الحد من البيروقراطية والإصلاح الإداري، واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الحالية من أجل إضفاء المزيد من الانسيابية في القطاع الخدماتي وتبسيط التعاملات بين المواطنين والمؤسسات بعد أن أصبحت الإدارة التونسية ومنذ سنوات مرادفا للتعقيد والجمود، فإصلاح الإدارة والقضاء أو على الأقل الحدّ من البيروقراطية أصبح ضرورة لا خيارًا، خاصة مع الضغوط المتزايدة لتحسين جودة الخدمات العامة وتعزيز مناخ الأعمال. وهو ما يتطلب رؤية إستراتيجية إصلاحية شاملة تتبناها الدولة، وتستند فيها إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة والشفافية. وتبقى الرقمنة والتخلي عن عشرات الوثائق، هي إحدى الأدوات الرئيسية التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في الإدارة التونسية.
وفاء بن محمد
في هذا السياق، شرعت الحكومة التونسية منذ أيام في تنفيذ برنامج طموح يهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية ورقمنتها، في خطوة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات وتعزيز الثقة في الإدارة وهو ما كان أعلن عنه رئيس الحكومة كمال المدّوري يوم 30 نوفمبر 2024 خلال مجلس وزاري مضيق خُصص لمناقشة خطط رقمنة الإدارة، وأكد المدّوري خلال الاجتماع أن هذه الخطوة تأتي تنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بهدف تحسين نفاذ المواطنين والمستثمرين إلى الخدمات العمومية.
وأشار رئيس الحكومة إلى أن الرقمنة ليست فقط وسيلة لتحسين الأداء الإداري، بل هي أيضًا فرصة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي ومكافحة الفساد باعتبار أن التحول الرقمي يقلل من التدخلات البشرية التي قد تستغل بشكل تعسفي، ويضمن بذلك مزيدًا من الشفافية والإنصاف.
جهود ملموسة وبرامج زمنية محددة
توجه الحكومة والبرامج الموضوعة لعصرنة الإدارة ورقمنتها والحد أقصى ما يمكن من البيروقراطية، أكدته المديرة العامة لتكنولوجيات المعلومات بوزارة تكنولوجيات الاتصال، سناء الهواري، التي أشارت إلى أن جهود تبسيط الإجراءات الإدارية تستند في الأساس إلى مبادئ أساسية، منها عدم مطالبة المواطن بتقديم وثائق موجودة أساسا ومنطقيا بحوزة الإدارة، والتركيز على رقمنة الخدمات ذات الاستخدام المكثف.
من ذلك وعلى سبيل المثال فإن الإصلاحات ستشمل التخلي عن عدد من الوثائق في نوعية معينة من الخدمات من ذلك عدم المطالبة بمضمون الولادة الذي يستخرج أساسا من الإدارة التونسية لتقديمه لإدارة تونسية وكذلك اعتماد تقنيات حديثة مثل الإمضاء الإلكتروني والختم المرئي، كما تستهدف الإجراءات الجديدة تبسيط خدمات رئيسية كاستخراج بطاقة التعريف الوطنية، وإنشاء الشركات، والخدمات المتعلقة بالجباية، ومن المتوقع أن تُطبق هذه الإصلاحات على مراحل تتراوح مدتها بين ثلاثة أشهر وسنة، حسب أولوية الخدمات.
تحديات على طريق الإصلاح
وبالرغم من أهمية هذه الجهود، إلا أنها من المؤكد أن تواجه عقبات كبيرة في إطار "البيروقراطية" نفسها. أولها مقاومة بعض الإدارات للانتقال من الطرق التقليدية إلى الرقمنة، وثانيها الحاجة إلى تطوير البنية التحتية الرقمية وتوفير التمويلات اللازمة لذلك.
علاوة على ذلك، يتطلب نجاح الرقمنة تعديلات تشريعية وتنظيمية تواكب التطورات التقنية وتيسر تطبيقه، لكن المؤكد إن الإرادة السياسية والرغبة في التطور والتطوير سترجح الكفة لفائدتها مقابل جمود الإدارة وكلاسيكيتها.
ومن المتوقع أن تحدث الرقمنة نقلة نوعية في أداء الإدارة التونسية، إذ ستساهم في تحسين ترتيب البلاد في مؤشرات الأعمال الدولية، مما يزيد من جاذبيتها للاستثمارات ويسهل تأسيس الشركات خاصة أن الاقتصاد التونسي عانى كثيرا من البيروقراطية التي حرمت البلاد من انتصاب عدد كبير من المؤسسات الوطنية والدولية التي عجزت عن تجاوز البيروقراطية الإدارية التونسية التي يمكن القول إنها العدو الأول للاستثمار والتنمية.
كما أن هذه الخطوات ستعزز الشفافية وتقضي تدريجيًا على الفساد الإداري، حيث يقل تدخل العنصر البشري في العديد من المراحل الإدارية، دون أن ننسى أن تقليص الإجراءات الإدارية والحد منها سيخفف من الاكتظاظ في المؤسسات الإدارية التونسية، وهو ما سكون له الانعكاس الإيجابي على حسن سير المرفق العمومي ويحسن تجربة المواطن مع الإدارة.
آفاق واعدة تتطلب التزامًا جماعيًا
وتبقى رقمنة الإدارة وتبسيط الإجراءات خطوة جوهرية نحو بناء إدارة عصرية أكثر كفاءة وشفافية، ومع وجود إرادة سياسية واضحة ودعم تشريعي ومجتمعي، يُمكن لهذه الإصلاحات أن تُساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود مرهون بتضافر الجهود بين الحكومة من جهة وبقية المكونات المتدخلة منها خاصة المجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل ضمان التنفيذ الفعال لهذه التحولات وإرساء نموذج إدارة ذكية يلبي طموحات الجميع. فالإصلاح الإداري في تونس ليس مهمة سهلة بعد عقود من البيروقراطية، لكنه ضرورة حتمية لضمان تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز كفاءة الإدارة وبناء إدارة حديثة تتماشى مع تطلعات المواطن والدولة على حد السواء.
تونس-الصباح
الحد من البيروقراطية والإصلاح الإداري، واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الحالية من أجل إضفاء المزيد من الانسيابية في القطاع الخدماتي وتبسيط التعاملات بين المواطنين والمؤسسات بعد أن أصبحت الإدارة التونسية ومنذ سنوات مرادفا للتعقيد والجمود، فإصلاح الإدارة والقضاء أو على الأقل الحدّ من البيروقراطية أصبح ضرورة لا خيارًا، خاصة مع الضغوط المتزايدة لتحسين جودة الخدمات العامة وتعزيز مناخ الأعمال. وهو ما يتطلب رؤية إستراتيجية إصلاحية شاملة تتبناها الدولة، وتستند فيها إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة والشفافية. وتبقى الرقمنة والتخلي عن عشرات الوثائق، هي إحدى الأدوات الرئيسية التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في الإدارة التونسية.
وفاء بن محمد
في هذا السياق، شرعت الحكومة التونسية منذ أيام في تنفيذ برنامج طموح يهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية ورقمنتها، في خطوة تهدف إلى تحسين جودة الخدمات وتعزيز الثقة في الإدارة وهو ما كان أعلن عنه رئيس الحكومة كمال المدّوري يوم 30 نوفمبر 2024 خلال مجلس وزاري مضيق خُصص لمناقشة خطط رقمنة الإدارة، وأكد المدّوري خلال الاجتماع أن هذه الخطوة تأتي تنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بهدف تحسين نفاذ المواطنين والمستثمرين إلى الخدمات العمومية.
وأشار رئيس الحكومة إلى أن الرقمنة ليست فقط وسيلة لتحسين الأداء الإداري، بل هي أيضًا فرصة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي ومكافحة الفساد باعتبار أن التحول الرقمي يقلل من التدخلات البشرية التي قد تستغل بشكل تعسفي، ويضمن بذلك مزيدًا من الشفافية والإنصاف.
جهود ملموسة وبرامج زمنية محددة
توجه الحكومة والبرامج الموضوعة لعصرنة الإدارة ورقمنتها والحد أقصى ما يمكن من البيروقراطية، أكدته المديرة العامة لتكنولوجيات المعلومات بوزارة تكنولوجيات الاتصال، سناء الهواري، التي أشارت إلى أن جهود تبسيط الإجراءات الإدارية تستند في الأساس إلى مبادئ أساسية، منها عدم مطالبة المواطن بتقديم وثائق موجودة أساسا ومنطقيا بحوزة الإدارة، والتركيز على رقمنة الخدمات ذات الاستخدام المكثف.
من ذلك وعلى سبيل المثال فإن الإصلاحات ستشمل التخلي عن عدد من الوثائق في نوعية معينة من الخدمات من ذلك عدم المطالبة بمضمون الولادة الذي يستخرج أساسا من الإدارة التونسية لتقديمه لإدارة تونسية وكذلك اعتماد تقنيات حديثة مثل الإمضاء الإلكتروني والختم المرئي، كما تستهدف الإجراءات الجديدة تبسيط خدمات رئيسية كاستخراج بطاقة التعريف الوطنية، وإنشاء الشركات، والخدمات المتعلقة بالجباية، ومن المتوقع أن تُطبق هذه الإصلاحات على مراحل تتراوح مدتها بين ثلاثة أشهر وسنة، حسب أولوية الخدمات.
تحديات على طريق الإصلاح
وبالرغم من أهمية هذه الجهود، إلا أنها من المؤكد أن تواجه عقبات كبيرة في إطار "البيروقراطية" نفسها. أولها مقاومة بعض الإدارات للانتقال من الطرق التقليدية إلى الرقمنة، وثانيها الحاجة إلى تطوير البنية التحتية الرقمية وتوفير التمويلات اللازمة لذلك.
علاوة على ذلك، يتطلب نجاح الرقمنة تعديلات تشريعية وتنظيمية تواكب التطورات التقنية وتيسر تطبيقه، لكن المؤكد إن الإرادة السياسية والرغبة في التطور والتطوير سترجح الكفة لفائدتها مقابل جمود الإدارة وكلاسيكيتها.
ومن المتوقع أن تحدث الرقمنة نقلة نوعية في أداء الإدارة التونسية، إذ ستساهم في تحسين ترتيب البلاد في مؤشرات الأعمال الدولية، مما يزيد من جاذبيتها للاستثمارات ويسهل تأسيس الشركات خاصة أن الاقتصاد التونسي عانى كثيرا من البيروقراطية التي حرمت البلاد من انتصاب عدد كبير من المؤسسات الوطنية والدولية التي عجزت عن تجاوز البيروقراطية الإدارية التونسية التي يمكن القول إنها العدو الأول للاستثمار والتنمية.
كما أن هذه الخطوات ستعزز الشفافية وتقضي تدريجيًا على الفساد الإداري، حيث يقل تدخل العنصر البشري في العديد من المراحل الإدارية، دون أن ننسى أن تقليص الإجراءات الإدارية والحد منها سيخفف من الاكتظاظ في المؤسسات الإدارية التونسية، وهو ما سكون له الانعكاس الإيجابي على حسن سير المرفق العمومي ويحسن تجربة المواطن مع الإدارة.
آفاق واعدة تتطلب التزامًا جماعيًا
وتبقى رقمنة الإدارة وتبسيط الإجراءات خطوة جوهرية نحو بناء إدارة عصرية أكثر كفاءة وشفافية، ومع وجود إرادة سياسية واضحة ودعم تشريعي ومجتمعي، يُمكن لهذه الإصلاحات أن تُساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود مرهون بتضافر الجهود بين الحكومة من جهة وبقية المكونات المتدخلة منها خاصة المجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل ضمان التنفيذ الفعال لهذه التحولات وإرساء نموذج إدارة ذكية يلبي طموحات الجميع. فالإصلاح الإداري في تونس ليس مهمة سهلة بعد عقود من البيروقراطية، لكنه ضرورة حتمية لضمان تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز كفاءة الإدارة وبناء إدارة حديثة تتماشى مع تطلعات المواطن والدولة على حد السواء.