إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس الحكومة في افتتاح أيام المؤسسة بسوسة: نتطلع إلى بناء شراكة إستراتيجية متميزة مع ليبيا لتحقيق التكامل الاقتصادي..

سوسة – الصباح

أكد رئيس الحكومة، كمال المدوري، أن تونس أمام تحولات عميقة في المشهد الاقتصادي العالمي تعكس سرعة التحولات الجيوسياسية الكبيرة مما دفع عديد البلدان الى إعادة تقييم استراتيجياتها التجارية والاستثمارية وإعادة النظر في شراكاتها وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وهو ما يتطلب حسن استقراء انعكاسات هذه التحولات على علاقات تونس التجارية وموقعها الاستراتيجي والقدرة على بلورة سياسات فعالة وناجعة وتنويع الشراكات للتغلب على هذه التحديات والاستفادة من الفرص الناشئة.

وفي افتتاحه الدورة 38 لأيام المؤسسة التي تنعقد تحت إشراف رئيس الجمهورية قال رئيس الحكومة إن هذا الحدث الذي أصبح تقليدا يساهم في التفكير المشترك وتبادل الرؤى حول المواضيع المستجدة والتي تؤثر بشكل مباشر على مستقل الاقتصاد المباشر في ظل التحديات المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا.

كما أضاف المدوري أن اختيار موضوع هذه الدورة المؤسسة والتحولات الكبرى، التأقلم والفرص المتاحة يعكس عمق الوعي بالتغيرات المتسارعة التي نعيشها اليوم على مستوى الجيوسياسي أو المناخي أو التكنولوجي والتي تتطلب منا جميعا حكومة ومسؤولين ومختصين وشركاء تضافر الجهود والتزام جماعيا بتعزيز الحوار البناء وتكثيف التعاون للاستجابة للتطلعات وتحقيق التنمية الشاملة.

وفي هذا الإطار أكد على تطلع تونس الى بناء شراكة إستراتيجية متميزة مع ليبيا لتحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز الاندماج بين البلدين من خلال دفع الاستثمارات المشتركة في المشاريع الكبرى والمجددة وتوفير الضمانات والتسهيلات الضرورية لضمان حرية تنقل البضائع والأشخاص وتوسيع مجالات التعاون الى مختلف الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لما يخدم مصلحة البلدين، مذكرا بانطلاق أشغال اللجنة المشتركة التونسية الليبية للتجارة في طرابلس اليوم.

وذكر المدوري بدعوة رئيس الجمهورية الى بناء نظام إنساني جديد قوامه نظام مالي عالمي متضامن ومدمج خاصة وأن المجتمع الإنساني بدأ يتشكل بطريقة جديدة ويتجاوز النظام الدولي القديم ويجد هذا التغيير صداه في تونس من خلال التوجه نحو وضع مقاربة تنموية وطنية جديدة تحددت ملامحها ضمن الدستور لتكون متجانسة ومندمجة وشاملة تتجاوز هنات وآثار الخيارات الفاشلة اقتصاديا واجتماعيا ويؤسس لعقد مواطني جديد يقوم على الثقة والمسؤولية ويسخر كل المجهودات لبناء اقتصاد يخلق القيمة المضافة ومواطن العمل اللائق والمستدام وتكريس قيم العدالة الاجتماعية وحفز الاستثمار وضمان التكامل بين القطاعين العمومي والخاص.

مراكمة الإصلاحات..

مراكمة الإصلاحات ووضع رؤية إستراتيجية مجددة تقوم على كل شروط ومقومات الإقلاع الاقتصادي وتلبية المطالب والانتظارات الاجتماعية والاقتصادية لعموم المواطنين

وفي نفس الإطار قال المدوري إن رئيس الجمهورية قيس سعيد حدد ثوابت وأسس هذه المقاربة من خلال تعزيز أسس الدولة على رؤية مجددة لمواطنيها، دولة فعالة وناجزة وعاملة في مختلف وظائفها وتعمل على تغيير واقع المواطن وتحفظ كرامته وتحميه من جميع أشكال الهشاشة والخصاصة وتحرر الطاقات وتعبئ كل المجهودات في سبيل تحقيق التنمية، ولعل ماء جاء في الفصل 17 من الدستور الذي ينص على أن الدولة تضمن التعايش بين القطاعين العام والخاص وتعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العدل الاجتماعي يكرس هذا الفصل بصورة صريحة مسؤولية الدولة في توفير كل شروط وضمانات مؤسسة اقتصادية تنافسية مبتكرة وإرساء قواعد واضحة من أجل تكافؤ الفرص والتنافس البناء والنزيه.

وأضاف "لقد مثلت محاربة الفساد والتوقي منه باعتباره عائقا للتنمية ومصدرا للتعسف ويعيق المبادرة وخلق الثروة وليكون هذا الخيار ضمانا لتحفيز الاستثمار كأحد أهم أسس هذه المقاربة، حيث جاء في هذا الإطار الدعوة الى القيام بثورة تشريعية تشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمل على ملاءمة وانسجام الإطار التشريعي والمؤسساتي مع متطلبات بناء اقتصاد تنافسي ومستدام بالإضافة الى الحرص على التقييم المستمر للبرامج والسياسات العمومية وبتحقيق قدر عال من شفافية المعاملات الاقتصادية وتكريس قواعد المنافسة النزيهة وتبسيط الإجراءات والتعطيلات التي تعد مدخلا للفساد إضافة الى مراجعة جذرية لمنظومة الصفقات العمومية كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".

وفي نفس السياق أشار الى أن الدولة تدرك أن التحديات التي تواجهها المؤسسات اليوم على الصعيدين الوطني والدولي تتطلب استجابة سريعة ومرنة من قبل المؤسسات والسلط على حد السواء ودلك بهدف التكيف مع التغيرات المتسارعة واستكشاف الفرص المتاحة لبلورة حلول مبتكرة ومستدامة قادرة على تعزيز نمو المؤسسات ومواكبة التحولات الاقتصادية الكبرى، على المستوى العالمي، والتي تفرض علينا تحديات كبرى لكنها تحمل في طياتها فرصا يمكن للمؤسسات استغلالها، إيمانا منا بأنه وراء كل أزمة توجد فرصة، فالمؤسسات ليست مجرد طرف متأقلم مع التحولات بل هي محرك أساسي للتغيير والتطوير والتنمية الاجتماعية وفي ظل هذه التحديات مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى تطوير قدراتنا الوطنية والاستثمار في الموارد الذاتية، بعيدا عن المعالجات الظرفية حيث أن التعويل على الذات هو خيار سيادي واستراتيجي مسؤول ويتطلب تكريسه العمل على خلق اقتصاد يقوم على الابتكار وعلى تعزيز نسيج المؤسسات الوطنية.

وفي كلمته قال رئيس الحكومة إن الأزمات العالمية المتواترة بدءا بجائحة الكوفيد تفرض على الدول والمؤسسات الى إعادة التفكير في استراتيجيات للتقليص من الاعتماد على مناطق معينة كمراكز للإنتاج والتوجه نحو تنويع سلاسل التوريد وإلى إتاحة فرص جديدة للدول الناشئة لتحسين تموقعها واكتساح مجالات وأسواق جديدة وفي ظل التغيرات المناخية التي يواجهها العالم اليوم وآثارها على الاقتصاد وعلى الحياة اليومية للمواطن أصبح التحول الطاقي والايكولوجي ضرورة ملحة تفرض علينا إعادة التفكير في النماذج الاقتصادية والاجتماعية وتتطلب جهودا جماعية ومسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص لبناء مستقبل مستدام يضمن الى جانب تحقيق التنمية والازدهار المحافظة على حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية وخاصة تكريس أسس السيادة الطاقية، وفي هذا الإطار تعمل الدولة على إرساء نموذج اقتصادي متجدد قائم على خلق القيمة المضافة في مجالات الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الدائري وعلى دعم مشاريع إزالة الكربون والحد من الانبعاثات الى جانب إتاحة الفرص الملائمة لازدهار المؤسسات الناشئة.

وشدد على التزام الدولة بدعم المشاريع الخضراء وتقديم الحوافز للمؤسسات بما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية، مضيفا أن تونس في طليعة الدول التي تبحث عن وضع أسس اقتصاد بيئي مستدام وشامل، يوازن بين تطلعات التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، حيث شكل توقيع اتفاقية الربط الكهربائي بين تونس والاتحاد الأوروبي خطوة هامة نحو الانتقال من النظم التقليدية للإنتاج والاستهلاك الى نموذج طاقي جديد.

تطوير البنية التحتية الرقمية..

وأفاد رئيس الحكومة بأن التطور في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يحتاج الى إدارة فاعلة وقادرة على التأقلم لمجابهة جملة من التحديات ومن أهما الاندماج الرقمي بين شرائح المجتمع والقطاعات والمؤسسات المنتجة ومقاومة مظاهر الإقصاء الرقمي الى جانب التفكير في طرق فعالة للمحافظة على الكفاءات الوطنية والعمل على تطويرها لمواكبة التغيرات في سوق الشغل وذلك بالإضافة الى تحديات الأمن السيبراني التي تفرض حماية البيانات والمنظومات الوطنية.

كما أكد أن الدولة تعمل على تعزيز القدرات الوطنية وتطوير البنية التحتية الرقمية مما يجعل من تونس نموذجا رائدا في التأقلم والابتكار، حيث تسعى الدولة الى تقليل الفجوة الرقمية بين المناطق من خلال تطوير شبكات الاتصالات وزيادة النفاذ الى الانترنت عالية التدفق والاستثمار في مراكز البيانات والتكنولوجيا السحابية بضمان جاهزية المؤسسات للتحول الرقمي وقد تم في هذا الإطار إمضاء اتفاقية الجيل الخامس من شبكة الاتصالات أواخر الأسبوع الماضي.

تحويل الإدارة الى نموذج رقمي

وفي سياق حديثه قال المدوري إن رئيس الدولة دعا الى تحويل الإدارة الى نموذج رقمي متكامل وإرساء حوكمة موحدة وناجزة لجميع المشاريع القطاعية الرقمية الكبرى بما يمكن من دفع الاستثمار والتوقي من الفساد ومكافحته ومن ضمان بناء رقمنة تتمحور حول الإنسان، وفي هذا الإطار يتنزل تبسط الإجراءات وتيسير نفاذ المواطنين والمستثمرين لمختلف المرافق العمومية، ضمن الحرص على تسهيل المعاملات وكسب ثقة المواطن وتيسير الخدمات الموجهة للمؤسسات، حيث أقرت الدولة مؤخرا جملة من الإجراءات تستهدف المواطن والمؤسسة على حد السواء، نذكر منها ضبط قائمة أولية موسعة في الوثائق التي لا يمكن مطالبة المواطن والمتعامل الاقتصادي بها، طالما كانت تتحوز بها الإدارة في إطار نضم الترابط البيني للمعطيات وكذلك المراجعة الشاملة لخدمة التعريف بالإمضاء والتخلص تدريجيا من المصادقة على المطابقة للأصل الى جانب توحيد النفاذ الى بوابات الخدمات الإدارية القطاعية من خلال إطلاق استغلال بوابة وطنية موحدة للخدمات الإدارية ورقمنة إجراءات الخلاص للمتعاملين مع الإدارة، كما تم الإعلان عن إطلاق دعوة لفائدة الشركات التونسية الناشئة لتقديم مشاريع ومقترحات قصد انجاز خدمات رقمية لفائدة الإدارة ويتم العمل بكل اهتمام على حذف عدد من التراخيص الإدارية وتعويض البعض منها بكراسات شروط الى جانب العمل على ملاءمة الإطار القانوني ومراجعة جذرية لمنظومة الصفقات العمومية وملاءمتها مع خصوصيات القطاع الرقمي.

وأشار الى أن الدولة تعمل على إطلاق برامج تدريبية موجهة لإعداد الكفاءات الوطنية في مجال التقنيات المتقدمة على غرار إطلاق منصة أكاديمية التكوين الرقمي، كما يجري العمل على تحديث المناهج التعليمية لضمان توافقات مع متطلبات سوق الشغل بهدف تعزيز قدرات الأجيال المقبلة على التمكن من المهارات والاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها التحول الرقمي.

وأضاف انه سيتم العمل على التحول الرقمي للإدارات العمومية والقيام بإصلاحات عميقة لتدعيم أسس حوكمة المؤسسات العمومية وخاصة منها الهياكل التي تساند الباعثين الشبان والمؤسسة الاقتصادية ومن بين هذه الإجراءات إطلاق المنصة الالكترونية "الباعث الذاتي" التي تسهل النفاذ الى الخدمات وتسهيل الإجراءات والمنصة الالكترونية الموحدة للاستثمار والمنصة المخصصة لبعث الشركات الأهلية ومرافقتها.

مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار..

كما أشار الى الانطلاق في مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار عبر صياغة نص قانوني جامع وموحد أفقي يقطع مع تشتت وتضخم النصوص ويضمن مراجعة شاملة لمنظومة حفز الاستثمار وتذليل الصعوبات التي يمكن أن تعترض المستثمر في شتى المجالات، وللرفع من دور القطاع الخاص سيتم اعتماد مقاربة تشاركية لإعداد النص القانوني الجديد بما يمكن من الاستجابة لتطلعات المؤسسة من تبسيط للإجراءات الإدارية المتعلقة بالتراخيص وتشجيع تواجد المستثمر في الأسواق الخارجية والتوجه نحو القطاعات الواعدة وذات القيمة المضافة العالية.

وذكر المدوري بمراجعة مجلة الصرف عبر تضمينها أحكاما تحفز الاستثمار التونسي والأجنبي، كما يتم وضع اللمسات الأخيرة على الإطار الترتيبي الجديد المتعلق بالصفقات العمومية بهدف تحقيق الجدوى وتعزيز مبدأ المنافسة وتطوير مناخ الأعمال بما يساهم في تعزيز حوكمة الأداء المؤسساتي ويدعم الاقتصاد الوطني بشكل عام.

وقال إنه بناء على التوجهات الرئاسية يتم العمل على إحداث صندوق للتأمين على فقدان مواطن الشغل للمسرحين لأسباب اقتصادية قصد مرافقتهم والعمل على إعادة إدماجهم في سوق الشغل كما تم مؤخرا إقرار طرح خطايا التأخير المستوجبة بعنوان اشتراكات أنظمة الضمان الاجتماعي ونظام التعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية.

كما تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2025 أحكاما تتعلق بسن عفو جبائي وديواني يمكن مختلف الفاعلين الاقتصاديين من تسوية وضعياتهم إضافة الى ذلك تم ضبط الصيغ والإجراءات الخاصة بإنجاز المشاريع العمومية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي.

وذكر رئيس الحكومة بأن قانون المالية للسنة 2025 تضمن إحداث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار، على موارد الصندوق الوطني للتشغيل، لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة والناشئة لتمويل حاجيات التصرف والاستغلال بشروط ميسرة، إضافة إلى إحداث خط تمويل بمبلغ 3 مليون دينار على موارد الصندوق ذاته، لإسناد قروض مساهمة دون فائدة لباعثي المؤسسات الناشئة، فضلا عن إحداث آلية لضمان التمويلات المسندة، من 1جانفي 2025 إلى موفى ديسمبر 2026، لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة في إطار برامج إعادة الهيكلة المالية وتخصيص مبلغ 20 مليون دينار لفائدته، كما خصّصت اعتمادات إضافية بقيمة 20 مليون دينار لفائدة خط تمويل الشركات الأهلية. وأشار أنّه سيقع العمل على مراجعة أحكام مجلّة الشغل بالاعتماد على مقاربة ترتكز على التوفيق بين متطلبات حفز الاستثمار وتنشيط سوق الشغل وتلبية حاجيات المؤسسة الاقتصادية وحماية الحقوق الأساسية للعمال.

وثمن المدوري مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بإحداث الشركات الأهلية، والتّي ساهمت في فتح آفاق جديدة لعدد هام من شباب المناطق الداخلية وتمكينهم من المبادرة بخلق مواطن شغل وإيجاد مصادر رزق جديدة في عدة قطاعات، مؤكدا على حرص الدولة على توفير كامل الإحاطة بباعثي الشركات الأهلية وتأمين المرافقة والتكوين فضلا عن تيسير النفاذ إلى التمويل الضروري.

جهاد الكلبوسي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رئيس الحكومة في افتتاح أيام المؤسسة بسوسة:  نتطلع إلى بناء شراكة إستراتيجية متميزة مع ليبيا لتحقيق التكامل الاقتصادي..

سوسة – الصباح

أكد رئيس الحكومة، كمال المدوري، أن تونس أمام تحولات عميقة في المشهد الاقتصادي العالمي تعكس سرعة التحولات الجيوسياسية الكبيرة مما دفع عديد البلدان الى إعادة تقييم استراتيجياتها التجارية والاستثمارية وإعادة النظر في شراكاتها وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وهو ما يتطلب حسن استقراء انعكاسات هذه التحولات على علاقات تونس التجارية وموقعها الاستراتيجي والقدرة على بلورة سياسات فعالة وناجعة وتنويع الشراكات للتغلب على هذه التحديات والاستفادة من الفرص الناشئة.

وفي افتتاحه الدورة 38 لأيام المؤسسة التي تنعقد تحت إشراف رئيس الجمهورية قال رئيس الحكومة إن هذا الحدث الذي أصبح تقليدا يساهم في التفكير المشترك وتبادل الرؤى حول المواضيع المستجدة والتي تؤثر بشكل مباشر على مستقل الاقتصاد المباشر في ظل التحديات المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا.

كما أضاف المدوري أن اختيار موضوع هذه الدورة المؤسسة والتحولات الكبرى، التأقلم والفرص المتاحة يعكس عمق الوعي بالتغيرات المتسارعة التي نعيشها اليوم على مستوى الجيوسياسي أو المناخي أو التكنولوجي والتي تتطلب منا جميعا حكومة ومسؤولين ومختصين وشركاء تضافر الجهود والتزام جماعيا بتعزيز الحوار البناء وتكثيف التعاون للاستجابة للتطلعات وتحقيق التنمية الشاملة.

وفي هذا الإطار أكد على تطلع تونس الى بناء شراكة إستراتيجية متميزة مع ليبيا لتحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز الاندماج بين البلدين من خلال دفع الاستثمارات المشتركة في المشاريع الكبرى والمجددة وتوفير الضمانات والتسهيلات الضرورية لضمان حرية تنقل البضائع والأشخاص وتوسيع مجالات التعاون الى مختلف الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لما يخدم مصلحة البلدين، مذكرا بانطلاق أشغال اللجنة المشتركة التونسية الليبية للتجارة في طرابلس اليوم.

وذكر المدوري بدعوة رئيس الجمهورية الى بناء نظام إنساني جديد قوامه نظام مالي عالمي متضامن ومدمج خاصة وأن المجتمع الإنساني بدأ يتشكل بطريقة جديدة ويتجاوز النظام الدولي القديم ويجد هذا التغيير صداه في تونس من خلال التوجه نحو وضع مقاربة تنموية وطنية جديدة تحددت ملامحها ضمن الدستور لتكون متجانسة ومندمجة وشاملة تتجاوز هنات وآثار الخيارات الفاشلة اقتصاديا واجتماعيا ويؤسس لعقد مواطني جديد يقوم على الثقة والمسؤولية ويسخر كل المجهودات لبناء اقتصاد يخلق القيمة المضافة ومواطن العمل اللائق والمستدام وتكريس قيم العدالة الاجتماعية وحفز الاستثمار وضمان التكامل بين القطاعين العمومي والخاص.

مراكمة الإصلاحات..

مراكمة الإصلاحات ووضع رؤية إستراتيجية مجددة تقوم على كل شروط ومقومات الإقلاع الاقتصادي وتلبية المطالب والانتظارات الاجتماعية والاقتصادية لعموم المواطنين

وفي نفس الإطار قال المدوري إن رئيس الجمهورية قيس سعيد حدد ثوابت وأسس هذه المقاربة من خلال تعزيز أسس الدولة على رؤية مجددة لمواطنيها، دولة فعالة وناجزة وعاملة في مختلف وظائفها وتعمل على تغيير واقع المواطن وتحفظ كرامته وتحميه من جميع أشكال الهشاشة والخصاصة وتحرر الطاقات وتعبئ كل المجهودات في سبيل تحقيق التنمية، ولعل ماء جاء في الفصل 17 من الدستور الذي ينص على أن الدولة تضمن التعايش بين القطاعين العام والخاص وتعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العدل الاجتماعي يكرس هذا الفصل بصورة صريحة مسؤولية الدولة في توفير كل شروط وضمانات مؤسسة اقتصادية تنافسية مبتكرة وإرساء قواعد واضحة من أجل تكافؤ الفرص والتنافس البناء والنزيه.

وأضاف "لقد مثلت محاربة الفساد والتوقي منه باعتباره عائقا للتنمية ومصدرا للتعسف ويعيق المبادرة وخلق الثروة وليكون هذا الخيار ضمانا لتحفيز الاستثمار كأحد أهم أسس هذه المقاربة، حيث جاء في هذا الإطار الدعوة الى القيام بثورة تشريعية تشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمل على ملاءمة وانسجام الإطار التشريعي والمؤسساتي مع متطلبات بناء اقتصاد تنافسي ومستدام بالإضافة الى الحرص على التقييم المستمر للبرامج والسياسات العمومية وبتحقيق قدر عال من شفافية المعاملات الاقتصادية وتكريس قواعد المنافسة النزيهة وتبسيط الإجراءات والتعطيلات التي تعد مدخلا للفساد إضافة الى مراجعة جذرية لمنظومة الصفقات العمومية كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".

وفي نفس السياق أشار الى أن الدولة تدرك أن التحديات التي تواجهها المؤسسات اليوم على الصعيدين الوطني والدولي تتطلب استجابة سريعة ومرنة من قبل المؤسسات والسلط على حد السواء ودلك بهدف التكيف مع التغيرات المتسارعة واستكشاف الفرص المتاحة لبلورة حلول مبتكرة ومستدامة قادرة على تعزيز نمو المؤسسات ومواكبة التحولات الاقتصادية الكبرى، على المستوى العالمي، والتي تفرض علينا تحديات كبرى لكنها تحمل في طياتها فرصا يمكن للمؤسسات استغلالها، إيمانا منا بأنه وراء كل أزمة توجد فرصة، فالمؤسسات ليست مجرد طرف متأقلم مع التحولات بل هي محرك أساسي للتغيير والتطوير والتنمية الاجتماعية وفي ظل هذه التحديات مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى تطوير قدراتنا الوطنية والاستثمار في الموارد الذاتية، بعيدا عن المعالجات الظرفية حيث أن التعويل على الذات هو خيار سيادي واستراتيجي مسؤول ويتطلب تكريسه العمل على خلق اقتصاد يقوم على الابتكار وعلى تعزيز نسيج المؤسسات الوطنية.

وفي كلمته قال رئيس الحكومة إن الأزمات العالمية المتواترة بدءا بجائحة الكوفيد تفرض على الدول والمؤسسات الى إعادة التفكير في استراتيجيات للتقليص من الاعتماد على مناطق معينة كمراكز للإنتاج والتوجه نحو تنويع سلاسل التوريد وإلى إتاحة فرص جديدة للدول الناشئة لتحسين تموقعها واكتساح مجالات وأسواق جديدة وفي ظل التغيرات المناخية التي يواجهها العالم اليوم وآثارها على الاقتصاد وعلى الحياة اليومية للمواطن أصبح التحول الطاقي والايكولوجي ضرورة ملحة تفرض علينا إعادة التفكير في النماذج الاقتصادية والاجتماعية وتتطلب جهودا جماعية ومسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص لبناء مستقبل مستدام يضمن الى جانب تحقيق التنمية والازدهار المحافظة على حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية وخاصة تكريس أسس السيادة الطاقية، وفي هذا الإطار تعمل الدولة على إرساء نموذج اقتصادي متجدد قائم على خلق القيمة المضافة في مجالات الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الدائري وعلى دعم مشاريع إزالة الكربون والحد من الانبعاثات الى جانب إتاحة الفرص الملائمة لازدهار المؤسسات الناشئة.

وشدد على التزام الدولة بدعم المشاريع الخضراء وتقديم الحوافز للمؤسسات بما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية، مضيفا أن تونس في طليعة الدول التي تبحث عن وضع أسس اقتصاد بيئي مستدام وشامل، يوازن بين تطلعات التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، حيث شكل توقيع اتفاقية الربط الكهربائي بين تونس والاتحاد الأوروبي خطوة هامة نحو الانتقال من النظم التقليدية للإنتاج والاستهلاك الى نموذج طاقي جديد.

تطوير البنية التحتية الرقمية..

وأفاد رئيس الحكومة بأن التطور في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يحتاج الى إدارة فاعلة وقادرة على التأقلم لمجابهة جملة من التحديات ومن أهما الاندماج الرقمي بين شرائح المجتمع والقطاعات والمؤسسات المنتجة ومقاومة مظاهر الإقصاء الرقمي الى جانب التفكير في طرق فعالة للمحافظة على الكفاءات الوطنية والعمل على تطويرها لمواكبة التغيرات في سوق الشغل وذلك بالإضافة الى تحديات الأمن السيبراني التي تفرض حماية البيانات والمنظومات الوطنية.

كما أكد أن الدولة تعمل على تعزيز القدرات الوطنية وتطوير البنية التحتية الرقمية مما يجعل من تونس نموذجا رائدا في التأقلم والابتكار، حيث تسعى الدولة الى تقليل الفجوة الرقمية بين المناطق من خلال تطوير شبكات الاتصالات وزيادة النفاذ الى الانترنت عالية التدفق والاستثمار في مراكز البيانات والتكنولوجيا السحابية بضمان جاهزية المؤسسات للتحول الرقمي وقد تم في هذا الإطار إمضاء اتفاقية الجيل الخامس من شبكة الاتصالات أواخر الأسبوع الماضي.

تحويل الإدارة الى نموذج رقمي

وفي سياق حديثه قال المدوري إن رئيس الدولة دعا الى تحويل الإدارة الى نموذج رقمي متكامل وإرساء حوكمة موحدة وناجزة لجميع المشاريع القطاعية الرقمية الكبرى بما يمكن من دفع الاستثمار والتوقي من الفساد ومكافحته ومن ضمان بناء رقمنة تتمحور حول الإنسان، وفي هذا الإطار يتنزل تبسط الإجراءات وتيسير نفاذ المواطنين والمستثمرين لمختلف المرافق العمومية، ضمن الحرص على تسهيل المعاملات وكسب ثقة المواطن وتيسير الخدمات الموجهة للمؤسسات، حيث أقرت الدولة مؤخرا جملة من الإجراءات تستهدف المواطن والمؤسسة على حد السواء، نذكر منها ضبط قائمة أولية موسعة في الوثائق التي لا يمكن مطالبة المواطن والمتعامل الاقتصادي بها، طالما كانت تتحوز بها الإدارة في إطار نضم الترابط البيني للمعطيات وكذلك المراجعة الشاملة لخدمة التعريف بالإمضاء والتخلص تدريجيا من المصادقة على المطابقة للأصل الى جانب توحيد النفاذ الى بوابات الخدمات الإدارية القطاعية من خلال إطلاق استغلال بوابة وطنية موحدة للخدمات الإدارية ورقمنة إجراءات الخلاص للمتعاملين مع الإدارة، كما تم الإعلان عن إطلاق دعوة لفائدة الشركات التونسية الناشئة لتقديم مشاريع ومقترحات قصد انجاز خدمات رقمية لفائدة الإدارة ويتم العمل بكل اهتمام على حذف عدد من التراخيص الإدارية وتعويض البعض منها بكراسات شروط الى جانب العمل على ملاءمة الإطار القانوني ومراجعة جذرية لمنظومة الصفقات العمومية وملاءمتها مع خصوصيات القطاع الرقمي.

وأشار الى أن الدولة تعمل على إطلاق برامج تدريبية موجهة لإعداد الكفاءات الوطنية في مجال التقنيات المتقدمة على غرار إطلاق منصة أكاديمية التكوين الرقمي، كما يجري العمل على تحديث المناهج التعليمية لضمان توافقات مع متطلبات سوق الشغل بهدف تعزيز قدرات الأجيال المقبلة على التمكن من المهارات والاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها التحول الرقمي.

وأضاف انه سيتم العمل على التحول الرقمي للإدارات العمومية والقيام بإصلاحات عميقة لتدعيم أسس حوكمة المؤسسات العمومية وخاصة منها الهياكل التي تساند الباعثين الشبان والمؤسسة الاقتصادية ومن بين هذه الإجراءات إطلاق المنصة الالكترونية "الباعث الذاتي" التي تسهل النفاذ الى الخدمات وتسهيل الإجراءات والمنصة الالكترونية الموحدة للاستثمار والمنصة المخصصة لبعث الشركات الأهلية ومرافقتها.

مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار..

كما أشار الى الانطلاق في مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار عبر صياغة نص قانوني جامع وموحد أفقي يقطع مع تشتت وتضخم النصوص ويضمن مراجعة شاملة لمنظومة حفز الاستثمار وتذليل الصعوبات التي يمكن أن تعترض المستثمر في شتى المجالات، وللرفع من دور القطاع الخاص سيتم اعتماد مقاربة تشاركية لإعداد النص القانوني الجديد بما يمكن من الاستجابة لتطلعات المؤسسة من تبسيط للإجراءات الإدارية المتعلقة بالتراخيص وتشجيع تواجد المستثمر في الأسواق الخارجية والتوجه نحو القطاعات الواعدة وذات القيمة المضافة العالية.

وذكر المدوري بمراجعة مجلة الصرف عبر تضمينها أحكاما تحفز الاستثمار التونسي والأجنبي، كما يتم وضع اللمسات الأخيرة على الإطار الترتيبي الجديد المتعلق بالصفقات العمومية بهدف تحقيق الجدوى وتعزيز مبدأ المنافسة وتطوير مناخ الأعمال بما يساهم في تعزيز حوكمة الأداء المؤسساتي ويدعم الاقتصاد الوطني بشكل عام.

وقال إنه بناء على التوجهات الرئاسية يتم العمل على إحداث صندوق للتأمين على فقدان مواطن الشغل للمسرحين لأسباب اقتصادية قصد مرافقتهم والعمل على إعادة إدماجهم في سوق الشغل كما تم مؤخرا إقرار طرح خطايا التأخير المستوجبة بعنوان اشتراكات أنظمة الضمان الاجتماعي ونظام التعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية.

كما تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2025 أحكاما تتعلق بسن عفو جبائي وديواني يمكن مختلف الفاعلين الاقتصاديين من تسوية وضعياتهم إضافة الى ذلك تم ضبط الصيغ والإجراءات الخاصة بإنجاز المشاريع العمومية الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي.

وذكر رئيس الحكومة بأن قانون المالية للسنة 2025 تضمن إحداث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار، على موارد الصندوق الوطني للتشغيل، لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة والناشئة لتمويل حاجيات التصرف والاستغلال بشروط ميسرة، إضافة إلى إحداث خط تمويل بمبلغ 3 مليون دينار على موارد الصندوق ذاته، لإسناد قروض مساهمة دون فائدة لباعثي المؤسسات الناشئة، فضلا عن إحداث آلية لضمان التمويلات المسندة، من 1جانفي 2025 إلى موفى ديسمبر 2026، لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة في إطار برامج إعادة الهيكلة المالية وتخصيص مبلغ 20 مليون دينار لفائدته، كما خصّصت اعتمادات إضافية بقيمة 20 مليون دينار لفائدة خط تمويل الشركات الأهلية. وأشار أنّه سيقع العمل على مراجعة أحكام مجلّة الشغل بالاعتماد على مقاربة ترتكز على التوفيق بين متطلبات حفز الاستثمار وتنشيط سوق الشغل وتلبية حاجيات المؤسسة الاقتصادية وحماية الحقوق الأساسية للعمال.

وثمن المدوري مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بإحداث الشركات الأهلية، والتّي ساهمت في فتح آفاق جديدة لعدد هام من شباب المناطق الداخلية وتمكينهم من المبادرة بخلق مواطن شغل وإيجاد مصادر رزق جديدة في عدة قطاعات، مؤكدا على حرص الدولة على توفير كامل الإحاطة بباعثي الشركات الأهلية وتأمين المرافقة والتكوين فضلا عن تيسير النفاذ إلى التمويل الضروري.

جهاد الكلبوسي