إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

شهدت‭ ‬إقبالًا‭ ‬جماهيريا‭ ‬لافتا‭.. ‬ومسابقات‭ ‬وطنية‭ ‬وفقرات‭ ‬متنوعة.. اختتام‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬بالعرض‭ ‬التونسي‭ ‬‮«‬راس‭ ‬الفتلة‭ ‬خيوط‮»‬

‭* ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس‭ ‬يقدم‭ ‬فيلمه‭ ‬الأول‭ ‬للتحريك‭ ‬خلال‭ ‬التظاهرة

‭* ‬عروض‭ ‬متنوعة‭ ‬وتجارب‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬الجمهور‭ ‬التونسي

‭* ‬دورة‭ ‬هادفة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المضامين‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحدث

اختتمت‭ ‬مساء‭ ‬أمس‭ ‬السبت‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬لأيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬غرة‭ ‬فيفري‭ ‬الجاري‭. ‬وأبرز‭ ‬ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬بخصوص‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أنها‭ ‬شهدت‭ ‬حضورًا‭ ‬جماهيريًا‭ ‬واسعًا‭ ‬ولافتًا‭ ‬للانتباه،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬جمهور‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬حضروا‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬وشاركوا‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الورشات‭ ‬التي‭ ‬انتظمت‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬وواكبوا‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬المسابقة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتحريك‭ ‬العرائس‭ ‬والعروض‭ ‬القياسية‭ ‬الخيطية‭ ‬التي‭ ‬انتظمت‭ (‬الخميس‭ ‬6‭ ‬فيفري‭) ‬بمدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬بمشاركة‭ ‬14‭ ‬محركًا‭ ‬للعرائس‭.‬

ومن‭ ‬اللحظات‭ ‬الفارقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرة،‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬برنامجها‭ ‬أنشطة‭ ‬مكثفة‭ ‬ومتنوعة،‭ ‬تقديم‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس‭ ‬لفيلمه‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬سينما‭ ‬التحريك‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬طرف‭ ‬الخيط‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬إمضاء‭ ‬زياد‭ ‬لمين‭. ‬عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬أنتج‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للسينما‭ ‬والصورة،‭ ‬بقاعة‭ ‬‮«‬صوفي‭ ‬القلي‮»‬‭ ‬بمدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي،‭ ‬التي‭ ‬احتضنت‭ ‬أيضًا‭ ‬يومي‭ ‬6‭ ‬و7‭ ‬فيفري‭ ‬2025‭ ‬عشرة‭ (‬10‭) ‬أفلام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاختصاص‭.‬

الفيلم‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الفيلم‭ ‬القصير‭ (‬ثماني‭ ‬دقائق‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬مضامين‭ ‬هادفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعرضه‭ ‬لمعاناة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬لمدة‭ ‬15‭ ‬شهرًا‭ ‬عدوانًا‭ ‬صهيونيًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

يتناول‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬طرف‭ ‬الخيط‮»‬‭ ‬قصة‭ ‬طفل‭ ‬فلسطيني‭ ‬صغير‭ ‬استشهد‭ ‬والده‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬جنديًا‭ ‬طيارًا‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬يلعب‭ ‬بالطائرة‭ ‬الورقية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬يقطنه،‭ ‬فتولد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفتى،‭ ‬الذي‭ ‬شاهد‭ ‬القصف‭ ‬الجائر‭ ‬والغاشم‭ ‬من‭ ‬العدو‭ ‬المحتل،‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬طيارًا‭. ‬وبدأت‭ ‬سينما‭ ‬التحريك‭ ‬في‭ ‬تونس‭ (‬تاريخيًا‭ ‬انطلقت‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭) ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستينات،‭ ‬ويعتبر‭ ‬السينمائي‭ ‬منجي‭ ‬صانشو‭ ‬رائد‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬عبر‭ ‬إنجازه‭ ‬لشريطه‭ ‬القصير‭ ‬‮«‬العودة‭ ‬المدرسية‮»‬‭ ‬والمتحصّل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬الدولي‭ ‬لفيلم‭ ‬الهواة‭ ‬بقليبية‭ ‬سنة‭ ‬1965‭. ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬منحة‭ ‬لدراسة‭ ‬‮«‬سينما‭ ‬التحريك‮»‬‭ ‬في‭ ‬بلغاريا،‭ ‬وختمها‭ ‬بمشروعه‭ ‬للتخرج‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬‮«‬تاجر‭ ‬قبعات‭ ‬الفاس‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مهرجان‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬يعتبر‭ ‬حديثًا‭ ‬نسبيًا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬السادسة‭ ‬ويعتمد‭ ‬بالخصوص‭ ‬على‭ ‬الإمكانيات‭ ‬الذاتية‭ ‬للمركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس،‭ ‬فإنه‭ ‬أصبح‭ ‬قبلة‭ ‬للفنانين‭ ‬العرائسيين‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أنحاء‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬وشهدت‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬إقبالًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬ولئن‭ ‬كان‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬فإنه‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬مرفقين‭ ‬بالأولياء‭ ‬الذين‭ ‬واكبوا‭ ‬بدورهم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنشطة،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظين‭ ‬لم‭ ‬يترددوا‭ ‬في‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬هو‭ ‬المهرجان‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لخصوصيته‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وللاقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬بعروض‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬ومن‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العروض‭ ‬العالمية‭ ‬الهامة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬كان‭ ‬حافلًا‭ ‬بالعروض‭ ‬التنشيطية‭ ‬والعرائسية‭ ‬المجانية‭ ‬في‭ ‬بهو‭ ‬مدينة‭ ‬الثقافة‭.‬

وطبعًا،‭ ‬يحسب‭ ‬هذا‭ ‬الإقبال‭ ‬لهيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬المهرجان‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬برمجة‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬مهمة‭ ‬وهي‭ ‬منتقاة‭ ‬جيدًا‭ ‬بهدف‭ ‬تطوير‭ ‬إدراك‭ ‬الطفل‭ ‬ووعيه‭.‬

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬لأيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬شهدت‭ ‬مشاركة‭ ‬19‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬فرنسا،‭ ‬إسبانيا،‭ ‬بولونيا،‭ ‬هولندا،‭ ‬والبرازيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مشاركة‭ ‬عربية‭ ‬هامة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬والسعودية،‭ ‬وسوريا،‭ ‬ومصر‭ ‬مع‭ ‬حضور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬عرائسي،‭ ‬وتم‭ ‬تقديم‭ ‬عشرات‭ ‬العروض‭ ‬الوطنية‭ ‬والأجنبية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬أغلبها‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬حديثة‭ ‬وظفت‭ ‬لخدمة‭ ‬فنون‭ ‬العرائس‭ ‬التقليدية‭.‬

وقد‭ ‬قدمت‭ ‬الدول‭ ‬المشاركة‭ ‬عروضًا‭ ‬تفاعلية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬سينوغرافيا‭ ‬متطورة‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬حديثة،‭ ‬وتقنيات‭ ‬مستجدة‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬العروسة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المؤثرات‭ ‬الصوتية‭ ‬ومنها‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد،‭ ‬كما‭ ‬حافظت‭ ‬عروض‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الروح‭ ‬التراثية‭ ‬باستخدام‭ ‬دمى‭ ‬مصنوعة‭ ‬يدويًا‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬محلية‭ ‬مختلفة،‭ ‬في‭ ‬محاكاة‭ ‬لقصص‭ ‬شعبية‭ ‬تونسية‭ ‬وعربية‭ ‬وأجنبية‭ ‬إنسانية‭ ‬خلقت‭ ‬فضاءً‭ ‬للتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والتجارب‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬المشاركة‭. ‬كما‭ ‬تميزت‭ ‬الدورة‭ ‬بتقديم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الورشات‭ ‬المتخصصة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬ورشات‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬فنانين‭ ‬تونسيين‭ ‬وضيوف‭ ‬عرب‭ ‬أو‭ ‬أجانب‭.‬

ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬العروض‭ ‬والأنشطة‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ (‬مدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬ودار‭ ‬المسرحي‭ ‬بباردو‭ ‬بالخصوص‭) ‬بل‭ ‬توسعت‭ ‬لتشمل‭ ‬بعض‭ ‬الفضاءات‭ ‬بولايات‭ ‬نابل‭ ‬والمهدية‭ ‬والمنستير‭.‬

وكان‭ ‬المهرجان‭ ‬قد‭ ‬افتتح‭ ‬بالمسرحية‭ ‬التونسية‭ ‬‮«‬المسخ”‭ (‬Metamorphosis‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬أسامة‭ ‬الحنايني‭ ‬،‭ ‬ويتعرض‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬النفسي‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الإنسان‭ ‬عند‭ ‬تعرضه‭ ‬لمشاكل‭ ‬وأزمات‭ ‬تجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬غربة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

وتشارك‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المبدعة‭ ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أميمة‭ ‬المجادي،‭ ‬وخلود‭ ‬الثابت،‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬الكشطاني،‭ ‬وغسان‭ ‬السويسي،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬العرض‭ ‬مقتبس‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬التحول‮»‬‭ ‬للفيلسوف‭ ‬‮«‬كافكا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬خاصة‭ ‬بمشاركة‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس،‭ ‬ومسرح‭ ‬أوبرا‭ ‬تونس،‭ ‬والمسرح‭ ‬الوطني،‭ ‬وحظي‭ ‬بدعم‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الثقافية‭.‬

أما‭ ‬عرض‭ ‬الختام‭ ‬فكان‭ ‬بمسرحية‭ ‬‮«‬للمصمم‭ ‬العرائسي‭ ‬حافظ‭ ‬زليط‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬راس‭ ‬الفتلة‭ ‬خيوط‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬ورشة‭ ‬عمل‭ ‬نظمت‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬لسنة‭ ‬2023،‭ ‬وهو‭ ‬توليفة‭ ‬بين‭ ‬الكوريغرافيا‭ ‬والرقص‭ ‬والتحريك‭ (‬خمس‭ ‬عرائس‭)‬،‭ ‬والعمل‭ ‬مستلهم‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬للكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الشهير‭ ‬بيتر‭ ‬أندرسون‭ ‬صاحب‭ ‬قصة‭ ‬البطة‭ ‬القبيحة‭ ‬وبائعة‭ ‬الكبريت‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهي‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬حكاية‭ ‬أم”‭. ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬حافظ‭ ‬زليط‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الموت‭ ‬لاستعراض‭ ‬حكاياتهم‭ ‬وقصة‭ ‬حياتهم‭ ‬لتتشابك‭ ‬الخيوط،‭ ‬خيوط‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يشتركون‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬هم‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬الموت‭.‬

وكما‭ ‬سبق‭ ‬وذكرت،‭ ‬فإن‭ ‬برنامج‭ ‬التظاهرة‭ ‬تضمن‭ ‬عددًا‭ ‬هامًا‭ ‬من‭ ‬ورشات‭ ‬العمل‭ (‬11‭ ‬ورشة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬وتحريك‭ ‬العرائس‭ ‬و4‭ ‬ماستر‭ ‬كلاس‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬التجارب‭ ‬الملفتة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬نذكر‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬البرازيلي‭ ‬باولو‭ ‬برناردو،‭ ‬الذي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الإقامة‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬العرائس‭ ‬العملاقة،‭ ‬لفائدة‭ ‬طلبة‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفن‭ ‬المسرحي‭ (‬من‭ ‬20‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬جانفي‭ ‬2025‭).‬

شهدت‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أيضًا‭ ‬تقديم‭ ‬كتاب‭ ‬العرائسي‭ ‬الإماراتي‭ ‬عدنان‭ ‬سلوم‭ ‬حول‭ ‬فنون‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي،‭ ‬وخصصت‭ ‬مساحة‭ ‬للهواية‭ ‬حيث‭ ‬عرض‭ ‬عمل‭ ‬لدار‭ ‬الثقافة‭ ‬باب‭ ‬بحر‭ ‬بصفاقس‭ ‬وعملين‭ ‬لمؤسسة‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬للمسرح‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬المتحدة‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬قسم‭ ‬الهواة‭.‬

أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬شهدت‭ ‬أيضًا‭ ‬معرضًا‭ ‬عرائسيًا‭ ‬وتجاريًا‭ ‬بمشاركة‭ ‬عدد‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الحرفيين‭ ‬والعرائسين‭.‬

إذن،‭ ‬أنشطة‭ ‬عديدة‭ ‬شهدها‭ ‬جمهور‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أسبوع،‭ ‬وأغلبها‭ ‬هادفة‭ ‬وجيدة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬لحظات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬سيركوس‮»‬‭ ‬بإمضاء‭ ‬جوردي‭ ‬بيرتران‭ (‬إسبانيا‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬مسرح‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وقد‭ ‬استمتع‭ ‬الجمهور‭ ‬لمدة‭ ‬50‭ ‬دقيقة‭ ‬بمشاهد‭ ‬ساحرة‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬شارلي‭ ‬شابلن‭ ‬الشهيرة‭. ‬ويعتبر‭ ‬العرض‭ ‬العالمي‭ ‬لمسرحية‭ ‬‮«‬الفتاة‭ ‬ذات‭ ‬الحقيبة‭ ‬الصغيرة‮»‬‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬المهمة‭.‬

ويعد‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬وفق‭ ‬النقاد‭ ‬تحفة‭ ‬فنية‭ ‬وهو‭ ‬يمثل‭ ‬لقاء‭ ‬بين‭ ‬الطفولة‭ ‬والإبداع،‭ ‬ليأسر‭ ‬الجمهور‭ ‬برسائله‭ ‬العميقة‭ ‬وصوره‭ ‬الفنية‭ ‬الفريدة‭.‬

العرض‭ ‬موجه‭ ‬للأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬ويمزج‭ ‬بين‭ ‬العرائس‭ ‬والرقص‭ ‬بأسلوب‭ ‬مبتكر‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬والموسيقى‭ ‬وفن‭ ‬خيال‭ ‬الظل‭.‬

تدور‭ ‬الأحداث‭ ‬حول‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مليء‭ ‬بالتحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الكبار،‭ ‬لكنها‭ ‬ترى‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬بعين‭ ‬الطفولة‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬جمهور‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬إزاء‭ ‬رحلة‭ ‬ساحرة‭ ‬ترويها‭ ‬الصور‭ ‬والموسيقى‭ ‬ومسرح‭ ‬خيال‭ ‬الظل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عيون‭ ‬طفلة‭ ‬صغيرة‭ ‬تحمل‭ ‬حقيبتها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكبار،‭ ‬حيث‭ ‬تختبر‭ ‬مشاعر‭ ‬الإنسان‭ ‬المختلفة‭ ‬والمتقلبة،‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬الخوف‭ ‬والصداقة‭ ‬والتضامن‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والتنمر‭ ‬وغيرها‭. ‬والعمل‭ ‬بإمضاء‭ ‬الفنان‭ ‬العالمي‭ ‬ديميتريس‭ ‬ستامو‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬رواد‭ ‬فن‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كانت‭ ‬دورة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬البرمجة‭ ‬المتنوعة‭ ‬وأيضًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسائل‭ ‬الهادفة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭. ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬إهداء‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬الافتتاح‭ ‬لفلسطين‭ ‬وقضيتها‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬أول‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬سينما‭ ‬التحريك‭ ‬حول‭ ‬فلسطين‭ ‬أيضًا‭. ‬برزت‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أيضًا‭ ‬بعدد‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الاستضافات‭ ‬الجيدة‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬طبعًا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬نبني‭ ‬حتى‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬ونطور‭ ‬العمل‭ ‬طبعًا‭.‬

◗‭ ‬ح‭ ‬س

شهدت‭ ‬إقبالًا‭ ‬جماهيريا‭ ‬لافتا‭.. ‬ومسابقات‭ ‬وطنية‭ ‬وفقرات‭ ‬متنوعة.. اختتام‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬بالعرض‭ ‬التونسي‭ ‬‮«‬راس‭ ‬الفتلة‭ ‬خيوط‮»‬

‭* ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس‭ ‬يقدم‭ ‬فيلمه‭ ‬الأول‭ ‬للتحريك‭ ‬خلال‭ ‬التظاهرة

‭* ‬عروض‭ ‬متنوعة‭ ‬وتجارب‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬الجمهور‭ ‬التونسي

‭* ‬دورة‭ ‬هادفة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المضامين‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحدث

اختتمت‭ ‬مساء‭ ‬أمس‭ ‬السبت‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬لأيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬غرة‭ ‬فيفري‭ ‬الجاري‭. ‬وأبرز‭ ‬ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬بخصوص‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أنها‭ ‬شهدت‭ ‬حضورًا‭ ‬جماهيريًا‭ ‬واسعًا‭ ‬ولافتًا‭ ‬للانتباه،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬جمهور‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬حضروا‭ ‬العروض‭ ‬المسرحية‭ ‬وشاركوا‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الورشات‭ ‬التي‭ ‬انتظمت‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬وواكبوا‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬المسابقة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتحريك‭ ‬العرائس‭ ‬والعروض‭ ‬القياسية‭ ‬الخيطية‭ ‬التي‭ ‬انتظمت‭ (‬الخميس‭ ‬6‭ ‬فيفري‭) ‬بمدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬بمشاركة‭ ‬14‭ ‬محركًا‭ ‬للعرائس‭.‬

ومن‭ ‬اللحظات‭ ‬الفارقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرة،‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬برنامجها‭ ‬أنشطة‭ ‬مكثفة‭ ‬ومتنوعة،‭ ‬تقديم‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس‭ ‬لفيلمه‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬سينما‭ ‬التحريك‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬طرف‭ ‬الخيط‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬إمضاء‭ ‬زياد‭ ‬لمين‭. ‬عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬أنتج‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للسينما‭ ‬والصورة،‭ ‬بقاعة‭ ‬‮«‬صوفي‭ ‬القلي‮»‬‭ ‬بمدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشاذلي‭ ‬القليبي،‭ ‬التي‭ ‬احتضنت‭ ‬أيضًا‭ ‬يومي‭ ‬6‭ ‬و7‭ ‬فيفري‭ ‬2025‭ ‬عشرة‭ (‬10‭) ‬أفلام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاختصاص‭.‬

الفيلم‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الفيلم‭ ‬القصير‭ (‬ثماني‭ ‬دقائق‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬مضامين‭ ‬هادفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعرضه‭ ‬لمعاناة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬لمدة‭ ‬15‭ ‬شهرًا‭ ‬عدوانًا‭ ‬صهيونيًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

يتناول‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬طرف‭ ‬الخيط‮»‬‭ ‬قصة‭ ‬طفل‭ ‬فلسطيني‭ ‬صغير‭ ‬استشهد‭ ‬والده‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬جنديًا‭ ‬طيارًا‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬يلعب‭ ‬بالطائرة‭ ‬الورقية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬يقطنه،‭ ‬فتولد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفتى،‭ ‬الذي‭ ‬شاهد‭ ‬القصف‭ ‬الجائر‭ ‬والغاشم‭ ‬من‭ ‬العدو‭ ‬المحتل،‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬طيارًا‭. ‬وبدأت‭ ‬سينما‭ ‬التحريك‭ ‬في‭ ‬تونس‭ (‬تاريخيًا‭ ‬انطلقت‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭) ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستينات،‭ ‬ويعتبر‭ ‬السينمائي‭ ‬منجي‭ ‬صانشو‭ ‬رائد‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬عبر‭ ‬إنجازه‭ ‬لشريطه‭ ‬القصير‭ ‬‮«‬العودة‭ ‬المدرسية‮»‬‭ ‬والمتحصّل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬الدولي‭ ‬لفيلم‭ ‬الهواة‭ ‬بقليبية‭ ‬سنة‭ ‬1965‭. ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬منحة‭ ‬لدراسة‭ ‬‮«‬سينما‭ ‬التحريك‮»‬‭ ‬في‭ ‬بلغاريا،‭ ‬وختمها‭ ‬بمشروعه‭ ‬للتخرج‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬‮«‬تاجر‭ ‬قبعات‭ ‬الفاس‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مهرجان‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬يعتبر‭ ‬حديثًا‭ ‬نسبيًا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬السادسة‭ ‬ويعتمد‭ ‬بالخصوص‭ ‬على‭ ‬الإمكانيات‭ ‬الذاتية‭ ‬للمركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس،‭ ‬فإنه‭ ‬أصبح‭ ‬قبلة‭ ‬للفنانين‭ ‬العرائسيين‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أنحاء‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬وشهدت‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬إقبالًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬ولئن‭ ‬كان‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬فإنه‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬مرفقين‭ ‬بالأولياء‭ ‬الذين‭ ‬واكبوا‭ ‬بدورهم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنشطة،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظين‭ ‬لم‭ ‬يترددوا‭ ‬في‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬هو‭ ‬المهرجان‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لخصوصيته‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وللاقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬بعروض‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬ومن‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العروض‭ ‬العالمية‭ ‬الهامة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬كان‭ ‬حافلًا‭ ‬بالعروض‭ ‬التنشيطية‭ ‬والعرائسية‭ ‬المجانية‭ ‬في‭ ‬بهو‭ ‬مدينة‭ ‬الثقافة‭.‬

وطبعًا،‭ ‬يحسب‭ ‬هذا‭ ‬الإقبال‭ ‬لهيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬المهرجان‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬برمجة‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬مهمة‭ ‬وهي‭ ‬منتقاة‭ ‬جيدًا‭ ‬بهدف‭ ‬تطوير‭ ‬إدراك‭ ‬الطفل‭ ‬ووعيه‭.‬

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الدورة‭ ‬السادسة‭ ‬لأيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬شهدت‭ ‬مشاركة‭ ‬19‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬فرنسا،‭ ‬إسبانيا،‭ ‬بولونيا،‭ ‬هولندا،‭ ‬والبرازيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مشاركة‭ ‬عربية‭ ‬هامة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬والسعودية،‭ ‬وسوريا،‭ ‬ومصر‭ ‬مع‭ ‬حضور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬عرائسي،‭ ‬وتم‭ ‬تقديم‭ ‬عشرات‭ ‬العروض‭ ‬الوطنية‭ ‬والأجنبية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬أغلبها‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬حديثة‭ ‬وظفت‭ ‬لخدمة‭ ‬فنون‭ ‬العرائس‭ ‬التقليدية‭.‬

وقد‭ ‬قدمت‭ ‬الدول‭ ‬المشاركة‭ ‬عروضًا‭ ‬تفاعلية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬سينوغرافيا‭ ‬متطورة‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬حديثة،‭ ‬وتقنيات‭ ‬مستجدة‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬العروسة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المؤثرات‭ ‬الصوتية‭ ‬ومنها‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد،‭ ‬كما‭ ‬حافظت‭ ‬عروض‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الروح‭ ‬التراثية‭ ‬باستخدام‭ ‬دمى‭ ‬مصنوعة‭ ‬يدويًا‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬محلية‭ ‬مختلفة،‭ ‬في‭ ‬محاكاة‭ ‬لقصص‭ ‬شعبية‭ ‬تونسية‭ ‬وعربية‭ ‬وأجنبية‭ ‬إنسانية‭ ‬خلقت‭ ‬فضاءً‭ ‬للتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والتجارب‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬المشاركة‭. ‬كما‭ ‬تميزت‭ ‬الدورة‭ ‬بتقديم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الورشات‭ ‬المتخصصة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬ورشات‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬فنانين‭ ‬تونسيين‭ ‬وضيوف‭ ‬عرب‭ ‬أو‭ ‬أجانب‭.‬

ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬العروض‭ ‬والأنشطة‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ (‬مدينة‭ ‬الثقافة‭ ‬ودار‭ ‬المسرحي‭ ‬بباردو‭ ‬بالخصوص‭) ‬بل‭ ‬توسعت‭ ‬لتشمل‭ ‬بعض‭ ‬الفضاءات‭ ‬بولايات‭ ‬نابل‭ ‬والمهدية‭ ‬والمنستير‭.‬

وكان‭ ‬المهرجان‭ ‬قد‭ ‬افتتح‭ ‬بالمسرحية‭ ‬التونسية‭ ‬‮«‬المسخ”‭ (‬Metamorphosis‭) ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬أسامة‭ ‬الحنايني‭ ‬،‭ ‬ويتعرض‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬النفسي‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الإنسان‭ ‬عند‭ ‬تعرضه‭ ‬لمشاكل‭ ‬وأزمات‭ ‬تجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬غربة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

وتشارك‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المبدعة‭ ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أميمة‭ ‬المجادي،‭ ‬وخلود‭ ‬الثابت،‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬الكشطاني،‭ ‬وغسان‭ ‬السويسي،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬العرض‭ ‬مقتبس‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬التحول‮»‬‭ ‬للفيلسوف‭ ‬‮«‬كافكا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬خاصة‭ ‬بمشاركة‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس،‭ ‬ومسرح‭ ‬أوبرا‭ ‬تونس،‭ ‬والمسرح‭ ‬الوطني،‭ ‬وحظي‭ ‬بدعم‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الثقافية‭.‬

أما‭ ‬عرض‭ ‬الختام‭ ‬فكان‭ ‬بمسرحية‭ ‬‮«‬للمصمم‭ ‬العرائسي‭ ‬حافظ‭ ‬زليط‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬راس‭ ‬الفتلة‭ ‬خيوط‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬ورشة‭ ‬عمل‭ ‬نظمت‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬لسنة‭ ‬2023،‭ ‬وهو‭ ‬توليفة‭ ‬بين‭ ‬الكوريغرافيا‭ ‬والرقص‭ ‬والتحريك‭ (‬خمس‭ ‬عرائس‭)‬،‭ ‬والعمل‭ ‬مستلهم‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬للكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الشهير‭ ‬بيتر‭ ‬أندرسون‭ ‬صاحب‭ ‬قصة‭ ‬البطة‭ ‬القبيحة‭ ‬وبائعة‭ ‬الكبريت‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهي‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬حكاية‭ ‬أم”‭. ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬حافظ‭ ‬زليط‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الموت‭ ‬لاستعراض‭ ‬حكاياتهم‭ ‬وقصة‭ ‬حياتهم‭ ‬لتتشابك‭ ‬الخيوط،‭ ‬خيوط‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يشتركون‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬هم‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬الموت‭.‬

وكما‭ ‬سبق‭ ‬وذكرت،‭ ‬فإن‭ ‬برنامج‭ ‬التظاهرة‭ ‬تضمن‭ ‬عددًا‭ ‬هامًا‭ ‬من‭ ‬ورشات‭ ‬العمل‭ (‬11‭ ‬ورشة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬وتحريك‭ ‬العرائس‭ ‬و4‭ ‬ماستر‭ ‬كلاس‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬التجارب‭ ‬الملفتة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬نذكر‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬البرازيلي‭ ‬باولو‭ ‬برناردو،‭ ‬الذي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الإقامة‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬العرائس‭ ‬العملاقة،‭ ‬لفائدة‭ ‬طلبة‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفن‭ ‬المسرحي‭ (‬من‭ ‬20‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬جانفي‭ ‬2025‭).‬

شهدت‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أيضًا‭ ‬تقديم‭ ‬كتاب‭ ‬العرائسي‭ ‬الإماراتي‭ ‬عدنان‭ ‬سلوم‭ ‬حول‭ ‬فنون‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي،‭ ‬وخصصت‭ ‬مساحة‭ ‬للهواية‭ ‬حيث‭ ‬عرض‭ ‬عمل‭ ‬لدار‭ ‬الثقافة‭ ‬باب‭ ‬بحر‭ ‬بصفاقس‭ ‬وعملين‭ ‬لمؤسسة‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬للمسرح‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬المتحدة‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬قسم‭ ‬الهواة‭.‬

أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬شهدت‭ ‬أيضًا‭ ‬معرضًا‭ ‬عرائسيًا‭ ‬وتجاريًا‭ ‬بمشاركة‭ ‬عدد‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الحرفيين‭ ‬والعرائسين‭.‬

إذن،‭ ‬أنشطة‭ ‬عديدة‭ ‬شهدها‭ ‬جمهور‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أسبوع،‭ ‬وأغلبها‭ ‬هادفة‭ ‬وجيدة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬لحظات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬سيركوس‮»‬‭ ‬بإمضاء‭ ‬جوردي‭ ‬بيرتران‭ (‬إسبانيا‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬مسرح‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وقد‭ ‬استمتع‭ ‬الجمهور‭ ‬لمدة‭ ‬50‭ ‬دقيقة‭ ‬بمشاهد‭ ‬ساحرة‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬شارلي‭ ‬شابلن‭ ‬الشهيرة‭. ‬ويعتبر‭ ‬العرض‭ ‬العالمي‭ ‬لمسرحية‭ ‬‮«‬الفتاة‭ ‬ذات‭ ‬الحقيبة‭ ‬الصغيرة‮»‬‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬المهمة‭.‬

ويعد‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬وفق‭ ‬النقاد‭ ‬تحفة‭ ‬فنية‭ ‬وهو‭ ‬يمثل‭ ‬لقاء‭ ‬بين‭ ‬الطفولة‭ ‬والإبداع،‭ ‬ليأسر‭ ‬الجمهور‭ ‬برسائله‭ ‬العميقة‭ ‬وصوره‭ ‬الفنية‭ ‬الفريدة‭.‬

العرض‭ ‬موجه‭ ‬للأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬ويمزج‭ ‬بين‭ ‬العرائس‭ ‬والرقص‭ ‬بأسلوب‭ ‬مبتكر‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬والموسيقى‭ ‬وفن‭ ‬خيال‭ ‬الظل‭.‬

تدور‭ ‬الأحداث‭ ‬حول‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مليء‭ ‬بالتحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الكبار،‭ ‬لكنها‭ ‬ترى‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬بعين‭ ‬الطفولة‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬جمهور‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬إزاء‭ ‬رحلة‭ ‬ساحرة‭ ‬ترويها‭ ‬الصور‭ ‬والموسيقى‭ ‬ومسرح‭ ‬خيال‭ ‬الظل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عيون‭ ‬طفلة‭ ‬صغيرة‭ ‬تحمل‭ ‬حقيبتها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكبار،‭ ‬حيث‭ ‬تختبر‭ ‬مشاعر‭ ‬الإنسان‭ ‬المختلفة‭ ‬والمتقلبة،‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬الخوف‭ ‬والصداقة‭ ‬والتضامن‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والتنمر‭ ‬وغيرها‭. ‬والعمل‭ ‬بإمضاء‭ ‬الفنان‭ ‬العالمي‭ ‬ديميتريس‭ ‬ستامو‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬رواد‭ ‬فن‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كانت‭ ‬دورة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬البرمجة‭ ‬المتنوعة‭ ‬وأيضًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسائل‭ ‬الهادفة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬لفنون‭ ‬العرائس‭. ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬إهداء‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬الافتتاح‭ ‬لفلسطين‭ ‬وقضيتها‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬أول‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬لفن‭ ‬العرائس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬سينما‭ ‬التحريك‭ ‬حول‭ ‬فلسطين‭ ‬أيضًا‭. ‬برزت‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أيضًا‭ ‬بعدد‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الاستضافات‭ ‬الجيدة‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬طبعًا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬نبني‭ ‬حتى‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬ونطور‭ ‬العمل‭ ‬طبعًا‭.‬

◗‭ ‬ح‭ ‬س