ونحن نحتفي اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر بمرور14سنة على ذكرى ثورة الحرية والكرامة، يصح التساؤل عن حصيلة بعض القطاعات والمجالات الهامة والجوهرية، هذه المجالات التي يأتي القطاع التربوي في مقدمتها لما شهده من تحولات جذرية منذ سنة 2011 تراوحت بين عدم الاستقرار على مدار السنوات الأولى عقب الثورة وبين الامل في الوقت الراهن في إعادة الاعتبار والاشعاع للصرح العمومي..
ونحن تستعرض حصيلة 14 سنة مرت على المنظومة التربوية أو تحديدا على حقيبة وزارة التربية، هذه الحقيبة الهامة والسيادية بما إنها ترسم مستقبل أجيال، جدير بالذكر أن محطات عديدة او بالأحرى سلسلة من الازمات رافقت سير المنظومة التربوية على مدار السنوات الماضية غلب عليها في أحيان عدة الجانب السياسي لا سيما خلال العشرية الأولى التي عقبت احداث الثورة لتكون محل تجاذبات سياسية وعدم استقرار تربوي فغابت عنها كل بوادر نفس إصلاحي رغم المحاولات التي وصفها البعض بالجادة آنذاك لكنها سرعان ما قبرت لاحقا.
في هذا الخصوص وفي استعراض للواقع التربوي بعد مرور 14 سنة جدير بالذكر أن أسماء عديدة تداولت على حقيبة التربية : فمن وزارة الطيب البكوش الى عبد اللطيف عبيد الى سالم الأبيض الى فتحي جراي الى ناجي جلول ثم حاتم بن سالم فمحمد الحامدي...، والقائمة تطول.. ولسنا هنا في موضع تقييم أداء كل وزير وإنما الهدف من ذلك هو التنصيص على أن الأسماء او صناع القرار تغيروا مرارا وتكرارا على مدار السنوات الماضية في حين أن واقع المنظومة التربوية بقي على حاله باستثناء بعض المحاولات التي وصفها البعض بالجادة خلال السنتين الأخيرتين.
هذا الواقع الذي كانت سمته الأساسية لاسيما خلال السبع سنوات الأولى عقب الثورة، أزمات متتالية تتلخص أساسا في سياسات التصعيد ولي الذراع بين الطرف النقابي وسلطة الاشراف – ودون الخوض في مدى احقية كل من طرفي النزاع- فان الاتفاقيات العالقة بين الطرف الاجتماعي وزارة التربية على مدار السنوات الماضية ساهمت بصورة كبيرة في تراجع منسوب الثقة في المدرسة العمومية جراء الإضرابات المتتالية التي افرزت انقطاعات متكررة في سير الدروس وما نتج عن ذلك من تصعيد طال حتى منظومة الامتحانات من خلال التلويح بعدم إجرائها إلى جانب حجب الأعداد وحرمان الولي من ابسط حقوقه المتمثلة في الاطلاع على معدل ابنه ومعرفة تحصيله العلمي.
لقد اتسمت تلك الفترة بحدّة الحراك الاجتماعيّ الذي عاشت على وقعه وزارة التربيّة والذي تمظهر في الاعتصامات اليومية سواء أمام مقر سلطة الإشراف أو مختلف المندوبيّات الجهويّة والمؤسّسات التربويّة وما ترتّب عليه من حالة احتقان وتشنج وتصعيد . وكان آنذاك الهاجس الأساسي للوزارة هو المتابعة اليومية للمشاكل الطارئة ومعالجة ملفات المطلبية المتراكمة قصد تهدئة الأوضاع من ناحية وبلوغ إجراء الامتحانات الوطنيّة في أحسن الظروف الممكنة والاهم من ذلك إنجاح السنة الدراسية بأخف الأضرار.
فكانت تداعيات تلك الوضعية التي تواصلت على مدار سنوات بعد الثورة جسيمة على المدرسة العمومية ترجمت من خلال هجرة الآلاف من التلاميذ إلى القطاع الخاص وهو ما تعكسه نسبة الزيادة في عدد المؤسسات التربوية الخاصة التي ما فتئت تتطور من سنة الى أخرى هذا علاوة على مٌراهنة الولي على الدروس الخصوصية كبديل أساسي عن الدرس الذي يقدم داخل القسم في ظل المناخ التربوي غير المستقر والذي تٌعزّزه انقطاعات متكررة.
في هذا الخضم كان من الطبيعي ان تسهم الوضعية السالفة الذكر في تراجع المنظومة العمومية كمنارة تعليمية ساهمت على مدار عقود لاسيما خلال ستينات القرن الماضي في تكوين كفاءات في ظل تعمق الاشكاليات القديمة التي تعاني منها المنظومة التربوية كتردي البنية التحتية وأزمة المياه الصالحة للشرب في المناطق الريفية وغيرها من المشاكل المتعارف عليها لتنضاف اليها سلسلة أخرى من الأزمات تتلخص في المطلبية والاعتصامات والإضرابات إلى جانب التلويح مع كل مطلع سنة دراسية جديدة (خاصة في السنوات الأولى عقب الثورة) بسنة دراسية بيضاء في حال لم يقع تسوية الاتفاقيات العالقة.
امّا فيما يتعلق بالجانب الإصلاحي فقد تعثر قطار الإصلاح التربوي على مدار السنوات الماضية باستثناء سنة 2015 حين طرح آنذاك مع وزير التربية السابق ناجي جلول مشروع للإصلاح التربوي ساهمت فيه عديد الأطراف المتداخلة في الشأن التربوي غير أن جميع المساعي فشلت في جعل هذا المشروع الإصلاحي يرى النور.
واليوم ومنذ سنتين تقريبا بدأت المنظومة التربوية في لملمة جراحها من خلال بعض القرارات التي وصفها كثيرون بالهامة لعل ابرزها المجلس الأعلى للتربية هذا الهيكل الذي يراهن عليه كثير من اهل الاختصاص في إعادة البريق للصرح العمومي وجعله مجددا عنصرا جاذبا للتلميذ لا منفرا، هذا بالتوازي مع الاستشارة الوطنية لإصلاح التربية والتعليم التي كانت قد اطلقت دون التغافل أيضا عن حالة الاستقرار التي باتت "تنعم" بها المؤسسات التربوية، كلها عوامل جعلت الفاعلين في الشأن التربوي يأملون خيرا بواقع المنظومة التربوية في السنوات القادمة.
بين التعافي والطموح
وفي قراءته لواقع المنظومة التّربويّة التّونسيّة أورد رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لـ "الصباح" أنها ترزح اليوم بين التعافي والطموح لمستقبل أفضل حيث تشهد المنظومة التّربويّة التّونسيّة اليوم بوادر تعافٍ بعد مرحلة عصيبة استمرّت على امتداد ما يُعرف بـ"العشريّة السّوداء" على حد توصيفه التي أعقبت أحداث 2011. وفسر محدثنا انه خلال تلك الفترة، تعرّضت المدرسة التّونسيّة إلى سلسلة من الأزمات التي طالت جميع أركانها، وارتبطت أساسًا بتعطيل مسارات الإصلاح، والإقصاء الممنهج لكلّ صاحب رؤية أو مشروع إصلاحي، إلى جانب العبث بمنظومة الموارد البشريّة عبر انتدابات وترقيات عشوائيّة أثّرت بشكل سلبي ولا تزال على أداء المنظومة وعلى جودة التّعليم. فالإضرابات العشوائيّة وتغوّل بعض الأطراف النّقابيّة كانت من أبرز العوامل التي أضرّت بالسّير العاديّ للمدرسة التّونسيّة. حيث أفرز هذا الوضع مزيجًا من التّرهّل الإداريّ والتّربويّ، ما أضعف صورة المدرسة العموميّة، وأثّر بشكل مباشر على مكتسبات التّلاميذ، إلى جانب الإضرار بالعمل النّقابيّ المسؤول.
وأضاف محدثنا انه في ظلّ هذه التّحدّيات بدأت ملامح التّعافي تظهر في السّنوات الأخيرة. ومن أبرز عناوين هذا التّعافي ومؤشّراته الإيجابيّة استقرار السّنة الدّراسيّة وغياب الانقطاعات العشوائيّة. كما يُعتبر الإعلان عن تأسيس المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم نقطة تحوّل مفصليّة في المسار الإصلاحيّ، حيث تُعلّق عليه آمال كبيرة لتعصير حوكمة المنظومة التّربويّة وتأسيسها على معايير الجودة والتميّز.
وتابع رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم أنه رغم هذه البوادر الإيجابيّة، فإنّ تحدّي الملاءمة بين التّريّث في وضع أسس الإصلاح العميق، وتجاوز الارتجال، وبين الضّرورة الملحّة لإعداد مخطّط استراتيجيّ شامل لا يزال قائما.
وأوضح قاسم في هذا الجانب أنه لا يمكن الاكتفاء بتطوير البنية التّحتيّة أو تعديل المناهج فقط، بل يجب التّركيز على قضايا الحوكمة وإرساء منظومة فعّالة لاتّخاذ القرار التّربويّ المستند إلى بيانات دقيقة ومؤشّرات موثوقة: فالتركيز المفرط من وجهة نظره على القضايا البيداغوجيّة دون معالجة جذور الإشكال، والمتمثّلة في ضعف الحوكمة، هو أمر يعيد إنتاج الإشكالات ذاتها.
الجودة والمساءلة
ليعتبر محدثنا في هذا الجانب أن الحلّ يكمن في نظام إدارة تربويّ يعتمد على الجودة والمساءلة، ويوفّر البيئة الملائمة لاستثمار الكفاءات والموارد البشريّة المتميّزة التي لا تزال تزخر بها المنظومة التّربويّة.
ليخلص محدثنا الى القول بإنّ الظّاهرة التّربويّة في تونس ليست وليدة الأمس، بل تضرب بجذورها في عمق التّاريخ منذ جمهوريّة قرطاج، وهو ما يفسّر صمود المدرسة العموميّة رغم الأزمات، مشيرا إلى أن الطّموح اليوم يتلخّص في استعادة تلك المدرسة لدورها الرياديّ خلال عصرها الذّهبيّ، وأن تصبح مرادفًا للإنصاف والجودة، حاملةً أملًا حقيقيًّا لكلّ تونسيّة وتونسيّ في غدٍ أفضل قائلا في هذا الصدد:"إن الوقت لا يخدم المنظومة التّربويّة، وكلّ يوم يمضي دون تقدّم حقيقيّ في مسار الإصلاح يمثّل فرصة مهدورة. ومع ذلك فإنّ بروز الإرادة السّياسيّة، إلى جانب وفرة الكفاءات الوطنيّة، يُعدّان ركيزتين أساسيتين للنهوض بالمدرسة التّونسيّة وبناء مستقبل أكثر إشراقًا"..
منال حرزي
تونس-الصباح
ونحن نحتفي اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر بمرور14سنة على ذكرى ثورة الحرية والكرامة، يصح التساؤل عن حصيلة بعض القطاعات والمجالات الهامة والجوهرية، هذه المجالات التي يأتي القطاع التربوي في مقدمتها لما شهده من تحولات جذرية منذ سنة 2011 تراوحت بين عدم الاستقرار على مدار السنوات الأولى عقب الثورة وبين الامل في الوقت الراهن في إعادة الاعتبار والاشعاع للصرح العمومي..
ونحن تستعرض حصيلة 14 سنة مرت على المنظومة التربوية أو تحديدا على حقيبة وزارة التربية، هذه الحقيبة الهامة والسيادية بما إنها ترسم مستقبل أجيال، جدير بالذكر أن محطات عديدة او بالأحرى سلسلة من الازمات رافقت سير المنظومة التربوية على مدار السنوات الماضية غلب عليها في أحيان عدة الجانب السياسي لا سيما خلال العشرية الأولى التي عقبت احداث الثورة لتكون محل تجاذبات سياسية وعدم استقرار تربوي فغابت عنها كل بوادر نفس إصلاحي رغم المحاولات التي وصفها البعض بالجادة آنذاك لكنها سرعان ما قبرت لاحقا.
في هذا الخصوص وفي استعراض للواقع التربوي بعد مرور 14 سنة جدير بالذكر أن أسماء عديدة تداولت على حقيبة التربية : فمن وزارة الطيب البكوش الى عبد اللطيف عبيد الى سالم الأبيض الى فتحي جراي الى ناجي جلول ثم حاتم بن سالم فمحمد الحامدي...، والقائمة تطول.. ولسنا هنا في موضع تقييم أداء كل وزير وإنما الهدف من ذلك هو التنصيص على أن الأسماء او صناع القرار تغيروا مرارا وتكرارا على مدار السنوات الماضية في حين أن واقع المنظومة التربوية بقي على حاله باستثناء بعض المحاولات التي وصفها البعض بالجادة خلال السنتين الأخيرتين.
هذا الواقع الذي كانت سمته الأساسية لاسيما خلال السبع سنوات الأولى عقب الثورة، أزمات متتالية تتلخص أساسا في سياسات التصعيد ولي الذراع بين الطرف النقابي وسلطة الاشراف – ودون الخوض في مدى احقية كل من طرفي النزاع- فان الاتفاقيات العالقة بين الطرف الاجتماعي وزارة التربية على مدار السنوات الماضية ساهمت بصورة كبيرة في تراجع منسوب الثقة في المدرسة العمومية جراء الإضرابات المتتالية التي افرزت انقطاعات متكررة في سير الدروس وما نتج عن ذلك من تصعيد طال حتى منظومة الامتحانات من خلال التلويح بعدم إجرائها إلى جانب حجب الأعداد وحرمان الولي من ابسط حقوقه المتمثلة في الاطلاع على معدل ابنه ومعرفة تحصيله العلمي.
لقد اتسمت تلك الفترة بحدّة الحراك الاجتماعيّ الذي عاشت على وقعه وزارة التربيّة والذي تمظهر في الاعتصامات اليومية سواء أمام مقر سلطة الإشراف أو مختلف المندوبيّات الجهويّة والمؤسّسات التربويّة وما ترتّب عليه من حالة احتقان وتشنج وتصعيد . وكان آنذاك الهاجس الأساسي للوزارة هو المتابعة اليومية للمشاكل الطارئة ومعالجة ملفات المطلبية المتراكمة قصد تهدئة الأوضاع من ناحية وبلوغ إجراء الامتحانات الوطنيّة في أحسن الظروف الممكنة والاهم من ذلك إنجاح السنة الدراسية بأخف الأضرار.
فكانت تداعيات تلك الوضعية التي تواصلت على مدار سنوات بعد الثورة جسيمة على المدرسة العمومية ترجمت من خلال هجرة الآلاف من التلاميذ إلى القطاع الخاص وهو ما تعكسه نسبة الزيادة في عدد المؤسسات التربوية الخاصة التي ما فتئت تتطور من سنة الى أخرى هذا علاوة على مٌراهنة الولي على الدروس الخصوصية كبديل أساسي عن الدرس الذي يقدم داخل القسم في ظل المناخ التربوي غير المستقر والذي تٌعزّزه انقطاعات متكررة.
في هذا الخضم كان من الطبيعي ان تسهم الوضعية السالفة الذكر في تراجع المنظومة العمومية كمنارة تعليمية ساهمت على مدار عقود لاسيما خلال ستينات القرن الماضي في تكوين كفاءات في ظل تعمق الاشكاليات القديمة التي تعاني منها المنظومة التربوية كتردي البنية التحتية وأزمة المياه الصالحة للشرب في المناطق الريفية وغيرها من المشاكل المتعارف عليها لتنضاف اليها سلسلة أخرى من الأزمات تتلخص في المطلبية والاعتصامات والإضرابات إلى جانب التلويح مع كل مطلع سنة دراسية جديدة (خاصة في السنوات الأولى عقب الثورة) بسنة دراسية بيضاء في حال لم يقع تسوية الاتفاقيات العالقة.
امّا فيما يتعلق بالجانب الإصلاحي فقد تعثر قطار الإصلاح التربوي على مدار السنوات الماضية باستثناء سنة 2015 حين طرح آنذاك مع وزير التربية السابق ناجي جلول مشروع للإصلاح التربوي ساهمت فيه عديد الأطراف المتداخلة في الشأن التربوي غير أن جميع المساعي فشلت في جعل هذا المشروع الإصلاحي يرى النور.
واليوم ومنذ سنتين تقريبا بدأت المنظومة التربوية في لملمة جراحها من خلال بعض القرارات التي وصفها كثيرون بالهامة لعل ابرزها المجلس الأعلى للتربية هذا الهيكل الذي يراهن عليه كثير من اهل الاختصاص في إعادة البريق للصرح العمومي وجعله مجددا عنصرا جاذبا للتلميذ لا منفرا، هذا بالتوازي مع الاستشارة الوطنية لإصلاح التربية والتعليم التي كانت قد اطلقت دون التغافل أيضا عن حالة الاستقرار التي باتت "تنعم" بها المؤسسات التربوية، كلها عوامل جعلت الفاعلين في الشأن التربوي يأملون خيرا بواقع المنظومة التربوية في السنوات القادمة.
بين التعافي والطموح
وفي قراءته لواقع المنظومة التّربويّة التّونسيّة أورد رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لـ "الصباح" أنها ترزح اليوم بين التعافي والطموح لمستقبل أفضل حيث تشهد المنظومة التّربويّة التّونسيّة اليوم بوادر تعافٍ بعد مرحلة عصيبة استمرّت على امتداد ما يُعرف بـ"العشريّة السّوداء" على حد توصيفه التي أعقبت أحداث 2011. وفسر محدثنا انه خلال تلك الفترة، تعرّضت المدرسة التّونسيّة إلى سلسلة من الأزمات التي طالت جميع أركانها، وارتبطت أساسًا بتعطيل مسارات الإصلاح، والإقصاء الممنهج لكلّ صاحب رؤية أو مشروع إصلاحي، إلى جانب العبث بمنظومة الموارد البشريّة عبر انتدابات وترقيات عشوائيّة أثّرت بشكل سلبي ولا تزال على أداء المنظومة وعلى جودة التّعليم. فالإضرابات العشوائيّة وتغوّل بعض الأطراف النّقابيّة كانت من أبرز العوامل التي أضرّت بالسّير العاديّ للمدرسة التّونسيّة. حيث أفرز هذا الوضع مزيجًا من التّرهّل الإداريّ والتّربويّ، ما أضعف صورة المدرسة العموميّة، وأثّر بشكل مباشر على مكتسبات التّلاميذ، إلى جانب الإضرار بالعمل النّقابيّ المسؤول.
وأضاف محدثنا انه في ظلّ هذه التّحدّيات بدأت ملامح التّعافي تظهر في السّنوات الأخيرة. ومن أبرز عناوين هذا التّعافي ومؤشّراته الإيجابيّة استقرار السّنة الدّراسيّة وغياب الانقطاعات العشوائيّة. كما يُعتبر الإعلان عن تأسيس المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم نقطة تحوّل مفصليّة في المسار الإصلاحيّ، حيث تُعلّق عليه آمال كبيرة لتعصير حوكمة المنظومة التّربويّة وتأسيسها على معايير الجودة والتميّز.
وتابع رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم أنه رغم هذه البوادر الإيجابيّة، فإنّ تحدّي الملاءمة بين التّريّث في وضع أسس الإصلاح العميق، وتجاوز الارتجال، وبين الضّرورة الملحّة لإعداد مخطّط استراتيجيّ شامل لا يزال قائما.
وأوضح قاسم في هذا الجانب أنه لا يمكن الاكتفاء بتطوير البنية التّحتيّة أو تعديل المناهج فقط، بل يجب التّركيز على قضايا الحوكمة وإرساء منظومة فعّالة لاتّخاذ القرار التّربويّ المستند إلى بيانات دقيقة ومؤشّرات موثوقة: فالتركيز المفرط من وجهة نظره على القضايا البيداغوجيّة دون معالجة جذور الإشكال، والمتمثّلة في ضعف الحوكمة، هو أمر يعيد إنتاج الإشكالات ذاتها.
الجودة والمساءلة
ليعتبر محدثنا في هذا الجانب أن الحلّ يكمن في نظام إدارة تربويّ يعتمد على الجودة والمساءلة، ويوفّر البيئة الملائمة لاستثمار الكفاءات والموارد البشريّة المتميّزة التي لا تزال تزخر بها المنظومة التّربويّة.
ليخلص محدثنا الى القول بإنّ الظّاهرة التّربويّة في تونس ليست وليدة الأمس، بل تضرب بجذورها في عمق التّاريخ منذ جمهوريّة قرطاج، وهو ما يفسّر صمود المدرسة العموميّة رغم الأزمات، مشيرا إلى أن الطّموح اليوم يتلخّص في استعادة تلك المدرسة لدورها الرياديّ خلال عصرها الذّهبيّ، وأن تصبح مرادفًا للإنصاف والجودة، حاملةً أملًا حقيقيًّا لكلّ تونسيّة وتونسيّ في غدٍ أفضل قائلا في هذا الصدد:"إن الوقت لا يخدم المنظومة التّربويّة، وكلّ يوم يمضي دون تقدّم حقيقيّ في مسار الإصلاح يمثّل فرصة مهدورة. ومع ذلك فإنّ بروز الإرادة السّياسيّة، إلى جانب وفرة الكفاءات الوطنيّة، يُعدّان ركيزتين أساسيتين للنهوض بالمدرسة التّونسيّة وبناء مستقبل أكثر إشراقًا"..