬وميزاته‭ ‬الثقافية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إعلاء‭ ‬شأنه‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭. ‬ليساهم‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬التمثيلي‭ ‬المعتمد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬وما‭ ‬يعكسه‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬للشعب‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬القرار‭ ‬والسلطة،‭ ‬عبر‭ ‬نواب‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للجهات‭ ‬والأقاليم‭ ‬أو‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية،‭ ‬من‭ ‬سيادة‭ ‬للشعب‭ ‬ووجود‭ ‬آليات‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬

فالاستقلال‭ ‬يظل‭ ‬قرين‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬ومفهومها‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬كل‭ ‬تونسي‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬الأمر‭ ‬رهين‭ ‬الالتزام‭ ‬بشروط‭ ‬تحقيقيها‭. ‬فتطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬الموجة‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬المنتوجات‭ ‬الفلاحية‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الصناعات‭ ‬وإنتاج‭ ‬المواد‭ ‬الطاقية‭ ‬وغيرها‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الحاجيات‭ ‬من‭ ‬الأدوية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الأخرى‭ ‬يعزز‭ ‬علاقة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والدولة‭.‬

وقد‭ ‬اتخذت‭ ‬سلطة‭ ‬الإشراف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬شملت‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬حيوية‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تعلق‭ ‬بعدة‭ ‬مجالات‭ ‬فلاحية‭ ‬وصناعية‭ ‬ومالية‭ ‬واقتصادية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إجراءات‭ ‬وقرارات‭ ‬ومراجعات‭ ‬أخرى‭ ‬شملت‭ ‬مجالات‭ ‬النقل‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتكوين‭ ‬المهني‭ ‬والسياحة‭ ‬والاستثمار‭.. ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬تهدف‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وأبعادها‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬تنعكس‭ ‬نتائجها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬موازاة‭ ‬مع‭ ‬المساعي‭ ‬للنأي‭ ‬بالقرار‭ ‬الوطني‭ ‬عن‭ ‬التبعية‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬المحاور‭ ‬والاصطفاف‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬باتخاذ‭ ‬بلادنا‭ ‬لمواقف‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬والإنسانية‭ ‬ولعل‭ ‬أبرزها‭ ‬موقف‭ ‬تونس‭ ‬الثابت‭ ‬والمنحاز‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحق‭ ‬شعبها‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬والمراهنة‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬موسعة‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬علاقات‭ ‬الشراكة‭ ‬والتعاون‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬لتسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التونسية‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اتفاقات‭ ‬وشراكات‭ ‬موسعة‭ ‬خدمة‭ ‬للمصالح‭ ‬الوطنية‭.‬

فذكرى‭ ‬عيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬تحديات‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬وقعها‭ ‬بلادنا‭ ‬وتتطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬الدفع‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ومخارج‭ ‬ووضع‭ ‬استراتيجيات‭ ‬للتوقي‭ ‬من‭ ‬تداعياتها،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تعزيز‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بملف‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬لأبناء‭ ‬بلدان‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬وتداعيات‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬بلادنا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬محاولات‭ ‬إعادة‭ ‬تشكل‭ ‬المحاور‭ ‬والقوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.‬

فمضي‭ ‬بلادنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬البناء‭ ‬والإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬عبر‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬القاعدي‭ ‬الذي‭ ‬خول‭ ‬انخراط‭ ‬الشعب‭ ‬فيه‭ ‬بقوة‭ ‬يحمل‭ ‬آمال‭ ‬البعض‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬أزمة‭ ‬الثقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والدولة‭ ‬والتي‭ ‬ساهمت‭ ‬منظومات‭ ‬الحكم‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬تعزيزها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تغييب‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬ومحاولات‭ ‬طمس‭ ‬معالمها‭ ‬ومناسباتها‭ ‬ومحطاتها‭ ‬الرمزية‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬ليعود‭ ‬بدلك‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬استقلال‭ ‬الدولة‭ ‬والقرار‭ ‬السيادي‭.‬

 

نزيهة‭ ‬الغضباني

مع‭ ‬تواصل‭ ‬مسار‭ ‬بناء‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية.. اليوم‭.. ‬تونس‭ ‬تحيي‭ ‬الذكرى‭ ‬69‭ ‬لعيد‭ ‬الاستقلال

يحيي‭ ‬التونسيون‭ ‬اليوم‭ ‬20‭ ‬مارس،‭ ‬الذكرى‭ ‬التاسعة‭ ‬والستين‭ ‬لعيد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬تاريخية‭ ‬وحضارية‭ ‬وإنسانية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬المعاصر‭ ‬تظل‭ ‬خالدة‭ ‬وتتوارثها‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬وسط‭ ‬تطلع‭ ‬لتحويل‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬السيادة‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬للتداول‭ ‬ضمن‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والرسمي‭ ‬لمنظومة‭ ‬الحكم‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬وبرامج‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تكريس‭ ‬استقلال‭ ‬بلادنا‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬مفهوم‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬إحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬استقلال‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬ربقة‭ ‬الاستعمار‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬نضالات‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬أحرار‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وانخراطهم‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬والحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الواسعة،‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬تواتر‭ ‬الأحداث‭ ‬وزخم‭ ‬المستجدات‭ ‬وطنيا‭ ‬وإقليميا‭ ‬وعالميا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬والجيو‭-‬إستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬انفك‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭.‬

فبعد‭ ‬محاولة‭ ‬تغييب‭ ‬ولامبالاة‭ ‬وتهميش‭ ‬ذكرى‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬التاريخية‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬ممن‭ ‬عايشوا‭ ‬لحظة‭ ‬إعلانها‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والعيش‭ ‬تحت‭ ‬قيود‭ ‬المحتل‭ ‬الفرنسي،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظومات‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬2011‭ ‬وما‭ ‬خلفه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬واحتقان‭ ‬لدى‭ ‬فئات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التونسيين،‭ ‬أو‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬المجيدة‭ ‬الوطنية‭ ‬الخالدة‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬احتكارها‭ ‬حزبيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظومتي‭ ‬حكم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرئيسين‭ ‬الراحلين‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬وزين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬من‭ ‬حكمهما،‭ ‬يعود‭ ‬الأمل‭ ‬لالتفاف‭ ‬التونسيين‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الرمز‭ ‬لمنجز‭ ‬وطني‭ ‬وتاريخي‭ ‬دفع‭ ‬ثمنه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬والمناضلين‭ ‬من‭ ‬دمائهم‭ ‬الزكية‭ ‬وحياتهم‭ ‬واهتماماتهم‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬متصل قال‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬إبراهيم‭ ‬بودربالة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬عيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬ذكرى‭ ‬مجيدة‭ ‬نستلهم‭ ‬منها‭ ‬العبر‭ ‬والدروس‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬والتضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عزّته‭ ‬ومناعته‭ ‬وفيها‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬أمل‭ ‬وتفاؤل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬بلادنا‭ ‬لنجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬بوصلتنا‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني‭ ‬ومعركة‭ ‬البناء‭ ‬والتشييد‮»‬‭.‬

فتشديد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استعادة‭ ‬بلادنا‭ ‬لسيادتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومراهنة‭ ‬حكومتي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬نجلاء‭ ‬بودن‭ ‬وأحمد‭ ‬الحشاني‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬تمهيد‭ ‬طريق‭ ‬إدراك‭ ‬وتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬دستوريا‭ ‬وقانونيا‭ ‬لتأخذ‭ ‬حكومة‭ ‬كمال‭ ‬المدوري‭ ‬منذ‭ ‬مباشرة‭ ‬مهامها‭ ‬في‭ ‬أوت‭ ‬الماضي‭ ‬بزمام‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بلورة‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬تكرس‭ ‬هذه‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلال‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬وفي‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬عبر‭ ‬صياغتها‭ ‬وبلورتها‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬تترجم‭ ‬توجه‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬انسجام‭ ‬وتناغم‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬لبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬دستور‭ ‬2022‭ ‬خطوطها‭ ‬العريضة‭.‬

ويكفي‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬أبرز‭ ‬المنعرجات‭ ‬والمحطات‭ ‬المفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬دساتير‭ ‬وبرامج‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬وخيارات‭ ‬وهزات‭ ‬وإنجازات‭ ‬لمعرفة‭ ‬أهمية‭ ‬منجز‭ ‬الاستقلال‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬بمقومات‭ ‬سيادية‭ ‬وثقافية‭ ‬وحضارية‭.‬

وقد‭ ‬انطلق‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بمرور‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬مباشرة‭ ‬مهامه،‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بمراجعات‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬المبادرات‭ ‬وسن‭ ‬ووضع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬البناء‭ ‬والإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬تنتهجه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬التحديات‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والأمن‭ ‬المائي‭ ‬والأمن‭ ‬الطاقي‭ ‬والأمن‭ ‬التكنولوجي‭.. ‬كلها‭ ‬تتنزل‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬للدولة‭ ‬التونسية‭.‬

واعتبر‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬أن‭ ‬معركة‭ ‬البناء‭ ‬‮«‬تتطلب‭ ‬مضاعفة‭ ‬الجهد‭ ‬ومزيد‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬للوطن‭ ‬وإعلاء‭ ‬مكانته‭ ‬وصيانة‭ ‬وحدته‭ ‬وتعزيز‭ ‬مقومات‭ ‬نمائه‭ ‬ورقيّه‮»‬‭.‬

وهو‭ ‬تقريبا‭ ‬ما‭ ‬تعمل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية،‭ ‬بغرفتيها،‭ ‬على‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬وذلك‭ ‬بوضع‭ ‬تشريعات‭ ‬وقوانين‭ ‬تراعي‭ ‬التوجه‭ ‬المحلي‭ ‬والجهوي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والوطني‭ ‬وتهدف‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭ ‬لتكريس‭ ‬دور‭ ‬ونفوذ‭ ‬وحضور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬مجالها‭ ‬الجغرافي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬للاستثمار‭ ‬والتنمية‭ ‬والتشغيل‭ ‬لجميع‭ ‬الفئات‭ ‬والجهات‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬جدي‭ ‬للقطع‭ ‬مع‭ ‬المركزية‭ ‬والتهميش‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬أبناء‭ ‬مناطق‭ ‬وجهات‭ ‬عديدة‭ ‬داخل‭ ‬الجمهورية‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسات‭ ‬متعاقبة‭ ‬تعمدت‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬التمييز‭ ‬والإقصاء والتهميش‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬والأفراد‭.‬

لتعيد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬السنوية‭ ‬أهمية‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬الوطن‭ ‬ووحدة‭ ‬أراضيه‭ ‬واستقلال‭ ‬قراره‭ ‬وسيادته‭ ‬والتمسك‭ ‬بخصوصيته‭ ‬الحضارية‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬القدم‭ ‬وميزاته‭ ‬الثقافية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إعلاء‭ ‬شأنه‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭. ‬ليساهم‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬التمثيلي‭ ‬المعتمد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬وما‭ ‬يعكسه‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬للشعب‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬القرار‭ ‬والسلطة،‭ ‬عبر‭ ‬نواب‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للجهات‭ ‬والأقاليم‭ ‬أو‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية،‭ ‬من‭ ‬سيادة‭ ‬للشعب‭ ‬ووجود‭ ‬آليات‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬

فالاستقلال‭ ‬يظل‭ ‬قرين‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬ومفهومها‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬كل‭ ‬تونسي‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬الأمر‭ ‬رهين‭ ‬الالتزام‭ ‬بشروط‭ ‬تحقيقيها‭. ‬فتطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬الموجة‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬المنتوجات‭ ‬الفلاحية‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الصناعات‭ ‬وإنتاج‭ ‬المواد‭ ‬الطاقية‭ ‬وغيرها‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الحاجيات‭ ‬من‭ ‬الأدوية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الأخرى‭ ‬يعزز‭ ‬علاقة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والدولة‭.‬

وقد‭ ‬اتخذت‭ ‬سلطة‭ ‬الإشراف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬شملت‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬حيوية‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬تعلق‭ ‬بعدة‭ ‬مجالات‭ ‬فلاحية‭ ‬وصناعية‭ ‬ومالية‭ ‬واقتصادية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إجراءات‭ ‬وقرارات‭ ‬ومراجعات‭ ‬أخرى‭ ‬شملت‭ ‬مجالات‭ ‬النقل‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتكوين‭ ‬المهني‭ ‬والسياحة‭ ‬والاستثمار‭.. ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬تهدف‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وأبعادها‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬تنعكس‭ ‬نتائجها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬موازاة‭ ‬مع‭ ‬المساعي‭ ‬للنأي‭ ‬بالقرار‭ ‬الوطني‭ ‬عن‭ ‬التبعية‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬المحاور‭ ‬والاصطفاف‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬باتخاذ‭ ‬بلادنا‭ ‬لمواقف‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬والإنسانية‭ ‬ولعل‭ ‬أبرزها‭ ‬موقف‭ ‬تونس‭ ‬الثابت‭ ‬والمنحاز‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحق‭ ‬شعبها‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬والمراهنة‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬موسعة‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬علاقات‭ ‬الشراكة‭ ‬والتعاون‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬لتسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التونسية‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اتفاقات‭ ‬وشراكات‭ ‬موسعة‭ ‬خدمة‭ ‬للمصالح‭ ‬الوطنية‭.‬

فذكرى‭ ‬عيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬تحديات‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬وقعها‭ ‬بلادنا‭ ‬وتتطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬الدفع‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ومخارج‭ ‬ووضع‭ ‬استراتيجيات‭ ‬للتوقي‭ ‬من‭ ‬تداعياتها،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تعزيز‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بملف‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬لأبناء‭ ‬بلدان‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬وتداعيات‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬بلادنا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬محاولات‭ ‬إعادة‭ ‬تشكل‭ ‬المحاور‭ ‬والقوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.‬

فمضي‭ ‬بلادنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬البناء‭ ‬والإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬عبر‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬القاعدي‭ ‬الذي‭ ‬خول‭ ‬انخراط‭ ‬الشعب‭ ‬فيه‭ ‬بقوة‭ ‬يحمل‭ ‬آمال‭ ‬البعض‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬أزمة‭ ‬الثقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬والدولة‭ ‬والتي‭ ‬ساهمت‭ ‬منظومات‭ ‬الحكم‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬تعزيزها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تغييب‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬ومحاولات‭ ‬طمس‭ ‬معالمها‭ ‬ومناسباتها‭ ‬ومحطاتها‭ ‬الرمزية‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬ليعود‭ ‬بدلك‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬استقلال‭ ‬الدولة‭ ‬والقرار‭ ‬السيادي‭.‬

 

نزيهة‭ ‬الغضباني