إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد إخلاء السجون وحركات التمرّد داخل المخيّمات بسوريا.. الهجرة "الجهادية" العكسية.. خطر داهم يستدعي الحذر!

 

تونس–الصباح

لم تقلب الأحداث المتسارعة على الساحة السورية، المعادلة السياسية، وتفرض واقعا جديدا لمرحلة ما بعد حكم عائلة الأسد الذي امتد لعقود، فقط، بل وضعت ملفات حارقة على الطاولة ولعلّ أبرز هذه الملفات التي تشغل الرأي العام الدولي وهو ملف الإرهاب والإرهابيين الأجانب الذين انضموا الى الفصائل المسلحة في سوريا في سياق تيار الثورات العربية والثورة السورية المجهضة في 2011 ..

وتونس معنية بشكل مباشر بهذا الملف بعد التحاق مئات المقاتلين التونسيين بثغور القتال في سوريا وانضمامهم الى مختلف التنظيمات المسلحة بما في ذلك جبهة النصرة بقيادة الجولاني والتي تحوّلت بعد ذلك الى نواة صلبة في هيئة تحرير الشام بزعامة أبو محمد الجولاني، وتونس معنية كذلك بملف المساجين في سجون النظام السوري باعتبار تواجد العشرات من الإرهابيين التونسيين في تلك السجون وكذلك هي معنية بالملف في علاقة بعوائل "الدواعش" المتواجدين في مخيمات اللجوء وخاصة في مخيمي عين عيسى وأبو الهول والحسكة وبقية المخيمات الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية الكردية والتي هي في مواجهة اليوم جبهة تحرير الشام وتضع من ضمن نقاط التسوية هذه المخيمات بكل ما تشكّله من خطر تواجد عشرات النساء والأطفال الذين كبروا في بيئة حاضنة للأفكار والإيديولوجيات المتطرفة..

وليست تونس فقط معنية بل إن دولا كثيرة معنية أيضا بهذه الملفات، وخاصة دول المنطقة المغاربية التي تحوّل بعضها بعد الثورات العربية الى مصدّر لهذه العناصر المتطرّفة والتي يمكن أن تستعيد حريتها اليوم إما بعد إخلاء السجون أو بعد إهمال المخيمات، وهو ما قد يفتح أمامها طريق العودة في إطار المعادلات الجديدة والخطيرة اليوم والتي يجب أن تتعامل معها تونس بيقظة وحذر شديدين وإيلاء الملف ما يستحقه من أهمية.. لا سيما وأن دمشق أكدّت في أكثر من مناسبة حيازتها لملفات خطيرة تهم التسفير وأعداد وأسماء التونسيين المتطرّفين الذين وقعوا في قبضة قواتها أو تعلم مسارات تحركهم في الأراضي السورية وآخر تأكيد كان من وزير الخارجية السوري في نظام بشار الأسد، فيصل مقداد، عند زيارته لتونس في أفريل 2023 ولقائه بوزير الخارجية السابق نبيل عمّار ..

واليوم مع سقوط نظام بشّار الأسد ضاعت قاعدة البيانات تلك وكل المعلومات التي كان يملكها النظام السوري بما يصعّب مهمة السلطات الأمنية التونسية في تعقّب المورطين وفي فكّ شيفرة شبكات التسفير وهو الملفّ المثير للجدل والذي لم يغلق بعد قضائيا في تونس وتورطّت فيه شخصيات وأسماء وازنة في المشهد السياسي التونسي قبل 25 جويلية ..

واليوم مع كل هذه التطورات الأمنية هل ستكون هناك خطط واستراتيجيات جديدة للتصدي لهجرة "جهادية" عكسية ومحتملة؟

ملف من إعداد: منية العرفاوي

المعادلات السياسية والدولية الجديدة

ما يثير الاهتمام ويلفت الانتباه هو التحوّل الكبير في مواقف القوى الدولية من تلك الفصائل المقاتلة والتي كانت قياداتها مطلوبة دوليا ومصنّفة ضمن عتاة الإرهابيين المطلوبين وإذا بأبرزهم يقود اليوم المعارضة المسلحة التي استولت على السلطة ووضعت يدها على أهم المدن السورية وأسقطت نظام بشّار الأسد بمباركة دولية واسعة، رغم أن جبهة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني الذي دخل دمشق في ثوب القائد المنتصر والتي هي لفيف من فصائل مسلحة كانت يصنّفها المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تنظيمات إرهابية، خاصة وأن نواة هيئة تحرير الشام هي جبهة النصرة..

وجبهة النصرة التي تغيّرت ملامحها مرّات ومرّات مع أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع اليوم، في إطار محاولات تلميع صورة الماضي وإخراجه من ثوب المشتبه به في الإرهاب وهو "المجاهد" "الذي ولدت مسيرته من رحم قاعدة بلاد الرافدين، قبل أن ينتقل الى سوريا في إطار المهمة "الجهادية" التي كُلف بها إبان الثورة السورية من أجل تحقيق "الفتح الإسلامي" في بلاد الشام، وفي إطار هذه المهمة وُلدت جبهة النصرة التي نجحت في استقطاب أتباع "القاعدة" المتحمسين للقتال من كل الأقطار العربية وخاصة تونس والبلدان المغاربية عموما وبالأساس تونس والمغرب وليبيا والتي ستشهد حركات مدّ وجزر "جهادية" طيلة العقد الماضي ..

لكن زعيم جبهة النصرة، الجولاني، وبعد مواجهة ضارية مع تنظيم داعش الوافد بدوره على الأراضي السورية وحسم المعركة في أكثر من جولة لصالحه، أعلن بعد ذلك انفصاله عن القاعدة رغم مبايعته السابقة لأيمن الظواهري، لتبدأ بعد ذلك في تاريخ هذا الفصيل وفي تاريخ الجولاني بدأنا نرى نتائجها في الأيام الأخيرة ..

نتائج غير مفاجئة ومتوقعة عكس ما يعتقده الكثيرون  وتم الإعداد لها بشكل جيّد منذ انطلاق مؤتمر أستانا بالعاصمة الكازاخية في جانفي 2017 وبداية مسار التسوية بين نظام بشار الأسد والمعارضة المسلحة وبضمانات الدول الراعية لهذا المسار وهي أساسا تركيا وإيران وروسيا.. كما تجد جذورها في تكوين الجولاني لهيئة تحرير الشام التي تتزعّم وتجمع اليوم أغلب فصائل المعارضة المسلحة بنواتها الصلبة جبهة النصرة ..

هيئة تحرير الشام

أهم وأبرز ما تمخّض عنه مسار أستانا بعد اجتماعات ولقاءات كثيرة هو التزام بفرز القوى المسلحة المناهضة للحكومة السورية بين جماعات تراجعت عن العمل المسلح والتزمت بالتوقف عن أعمال العنف وارتضت بالحل السياسي بعد أن وافقت على قرار وقف العمليات القتالية، وجماعات صنفت دوليا إرهابية رفضت العمل السياسي وأصرت على أعمال العنف والإجرام والتزم الجميع في أستانا بعزل هذه القوى وقتالها حتى اجتثاثها وكانت جبهة النصرة التي تحوّلت بعد ذلك الى هيئة تحرير الشام من بين الفصائل التي قبلت بالتعاطي السياسي.. وهذا الأمر أدّى الى تصادم كبير بين جبهة النصرة وبقية الفصائل الإرهابية من أبرزها "داعش" وهو ما أدى الى تغيير خريطة القوى وأحجامها وفعاليتها حيث تقدمت جبهة النصرة على حساب الآخرين ثم طورت نجاحها الى تشكيل كيان جديد تحت اسم "هيئة تحرير الشام" التي تشكلت من "جبهة فتح الشام" بقيادة الجولاني وذلك بعد إلغاء اسم جبهة النصرة وفكّ الارتباط مع القاعدة  و"حركة نورالدين زنكي" ولواء الحق" و"جبهة أنصار الدين" و"جيش السنة" ونجح اليوم ذلك الكيان في الصمود وفي تزعّم المعارضة المسلحة وفي تقليم أظافر خصمه المباشر "داعش" وفي نيل ثقة الأطراف الدولية التي ساعدته على الإطاحة بنظام بشّار الأسد.. وقد أكّد الجولاني منذ أيام أن هيئة تحرير الشام ليس كيانا ثابتا بل يمكن تجاوزه الى تأسيس منظومة حكم تقوم على المؤسسات .

 

الإرهابيون التونسيون والمصير الغامض

منذ أشهر أعلنت وزيرة المرأة السابقة آمال بالحاج موسى عن عودة 51 طفلا من مناطق النزاع، وكان هؤلاء الأطفال يتوزعون بين 16 طفلة و35 طفلا وأن أعمارهم تتراوح بين 5 و17 سنة وقالت الوزيرة أنه تم إدماجهم في عائلاتهم الموسعة بمقتضى تدابير صادرة عن قضاة الأسرة وبالتنسيق مع مندوبي حماية الطفولة وأنها تعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتوفير الخدمات الصحية والنفسية اللازمة لهؤلاء الأطفال.

ولكن أغلب الأطفال العائدين تم تسلمّهم من ليبيا في حين أن أغلب الأطفال الذين سافروا مع آبائهم الى سوريا للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية أو الذين ولدوا في سوريا وكبروا إما في المخيمات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الكردية أو في سجون النظام مازالوا هناك دون قاعدة بيانات موثوقة توضّح من هم وكم عددهم وتكشف كل المعطيات المتعلقّة بهم، ناهيك عن المقاتلين مع مختلف الفصائل المسلّحة..

وعودة عكسية لكل هؤلاء غير مستبعدة اليوم مع ارتخاء القبضة الأمنية بوصول المعارضة المسلحة وتسامحها مع بعض من كان بالأمس ضمن مقاتليها وإخلاء السجون وكذلك خروج بعض المخيمات من تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.. خاصة وأنه في وقت سابق أكدت وزارة المرأة أن مصالحها سجلت مطالب عودة واردة بالأساس من الأجداد لأم أو أب الأطفال المقيمين بمختلف ولايات الجمهورية لقرابة 120 طفلا موجودين في بؤر التوتّر ومنها المخيمات السورية، وهؤلاء اليوم لديهم فرصة للعودة مع آبائهم أو أمهاتهم بما يطلّب وضع خطة متعددة الأبعاد الأمنية والنفسية والاجتماعية للتعامل معهم من أجل إعادة إدماج آمن للمجتمع .

المخيمات ورسكلة التطرّف

يعيش أطفال المخيمات السورية التي تضم عوائل تنظيم "داعش" الإرهابي من أطفال ونساء والذين تم القبض عليهم أو فروّا من الرقة ظروف غير إنسانية بالإضافة الى الوصم الذي يلاحقهم والأفكار المتطرفة التي مازالت تسيطر على هذه المخيمات ويمكن أن تحولهم الى متطرفين وتبرمجهم على أفكار دموية ويصعب إصلاح الأمر كلما تقدم بهم العمر..

وعكس دول كثيرة ومنها دول أوروبية وعربية لم تسع تونس لاستعادة أطفال من تلك المخيمات التي لا يسيطر عليها النظام السوري بل قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وهي طرف انفصالي في سوريا لا تعترف به تونس وبالتالي من الصعب أن تكون تسلمت الدولة أطفالا من هذه المخيمات .

وقدّر في وقت سابق مرصد الحقوق والحريات، وهو من بين الجمعيات التي تتابع منذ سنوات وضع الأطفال بالمخيمات السورية، عددهم بأكثر من 120 طفلا تونسيا أغلبهم دون سن 13 سنة وولدوا في سوريا سواء من أب أو أم تونسية أو عائلة هاجرت الى الأراضي السورية والتحقت بالتنظيمات المسلحة.. وقد أكد المرصد في بيان سابق أن عددا من الأطفال التونسيين قد تم إبعادهم عن أمهاتهم ونقلهم من المخيمات إلى السجون أو إلى جهات غير معلومة فقط لأنهم تجاوزوا سن 13 سنة .

وفي السابق برّرت الدولة التونسية رفضها إعادة الأطفال العالقين في مخيمات شمال شرق سوريا، بأنها لا تتفاوض مع التنظيمات الانفصالية أو الميليشيات المسلحة، كقوات سوريا الديمقراطية التي تشرف على المخيمات، إلا أن مرصد الحقوق والحريات أكّد أن تونس تسلمت من هذه القوات 10 مقاتلين هم مودعون اليوم بالسجون التونسية .

ومن المخيمات الشهيرة التي عرفت بوجود تونسيين بأعداد هامة داخلها نجد مخيم عين عيسى في الشمال السوري الذي ضمّ في وقت سابق عدد كبير من التونسيات مع أطفالهن، ومن المخيمات سيئة السمعة والصيت التي تعيد رسكلة التطرّف بشكل كبير نجد مخيم الهول الذي قالت عنه منظمة Save the Children- أنقذوا الأطفال، أنه يقيم فيه حوالي 7300 طفلا من أبناء "الدواعش" وبينهم تونسيون. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كلّ الدول المعنية إلى استعادة رعاياها من مخيّم الهول الواقع في شرق سورية، وقال عنه غوتيريش أنه زار عندما كان مفوضا ساميا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخيمات في كل أنحاء العالم وأن مخيّم الهول اليوم هو أسوأ مخيم بالعالم وبه أسوأ الظروف. ويضمّ المخيّم الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة أكثر من 50 ألف شخص من عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" بمن فيهم أجانب من نحو 60 دولة بالإضافة إلى نازحين سوريين ولاجئين عراقيين يبلغ عددهم نحو 25 ألفا..

تونسيون قاتلوا تحت راية الجولاني

بعد تصنيف أنصار الشريعة في تونس المبايع لتنظيم القاعدة كتنظيم إرهابي اختار عدد كبير من أتباعه الهجرة الى سوريا والالتحاق بجبهة النصرة تحت قيادة الجولاني والتي كانت بدورها تتبنّى فكر وأدبيات ومرجعيات القاعدة وقد نجحت النصرة في استقطاب عدد كبير من الشباب التونسي وبرز في صفوف النصرة عدة مقاتلين من الجنسية التونسية ومنهم أبو الحسن التونسي الذي قُتل في 2015  وكان أحد رجال أسامة بن لادن وقاتل قبل ذلك في أفغانستان وأبو حفص التونسي وبلال الشواشي المُكنّى بأبي يحيى زكريا قبل أن يغيّر كنيته الى أبو همام المهاجر بعد ان انشق على النصرة والتحق بـ"داعش"، وقد أكد وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدّو أن هناك أكثر من 2400 تونسي يقاتلون مع جبهة النصرة وداعش ..

ففي 2012 تم طرد قوات النظام السوري تماما من مدينة تل رفعت وشكل الجيش السوري الحرّ هناك مجموعتين وهما لواء التوحيد ولواء الفتح الذي كان جميع قادته من تل رفعت.. وقد جمع الجيش السوري الحر حوالي 5000 شخص من تل رفعت، التحق بعد ذلك 150 منهم بـ"داعش" و400 بجبهة النصرة.. وبعد ذلك انطلقت جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني في استقطاب الشباب الجهادي من كل مناطق العالم ومنها تونس .

الهجرة "الجهادية" العكسية ..

في تقرير مثير نشرته منظمة السلام والتنمية وحقوق الإنسان حول ليبيا في مارس 2020 أشارت فيه إلى أنه في ديسمبر 2019 تحرّك 300 مقاتل من الفصائل السورية الجهادية تجاه ليبيا للقتال بجانب الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق ثم 350 آخرون في 29 ديسمبر 2019 وكان هؤلاء المقاتلون قد تلقوا التدريبات الخاصة بهم في معسكرات شمال سوريا وفي هذا الإطار قام الجيش الليبي بنشر معلومات عن وصول مجموعة من المقاتلين من سوريا الى ليبيا والذين لهم علاقة بتنظيم القاعدة والعديد منهم مطلوب على قائمات مكافحة الإرهاب للعديد من الدول وكانوا يقاتلون في جبهة النصرة و"داعش" ومن أبرزهم التونسي بلال بن يوسف بن محمد الشواشي ويكنّى أبو يحيا زكرياء ومن بينهم الإرهابي المصري المصنّف على قوائم الإرهاب لعدد من الدول أسامة السيد قاسم ويكنّى أبو الحارث وعبد الله محمد العنزي ويكنّى أبو محمد الجزرواي وهو سعودي الجنسية، هذا مع وصول يحيى ماهر فرغلي رئيس المكتب الشرعي لحركة "أحرار الشام" التي تتبع تنظيم "القاعدة" والمؤسس لتسعة كتائب قتالية يطلق عليها "كتائب الفتح". وفي 4 فيفري 2020 أعلن المصدر السوري لحقوق الإنسان عن وصول 4700 مقاتل من لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وفيلق الشام وسليمان شاه لواء السمرقند الى ليبيا للقتال بجانب الميلشيات الليبية.. ووجود هذه الأسماء اليوم في ليبيا تشكّل خطرا مزدوجا على ليبيا وعلى تونس خاصة وأنه بعد الإعلان عن وصولها اختفت تماما وهذا الاختفاء مثير لمخاوف شتّى خاصّة بعد التغييرات الكبيرة في الساحة السورية .

تسفير الشباب إلى بؤر التوتّر.. هل يبقى لغزا؟

من القضايا الخطيرة اليوم المنشورة أمام المحاكم قضية تسفير الشباب التونسي الى بؤر التوتّر للقتال سواء مع "جبهة النصرة" أو "داعش" وبعض التهم في هذه القضية موجهة الى شخصيات ومسؤولين سابقين بالتورط في تسفير آلاف الشباب التونسيين إلى سوريا بعد الثورة.

وقدّر وزير الداخلية التونسي الأسبق، الهادي المجدوب في تصريح سابق أمام البرلمان عدد الإرهابيين التونسيين المتواجدين في بؤر التوتر بنحو 2929 متشددا ونجحت السلطات الأمنية في منع آلاف التونسيين من السفر وهؤلاء لا يعلم مصيرهم اليوم، فبعضهم قُتل والبعض الآخر مازال يقاتل وآخرون مودعون بالسجون ومنها سجون النظام السوري والذي اعترف في وقت سابق بوجود 43 تونسيا في سجونه والتقارير تشير إلى إطلاق سراح المئات من المتشددين من السجون السورية، ولا يستبعد أن يكون من بينهم تونسيون قد يفكرون في العودة متسللين الى تونس لمآرب إرهابية خاصة وأن هناك خلايا نائمة مستعدة لليقظة في دول كثيرة وتونس ليست مستثناة من هذه الدول. ويخشى مختصون في مسألة التطرّف العنيف أن تكون هذه المغادرة العشوائية للسجون السورية فرصة لضياع قاعدة البيانات التي تحدد خطورة التهم الموجهة للمتشددين بالسجون السورية وطبيعة الأعمال الإرهابية التي تورطوا فيها.. رغم أنه من غير الواضح إلى حد الآن إلى أين سيتجه هؤلاء الإرهابيون وما إذا كانوا سيعززون فصائل المعارضة السورية أم سينتقلون إلى ساحات جديدة !

ويذكر أن تونس وبعد قطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا في فترة حكم "الترويكا" قامت بتركيز بعثة دبلوماسية محدودة في سوريا في عام 2017 للمساعدة على تعقب حوالي 3 لآلاف مقاتل تونسي سافروا إلى سوريا للانضمام إلى تنظيمات إرهابية بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

ومنذ أشهر تم تعزيز التعامل الديبلوماسي بين تونس ودمشق بإعادة السفراء وفتح سفارة تونس بسوريا وكانت من أبرز الملفات التي كانت ذات أولوية هو ملف الإرهابيين في سوريا واليوم مطالبة السفارة السورية بدمشق أن تكون أكثر حرصا على جمع المعلومات في هذا الاتجاه، مع ضرورة وضع خطط تنسيقية خاصة على المستوى الأمني ومع دول الجوار وأساسا ليبيا لمنع عودة محتملة لتلك العناصر خارج اتفاقيات التسليم المعتادة لمثل هذه العناصر المصنّفة خطيرة، لأن عودة أي عنصر تهديد مباشر وخطر إرهابي لا يمكن تجاهله.

بعد إخلاء السجون وحركات التمرّد داخل المخيّمات بسوريا..   الهجرة "الجهادية" العكسية.. خطر داهم يستدعي الحذر!

 

تونس–الصباح

لم تقلب الأحداث المتسارعة على الساحة السورية، المعادلة السياسية، وتفرض واقعا جديدا لمرحلة ما بعد حكم عائلة الأسد الذي امتد لعقود، فقط، بل وضعت ملفات حارقة على الطاولة ولعلّ أبرز هذه الملفات التي تشغل الرأي العام الدولي وهو ملف الإرهاب والإرهابيين الأجانب الذين انضموا الى الفصائل المسلحة في سوريا في سياق تيار الثورات العربية والثورة السورية المجهضة في 2011 ..

وتونس معنية بشكل مباشر بهذا الملف بعد التحاق مئات المقاتلين التونسيين بثغور القتال في سوريا وانضمامهم الى مختلف التنظيمات المسلحة بما في ذلك جبهة النصرة بقيادة الجولاني والتي تحوّلت بعد ذلك الى نواة صلبة في هيئة تحرير الشام بزعامة أبو محمد الجولاني، وتونس معنية كذلك بملف المساجين في سجون النظام السوري باعتبار تواجد العشرات من الإرهابيين التونسيين في تلك السجون وكذلك هي معنية بالملف في علاقة بعوائل "الدواعش" المتواجدين في مخيمات اللجوء وخاصة في مخيمي عين عيسى وأبو الهول والحسكة وبقية المخيمات الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية الكردية والتي هي في مواجهة اليوم جبهة تحرير الشام وتضع من ضمن نقاط التسوية هذه المخيمات بكل ما تشكّله من خطر تواجد عشرات النساء والأطفال الذين كبروا في بيئة حاضنة للأفكار والإيديولوجيات المتطرفة..

وليست تونس فقط معنية بل إن دولا كثيرة معنية أيضا بهذه الملفات، وخاصة دول المنطقة المغاربية التي تحوّل بعضها بعد الثورات العربية الى مصدّر لهذه العناصر المتطرّفة والتي يمكن أن تستعيد حريتها اليوم إما بعد إخلاء السجون أو بعد إهمال المخيمات، وهو ما قد يفتح أمامها طريق العودة في إطار المعادلات الجديدة والخطيرة اليوم والتي يجب أن تتعامل معها تونس بيقظة وحذر شديدين وإيلاء الملف ما يستحقه من أهمية.. لا سيما وأن دمشق أكدّت في أكثر من مناسبة حيازتها لملفات خطيرة تهم التسفير وأعداد وأسماء التونسيين المتطرّفين الذين وقعوا في قبضة قواتها أو تعلم مسارات تحركهم في الأراضي السورية وآخر تأكيد كان من وزير الخارجية السوري في نظام بشار الأسد، فيصل مقداد، عند زيارته لتونس في أفريل 2023 ولقائه بوزير الخارجية السابق نبيل عمّار ..

واليوم مع سقوط نظام بشّار الأسد ضاعت قاعدة البيانات تلك وكل المعلومات التي كان يملكها النظام السوري بما يصعّب مهمة السلطات الأمنية التونسية في تعقّب المورطين وفي فكّ شيفرة شبكات التسفير وهو الملفّ المثير للجدل والذي لم يغلق بعد قضائيا في تونس وتورطّت فيه شخصيات وأسماء وازنة في المشهد السياسي التونسي قبل 25 جويلية ..

واليوم مع كل هذه التطورات الأمنية هل ستكون هناك خطط واستراتيجيات جديدة للتصدي لهجرة "جهادية" عكسية ومحتملة؟

ملف من إعداد: منية العرفاوي

المعادلات السياسية والدولية الجديدة

ما يثير الاهتمام ويلفت الانتباه هو التحوّل الكبير في مواقف القوى الدولية من تلك الفصائل المقاتلة والتي كانت قياداتها مطلوبة دوليا ومصنّفة ضمن عتاة الإرهابيين المطلوبين وإذا بأبرزهم يقود اليوم المعارضة المسلحة التي استولت على السلطة ووضعت يدها على أهم المدن السورية وأسقطت نظام بشّار الأسد بمباركة دولية واسعة، رغم أن جبهة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني الذي دخل دمشق في ثوب القائد المنتصر والتي هي لفيف من فصائل مسلحة كانت يصنّفها المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تنظيمات إرهابية، خاصة وأن نواة هيئة تحرير الشام هي جبهة النصرة..

وجبهة النصرة التي تغيّرت ملامحها مرّات ومرّات مع أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع اليوم، في إطار محاولات تلميع صورة الماضي وإخراجه من ثوب المشتبه به في الإرهاب وهو "المجاهد" "الذي ولدت مسيرته من رحم قاعدة بلاد الرافدين، قبل أن ينتقل الى سوريا في إطار المهمة "الجهادية" التي كُلف بها إبان الثورة السورية من أجل تحقيق "الفتح الإسلامي" في بلاد الشام، وفي إطار هذه المهمة وُلدت جبهة النصرة التي نجحت في استقطاب أتباع "القاعدة" المتحمسين للقتال من كل الأقطار العربية وخاصة تونس والبلدان المغاربية عموما وبالأساس تونس والمغرب وليبيا والتي ستشهد حركات مدّ وجزر "جهادية" طيلة العقد الماضي ..

لكن زعيم جبهة النصرة، الجولاني، وبعد مواجهة ضارية مع تنظيم داعش الوافد بدوره على الأراضي السورية وحسم المعركة في أكثر من جولة لصالحه، أعلن بعد ذلك انفصاله عن القاعدة رغم مبايعته السابقة لأيمن الظواهري، لتبدأ بعد ذلك في تاريخ هذا الفصيل وفي تاريخ الجولاني بدأنا نرى نتائجها في الأيام الأخيرة ..

نتائج غير مفاجئة ومتوقعة عكس ما يعتقده الكثيرون  وتم الإعداد لها بشكل جيّد منذ انطلاق مؤتمر أستانا بالعاصمة الكازاخية في جانفي 2017 وبداية مسار التسوية بين نظام بشار الأسد والمعارضة المسلحة وبضمانات الدول الراعية لهذا المسار وهي أساسا تركيا وإيران وروسيا.. كما تجد جذورها في تكوين الجولاني لهيئة تحرير الشام التي تتزعّم وتجمع اليوم أغلب فصائل المعارضة المسلحة بنواتها الصلبة جبهة النصرة ..

هيئة تحرير الشام

أهم وأبرز ما تمخّض عنه مسار أستانا بعد اجتماعات ولقاءات كثيرة هو التزام بفرز القوى المسلحة المناهضة للحكومة السورية بين جماعات تراجعت عن العمل المسلح والتزمت بالتوقف عن أعمال العنف وارتضت بالحل السياسي بعد أن وافقت على قرار وقف العمليات القتالية، وجماعات صنفت دوليا إرهابية رفضت العمل السياسي وأصرت على أعمال العنف والإجرام والتزم الجميع في أستانا بعزل هذه القوى وقتالها حتى اجتثاثها وكانت جبهة النصرة التي تحوّلت بعد ذلك الى هيئة تحرير الشام من بين الفصائل التي قبلت بالتعاطي السياسي.. وهذا الأمر أدّى الى تصادم كبير بين جبهة النصرة وبقية الفصائل الإرهابية من أبرزها "داعش" وهو ما أدى الى تغيير خريطة القوى وأحجامها وفعاليتها حيث تقدمت جبهة النصرة على حساب الآخرين ثم طورت نجاحها الى تشكيل كيان جديد تحت اسم "هيئة تحرير الشام" التي تشكلت من "جبهة فتح الشام" بقيادة الجولاني وذلك بعد إلغاء اسم جبهة النصرة وفكّ الارتباط مع القاعدة  و"حركة نورالدين زنكي" ولواء الحق" و"جبهة أنصار الدين" و"جيش السنة" ونجح اليوم ذلك الكيان في الصمود وفي تزعّم المعارضة المسلحة وفي تقليم أظافر خصمه المباشر "داعش" وفي نيل ثقة الأطراف الدولية التي ساعدته على الإطاحة بنظام بشّار الأسد.. وقد أكّد الجولاني منذ أيام أن هيئة تحرير الشام ليس كيانا ثابتا بل يمكن تجاوزه الى تأسيس منظومة حكم تقوم على المؤسسات .

 

الإرهابيون التونسيون والمصير الغامض

منذ أشهر أعلنت وزيرة المرأة السابقة آمال بالحاج موسى عن عودة 51 طفلا من مناطق النزاع، وكان هؤلاء الأطفال يتوزعون بين 16 طفلة و35 طفلا وأن أعمارهم تتراوح بين 5 و17 سنة وقالت الوزيرة أنه تم إدماجهم في عائلاتهم الموسعة بمقتضى تدابير صادرة عن قضاة الأسرة وبالتنسيق مع مندوبي حماية الطفولة وأنها تعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتوفير الخدمات الصحية والنفسية اللازمة لهؤلاء الأطفال.

ولكن أغلب الأطفال العائدين تم تسلمّهم من ليبيا في حين أن أغلب الأطفال الذين سافروا مع آبائهم الى سوريا للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية أو الذين ولدوا في سوريا وكبروا إما في المخيمات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الكردية أو في سجون النظام مازالوا هناك دون قاعدة بيانات موثوقة توضّح من هم وكم عددهم وتكشف كل المعطيات المتعلقّة بهم، ناهيك عن المقاتلين مع مختلف الفصائل المسلّحة..

وعودة عكسية لكل هؤلاء غير مستبعدة اليوم مع ارتخاء القبضة الأمنية بوصول المعارضة المسلحة وتسامحها مع بعض من كان بالأمس ضمن مقاتليها وإخلاء السجون وكذلك خروج بعض المخيمات من تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.. خاصة وأنه في وقت سابق أكدت وزارة المرأة أن مصالحها سجلت مطالب عودة واردة بالأساس من الأجداد لأم أو أب الأطفال المقيمين بمختلف ولايات الجمهورية لقرابة 120 طفلا موجودين في بؤر التوتّر ومنها المخيمات السورية، وهؤلاء اليوم لديهم فرصة للعودة مع آبائهم أو أمهاتهم بما يطلّب وضع خطة متعددة الأبعاد الأمنية والنفسية والاجتماعية للتعامل معهم من أجل إعادة إدماج آمن للمجتمع .

المخيمات ورسكلة التطرّف

يعيش أطفال المخيمات السورية التي تضم عوائل تنظيم "داعش" الإرهابي من أطفال ونساء والذين تم القبض عليهم أو فروّا من الرقة ظروف غير إنسانية بالإضافة الى الوصم الذي يلاحقهم والأفكار المتطرفة التي مازالت تسيطر على هذه المخيمات ويمكن أن تحولهم الى متطرفين وتبرمجهم على أفكار دموية ويصعب إصلاح الأمر كلما تقدم بهم العمر..

وعكس دول كثيرة ومنها دول أوروبية وعربية لم تسع تونس لاستعادة أطفال من تلك المخيمات التي لا يسيطر عليها النظام السوري بل قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وهي طرف انفصالي في سوريا لا تعترف به تونس وبالتالي من الصعب أن تكون تسلمت الدولة أطفالا من هذه المخيمات .

وقدّر في وقت سابق مرصد الحقوق والحريات، وهو من بين الجمعيات التي تتابع منذ سنوات وضع الأطفال بالمخيمات السورية، عددهم بأكثر من 120 طفلا تونسيا أغلبهم دون سن 13 سنة وولدوا في سوريا سواء من أب أو أم تونسية أو عائلة هاجرت الى الأراضي السورية والتحقت بالتنظيمات المسلحة.. وقد أكد المرصد في بيان سابق أن عددا من الأطفال التونسيين قد تم إبعادهم عن أمهاتهم ونقلهم من المخيمات إلى السجون أو إلى جهات غير معلومة فقط لأنهم تجاوزوا سن 13 سنة .

وفي السابق برّرت الدولة التونسية رفضها إعادة الأطفال العالقين في مخيمات شمال شرق سوريا، بأنها لا تتفاوض مع التنظيمات الانفصالية أو الميليشيات المسلحة، كقوات سوريا الديمقراطية التي تشرف على المخيمات، إلا أن مرصد الحقوق والحريات أكّد أن تونس تسلمت من هذه القوات 10 مقاتلين هم مودعون اليوم بالسجون التونسية .

ومن المخيمات الشهيرة التي عرفت بوجود تونسيين بأعداد هامة داخلها نجد مخيم عين عيسى في الشمال السوري الذي ضمّ في وقت سابق عدد كبير من التونسيات مع أطفالهن، ومن المخيمات سيئة السمعة والصيت التي تعيد رسكلة التطرّف بشكل كبير نجد مخيم الهول الذي قالت عنه منظمة Save the Children- أنقذوا الأطفال، أنه يقيم فيه حوالي 7300 طفلا من أبناء "الدواعش" وبينهم تونسيون. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كلّ الدول المعنية إلى استعادة رعاياها من مخيّم الهول الواقع في شرق سورية، وقال عنه غوتيريش أنه زار عندما كان مفوضا ساميا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخيمات في كل أنحاء العالم وأن مخيّم الهول اليوم هو أسوأ مخيم بالعالم وبه أسوأ الظروف. ويضمّ المخيّم الواقع على بعد 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة أكثر من 50 ألف شخص من عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" بمن فيهم أجانب من نحو 60 دولة بالإضافة إلى نازحين سوريين ولاجئين عراقيين يبلغ عددهم نحو 25 ألفا..

تونسيون قاتلوا تحت راية الجولاني

بعد تصنيف أنصار الشريعة في تونس المبايع لتنظيم القاعدة كتنظيم إرهابي اختار عدد كبير من أتباعه الهجرة الى سوريا والالتحاق بجبهة النصرة تحت قيادة الجولاني والتي كانت بدورها تتبنّى فكر وأدبيات ومرجعيات القاعدة وقد نجحت النصرة في استقطاب عدد كبير من الشباب التونسي وبرز في صفوف النصرة عدة مقاتلين من الجنسية التونسية ومنهم أبو الحسن التونسي الذي قُتل في 2015  وكان أحد رجال أسامة بن لادن وقاتل قبل ذلك في أفغانستان وأبو حفص التونسي وبلال الشواشي المُكنّى بأبي يحيى زكريا قبل أن يغيّر كنيته الى أبو همام المهاجر بعد ان انشق على النصرة والتحق بـ"داعش"، وقد أكد وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدّو أن هناك أكثر من 2400 تونسي يقاتلون مع جبهة النصرة وداعش ..

ففي 2012 تم طرد قوات النظام السوري تماما من مدينة تل رفعت وشكل الجيش السوري الحرّ هناك مجموعتين وهما لواء التوحيد ولواء الفتح الذي كان جميع قادته من تل رفعت.. وقد جمع الجيش السوري الحر حوالي 5000 شخص من تل رفعت، التحق بعد ذلك 150 منهم بـ"داعش" و400 بجبهة النصرة.. وبعد ذلك انطلقت جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني في استقطاب الشباب الجهادي من كل مناطق العالم ومنها تونس .

الهجرة "الجهادية" العكسية ..

في تقرير مثير نشرته منظمة السلام والتنمية وحقوق الإنسان حول ليبيا في مارس 2020 أشارت فيه إلى أنه في ديسمبر 2019 تحرّك 300 مقاتل من الفصائل السورية الجهادية تجاه ليبيا للقتال بجانب الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق ثم 350 آخرون في 29 ديسمبر 2019 وكان هؤلاء المقاتلون قد تلقوا التدريبات الخاصة بهم في معسكرات شمال سوريا وفي هذا الإطار قام الجيش الليبي بنشر معلومات عن وصول مجموعة من المقاتلين من سوريا الى ليبيا والذين لهم علاقة بتنظيم القاعدة والعديد منهم مطلوب على قائمات مكافحة الإرهاب للعديد من الدول وكانوا يقاتلون في جبهة النصرة و"داعش" ومن أبرزهم التونسي بلال بن يوسف بن محمد الشواشي ويكنّى أبو يحيا زكرياء ومن بينهم الإرهابي المصري المصنّف على قوائم الإرهاب لعدد من الدول أسامة السيد قاسم ويكنّى أبو الحارث وعبد الله محمد العنزي ويكنّى أبو محمد الجزرواي وهو سعودي الجنسية، هذا مع وصول يحيى ماهر فرغلي رئيس المكتب الشرعي لحركة "أحرار الشام" التي تتبع تنظيم "القاعدة" والمؤسس لتسعة كتائب قتالية يطلق عليها "كتائب الفتح". وفي 4 فيفري 2020 أعلن المصدر السوري لحقوق الإنسان عن وصول 4700 مقاتل من لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وفيلق الشام وسليمان شاه لواء السمرقند الى ليبيا للقتال بجانب الميلشيات الليبية.. ووجود هذه الأسماء اليوم في ليبيا تشكّل خطرا مزدوجا على ليبيا وعلى تونس خاصة وأنه بعد الإعلان عن وصولها اختفت تماما وهذا الاختفاء مثير لمخاوف شتّى خاصّة بعد التغييرات الكبيرة في الساحة السورية .

تسفير الشباب إلى بؤر التوتّر.. هل يبقى لغزا؟

من القضايا الخطيرة اليوم المنشورة أمام المحاكم قضية تسفير الشباب التونسي الى بؤر التوتّر للقتال سواء مع "جبهة النصرة" أو "داعش" وبعض التهم في هذه القضية موجهة الى شخصيات ومسؤولين سابقين بالتورط في تسفير آلاف الشباب التونسيين إلى سوريا بعد الثورة.

وقدّر وزير الداخلية التونسي الأسبق، الهادي المجدوب في تصريح سابق أمام البرلمان عدد الإرهابيين التونسيين المتواجدين في بؤر التوتر بنحو 2929 متشددا ونجحت السلطات الأمنية في منع آلاف التونسيين من السفر وهؤلاء لا يعلم مصيرهم اليوم، فبعضهم قُتل والبعض الآخر مازال يقاتل وآخرون مودعون بالسجون ومنها سجون النظام السوري والذي اعترف في وقت سابق بوجود 43 تونسيا في سجونه والتقارير تشير إلى إطلاق سراح المئات من المتشددين من السجون السورية، ولا يستبعد أن يكون من بينهم تونسيون قد يفكرون في العودة متسللين الى تونس لمآرب إرهابية خاصة وأن هناك خلايا نائمة مستعدة لليقظة في دول كثيرة وتونس ليست مستثناة من هذه الدول. ويخشى مختصون في مسألة التطرّف العنيف أن تكون هذه المغادرة العشوائية للسجون السورية فرصة لضياع قاعدة البيانات التي تحدد خطورة التهم الموجهة للمتشددين بالسجون السورية وطبيعة الأعمال الإرهابية التي تورطوا فيها.. رغم أنه من غير الواضح إلى حد الآن إلى أين سيتجه هؤلاء الإرهابيون وما إذا كانوا سيعززون فصائل المعارضة السورية أم سينتقلون إلى ساحات جديدة !

ويذكر أن تونس وبعد قطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا في فترة حكم "الترويكا" قامت بتركيز بعثة دبلوماسية محدودة في سوريا في عام 2017 للمساعدة على تعقب حوالي 3 لآلاف مقاتل تونسي سافروا إلى سوريا للانضمام إلى تنظيمات إرهابية بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

ومنذ أشهر تم تعزيز التعامل الديبلوماسي بين تونس ودمشق بإعادة السفراء وفتح سفارة تونس بسوريا وكانت من أبرز الملفات التي كانت ذات أولوية هو ملف الإرهابيين في سوريا واليوم مطالبة السفارة السورية بدمشق أن تكون أكثر حرصا على جمع المعلومات في هذا الاتجاه، مع ضرورة وضع خطط تنسيقية خاصة على المستوى الأمني ومع دول الجوار وأساسا ليبيا لمنع عودة محتملة لتلك العناصر خارج اتفاقيات التسليم المعتادة لمثل هذه العناصر المصنّفة خطيرة، لأن عودة أي عنصر تهديد مباشر وخطر إرهابي لا يمكن تجاهله.