◄ عميد المهندسين لـ«الصباح»: القطاع يضمّ حوالي 100 ألف مهندس والظروف المادية والمهنية من أبرز أسباب الهجرة
تيار يجتاح أغلب القطاعات ونزيف متواصل، تلك هي ظاهرة هجرة الكفاءات والأدمغة، مع معادلة صعبة حيث لا يمكنك أن تجبر أي شخص على البقاء وعدم الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل وبيئة تلبّي حاجياته المادية وترضي أحلامه وبحثه عن التميّز، ولكن في المقابل تخسر تونس كدولة كفاءات فذّة سنويا في مجالات مختلفة، وفي ذلك خسارة فادحة في النسيج المجتمعي والاقتصادي كذلك ..
هجرة المهندسين تعد من أبرز الهجرات التي باتت انعكاساتها السلبية واضحة للعيان ومؤثّرة حتى على خلق الثروة، وفق تصريح خاصّ أدلى به عميد المهندسين كمال سحنون، خاصة وأن الأرقام حول هجرة المهندسين التونسيين إلى وجهات مختلفة تبدو مفزعة حيث غادر سنة 2022 ما يناهز 6500 مهندس البلاد في تسجيل لرقم استثنائي ومخيف، في حين غادر البلاد سنة 2023 حوالي 4000 مهندس، ليكون معدّل الهجرة خلال السنوات الأخيرة في حدود 3000 مهندس سنويا، وهو رقم لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه، حيث أن كل هذه الكفاءات في مجال الهندسة تترك شغورات خطيرة في النسيج الاقتصادي الوطني في حين تستفيد بلدان الاستقبال مثل فرنسا وكندا وألمانيا وقطر وبلجيكا من كل تلك الكفاءات المهاجرة، وهي البلدان الأكثر استقبالا للمهندسين التونسيين، تلك الكفاءات التي تعلّمت وتكوّنت وتدرّبت في مدارس وجامعات تونس لا تستفيد منها البلاد لأنها لم توفّر لها الإمكانيات اللازمة التي تساعدها على البقاء .
ورغم مبادرة وزارة التعليم العالي للعمل على التخفيف من حدّة هجرة المهندسين التونسيين من خلال تقديمها بداية الشهر الجاري مجموعة من الإجراءات من خلال «دراسات لجنة التفكير الإستراتجية حول التكوين الهندسي بتونس إلى أفق سنة 2030»، ومن أبرز القرارات التي تم اتخاذها في هذه الإستراتيجية هو إعادة هيكلة شاملة لنظام التكوين الهندسي وتكوين هندسي لخدمة المجتمع ودعم الاندماج مع التحولات الكبرى ودعم المجالات الكبرى في الهندسة التي تشكل الأولويات الوطنية.
عميد المهندسين يقترح الحلول
في تصريح خاص لـ «الصباح» قال عميد المهندسين كمال سحنون إن الخطوة التي قامت بها وزارة التعليم العالي مهمة ولكنها ليست كافية، وأنه قبل كل شيء يجب تحسين الأوضاع المالية والمادية للمهندسين وإقرار الزيادة التي كانت طالبت بها عمادة المهندسين وتعميمها على الجميع دون استثناءات مع ضمان مسار مهني يراعي الترقيات وتحسين ظروف العمل، وقال كمال سحنون: «حتى نوقف نزيف هجرة المهندسين التي تؤثر على الحركة الاقتصادية وعلى خلق الثروة وتحرم بلادنا من كفاءات نحن في أشدّ الحاجة لها لابدّ من العناية بالأوضاع المهنية والمادية للمهندسين عبر الزيادة في أجورهم وتوفير الأرضية الملائمة للابتكار وتشجيع المهندسين على بعث الشركات الناشئة ودعم الاستثمار ومع كل ذلك طبعا لابدّ من تقديم تكوين هندسي يواكب التطور التكنولوجي ويحسن التشغيلية وهي المبادرة التي تتبناها اليوم وزارة التعليم العالي والتي شكلت لجنة قيادة للحرص على متابعة مخرجات الكتاب الأبيض».
ويضيف سحنون: «اليوم هناك في تونس حوالي 100 ألف مهندس والمطلوب اليوم هو أن نتوقف على التعامل مع هجرة الكفاءات إنها أنقذتنا من توفير موطن شغل إضافي في وضع اقتصادي نعلم انه صعب على الجميع ولكن عوض عن ذلك يجب أن نفكّر أن تلك الكفاءات هي من سيخلق الثروة ويجب حمايتها وتوفير الظروف المهنية اللازمة لنضمن بقائها وهو ما راهنت عليه دول أخرى ونجحت فيه».
خطورة الظاهرة..
وأمام خطورة هذه الظاهرة اليوم هناك وعي من عدة أطراف سواء رسمية أو غير رسمية بخطورة ظاهرة هجرة الكفاءات الوطنية وقد كشفت نتائج دراسة نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في جويلية الماضي تحت عنوان:«هجرة الأدمغة من بين المهندسين في تونس: الأسباب والعواقب ومقترحات للسياسات الاقتصادية»، أن معدل الهجرة المثير للقلق للمهندسين التونسيين يؤثر بشدة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد واستدامة نموذجها الاقتصادي وقدرتها التنافسية الدولية ويحدّ من قدرتها على تحقيق انتقالها الطاقي والرقمي والبيئي. كما أشارت هذه الدراسة أيضا إلى أن تأثيرات هذه الهجرة لا تقتصر على الجيل الحالي، بل يمكنها أيضا أن تؤثر على الفرص المستقبلية، وأن تأثيرها السلبي سينتقل من جيل إلى جيل وقد ذكرت الدراسة التي أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية عددا من التأثيرات السلبية لهذه الهجرة ومنها انخفاض الخبرة والتجديد في تونس والتي تؤثّر على الإنتاجية الصناعية والقدرة التنافسية في الأسواق العالمية والاستثمارات في البحث والتطوير، كما أشارت الدراسة أيضا إلى أن تلك الهجرة تعمّق الفوارق بين البلدان الصناعية والنامية ذلك أن هجرة المهندسين تتسبب في تآكل قاعدة الكفاءات اللازمة للتدريس والبحث المحليين، وتعيق بالتالي مبادرات البحث والتطوير وتحدّ من قدرة البلاد على الاستجابة لتحديات محلية محدّدة بالإضافة إلى مخاطر الارتهان التكنولوجي على تونس وقدرتها على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر وتثبّط عزيمة المستثمرين المحتملين وتقلّل التمويل المتاح للبحث والتطوير بما يخلق حلقة مفرغة من نقص الاستثمار وذلك وفق ما ورد في الدراسة التي نشرها المعهد .
وقد قامت أيضا الدراسة بضبط التدخلات ذات الأولوية للإبقاء على المهندسين والتوقي من هجرة الكفاءات في تونس وتتعلق هذه التدخلات بتحسين ظروف العمل وتثمين المسارات المهنية والتدريب وملاءمة المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق الشغل إلى جانب تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي وتطوير البنية التحتية وتنشيط منظومة ريادة الأعمال.
منية العرفاوي
◄ عميد المهندسين لـ«الصباح»: القطاع يضمّ حوالي 100 ألف مهندس والظروف المادية والمهنية من أبرز أسباب الهجرة
تيار يجتاح أغلب القطاعات ونزيف متواصل، تلك هي ظاهرة هجرة الكفاءات والأدمغة، مع معادلة صعبة حيث لا يمكنك أن تجبر أي شخص على البقاء وعدم الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل وبيئة تلبّي حاجياته المادية وترضي أحلامه وبحثه عن التميّز، ولكن في المقابل تخسر تونس كدولة كفاءات فذّة سنويا في مجالات مختلفة، وفي ذلك خسارة فادحة في النسيج المجتمعي والاقتصادي كذلك ..
هجرة المهندسين تعد من أبرز الهجرات التي باتت انعكاساتها السلبية واضحة للعيان ومؤثّرة حتى على خلق الثروة، وفق تصريح خاصّ أدلى به عميد المهندسين كمال سحنون، خاصة وأن الأرقام حول هجرة المهندسين التونسيين إلى وجهات مختلفة تبدو مفزعة حيث غادر سنة 2022 ما يناهز 6500 مهندس البلاد في تسجيل لرقم استثنائي ومخيف، في حين غادر البلاد سنة 2023 حوالي 4000 مهندس، ليكون معدّل الهجرة خلال السنوات الأخيرة في حدود 3000 مهندس سنويا، وهو رقم لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه، حيث أن كل هذه الكفاءات في مجال الهندسة تترك شغورات خطيرة في النسيج الاقتصادي الوطني في حين تستفيد بلدان الاستقبال مثل فرنسا وكندا وألمانيا وقطر وبلجيكا من كل تلك الكفاءات المهاجرة، وهي البلدان الأكثر استقبالا للمهندسين التونسيين، تلك الكفاءات التي تعلّمت وتكوّنت وتدرّبت في مدارس وجامعات تونس لا تستفيد منها البلاد لأنها لم توفّر لها الإمكانيات اللازمة التي تساعدها على البقاء .
ورغم مبادرة وزارة التعليم العالي للعمل على التخفيف من حدّة هجرة المهندسين التونسيين من خلال تقديمها بداية الشهر الجاري مجموعة من الإجراءات من خلال «دراسات لجنة التفكير الإستراتجية حول التكوين الهندسي بتونس إلى أفق سنة 2030»، ومن أبرز القرارات التي تم اتخاذها في هذه الإستراتيجية هو إعادة هيكلة شاملة لنظام التكوين الهندسي وتكوين هندسي لخدمة المجتمع ودعم الاندماج مع التحولات الكبرى ودعم المجالات الكبرى في الهندسة التي تشكل الأولويات الوطنية.
عميد المهندسين يقترح الحلول
في تصريح خاص لـ «الصباح» قال عميد المهندسين كمال سحنون إن الخطوة التي قامت بها وزارة التعليم العالي مهمة ولكنها ليست كافية، وأنه قبل كل شيء يجب تحسين الأوضاع المالية والمادية للمهندسين وإقرار الزيادة التي كانت طالبت بها عمادة المهندسين وتعميمها على الجميع دون استثناءات مع ضمان مسار مهني يراعي الترقيات وتحسين ظروف العمل، وقال كمال سحنون: «حتى نوقف نزيف هجرة المهندسين التي تؤثر على الحركة الاقتصادية وعلى خلق الثروة وتحرم بلادنا من كفاءات نحن في أشدّ الحاجة لها لابدّ من العناية بالأوضاع المهنية والمادية للمهندسين عبر الزيادة في أجورهم وتوفير الأرضية الملائمة للابتكار وتشجيع المهندسين على بعث الشركات الناشئة ودعم الاستثمار ومع كل ذلك طبعا لابدّ من تقديم تكوين هندسي يواكب التطور التكنولوجي ويحسن التشغيلية وهي المبادرة التي تتبناها اليوم وزارة التعليم العالي والتي شكلت لجنة قيادة للحرص على متابعة مخرجات الكتاب الأبيض».
ويضيف سحنون: «اليوم هناك في تونس حوالي 100 ألف مهندس والمطلوب اليوم هو أن نتوقف على التعامل مع هجرة الكفاءات إنها أنقذتنا من توفير موطن شغل إضافي في وضع اقتصادي نعلم انه صعب على الجميع ولكن عوض عن ذلك يجب أن نفكّر أن تلك الكفاءات هي من سيخلق الثروة ويجب حمايتها وتوفير الظروف المهنية اللازمة لنضمن بقائها وهو ما راهنت عليه دول أخرى ونجحت فيه».
خطورة الظاهرة..
وأمام خطورة هذه الظاهرة اليوم هناك وعي من عدة أطراف سواء رسمية أو غير رسمية بخطورة ظاهرة هجرة الكفاءات الوطنية وقد كشفت نتائج دراسة نشرها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في جويلية الماضي تحت عنوان:«هجرة الأدمغة من بين المهندسين في تونس: الأسباب والعواقب ومقترحات للسياسات الاقتصادية»، أن معدل الهجرة المثير للقلق للمهندسين التونسيين يؤثر بشدة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد واستدامة نموذجها الاقتصادي وقدرتها التنافسية الدولية ويحدّ من قدرتها على تحقيق انتقالها الطاقي والرقمي والبيئي. كما أشارت هذه الدراسة أيضا إلى أن تأثيرات هذه الهجرة لا تقتصر على الجيل الحالي، بل يمكنها أيضا أن تؤثر على الفرص المستقبلية، وأن تأثيرها السلبي سينتقل من جيل إلى جيل وقد ذكرت الدراسة التي أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية عددا من التأثيرات السلبية لهذه الهجرة ومنها انخفاض الخبرة والتجديد في تونس والتي تؤثّر على الإنتاجية الصناعية والقدرة التنافسية في الأسواق العالمية والاستثمارات في البحث والتطوير، كما أشارت الدراسة أيضا إلى أن تلك الهجرة تعمّق الفوارق بين البلدان الصناعية والنامية ذلك أن هجرة المهندسين تتسبب في تآكل قاعدة الكفاءات اللازمة للتدريس والبحث المحليين، وتعيق بالتالي مبادرات البحث والتطوير وتحدّ من قدرة البلاد على الاستجابة لتحديات محلية محدّدة بالإضافة إلى مخاطر الارتهان التكنولوجي على تونس وقدرتها على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر وتثبّط عزيمة المستثمرين المحتملين وتقلّل التمويل المتاح للبحث والتطوير بما يخلق حلقة مفرغة من نقص الاستثمار وذلك وفق ما ورد في الدراسة التي نشرها المعهد .
وقد قامت أيضا الدراسة بضبط التدخلات ذات الأولوية للإبقاء على المهندسين والتوقي من هجرة الكفاءات في تونس وتتعلق هذه التدخلات بتحسين ظروف العمل وتثمين المسارات المهنية والتدريب وملاءمة المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق الشغل إلى جانب تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي وتطوير البنية التحتية وتنشيط منظومة ريادة الأعمال.