إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ظل الإشكاليات التي يعاني منها التعليم.. دعوة إلى الإسراع بتركيز المجلس الأعلى للتربية

 

تونس-الصباح

يٌراهن اليوم كثير من المٌتابعين للشّأن التربوي على ضرورة الإسراع في تفعيل وتركيز المجلس الأعلى للتربية لما له من أهمية في الوقت الراهن بالنظر إلى الإشكاليات والعلل الجديدة القديمة التي تعاني منها المنظومة التربوية منذ عقود..، والتي زادت من حدّتها علل أخرى انضافت إليها على غرار تراجع المكتسبات التعليمية للتلميذ لاسيما في المرحلة الابتدائية... بما جعل المدرسة العمومية هذا الصرح التكويني الهام عنصرا منفرا للتلميذ بعد أن كان منارة تعليمية يٌحتذى بها..

من هذا المنطلق وأمام عديد التحديات التي تواجه المنظومة التربوية لعل أبرزها أزمة المكونين وتدني مستوى المكتسبات التعليمية للتلميذ لاسيما على مستوى اللغات علاوة على وفرة وكثرة المناهج المدرسية التي تحولت إلى عبء يثقل كاهل التلميذ، يمثل المجلس الأعلى للتربية طوق نجاة لأهل الاختصاص.

في هذا الخضم جدير بالذكر أن المجلس الأعلى للتربية يتولى إبداء الرأي وتقديم التوصيات حول السّياسة الوطنيّة للتّربية وفقًا لمتطلّبات التّنمية الاقتصادية والاجتماعيّة والثّقافيّة للبلاد، وباعتماد المعايير الدولية، وذلك ترسيخا لهوية الشّعب التّونسي العربيّة الإسلاميّة، ودعما لمكاسبه الوطنيّة وتكريسا لقيم المواطنة والحداثة والدّيمقراطيّة والكرامة والعدالة والمساواة والخطط التّنفيذيّة وبرامج ومنظومات التّكوين الأساسي والمستمرّ وكذلك منظومات الجودة والرّقابة والتّقييم والمتابعة والاعتماد اللاّزمة لتنفيذ السّياسة الوطنيّة للتّربية والتّعليم".

ومن هذا المٌنطلق يرى أهل الاختصاص أنه يتعين اليوم وأكثر من أي وقت مضى إرساء المجلس الأعلى للتربية، هذا الهيكل التعديلي المخول له إدخال إصلاحات جوهرية في المنظومة التربوية حتى يتسنى "إحياء" التعليم العمومي الذي عانى "الويلات" على مدار السنوات الماضية.

وتفاعلا مع الطرح الذي يؤشر إلى أن المجلس الأعلى للتربية هو اليوم بمثابة "المنقذ" للتعليم العمومي، اعتبر بعض الخبراء في مجال التربية والتعليم في معرض تصريحاتهم لـ "الصباح" أن الرّهان اليوم يتمثل في إعادة الإشعاع والبريق الخافت للتعليم العمومي حتى يستعيد مكانته الطبيعية وحتى يعود للمدرسة دورها الريادي التربوي والتعليمي الذي كانت تمارسه في ستينات القرن الماضي لاسيما دورها المعتاد كمصعد اجتماعي ساهم في إفراز خبرات وكفاءات لا يعلى عليها في مجالات عديدة.

كما أورد الخبراء أن المسؤولية الملقاة على عاتق المجلس الأعلى للتربية ستكون جسيمة بما أنه سيتولى مهمة إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية في ظل انتشار ظواهر سلوكية واجتماعية خطيرة في المؤسسات التربوية على غرار استفحال ظاهرتي العنف المدرسي وتعاطي المخدرات.

قرار استراتيجي

من جهة أخرى وفي الإطار نفسه جدير بالذكر أن رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم كان قد أكد على هامش ندوة دراسية حول تطوير المدرسة العمومية بعنوان: "سياستنا العمومية التعليمية كما نراها"، أن تركيز المجلس الأعلى للتربية يعتبر قرارا استراتيجيّا اتخذه رئيس الجمهورية، مضيفا أن هذا المجلس سيكون فضاءً لبناء الإصلاح.

وشدد قاسم على ضرورة إحداث مركز للدراسات التربوية ومركز تقييم وجودة يكون تحت إشراف المجلس الأعلى للتربية وذلك من أجل أن تكون القرارات المتخذة مبنية على دراسات ومن أجل أن نتجنب أيضا التذبذب في اتخاذ القرارات، وفق تقديره.

وأبرز قاسم أن الإصلاح التربوي لابد أن يبنى على وضع سياسات تخضع للحوكمة الرشيدة والمقاربة التشاركية وجودة التنظيمات وتطبيق معايير جودة تونسية بحتة".

ويشار إلى أن المجلس الأعلى للتربية والتعليم يتكون من وزارات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتشغيل والتكوين المهني واﻷسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والشباب والرياضة والشؤون الدينية والشؤون الثقافية.

كما يذكر أيضا أنه بتاريخ الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مرسوم رئاسي يتعلّق بتنظيم المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم يضبط تركيبته واختصاصاته وطرق سيره..

ونصّ المرسوم عدد 2 لسنة 2024 مؤرخ في 16 سبتمبر 2024 في فصله الثاني، على أن المجلس الأعلى للتربية والتعليم هيئة دستورية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية، مقره الرسمي تونس العاصمة ويضبط تنظيمه الإداري والمالي بمقتضى أمر.

ويتولى رئاسة الجلسة الافتتاحية للمجلس الوزير الأكبر سنا من بين الوزراء المكلفين بقطاعات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتشغيل والتكوين المهني والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والشباب والرياضة والشؤون الدينية والشؤون الثقافية.

ويتداول الوزراء الأعضاء المعنيون بالقطاعات المذكورة على رئاسة المجلس ونيابتها كل ستة أشهر.

يذكر أن المجلس الأعلى التربية يمثل تجربة اعتمدتها بعض الدول سابقا حيث بدأ العمل به في فرنسا منذ سنة 1989 وفي دول أخرى على غرار كندا وغيرها.

وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن رئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم محمد السندي كان قد أورد في معرض تصريحاته الإعلامية السابقة أن المجلس الأعلى التربية ليس تجربة جديدة إذ بدأ العمل به في فرنسا منذ سنة 1989 وفي دول أخرى على غرار كندا وغيرها، مشيرًا إلى أهمية الاستنجاد بالخبراء لأن وزارة التربية مكوّنة من موظفين إداريين غير قادرين على وضع البرامج والاستراتيجيات، وفق تأكيده.

وأضاف أن النجاح البيداغوجي يُقيّم بمردوديته ونتائجه مشيرًا إلى أن تونس موجودة دائمًا في أسفل سلم التقييم مكتسبات التلاميذ منذ سنوات.

يذكر أن رئيس الجهورية قيس سعيد كان قد اعتبر خلال شهر أفريل الماضي أن إدراج المجلس الأعلى للتربية والتعليم في نص دستور 25 جويلية 2022 ينبع من الشعور العميق بالمكانة التي يجب أن يحتلها قطاع التربية والتعليم. كما بيّن رئيس الجمهورية، في نفس هذا السياق، أن الاستشارة الوطنية التي تم تنظيمها تعكس بدورها الإيمان بأن أي إصلاح في هذا المجال يجب أن يكون معبرا عن إرادة المجموعة الوطنية مجسدا لتطلعاتها مكرسا لاختياراتها. ثم إن أي خطأ في الإصلاح لا يمكن تداركه إلا بعد سنين وعقود.

وتعرّض رئيس الجمهورية، في هذا الإطار، إلى عديد الأمثلة التي عرفتها تونس في مجال إصلاح التعليم مُركّزا بالخصوص على قانون التعليم الذي تم إصداره سنة 1958 حينما كان المجلس القومي التأسيسي آنذاك بصدد وضع دستور 1 جوان 1959. وتاريخ هذا القانون يدُلّ على أن المسألة التربوية لا تقل أهمية عن المسألة الدستورية.

منال حرزي

 

 

 

في ظل الإشكاليات التي يعاني منها التعليم..   دعوة إلى الإسراع بتركيز المجلس الأعلى للتربية

 

تونس-الصباح

يٌراهن اليوم كثير من المٌتابعين للشّأن التربوي على ضرورة الإسراع في تفعيل وتركيز المجلس الأعلى للتربية لما له من أهمية في الوقت الراهن بالنظر إلى الإشكاليات والعلل الجديدة القديمة التي تعاني منها المنظومة التربوية منذ عقود..، والتي زادت من حدّتها علل أخرى انضافت إليها على غرار تراجع المكتسبات التعليمية للتلميذ لاسيما في المرحلة الابتدائية... بما جعل المدرسة العمومية هذا الصرح التكويني الهام عنصرا منفرا للتلميذ بعد أن كان منارة تعليمية يٌحتذى بها..

من هذا المنطلق وأمام عديد التحديات التي تواجه المنظومة التربوية لعل أبرزها أزمة المكونين وتدني مستوى المكتسبات التعليمية للتلميذ لاسيما على مستوى اللغات علاوة على وفرة وكثرة المناهج المدرسية التي تحولت إلى عبء يثقل كاهل التلميذ، يمثل المجلس الأعلى للتربية طوق نجاة لأهل الاختصاص.

في هذا الخضم جدير بالذكر أن المجلس الأعلى للتربية يتولى إبداء الرأي وتقديم التوصيات حول السّياسة الوطنيّة للتّربية وفقًا لمتطلّبات التّنمية الاقتصادية والاجتماعيّة والثّقافيّة للبلاد، وباعتماد المعايير الدولية، وذلك ترسيخا لهوية الشّعب التّونسي العربيّة الإسلاميّة، ودعما لمكاسبه الوطنيّة وتكريسا لقيم المواطنة والحداثة والدّيمقراطيّة والكرامة والعدالة والمساواة والخطط التّنفيذيّة وبرامج ومنظومات التّكوين الأساسي والمستمرّ وكذلك منظومات الجودة والرّقابة والتّقييم والمتابعة والاعتماد اللاّزمة لتنفيذ السّياسة الوطنيّة للتّربية والتّعليم".

ومن هذا المٌنطلق يرى أهل الاختصاص أنه يتعين اليوم وأكثر من أي وقت مضى إرساء المجلس الأعلى للتربية، هذا الهيكل التعديلي المخول له إدخال إصلاحات جوهرية في المنظومة التربوية حتى يتسنى "إحياء" التعليم العمومي الذي عانى "الويلات" على مدار السنوات الماضية.

وتفاعلا مع الطرح الذي يؤشر إلى أن المجلس الأعلى للتربية هو اليوم بمثابة "المنقذ" للتعليم العمومي، اعتبر بعض الخبراء في مجال التربية والتعليم في معرض تصريحاتهم لـ "الصباح" أن الرّهان اليوم يتمثل في إعادة الإشعاع والبريق الخافت للتعليم العمومي حتى يستعيد مكانته الطبيعية وحتى يعود للمدرسة دورها الريادي التربوي والتعليمي الذي كانت تمارسه في ستينات القرن الماضي لاسيما دورها المعتاد كمصعد اجتماعي ساهم في إفراز خبرات وكفاءات لا يعلى عليها في مجالات عديدة.

كما أورد الخبراء أن المسؤولية الملقاة على عاتق المجلس الأعلى للتربية ستكون جسيمة بما أنه سيتولى مهمة إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية في ظل انتشار ظواهر سلوكية واجتماعية خطيرة في المؤسسات التربوية على غرار استفحال ظاهرتي العنف المدرسي وتعاطي المخدرات.

قرار استراتيجي

من جهة أخرى وفي الإطار نفسه جدير بالذكر أن رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم كان قد أكد على هامش ندوة دراسية حول تطوير المدرسة العمومية بعنوان: "سياستنا العمومية التعليمية كما نراها"، أن تركيز المجلس الأعلى للتربية يعتبر قرارا استراتيجيّا اتخذه رئيس الجمهورية، مضيفا أن هذا المجلس سيكون فضاءً لبناء الإصلاح.

وشدد قاسم على ضرورة إحداث مركز للدراسات التربوية ومركز تقييم وجودة يكون تحت إشراف المجلس الأعلى للتربية وذلك من أجل أن تكون القرارات المتخذة مبنية على دراسات ومن أجل أن نتجنب أيضا التذبذب في اتخاذ القرارات، وفق تقديره.

وأبرز قاسم أن الإصلاح التربوي لابد أن يبنى على وضع سياسات تخضع للحوكمة الرشيدة والمقاربة التشاركية وجودة التنظيمات وتطبيق معايير جودة تونسية بحتة".

ويشار إلى أن المجلس الأعلى للتربية والتعليم يتكون من وزارات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتشغيل والتكوين المهني واﻷسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والشباب والرياضة والشؤون الدينية والشؤون الثقافية.

كما يذكر أيضا أنه بتاريخ الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مرسوم رئاسي يتعلّق بتنظيم المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم يضبط تركيبته واختصاصاته وطرق سيره..

ونصّ المرسوم عدد 2 لسنة 2024 مؤرخ في 16 سبتمبر 2024 في فصله الثاني، على أن المجلس الأعلى للتربية والتعليم هيئة دستورية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية، مقره الرسمي تونس العاصمة ويضبط تنظيمه الإداري والمالي بمقتضى أمر.

ويتولى رئاسة الجلسة الافتتاحية للمجلس الوزير الأكبر سنا من بين الوزراء المكلفين بقطاعات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتشغيل والتكوين المهني والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والشباب والرياضة والشؤون الدينية والشؤون الثقافية.

ويتداول الوزراء الأعضاء المعنيون بالقطاعات المذكورة على رئاسة المجلس ونيابتها كل ستة أشهر.

يذكر أن المجلس الأعلى التربية يمثل تجربة اعتمدتها بعض الدول سابقا حيث بدأ العمل به في فرنسا منذ سنة 1989 وفي دول أخرى على غرار كندا وغيرها.

وفي هذا الخصوص جدير بالذكر أن رئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم محمد السندي كان قد أورد في معرض تصريحاته الإعلامية السابقة أن المجلس الأعلى التربية ليس تجربة جديدة إذ بدأ العمل به في فرنسا منذ سنة 1989 وفي دول أخرى على غرار كندا وغيرها، مشيرًا إلى أهمية الاستنجاد بالخبراء لأن وزارة التربية مكوّنة من موظفين إداريين غير قادرين على وضع البرامج والاستراتيجيات، وفق تأكيده.

وأضاف أن النجاح البيداغوجي يُقيّم بمردوديته ونتائجه مشيرًا إلى أن تونس موجودة دائمًا في أسفل سلم التقييم مكتسبات التلاميذ منذ سنوات.

يذكر أن رئيس الجهورية قيس سعيد كان قد اعتبر خلال شهر أفريل الماضي أن إدراج المجلس الأعلى للتربية والتعليم في نص دستور 25 جويلية 2022 ينبع من الشعور العميق بالمكانة التي يجب أن يحتلها قطاع التربية والتعليم. كما بيّن رئيس الجمهورية، في نفس هذا السياق، أن الاستشارة الوطنية التي تم تنظيمها تعكس بدورها الإيمان بأن أي إصلاح في هذا المجال يجب أن يكون معبرا عن إرادة المجموعة الوطنية مجسدا لتطلعاتها مكرسا لاختياراتها. ثم إن أي خطأ في الإصلاح لا يمكن تداركه إلا بعد سنين وعقود.

وتعرّض رئيس الجمهورية، في هذا الإطار، إلى عديد الأمثلة التي عرفتها تونس في مجال إصلاح التعليم مُركّزا بالخصوص على قانون التعليم الذي تم إصداره سنة 1958 حينما كان المجلس القومي التأسيسي آنذاك بصدد وضع دستور 1 جوان 1959. وتاريخ هذا القانون يدُلّ على أن المسألة التربوية لا تقل أهمية عن المسألة الدستورية.

منال حرزي