إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس تتخلى عن تمويلات صندوق النقد.. أي بدائل لتعبئة تمويلات جديدة؟

- الاقتراض الداخلي يقفز إلى 21 مليار دينار

تونس-الصباح

بعد مصادقة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم؛ على مشروع قانون المالية لسنة 2025 برمته بحر الأسبوع الجاري، تكون بذلك الدولة قد أثبتت موقفها من صندوق النقد الدولي والتخلي عن قروضه وتمويلاته للسنة الثالثة على التوالي، بعد أن كان من أبرز الفرضيات التي انبنت عليها قوانين المالية للسنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، والتي كانت مقدرة بـ 1,9 مليار دولار، مما يؤكد توجهّ الدولة التونسية الرافض لمواصلة التعامل مع الصندوق مستقبلا في ظل ما وصفته الحكومة بالشروط المجحفة والاملاءات غير المنطقية التي لا تراعي الجانب الاجتماعي للبلاد..

وفاء بن محمد

كما أن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد كان قد أكد في عديد المناسبات رفضه التعامل مع صندوق النقد، من ذلك ما صرح به في آخر لقاء جمعه بمحافظ البنك المركزي التونسي فتحي النوري قُبيل تنقل هذا الأخير للمشاركة في الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن في شهر أكتوبر 2024، مؤكدا "أن الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي ولن تقبل بالاملاءات من أي جهة كانت".

التعويل على الذات.. البديل!!

وبالرغم من الضغوطات الكبيرة على المالية العمومية والتي على رأسها تعثر الدولة لتحصيل قروض وتمويلات خارجية، فقد رفعت شعار التعويل على الذات وسط جدل واسع بين الأوساط التونسية حول مدى نجاعة هذا التوجه في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى دعم مالي خارجي وهي التي تعاني من بطء في النشاط الاقتصادي وتراجع في معدلات النمو.

والثابت أن الدولة انطلقت منذ سنة تقريبا في سياسة التقشف كأبرز الإصلاحات التي صنفتها في خانة التعويل على الذات، وواصلت الحكومة هذه السنة كذلك المراهنة على سياستها التقشفية التي تندرج في إطار المحافظة على التوازنات المالية والتخفيض من عجز الميزانية والتقليص من اللجوء إلى التداين ومزيد التعويل على الذات.

ومن أبرز إجراءات هذه السياسة مزيد الضغط على المصاريف العمومية والتقليص من كتلة الأجور ورفع الدعم تدريجيا على الطاقة والاكتفاء بدعم المواد الأساسية...، فضلا عن تحسين الاستخلاص عن طريقة مراجعة جداول الضريبة على الدخل التي ضمنتها في مشروع قانون المالية الجديد..

إلى جانب التقليص في التوريد وترشيده ليشمل المواد والسلع وكل الحاجيات الضرورية دون استنزاف موارد الدولة من النقد الأجنبي في الكماليات التي أنهكت لسنوات منظومة التوريد، وأخلت بالميزان التجاري وبالتالي بتوازنات البلاد المالية...

كما أن الدولة اليوم تعول وبشكل كبير على مواردها الذاتية المتعلقة بعائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج التي بلغت حاليا 7062 مليون دينار إلى حدود يوم 24 نوفمبر 2024، أي ما يعادل تقريبا حجم الدعم على المحروقات المحدد بـ 7800 مليون دينار...

الاقتراض الداخلي!!

دون أن ننسى خيار الدولة في التوجه إلى الاقتراض الداخلي في السنوات الأخيرة في ظل صعوبة تحصيل قروض وتمويلات خارجية، هذا التوجه الذي نبه من مخاطره العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي على اعتبار أنه يؤدي إلى تضخم نقدي والى نقص في السيولة النقدية..

في حين تواصل الدولة حسب ما أفادت به وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، في مشروع قانون المالية الجديد في هذا الخيار بل وضمنت فصلا جديدا في المشروع يسمح للبنك المركزي بإقراض الدولة مبلغ 7 مليار دينار العام المقبل في ظل تأكيد الوزيرة على أن القرض لن يمس باحتياطي النقد الأجنبي لتسديد خدمة الدين المستحقة مع حلول شهر جانفي المقبل. كان ذلك خلال الجلسة العامة التي انعقدت في مجلس نواب الشعب للمصادقة على مشروع قانون المالية الجديد..

وبينت الوزيرة في ذات السياق، أن تونس ستسدد خدمة دين بمبلغ 9 مليار دينار خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، منها 3،3 مليار دينار خلال يوم واحد من شهر جانفي 2025 تتعلق بقرض رقاعي مبرم سنة 2025 .

وأكدت الوزيرة أن المبلغ المطلوب من البنك المركزي التونسي، والذي اقترحته ضمن مشروع قانون الميزانية لسنة 2025، يبقي دون خدمة الدين التي ستقوم الدولة بتسديدها خلال الثلاثي الأول والبالغة 9 مليار دينار من بينها نحو 5،1 مليار دينار مخصصة للدين الخارجي.

وأشارت الوزيرة إلى أنه بالإضافة إلى تسديد خدمة الدين تحتاج الحكومة إلى الوفاء بالنفقات المتعلقة بالدعم والبالغة 1،8 مليار دينار والاستثمار التي تناهز 1،5 مليار دينار إلى جانب توفير الموارد للأجور والتحويلات.

وأكدت نمصية أن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 ، ينص على اقتراض مبلغ يناهز 28 مليار دينار من بينها 21 مليار دينار على شكل قروض داخلية وأن مبلغ 7 مليار دينار المطلوب من البنك المركزي يدخل ضمن هذا التمويل .

وتشير التقديرات التي تم ضبطها في مشروع قانون المالية لسنة 2025، إلى أن حجم ميزانية الدولة لعام 2025 سيبلغ حوالي الـ 78.23 مليار دينار، بزيادة قدرها 3.3 في المائة مقارنة بالنتائج المتوقعة لعام 2024..

لكن بالنظر إلى المؤشرات الاقتصادية التي تتعلق بنسب النمو ونسبة عجز الموازنة العامة، والتضخم وتعطل الإنتاج في بعض القطاعات الحيوية، فإن الدولة مازالت تواجه تحديات اقتصادية كبيرة وتتطلب في الحقيقة مزيدا من الدعم المالي الخارجي لأنها لا يمكن اليوم أن تواصل التعويل على الاقتراض الداخلي فقط وسط تعطل بقية المصادر التمويلية التقليدية، وهو ما يتطلب منها مراجعة طبيعة المفاوضات مع المؤسسات المالية المانحة وأبرزها صندوق النقد الدولي...

 

 

 

 

 

تونس تتخلى عن تمويلات صندوق النقد.. أي بدائل لتعبئة تمويلات جديدة؟

- الاقتراض الداخلي يقفز إلى 21 مليار دينار

تونس-الصباح

بعد مصادقة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم؛ على مشروع قانون المالية لسنة 2025 برمته بحر الأسبوع الجاري، تكون بذلك الدولة قد أثبتت موقفها من صندوق النقد الدولي والتخلي عن قروضه وتمويلاته للسنة الثالثة على التوالي، بعد أن كان من أبرز الفرضيات التي انبنت عليها قوانين المالية للسنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، والتي كانت مقدرة بـ 1,9 مليار دولار، مما يؤكد توجهّ الدولة التونسية الرافض لمواصلة التعامل مع الصندوق مستقبلا في ظل ما وصفته الحكومة بالشروط المجحفة والاملاءات غير المنطقية التي لا تراعي الجانب الاجتماعي للبلاد..

وفاء بن محمد

كما أن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد كان قد أكد في عديد المناسبات رفضه التعامل مع صندوق النقد، من ذلك ما صرح به في آخر لقاء جمعه بمحافظ البنك المركزي التونسي فتحي النوري قُبيل تنقل هذا الأخير للمشاركة في الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن في شهر أكتوبر 2024، مؤكدا "أن الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي ولن تقبل بالاملاءات من أي جهة كانت".

التعويل على الذات.. البديل!!

وبالرغم من الضغوطات الكبيرة على المالية العمومية والتي على رأسها تعثر الدولة لتحصيل قروض وتمويلات خارجية، فقد رفعت شعار التعويل على الذات وسط جدل واسع بين الأوساط التونسية حول مدى نجاعة هذا التوجه في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى دعم مالي خارجي وهي التي تعاني من بطء في النشاط الاقتصادي وتراجع في معدلات النمو.

والثابت أن الدولة انطلقت منذ سنة تقريبا في سياسة التقشف كأبرز الإصلاحات التي صنفتها في خانة التعويل على الذات، وواصلت الحكومة هذه السنة كذلك المراهنة على سياستها التقشفية التي تندرج في إطار المحافظة على التوازنات المالية والتخفيض من عجز الميزانية والتقليص من اللجوء إلى التداين ومزيد التعويل على الذات.

ومن أبرز إجراءات هذه السياسة مزيد الضغط على المصاريف العمومية والتقليص من كتلة الأجور ورفع الدعم تدريجيا على الطاقة والاكتفاء بدعم المواد الأساسية...، فضلا عن تحسين الاستخلاص عن طريقة مراجعة جداول الضريبة على الدخل التي ضمنتها في مشروع قانون المالية الجديد..

إلى جانب التقليص في التوريد وترشيده ليشمل المواد والسلع وكل الحاجيات الضرورية دون استنزاف موارد الدولة من النقد الأجنبي في الكماليات التي أنهكت لسنوات منظومة التوريد، وأخلت بالميزان التجاري وبالتالي بتوازنات البلاد المالية...

كما أن الدولة اليوم تعول وبشكل كبير على مواردها الذاتية المتعلقة بعائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج التي بلغت حاليا 7062 مليون دينار إلى حدود يوم 24 نوفمبر 2024، أي ما يعادل تقريبا حجم الدعم على المحروقات المحدد بـ 7800 مليون دينار...

الاقتراض الداخلي!!

دون أن ننسى خيار الدولة في التوجه إلى الاقتراض الداخلي في السنوات الأخيرة في ظل صعوبة تحصيل قروض وتمويلات خارجية، هذا التوجه الذي نبه من مخاطره العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي على اعتبار أنه يؤدي إلى تضخم نقدي والى نقص في السيولة النقدية..

في حين تواصل الدولة حسب ما أفادت به وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، في مشروع قانون المالية الجديد في هذا الخيار بل وضمنت فصلا جديدا في المشروع يسمح للبنك المركزي بإقراض الدولة مبلغ 7 مليار دينار العام المقبل في ظل تأكيد الوزيرة على أن القرض لن يمس باحتياطي النقد الأجنبي لتسديد خدمة الدين المستحقة مع حلول شهر جانفي المقبل. كان ذلك خلال الجلسة العامة التي انعقدت في مجلس نواب الشعب للمصادقة على مشروع قانون المالية الجديد..

وبينت الوزيرة في ذات السياق، أن تونس ستسدد خدمة دين بمبلغ 9 مليار دينار خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، منها 3،3 مليار دينار خلال يوم واحد من شهر جانفي 2025 تتعلق بقرض رقاعي مبرم سنة 2025 .

وأكدت الوزيرة أن المبلغ المطلوب من البنك المركزي التونسي، والذي اقترحته ضمن مشروع قانون الميزانية لسنة 2025، يبقي دون خدمة الدين التي ستقوم الدولة بتسديدها خلال الثلاثي الأول والبالغة 9 مليار دينار من بينها نحو 5،1 مليار دينار مخصصة للدين الخارجي.

وأشارت الوزيرة إلى أنه بالإضافة إلى تسديد خدمة الدين تحتاج الحكومة إلى الوفاء بالنفقات المتعلقة بالدعم والبالغة 1،8 مليار دينار والاستثمار التي تناهز 1،5 مليار دينار إلى جانب توفير الموارد للأجور والتحويلات.

وأكدت نمصية أن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 ، ينص على اقتراض مبلغ يناهز 28 مليار دينار من بينها 21 مليار دينار على شكل قروض داخلية وأن مبلغ 7 مليار دينار المطلوب من البنك المركزي يدخل ضمن هذا التمويل .

وتشير التقديرات التي تم ضبطها في مشروع قانون المالية لسنة 2025، إلى أن حجم ميزانية الدولة لعام 2025 سيبلغ حوالي الـ 78.23 مليار دينار، بزيادة قدرها 3.3 في المائة مقارنة بالنتائج المتوقعة لعام 2024..

لكن بالنظر إلى المؤشرات الاقتصادية التي تتعلق بنسب النمو ونسبة عجز الموازنة العامة، والتضخم وتعطل الإنتاج في بعض القطاعات الحيوية، فإن الدولة مازالت تواجه تحديات اقتصادية كبيرة وتتطلب في الحقيقة مزيدا من الدعم المالي الخارجي لأنها لا يمكن اليوم أن تواصل التعويل على الاقتراض الداخلي فقط وسط تعطل بقية المصادر التمويلية التقليدية، وهو ما يتطلب منها مراجعة طبيعة المفاوضات مع المؤسسات المالية المانحة وأبرزها صندوق النقد الدولي...