- عسكرة البحر الأبيض المتوسط من قبل الاتحاد الأوروبي رفعت من المآسي الإنسانية
تونس-الصباح
بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين، نظم أمس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ندوة حول موضوع "أمننة الهجرة وتصدير الحدود". قدم خلالها مجموعة من الباحثين قراءات ودراسات حاولت تفكيك أبعاد سياسات الأمننة وانعكاساتها على الدولة التونسية والوضع التونسي، من خلال وضع التونسيين المتواجدين في فضاء "شنغان"، خاصة ما تعلق بوضعية القصر المتواجدين في فرنسا أو المهاجرين المتواجدين في تونس. والهدف إيجاد استجابة أكثر إنسانية لأزمة الهجرة الموجودة في تونس سواء في وضعية المهاجرين التونسيين المتواجدين في دول أوروبية أو وضعية المهاجرين من جنوب الصحراء المتواجدين في تونس.
وبين رمضان بن عمر منسق قسم الهجرة والمتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن تونس والمنطقة المتوسطية تعرف منذ سنة 2000، العديد من التحولات في علاقة بقضايا الهجرة. واعتبر أن المقاربات التي يتم اعتمادها من قبل الاتحاد الأوروبي ترتكز أساسا على تصنيف الهجرة كقضية أمنية، لذلك قام ببناء سياساته وعلاقته خاصة مع دول العبور والمنشأ على هذا الأساس. مضيفا "أن الاتحاد الأوروبي حاول فرض سياسات في منطقة المتوسط عمقت هذه الأزمة وحولت البحر الأبيض المتوسط إلى أكبر مقبرة للمهاجرين في العالم".
كما بين أن السياسات الأوروبية اعتمدت أيضا على نقل أزمة الهجرة نحو دول العبور، خاصة منها تونس، التي تعاني منذ سنتين تبعات وانعكاسات تلك السياسات الأمنية الأوروبية. والتي لم تقم خلالها بدعم تونس بالعتاد والمعدات اللوجستية والمساعدات المادية في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، بل أصبحت تونس تعالج ظاهرة الهجرة التي لها أبعاد تنموية وحقوقية وإنسانية من جانب يكاد يكون أمنيا فقط.
وقال بن عمر إن الإحصائيات تفيد بأن هناك تراجعا في الطريق التونسي على مستوى الهجرة غير النظامية هذا العام، مقارنة بالسنوات السابقة وصلت إلى 80 %. ومرد هذا الانخفاض اعتماد المقاربة الأمنية منذ السنة الفارطة والتي ساهمت في تقليص عدد الواصلين إلى الضفة الأوروبية، وفق تقديره، وشملت التونسيين وبقية الجنسيات على حد السواء. وكان ذلك في مقابل نقل الأزمة إلى دول العبور على غرار ما يقع اليوم في تونس وتحديدا بمنطقتي جبنيانة والعامرة.
وبلغ عدد الواصلين إلى منطقة "شنغان" هذا العام 7600 مهاجر، حسب رمضان بن عمر، مقابل وصول أكثر من 12 ألفا خلال نفس الفترة من السنة الفارطة. كما خلف هذا الانخفاض كلفة إنسانية باهظة من خلال وضعية المهاجرين غير النظاميين الذين تزايد عددهم في تونس أو من خلال المآسي الحاصلة وسط البحر المتوسط وأحداث الغرق وما يسجل من مفقودين. وعبر بن عمر في نفس الإطار، عن تخوفه من أن تبقى حلول الهجرة دائما ظرفية غير مستدامة فضلا عن كونها حلولا لا تحترم المقاربات الإنسانية.
وقال خالد الطبابي، الباحث في علم الاجتماع، في تقديمه لدراسته "أمننة الهجرة، تصدير الحدود وعسكرتها في السياسة الأوروبية التونسية"، إنه حاول تقديم قراءة في كيفية أو مسار تحويل ظاهرة الهجرة من ظاهرة تاريخية حضارية واقتصادية إلى ظاهرة أمنية، وهي سردية يمينية أوروبية تسعى دول شمال المتوسط إلى فرضها في فضاء "شنغان" وتسييس هذه الظاهرة بشكل عام خاصة مع تنامي أصوات الشعبوية العالمية المعادية للهجرة والمهاجرين.
وبين طبابي، أن عمليات عسكرة البحر الأبيض المتوسط من قبل الاتحاد الأوروبي، عمقت من المآسي الإنسانية وعدد المفقودين في البحر الأبيض المتوسط ومن عدد الضحايا ومن مستوى الهشاشة في المناطق الحدودية بعد تكثيف الرقابة وضرب مصدر عيش عائلات بأكملها تمثل التجارة البينية مصدر رزقها الأساسي والوحيد، سواء في القصرين أو بن قردان.
واعتبرت دراسة خالد الطبابي أنه عبر التاريخ بينت كل التجارب بأن الاتفاقيات الأوروبية التونسية لم تنجح في تحقيق العدالة والمساواة وفشلت في إيجاد مسارات تنقل آمنة ودفعت باتجاه تعزيز المقاربة التعسفية.
وخلصت الندوة إلى أنه من بين النتائج الرئيسية والمباشرة للسياسات الهجرية المتبعة هي إبادة حياة البشر، ففي 2014 لقي حوالي 27 ألف شخص حتفهم كما تم تسجيل، حسب بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تسجيل 440 فقيدا ومفقودة سنة 2021 وكان العدد في حدود 581 سنة 2022 وارتفع إلى حدود 1300 سنة 2023.
وقدم محمد صالح الشطي الباحث في جامعة تولوز، معاناة التونسيين في فضاء "شنغان" وخاصة في مراكز الإيواء والاحتجاز في جزيرة لمبيدوزا وفي ألبانيا وتشخيص وقع ظاهرة الهجرة غير النظامية على التونسيين.
وبينت مرام تبيني الباحثة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، أنه من المهم الاهتمام بهجرة الأطفال والمراهقين إلى فضاء "شنغان" وخاصة دون مرافق. وأفادت أنهم فئة تواجه عديد الإشكاليات والعوائق في مسارها الهجري. مضيفة "هم مختلفون عن بقية المراهقين والأطفال من الدول الأخرى. يحاولون صنع هوية ثورية لمهاجر عربي يعاني من الإقصاء والتمييز يعاملونه، رغم أنه طفل وقاصر على أنه راشد، منحرف ومتهم بطريقة مسبقة بالسرقة والكذب خاصة أمام عدم إتقانهم اللغة الفرنسية".
وأوضحت أن اللقاءات التي جمعتها بعدد منهم بينت أن المرجعيات الثقافية والاجتماعية، كانت من الأسباب الدافعة لهجرة المراهقين والقصر، هذا إلى جانب الواقع الاقتصادي والتنمر ودوافع العلاج ومعرفتهم أن تسوية وضعياتهم الهجرية تكون أسهل عندما يغادرون في سن دون 18 عاما وفي وضعية الطفل.
ريم سوودي
- عسكرة البحر الأبيض المتوسط من قبل الاتحاد الأوروبي رفعت من المآسي الإنسانية
تونس-الصباح
بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين، نظم أمس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ندوة حول موضوع "أمننة الهجرة وتصدير الحدود". قدم خلالها مجموعة من الباحثين قراءات ودراسات حاولت تفكيك أبعاد سياسات الأمننة وانعكاساتها على الدولة التونسية والوضع التونسي، من خلال وضع التونسيين المتواجدين في فضاء "شنغان"، خاصة ما تعلق بوضعية القصر المتواجدين في فرنسا أو المهاجرين المتواجدين في تونس. والهدف إيجاد استجابة أكثر إنسانية لأزمة الهجرة الموجودة في تونس سواء في وضعية المهاجرين التونسيين المتواجدين في دول أوروبية أو وضعية المهاجرين من جنوب الصحراء المتواجدين في تونس.
وبين رمضان بن عمر منسق قسم الهجرة والمتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن تونس والمنطقة المتوسطية تعرف منذ سنة 2000، العديد من التحولات في علاقة بقضايا الهجرة. واعتبر أن المقاربات التي يتم اعتمادها من قبل الاتحاد الأوروبي ترتكز أساسا على تصنيف الهجرة كقضية أمنية، لذلك قام ببناء سياساته وعلاقته خاصة مع دول العبور والمنشأ على هذا الأساس. مضيفا "أن الاتحاد الأوروبي حاول فرض سياسات في منطقة المتوسط عمقت هذه الأزمة وحولت البحر الأبيض المتوسط إلى أكبر مقبرة للمهاجرين في العالم".
كما بين أن السياسات الأوروبية اعتمدت أيضا على نقل أزمة الهجرة نحو دول العبور، خاصة منها تونس، التي تعاني منذ سنتين تبعات وانعكاسات تلك السياسات الأمنية الأوروبية. والتي لم تقم خلالها بدعم تونس بالعتاد والمعدات اللوجستية والمساعدات المادية في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، بل أصبحت تونس تعالج ظاهرة الهجرة التي لها أبعاد تنموية وحقوقية وإنسانية من جانب يكاد يكون أمنيا فقط.
وقال بن عمر إن الإحصائيات تفيد بأن هناك تراجعا في الطريق التونسي على مستوى الهجرة غير النظامية هذا العام، مقارنة بالسنوات السابقة وصلت إلى 80 %. ومرد هذا الانخفاض اعتماد المقاربة الأمنية منذ السنة الفارطة والتي ساهمت في تقليص عدد الواصلين إلى الضفة الأوروبية، وفق تقديره، وشملت التونسيين وبقية الجنسيات على حد السواء. وكان ذلك في مقابل نقل الأزمة إلى دول العبور على غرار ما يقع اليوم في تونس وتحديدا بمنطقتي جبنيانة والعامرة.
وبلغ عدد الواصلين إلى منطقة "شنغان" هذا العام 7600 مهاجر، حسب رمضان بن عمر، مقابل وصول أكثر من 12 ألفا خلال نفس الفترة من السنة الفارطة. كما خلف هذا الانخفاض كلفة إنسانية باهظة من خلال وضعية المهاجرين غير النظاميين الذين تزايد عددهم في تونس أو من خلال المآسي الحاصلة وسط البحر المتوسط وأحداث الغرق وما يسجل من مفقودين. وعبر بن عمر في نفس الإطار، عن تخوفه من أن تبقى حلول الهجرة دائما ظرفية غير مستدامة فضلا عن كونها حلولا لا تحترم المقاربات الإنسانية.
وقال خالد الطبابي، الباحث في علم الاجتماع، في تقديمه لدراسته "أمننة الهجرة، تصدير الحدود وعسكرتها في السياسة الأوروبية التونسية"، إنه حاول تقديم قراءة في كيفية أو مسار تحويل ظاهرة الهجرة من ظاهرة تاريخية حضارية واقتصادية إلى ظاهرة أمنية، وهي سردية يمينية أوروبية تسعى دول شمال المتوسط إلى فرضها في فضاء "شنغان" وتسييس هذه الظاهرة بشكل عام خاصة مع تنامي أصوات الشعبوية العالمية المعادية للهجرة والمهاجرين.
وبين طبابي، أن عمليات عسكرة البحر الأبيض المتوسط من قبل الاتحاد الأوروبي، عمقت من المآسي الإنسانية وعدد المفقودين في البحر الأبيض المتوسط ومن عدد الضحايا ومن مستوى الهشاشة في المناطق الحدودية بعد تكثيف الرقابة وضرب مصدر عيش عائلات بأكملها تمثل التجارة البينية مصدر رزقها الأساسي والوحيد، سواء في القصرين أو بن قردان.
واعتبرت دراسة خالد الطبابي أنه عبر التاريخ بينت كل التجارب بأن الاتفاقيات الأوروبية التونسية لم تنجح في تحقيق العدالة والمساواة وفشلت في إيجاد مسارات تنقل آمنة ودفعت باتجاه تعزيز المقاربة التعسفية.
وخلصت الندوة إلى أنه من بين النتائج الرئيسية والمباشرة للسياسات الهجرية المتبعة هي إبادة حياة البشر، ففي 2014 لقي حوالي 27 ألف شخص حتفهم كما تم تسجيل، حسب بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تسجيل 440 فقيدا ومفقودة سنة 2021 وكان العدد في حدود 581 سنة 2022 وارتفع إلى حدود 1300 سنة 2023.
وقدم محمد صالح الشطي الباحث في جامعة تولوز، معاناة التونسيين في فضاء "شنغان" وخاصة في مراكز الإيواء والاحتجاز في جزيرة لمبيدوزا وفي ألبانيا وتشخيص وقع ظاهرة الهجرة غير النظامية على التونسيين.
وبينت مرام تبيني الباحثة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، أنه من المهم الاهتمام بهجرة الأطفال والمراهقين إلى فضاء "شنغان" وخاصة دون مرافق. وأفادت أنهم فئة تواجه عديد الإشكاليات والعوائق في مسارها الهجري. مضيفة "هم مختلفون عن بقية المراهقين والأطفال من الدول الأخرى. يحاولون صنع هوية ثورية لمهاجر عربي يعاني من الإقصاء والتمييز يعاملونه، رغم أنه طفل وقاصر على أنه راشد، منحرف ومتهم بطريقة مسبقة بالسرقة والكذب خاصة أمام عدم إتقانهم اللغة الفرنسية".
وأوضحت أن اللقاءات التي جمعتها بعدد منهم بينت أن المرجعيات الثقافية والاجتماعية، كانت من الأسباب الدافعة لهجرة المراهقين والقصر، هذا إلى جانب الواقع الاقتصادي والتنمر ودوافع العلاج ومعرفتهم أن تسوية وضعياتهم الهجرية تكون أسهل عندما يغادرون في سن دون 18 عاما وفي وضعية الطفل.