إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. شوكة في خاصرة المجتمع!

 

لا يمكن وصف تلك الأرقام والاحصائيات المتعلّقة بالعنف الأسري في المجتمع إلا بأنها أرقام مفزعة ومخيفة، تطرح أسئلة وتستدعي الكثير من التفكير والتدبّر والبحث عن الأسباب العميقة لهذه الظاهرة دون الاكتفاء بالتعاطي مع النتائج كنسب جامدة، وكذلك دون الاطمئنان إلى الحلول الردعية والأمنية والتي لم تُحدث إلى اليوم الفارق، ولم تنجح في امتصاص هذه الظاهرة التي تحوّلت إلى شوكة في خاصرة المجتمع تستنزفه وتربك توازنه!

وأن يتم تسجيل 60 ألف محضر عدلي في العنف الأسري لدى الوحدات المختصّة في جرائم العنف ضدّ المرأة والطفل خلال هذه السنة التي تشارف على النهاية، يعد ارتفاعا لافتا وغريبا، مقارنة بالسنوات الماضية، فذلك ليس إلا مؤشّرا على حجم تغلغل هذا العنف في المجتمع وفي الأسر بالذات التي تعتبر الكيان الأساسي المنتج لكل النماذج الاجتماعية، وتمدّد العنف داخلها واستفحاله يمهّد الطريق لاختلال السلوكيات الاجتماعية ويهدّد كل الثوابت والمعايير القيمية والأخلاقية، ويسمح بالتطاول على القانون وخرقه في أي وقت وتحت أي مسمّى وينتج في المستقبل أجيالا معطوبة وغير سوّية ممتلئة بالعدوانية والغضب والاكتئاب وفاقدة للثقة في النفس والآخرين!، ناهيك وأن الإحصائيات تشير إلى أن 80% من العنف المسلط ضد الطفل يكون داخل الفضاء الأسري بما يرسّخ مفهوم الطفل-الضحية- الخاضع لكل أنواع وأشكال العنف، والذي سيتحوّل مع الأيام من ضحية إلى منتج تحت تأثير ما مُورس عليه في الماضي..

العنف كجريمة أسرية أو جريمة تتكرّر في نطاق الأسرة ليس بالظاهرة الجديدة أو الوافدة، بل يعتبر من أقدم أنواع الجرائم المرتكبة في التاريخ البشري، منذ لحظة قتل قابيل لأخيه هابيل، ولكن هذه الجريمة باتت تتخذّ أشكالا وحشية مع استفحال ظاهرة أخرى ترتبط بها بشكل عضوي وهي ظاهرة تقتيل النساء على يد أزواجهّن، وهي ظاهرة انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة رغم إحداث قانون القضاء على العنف المسلّط على المرأة، حيث فشل إلى الآن هذا القانون في تطويق كل هذا العنف داخل الأسر والذي يستهدف الفئة الأكثر ضعفا وهشاشة وهي المرأة والطفل، رغم أن الواقع لا ينفي وجود حالات عنف ضدّ الرجل ولكنها تبقى حالات معزولة..

العنف في أبرز أوجهه هو مرآة عاكسة لفشل المجتمع في فرض ضوابطه الأخلاقية والقانونية، في انسجام واضح مع نظرية، دوركايم، في تفسير ظاهرة استفحال العنف بخضوع المجتمع لحالة طارئة سمّاها»اللامعيارية «التي تفيد عجز المجتمع عن فرض احترام قواعده الأخلاقية والقانونية على جميع أفراده بما يفضي الى أن يعيش حالة من الفوضى الناتجة عن غياب القواعد المنظّمة أو عدم الالتزام بها، وبالتالي فإن هذا العنف هو نوع من أنواع فشل مجتمعنا في فرض قواعده وهذا الفشل بدوره له أسبابه ولكل سبب نتيجة..

والعنف الأسري تتعدّد أسبابه ولكن لا تختلف نتائجه، ويبقى سببا من أسبابه الخفية والمسكوت عنها إلى اليوم هو مدى أهلية الشريكين لتحمّل أعباء الأسرة والأطفال لاحقا، وهو الركن الغائب اليوم في كل الاستراتيجيات والخطط التي تهدف إلى الحدّ من هذه الظاهرة السلبية والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حتى لا تتحوّل الأسرة من كيان تأسيسي في المجتمع إلى كيان تخريبي ومعطوب!

منية العرفاوي

 

 

 

 

 

 

لا يمكن وصف تلك الأرقام والاحصائيات المتعلّقة بالعنف الأسري في المجتمع إلا بأنها أرقام مفزعة ومخيفة، تطرح أسئلة وتستدعي الكثير من التفكير والتدبّر والبحث عن الأسباب العميقة لهذه الظاهرة دون الاكتفاء بالتعاطي مع النتائج كنسب جامدة، وكذلك دون الاطمئنان إلى الحلول الردعية والأمنية والتي لم تُحدث إلى اليوم الفارق، ولم تنجح في امتصاص هذه الظاهرة التي تحوّلت إلى شوكة في خاصرة المجتمع تستنزفه وتربك توازنه!

وأن يتم تسجيل 60 ألف محضر عدلي في العنف الأسري لدى الوحدات المختصّة في جرائم العنف ضدّ المرأة والطفل خلال هذه السنة التي تشارف على النهاية، يعد ارتفاعا لافتا وغريبا، مقارنة بالسنوات الماضية، فذلك ليس إلا مؤشّرا على حجم تغلغل هذا العنف في المجتمع وفي الأسر بالذات التي تعتبر الكيان الأساسي المنتج لكل النماذج الاجتماعية، وتمدّد العنف داخلها واستفحاله يمهّد الطريق لاختلال السلوكيات الاجتماعية ويهدّد كل الثوابت والمعايير القيمية والأخلاقية، ويسمح بالتطاول على القانون وخرقه في أي وقت وتحت أي مسمّى وينتج في المستقبل أجيالا معطوبة وغير سوّية ممتلئة بالعدوانية والغضب والاكتئاب وفاقدة للثقة في النفس والآخرين!، ناهيك وأن الإحصائيات تشير إلى أن 80% من العنف المسلط ضد الطفل يكون داخل الفضاء الأسري بما يرسّخ مفهوم الطفل-الضحية- الخاضع لكل أنواع وأشكال العنف، والذي سيتحوّل مع الأيام من ضحية إلى منتج تحت تأثير ما مُورس عليه في الماضي..

العنف كجريمة أسرية أو جريمة تتكرّر في نطاق الأسرة ليس بالظاهرة الجديدة أو الوافدة، بل يعتبر من أقدم أنواع الجرائم المرتكبة في التاريخ البشري، منذ لحظة قتل قابيل لأخيه هابيل، ولكن هذه الجريمة باتت تتخذّ أشكالا وحشية مع استفحال ظاهرة أخرى ترتبط بها بشكل عضوي وهي ظاهرة تقتيل النساء على يد أزواجهّن، وهي ظاهرة انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة رغم إحداث قانون القضاء على العنف المسلّط على المرأة، حيث فشل إلى الآن هذا القانون في تطويق كل هذا العنف داخل الأسر والذي يستهدف الفئة الأكثر ضعفا وهشاشة وهي المرأة والطفل، رغم أن الواقع لا ينفي وجود حالات عنف ضدّ الرجل ولكنها تبقى حالات معزولة..

العنف في أبرز أوجهه هو مرآة عاكسة لفشل المجتمع في فرض ضوابطه الأخلاقية والقانونية، في انسجام واضح مع نظرية، دوركايم، في تفسير ظاهرة استفحال العنف بخضوع المجتمع لحالة طارئة سمّاها»اللامعيارية «التي تفيد عجز المجتمع عن فرض احترام قواعده الأخلاقية والقانونية على جميع أفراده بما يفضي الى أن يعيش حالة من الفوضى الناتجة عن غياب القواعد المنظّمة أو عدم الالتزام بها، وبالتالي فإن هذا العنف هو نوع من أنواع فشل مجتمعنا في فرض قواعده وهذا الفشل بدوره له أسبابه ولكل سبب نتيجة..

والعنف الأسري تتعدّد أسبابه ولكن لا تختلف نتائجه، ويبقى سببا من أسبابه الخفية والمسكوت عنها إلى اليوم هو مدى أهلية الشريكين لتحمّل أعباء الأسرة والأطفال لاحقا، وهو الركن الغائب اليوم في كل الاستراتيجيات والخطط التي تهدف إلى الحدّ من هذه الظاهرة السلبية والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حتى لا تتحوّل الأسرة من كيان تأسيسي في المجتمع إلى كيان تخريبي ومعطوب!

منية العرفاوي