تحيي تونس اليوم الذكرى 14 لاندلاع شرارة ثورة 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد التي أطلق عليها ثورة الحرية والكرامة، التي كانت سببا لسقوط منظومة حكم بن علي الذي حكم البلاد لمدة 23 سنة إثر انتفاضة شعبية شاملة بعد فراره إلى خارج أرض الوطن يوم 14 جانفي 2011، لتكون ذكرى اليوم وسط أجواء تطغى عليها الصبغة الرسمية وفلسفتها تجديد الانتظارات لأوضاع اقتصادية تنموية واجتماعية أفضل وتستجيب لتطلعات المواطنين وتراهن على مقدرات الثروة الوطنية في جميع المجالات والقطاعات. خاصة أن منظومة الحكم القائمة اليوم موجهة ومهيأة لتحقيق جانب من تلك المطالب الإصلاحية الشاملة في الدولة.
فقرار رئيس الجمهورية قيس سعيد، تغيير تاريخ الاحتفال بذكرى ثورة 2011، من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر من كل عام، أعاد بالزمن السياسي لتونس اليوم إلى الزمن الثوري بما يحيل إليه من فتح الملفات والمطالب والاستحقاقات العالقة، خاصة أن ذكرى هذا العام تتزامن مع دخول بلادنا في مرحلة سياسية وتنظيمية جديدة بعد الخروج من مرحلة الحكم والتسيير الاستثنائي التي انطلقت منذ القرارات الرئاسية 25 جويلية 2021 وبعد أقل من ثلاثة أشهر من فوز سعيد بعهدة رئاسية جديدة وانطلاق السلطة التنفيذية عمليا في مرحلة سياسية جديدة وفق دستور جديد ومشروع يهدف لتكريس الجمهورية الجديدة وعنوانها الدولة الاجتماعية والعدالة التنموية بين جميع الجهات والأقاليم.
وتجدر الإشارة إلى أن منطلق الثورة التونسية كان إثر اشتعال شرارة الاحتجاجات الاجتماعية، يوم 17 ديسمبر 2010، في سيدي بوزيد بعد أن أضرم محمد البوعزيزي، النار في جسمه بعد أن تمت مصادرة عربته من قبل الشرطة البلدية، باعتباره كان بائعا متجولا يقتات من تلك العربة. ليجد تعاطفا واسعا خاصة أن البلاد كانت تعيش حالة احتقان كبيرة بسبب تزايد عدد الشباب العاطل عن العمل من حاملي شهائد عليا وجامعية وغيرهم، فضلا عن ظاهرة التفاوت في التنمية واهتمام السلط الرسمية بين الجهات فضلا عن صمت الجهات الرسمية عن تجاوزات المقربين من عائلة بن علي وبعض وزراء حكومته.
ولعل ما يميز الاحتفال بذكرى 14 للثورة التونسية هو قرار رئيس الجمهورية على العودة إلى المربع الأول للثورة التي انبنت على مطالب اجتماعية شعبية بالأساس، قبل أن يتم تحويل وجهة تلك المطالب إلى أخرى سياسية بالأساس استفادت منها فئة قليلة وكانت سببا لتوسيع دائرة الاحتقان الاجتماعي خلال عشرية حكم ما بعد الثورة. إذ كانت مثل هذه الذكرى السنوية أو الموعد القديم للاحتفال بالثورة في 14 جانفي من كل سنة، مناسبة لتجدد الاحتجاجات والتحركات في الشوارع والمدن التونسية تعبيرا عن رفض سياسة الحكم التي كانت قائمة وتمسكا بالمطالب والاستحقاقات التي قامت من أجلها الثورة، فيما كان اللجوء إلى الخيارات الأمنية والإيقافات والسجن في التعاطي مع مثل تلك التحركات التي كان الشباب والأطفال في مقدمتها.
ولئن دأبت عدة جهات على أن تكون سيدي بوزيد هي مركز الاحتفالية بهذه المناسبة من كل سنة عبر تنظيم مهرجان للغرض، فإن الأنظار تتجه في مناسبة هذا العام إلى أن يكون إحياء هذه الذكرى شاملا لكل الجهات التونسية، في سياق سياسة الدولة لتكريس العدالة بين الجهات في التنمية والمشاريع الإنمائية والإصلاحات وتطوير الخدمات في قطاعات الصحة والنقل والخدمات والإدارة وإعادة إحياء المؤسسات والمنشآت والمشاريع ذات الصبغة العمومية خلال المراحل القادمة، لتكون قاطرة للتنمية والتشغيل ومن أجل العمل على توفير حياة كريمة لكل المواطنين على حد السواء.
فتعميم سياسة الدولة في التصدي للانحرافات والفساد والاحتكار والقيام بإصلاحات تشريعية وقانونية وهيكلية تهدف في أبعادها وتفاصيلها إلى بناء دولة العدالة الاجتماعية تعد في حد ذاتها جزءا من الاحتفاء بذكرى إسقاط منظومة حكم ما قبل 2011 قيل أن قوامها الفساد. لتقطع بذلك السلطة القائمة اليوم مع كل مظاهر الاحتفال التي دأب عليها الجميع خلال عشرية ما بعد 2011 والتي كانت في مجملها، وبشهادة عدد كبير من متابعي الشأن الوطني، مناسبة للاتجار بالثورة وأهدافها والاتجار أيضا بآلام المواطنين وبيع الوهم والوعود الزائفة لهم، سواء خلال هذه الذكرى أو من خلال الوعود التي يقدمونها في الغرض في مختلف المحطات الانتخابية خلال تلك المرحلة.
لذلك لم تسجل الجهات والساحات والأحياء هبات شعبية ومظاهر الاحتفالية على غرار ما كانت تقوده أحزاب ومنظمات كانت طرفا في منظومات الحكم خلال المرحلة الماضية، بل طغت الصبغة العملية والتريث والانتظارات من قبل المواطنين خاصة في ظل ما حمله قانوني المالية وميزانية الدولة لسنة 2025 من آفاق إصلاحات وبرامج تنموية من ناحية، وما حملته توجهات الدولة في مؤسستها التشريعية بغرفتين فضلا عن التكامل المطلوب في عملها مع المجالس المحلية والجهوية على نحو تجعل مسألة التنمية والنهوض بالمناطق الداخلية والجهات مهمة مدسترة وليست مجرد شعار يرفع في حملات انتخابية أو سياقات سياسيوية ضيقة.
وهو ما تحاول جميع الأطراف الفاعلة في منظومة الحكم والتسيير في الدولة اليوم من مختلف مواقعها العمل على تكريسه وإثباته من خلال بوادر النتائج التي ما انفكت إرهاصاتها الأولى تتضح للعيان في عدة مجالات على مستويات محلية وجهوية ووطنية. ليكون ضمن العناوين الاحتفالية بذكرى اندلاع شرارة ثورة الحرية والكرامة. وهو تقريبا ما يحتاجه المواطن اليوم بعد أن خبر وملّ مظاهر الاحتفاليات الزائفة، إلى درجة أن المواطنين كثيرا ما رفعوا شعار "ديغاج" في وجه ممثلي الدولة في عدة مناسبات تنقلوا فيها إلى سيدي بوزيد أو غيرها من الجهات الأخرى في إطار سياقات ثورية سياسية أو تحركات ومطلبية اجتماعية بالأساس.
الولايات تحتفي بالثورة
في هذا السياق أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن برنامج يشمل عدة ولايات من الجمهورية التونسية في إطار الاحتفال بالعيد الوطني للثورة وذلك عبر تنظيم تظاهرات ثقافية مختلفة ومتنوّعة، تكون انطلاقتها من مهد اندلاعها بسيدي بوزيد باحتضانها في الفترة الفاصلة بين 16 و20 ديسمبر الجاري المهرجان الدّولي لثورة 17 ديسمبر للحرية والكرامة تحت شعار "ثورة 17 ديسمبر...إرادة شعب". لتكون احتفالية على وقع دعم القضية الفلسطينية تجمع بين العروض الفنية الملتزمة والندوات الفكرية.
ويذكر أن رئيس الحكومة كمال المدوري وأغلب وزراء حكومته كانوا قد أكدوا أنهم في تحد وبصدد القيام بإصلاحات ووضع تنفيذ برامج إصلاحية وتنموية شاملة تهدف في مجملها لتغيير واقع التونسيين للأفضل خلال المرحلة القادمة. لأن البعض يعتبر أن البرامج والمشاريع العملية هي أفضل احتفالية بهذه الذكرى لإعلان عن الدخول في مرحلة جديدة أقرب للواقع ومتطلباته تقطع مع الزيف والاتجار بالثورة.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
تحيي تونس اليوم الذكرى 14 لاندلاع شرارة ثورة 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد التي أطلق عليها ثورة الحرية والكرامة، التي كانت سببا لسقوط منظومة حكم بن علي الذي حكم البلاد لمدة 23 سنة إثر انتفاضة شعبية شاملة بعد فراره إلى خارج أرض الوطن يوم 14 جانفي 2011، لتكون ذكرى اليوم وسط أجواء تطغى عليها الصبغة الرسمية وفلسفتها تجديد الانتظارات لأوضاع اقتصادية تنموية واجتماعية أفضل وتستجيب لتطلعات المواطنين وتراهن على مقدرات الثروة الوطنية في جميع المجالات والقطاعات. خاصة أن منظومة الحكم القائمة اليوم موجهة ومهيأة لتحقيق جانب من تلك المطالب الإصلاحية الشاملة في الدولة.
فقرار رئيس الجمهورية قيس سعيد، تغيير تاريخ الاحتفال بذكرى ثورة 2011، من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر من كل عام، أعاد بالزمن السياسي لتونس اليوم إلى الزمن الثوري بما يحيل إليه من فتح الملفات والمطالب والاستحقاقات العالقة، خاصة أن ذكرى هذا العام تتزامن مع دخول بلادنا في مرحلة سياسية وتنظيمية جديدة بعد الخروج من مرحلة الحكم والتسيير الاستثنائي التي انطلقت منذ القرارات الرئاسية 25 جويلية 2021 وبعد أقل من ثلاثة أشهر من فوز سعيد بعهدة رئاسية جديدة وانطلاق السلطة التنفيذية عمليا في مرحلة سياسية جديدة وفق دستور جديد ومشروع يهدف لتكريس الجمهورية الجديدة وعنوانها الدولة الاجتماعية والعدالة التنموية بين جميع الجهات والأقاليم.
وتجدر الإشارة إلى أن منطلق الثورة التونسية كان إثر اشتعال شرارة الاحتجاجات الاجتماعية، يوم 17 ديسمبر 2010، في سيدي بوزيد بعد أن أضرم محمد البوعزيزي، النار في جسمه بعد أن تمت مصادرة عربته من قبل الشرطة البلدية، باعتباره كان بائعا متجولا يقتات من تلك العربة. ليجد تعاطفا واسعا خاصة أن البلاد كانت تعيش حالة احتقان كبيرة بسبب تزايد عدد الشباب العاطل عن العمل من حاملي شهائد عليا وجامعية وغيرهم، فضلا عن ظاهرة التفاوت في التنمية واهتمام السلط الرسمية بين الجهات فضلا عن صمت الجهات الرسمية عن تجاوزات المقربين من عائلة بن علي وبعض وزراء حكومته.
ولعل ما يميز الاحتفال بذكرى 14 للثورة التونسية هو قرار رئيس الجمهورية على العودة إلى المربع الأول للثورة التي انبنت على مطالب اجتماعية شعبية بالأساس، قبل أن يتم تحويل وجهة تلك المطالب إلى أخرى سياسية بالأساس استفادت منها فئة قليلة وكانت سببا لتوسيع دائرة الاحتقان الاجتماعي خلال عشرية حكم ما بعد الثورة. إذ كانت مثل هذه الذكرى السنوية أو الموعد القديم للاحتفال بالثورة في 14 جانفي من كل سنة، مناسبة لتجدد الاحتجاجات والتحركات في الشوارع والمدن التونسية تعبيرا عن رفض سياسة الحكم التي كانت قائمة وتمسكا بالمطالب والاستحقاقات التي قامت من أجلها الثورة، فيما كان اللجوء إلى الخيارات الأمنية والإيقافات والسجن في التعاطي مع مثل تلك التحركات التي كان الشباب والأطفال في مقدمتها.
ولئن دأبت عدة جهات على أن تكون سيدي بوزيد هي مركز الاحتفالية بهذه المناسبة من كل سنة عبر تنظيم مهرجان للغرض، فإن الأنظار تتجه في مناسبة هذا العام إلى أن يكون إحياء هذه الذكرى شاملا لكل الجهات التونسية، في سياق سياسة الدولة لتكريس العدالة بين الجهات في التنمية والمشاريع الإنمائية والإصلاحات وتطوير الخدمات في قطاعات الصحة والنقل والخدمات والإدارة وإعادة إحياء المؤسسات والمنشآت والمشاريع ذات الصبغة العمومية خلال المراحل القادمة، لتكون قاطرة للتنمية والتشغيل ومن أجل العمل على توفير حياة كريمة لكل المواطنين على حد السواء.
فتعميم سياسة الدولة في التصدي للانحرافات والفساد والاحتكار والقيام بإصلاحات تشريعية وقانونية وهيكلية تهدف في أبعادها وتفاصيلها إلى بناء دولة العدالة الاجتماعية تعد في حد ذاتها جزءا من الاحتفاء بذكرى إسقاط منظومة حكم ما قبل 2011 قيل أن قوامها الفساد. لتقطع بذلك السلطة القائمة اليوم مع كل مظاهر الاحتفال التي دأب عليها الجميع خلال عشرية ما بعد 2011 والتي كانت في مجملها، وبشهادة عدد كبير من متابعي الشأن الوطني، مناسبة للاتجار بالثورة وأهدافها والاتجار أيضا بآلام المواطنين وبيع الوهم والوعود الزائفة لهم، سواء خلال هذه الذكرى أو من خلال الوعود التي يقدمونها في الغرض في مختلف المحطات الانتخابية خلال تلك المرحلة.
لذلك لم تسجل الجهات والساحات والأحياء هبات شعبية ومظاهر الاحتفالية على غرار ما كانت تقوده أحزاب ومنظمات كانت طرفا في منظومات الحكم خلال المرحلة الماضية، بل طغت الصبغة العملية والتريث والانتظارات من قبل المواطنين خاصة في ظل ما حمله قانوني المالية وميزانية الدولة لسنة 2025 من آفاق إصلاحات وبرامج تنموية من ناحية، وما حملته توجهات الدولة في مؤسستها التشريعية بغرفتين فضلا عن التكامل المطلوب في عملها مع المجالس المحلية والجهوية على نحو تجعل مسألة التنمية والنهوض بالمناطق الداخلية والجهات مهمة مدسترة وليست مجرد شعار يرفع في حملات انتخابية أو سياقات سياسيوية ضيقة.
وهو ما تحاول جميع الأطراف الفاعلة في منظومة الحكم والتسيير في الدولة اليوم من مختلف مواقعها العمل على تكريسه وإثباته من خلال بوادر النتائج التي ما انفكت إرهاصاتها الأولى تتضح للعيان في عدة مجالات على مستويات محلية وجهوية ووطنية. ليكون ضمن العناوين الاحتفالية بذكرى اندلاع شرارة ثورة الحرية والكرامة. وهو تقريبا ما يحتاجه المواطن اليوم بعد أن خبر وملّ مظاهر الاحتفاليات الزائفة، إلى درجة أن المواطنين كثيرا ما رفعوا شعار "ديغاج" في وجه ممثلي الدولة في عدة مناسبات تنقلوا فيها إلى سيدي بوزيد أو غيرها من الجهات الأخرى في إطار سياقات ثورية سياسية أو تحركات ومطلبية اجتماعية بالأساس.
الولايات تحتفي بالثورة
في هذا السياق أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن برنامج يشمل عدة ولايات من الجمهورية التونسية في إطار الاحتفال بالعيد الوطني للثورة وذلك عبر تنظيم تظاهرات ثقافية مختلفة ومتنوّعة، تكون انطلاقتها من مهد اندلاعها بسيدي بوزيد باحتضانها في الفترة الفاصلة بين 16 و20 ديسمبر الجاري المهرجان الدّولي لثورة 17 ديسمبر للحرية والكرامة تحت شعار "ثورة 17 ديسمبر...إرادة شعب". لتكون احتفالية على وقع دعم القضية الفلسطينية تجمع بين العروض الفنية الملتزمة والندوات الفكرية.
ويذكر أن رئيس الحكومة كمال المدوري وأغلب وزراء حكومته كانوا قد أكدوا أنهم في تحد وبصدد القيام بإصلاحات ووضع تنفيذ برامج إصلاحية وتنموية شاملة تهدف في مجملها لتغيير واقع التونسيين للأفضل خلال المرحلة القادمة. لأن البعض يعتبر أن البرامج والمشاريع العملية هي أفضل احتفالية بهذه الذكرى لإعلان عن الدخول في مرحلة جديدة أقرب للواقع ومتطلباته تقطع مع الزيف والاتجار بالثورة.