وقف إطلاق النار في لبنان ھو منعرج جديد في مسار الصراع العربي- الصھيوني حتى وإن كانت دولة عربية واحدة ھي المعنية بھا بالدرجة الأولى ونعني بھا لبنان . ذلك أن تعدد " الساحات " لا يمكن أن ينسينا أن العقيدة الأساسية التي يقوم عليھا الكيان الصهيوني ھي عقيدة التوسع وذلك من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى". وبالنظر إلى حجم التضحيات التي قدمھا الشعب اللبناني في الأسابيع الأخيرة فإن وقف إطلاق النار يمثل مكسبا في حد ذاته خاصة وأن كل المؤشرات، وأھمھا الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني، تصب في اتجاه توقع عدم لجم الھمجية الصھيونية. ولا شك أن اختلاف الآراء في النظر لدلالات وتبعات ھذا الاتفاق من الزاويتين اللبنانية والعربية ليس مجانيا ولھا أسباب موضوعية وأخرى ذاتية . ذلك أن البعض يعتبر أن وقف العدوان الصهيوني، من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، ھو إنجاز تاريخي ونصر مھم في حين يعتبر البعض الآخر أن الكيان الصهيوني ھو الذي خرج منتصرا خاصة وانه قد حقق أمرين طالب بھما منذ مدة وھما تفكيك البنية العسكرية لحزب الله والحصول على منطقة " آمنة " تمتد من الحدود مع لبنان حتى نھر الليطاني. شخصيا لا أنظر للوضع الحالي بتفاؤل كبير وأعتقد أن ما يحصل حاليا لا يمكن فصله عن معطيين أساسيين وھما :
- خفايا 7 أكتوبر 2023 الذي تحول من "طوفان " إلى " عدوان" وھذه الخفايا ھي أسئلة يمكن تلخيصھا في معرفة ما إذا كان قرار إطلاق الھجوم على الكيان قد اتخذته حماس بمفردھا أو جزء من قيادتھا أم أن القرار قد اتخذ ضمن ما يعرف بمحور المقاومة الذي يتكون أساسا من حركتين ھما حماس وحزب الله ودولتين ھما سوريا ولبنان .
- أن الشعب الفلسطيني ما انفك يقدم منذ عقود دروسا في الصمود والتمسك بحقوقه المشروعة وھو الذي يواجه أعنف وأعتى وأكثر استعمار وحشية عرفته الإنسانية منذ قرون. ولا يمكن فھم ما يقدمه أبناء وبنات غزة منذ سنة ونيف خارج ھذا الإطار.
وتساوق ھذا الصمود مع قوانين الاجتماع الإنساني ودروس التاريخ ھو الذي يجعل اندحار المشروع الصھيوني أمرا حتميا ومسألة وقت. ولا شك أن الشروخ المجتمعية التي أخذت تظھر في مكونات المشروع الصھيو-أمريكي، والتي يمكن رصدھا في مستوى الكيان الصهيوني والدول الأطلسية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل مؤشرا ھاما وھيكليا لأن الأزمة مرشحة لمزيد التعمق. ولكن بقدر ما يبدو من الضروري التوقف عند دروس الصمود والمقاومة التي يجترحھا الشعب الفلسطيني وعند الشروخ التي أخذت تظھر في المستوى المجتمعي للكيان الصهيوني بقدر ما يبدو مفيدا أيضا استحضار معطيات لا يمكن التعتيم عليھا حتى وإن كانت بعض وسائل الإعلام والقوى المؤثرة في العلاقات الدولية تعمل جاھدة للتعتيم عليھا. وأول ھذه المعطيات أن "طوفان الأقصى " قد تحول حاليا إلى حرب إبادة يمارسھا الكيان الصهيوني بكل ما أوتي من قوة تجسيما لما يقوم عليه من وحشية وھمجية وعنف وأيضا تحضيرا لما بعد الحرب في غزة والتي يريد أن تكون لصالحه .ثاني ھذه المعطيات أن الفلسطينيين، والعرب ، لا يواجھون في الواقع الكيان الصهيوني بل ھم في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تأكد الدعم اللامشروط لواشنطن لتل أبيب ومجرمي الحرب الصھاينة إلى الحد الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية " الولايات المتحدة الأمرو-صھيونية " على التحالف بين واشنطن وتل أبيب. وھذا يعني أن واشنطن لن تقبل باندحار وھزيمة الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر. في المقابل راھنت قوى المقاومة ولا تزال على استنزاف الكيان الصهيوني، وھذا الرھان مشروع ومنطقي، ولكن كل المؤشرات تفيد أنه لا يمكن للمواجھة الحالية أن تأتي على الكيان وجيشه بسرعة بل يحتاج الأمر إلى سنوات وإلى سياق فلسطيني وعربي ودولي مغاير للسياق الحالي المتسم بانقسام حاد في الصف الفلسطيني وانعدام الحد الأدنى من التنسيق بين العرب ھذا دون أن ننسى أن واشنطن تواصل لحد الآن الھيمنة على مسارات ومصائر العلاقات على المستوى الدولي. وإذا كانت دعوة الفلسطينيين ، من مواقع مريحة وبعيدا عن ساحات الحرب والوغى ، للصمود ومواصلة المواجھة العسكرية تبدو في نظر البعض دليلا مبدئيا وتمسكا بالثوابت فإن حجم المعاناة التي يكابدھا حاليا اھل غزة تمثل دافعا للعمل من أجل وقف إطلاق النار والعمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني أولا ثم في كل مستويات الساحات والدوائر المعنية بإسناد الشعب الفلسطيني ومناھضة الكيان الصهيوني. ھناك مكاسب مھمة سواء من حيث صمود الشعب الفلسطيني أو ارتفاع عدد الھاربين من الكيان الصهيوني إلى دولھم الأصلية في أوروبا وأمريكا الشمالية علاوة على تنامي حضور فلسطين في فضاءات المعارضة والرفض خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وحين نضيف قرارات المحكمة الجنائية الدولية تجاه مجرمي الحرب نتنياھو وغالانت ندرك ضرورة استثمار ھذا المناخ لخلق رأي عام عالمي داعم للحقوق الفلسطينية حتى يتم التصدي للثنائي الصھيو-أمريكي خاصة وأن دونالد ترامب لا يخفي انحيازه المطلق للكيان الصهيوني. وھذا الانحياز سيترجمه إلى سياسات وتمش قوامه العمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال إعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لتطبيق مخطط ما يسمى " ضم الضفة الغربية " و "إعادة احتلال غزة " .
ھذه المعطيات اعتبرھا ضرورية لقراءة مبادرة القمة العربية الإسلامية التي احتضنتھا منذ أيام العاصمة السعوديةالرياض. القمة إعادة إحياء لمبادئ التكامل والتضامن بين الدول العربية والإسلامية وھي أيضا تأكيد للدور المتنامي للمملكة العربية السعودية في ھذا المجال وفي علاقة بالقضية الفلسطينية وھي التي سبق وأن قدمت مبادرة وضعھا الملك فھد وتبنتھا الدول العربية. حضور كل من سوريا والجمھورية الإسلامية الإيرانية قمة الرياض دليل على وجود مشاورات وانفراج ما انفك يزداد بين الرياض وطھران وأيضا دمشق التي تبقى لاعبا له دوره ووزنه في الصراع العربي-الصھيوني علاوة على أن دمشق وطھران ثمثلان قلب " محور المقاومة ". ھناك مؤشر آخر لا يقل أهمية ويتمثل في أن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم قد صرح مؤخرا أن حزب الله يضع نفسه تحت سقف اتفاق الطائف الذي أنھى الحرب الأھلية اللبنانية وھذا يعني فعليا تمكين المملكة العربية السعودية من ورقة إضافية في المساھمة في تحديد مستقبل المنطقة. وھذا يعني أن مخرجات القمة العربية الإسلامية التي عبر عنھا بيانھا الختامي الصادر يوم 11 نوفمبر المنصرم تعبر عن رؤية الدول العربية والإسلامية للحل المرحلي للصراع العربي- الصھيوني وھو " حل الدولتين ". ولا شك أن انعقاد النسخة الثانية للقمة العربية الإسلامية في ھذا الظرف بالذات ھو خطوة مھمة تحسب للمملكة العربية السعودية التي تحركت كثيرا في ألاشھر الأخيرة ووسعت من خلال تطوير علاقاتھا مع طھران وبكين وموسكو من ھامش الممكن إنجازه بالنسبة للدول العربية.
ھشام الحاجي
وقف إطلاق النار في لبنان ھو منعرج جديد في مسار الصراع العربي- الصھيوني حتى وإن كانت دولة عربية واحدة ھي المعنية بھا بالدرجة الأولى ونعني بھا لبنان . ذلك أن تعدد " الساحات " لا يمكن أن ينسينا أن العقيدة الأساسية التي يقوم عليھا الكيان الصهيوني ھي عقيدة التوسع وذلك من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى". وبالنظر إلى حجم التضحيات التي قدمھا الشعب اللبناني في الأسابيع الأخيرة فإن وقف إطلاق النار يمثل مكسبا في حد ذاته خاصة وأن كل المؤشرات، وأھمھا الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني، تصب في اتجاه توقع عدم لجم الھمجية الصھيونية. ولا شك أن اختلاف الآراء في النظر لدلالات وتبعات ھذا الاتفاق من الزاويتين اللبنانية والعربية ليس مجانيا ولھا أسباب موضوعية وأخرى ذاتية . ذلك أن البعض يعتبر أن وقف العدوان الصهيوني، من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، ھو إنجاز تاريخي ونصر مھم في حين يعتبر البعض الآخر أن الكيان الصهيوني ھو الذي خرج منتصرا خاصة وانه قد حقق أمرين طالب بھما منذ مدة وھما تفكيك البنية العسكرية لحزب الله والحصول على منطقة " آمنة " تمتد من الحدود مع لبنان حتى نھر الليطاني. شخصيا لا أنظر للوضع الحالي بتفاؤل كبير وأعتقد أن ما يحصل حاليا لا يمكن فصله عن معطيين أساسيين وھما :
- خفايا 7 أكتوبر 2023 الذي تحول من "طوفان " إلى " عدوان" وھذه الخفايا ھي أسئلة يمكن تلخيصھا في معرفة ما إذا كان قرار إطلاق الھجوم على الكيان قد اتخذته حماس بمفردھا أو جزء من قيادتھا أم أن القرار قد اتخذ ضمن ما يعرف بمحور المقاومة الذي يتكون أساسا من حركتين ھما حماس وحزب الله ودولتين ھما سوريا ولبنان .
- أن الشعب الفلسطيني ما انفك يقدم منذ عقود دروسا في الصمود والتمسك بحقوقه المشروعة وھو الذي يواجه أعنف وأعتى وأكثر استعمار وحشية عرفته الإنسانية منذ قرون. ولا يمكن فھم ما يقدمه أبناء وبنات غزة منذ سنة ونيف خارج ھذا الإطار.
وتساوق ھذا الصمود مع قوانين الاجتماع الإنساني ودروس التاريخ ھو الذي يجعل اندحار المشروع الصھيوني أمرا حتميا ومسألة وقت. ولا شك أن الشروخ المجتمعية التي أخذت تظھر في مكونات المشروع الصھيو-أمريكي، والتي يمكن رصدھا في مستوى الكيان الصهيوني والدول الأطلسية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل مؤشرا ھاما وھيكليا لأن الأزمة مرشحة لمزيد التعمق. ولكن بقدر ما يبدو من الضروري التوقف عند دروس الصمود والمقاومة التي يجترحھا الشعب الفلسطيني وعند الشروخ التي أخذت تظھر في المستوى المجتمعي للكيان الصهيوني بقدر ما يبدو مفيدا أيضا استحضار معطيات لا يمكن التعتيم عليھا حتى وإن كانت بعض وسائل الإعلام والقوى المؤثرة في العلاقات الدولية تعمل جاھدة للتعتيم عليھا. وأول ھذه المعطيات أن "طوفان الأقصى " قد تحول حاليا إلى حرب إبادة يمارسھا الكيان الصهيوني بكل ما أوتي من قوة تجسيما لما يقوم عليه من وحشية وھمجية وعنف وأيضا تحضيرا لما بعد الحرب في غزة والتي يريد أن تكون لصالحه .ثاني ھذه المعطيات أن الفلسطينيين، والعرب ، لا يواجھون في الواقع الكيان الصهيوني بل ھم في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تأكد الدعم اللامشروط لواشنطن لتل أبيب ومجرمي الحرب الصھاينة إلى الحد الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية " الولايات المتحدة الأمرو-صھيونية " على التحالف بين واشنطن وتل أبيب. وھذا يعني أن واشنطن لن تقبل باندحار وھزيمة الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر. في المقابل راھنت قوى المقاومة ولا تزال على استنزاف الكيان الصهيوني، وھذا الرھان مشروع ومنطقي، ولكن كل المؤشرات تفيد أنه لا يمكن للمواجھة الحالية أن تأتي على الكيان وجيشه بسرعة بل يحتاج الأمر إلى سنوات وإلى سياق فلسطيني وعربي ودولي مغاير للسياق الحالي المتسم بانقسام حاد في الصف الفلسطيني وانعدام الحد الأدنى من التنسيق بين العرب ھذا دون أن ننسى أن واشنطن تواصل لحد الآن الھيمنة على مسارات ومصائر العلاقات على المستوى الدولي. وإذا كانت دعوة الفلسطينيين ، من مواقع مريحة وبعيدا عن ساحات الحرب والوغى ، للصمود ومواصلة المواجھة العسكرية تبدو في نظر البعض دليلا مبدئيا وتمسكا بالثوابت فإن حجم المعاناة التي يكابدھا حاليا اھل غزة تمثل دافعا للعمل من أجل وقف إطلاق النار والعمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني أولا ثم في كل مستويات الساحات والدوائر المعنية بإسناد الشعب الفلسطيني ومناھضة الكيان الصهيوني. ھناك مكاسب مھمة سواء من حيث صمود الشعب الفلسطيني أو ارتفاع عدد الھاربين من الكيان الصهيوني إلى دولھم الأصلية في أوروبا وأمريكا الشمالية علاوة على تنامي حضور فلسطين في فضاءات المعارضة والرفض خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وحين نضيف قرارات المحكمة الجنائية الدولية تجاه مجرمي الحرب نتنياھو وغالانت ندرك ضرورة استثمار ھذا المناخ لخلق رأي عام عالمي داعم للحقوق الفلسطينية حتى يتم التصدي للثنائي الصھيو-أمريكي خاصة وأن دونالد ترامب لا يخفي انحيازه المطلق للكيان الصهيوني. وھذا الانحياز سيترجمه إلى سياسات وتمش قوامه العمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال إعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لتطبيق مخطط ما يسمى " ضم الضفة الغربية " و "إعادة احتلال غزة " .
ھذه المعطيات اعتبرھا ضرورية لقراءة مبادرة القمة العربية الإسلامية التي احتضنتھا منذ أيام العاصمة السعوديةالرياض. القمة إعادة إحياء لمبادئ التكامل والتضامن بين الدول العربية والإسلامية وھي أيضا تأكيد للدور المتنامي للمملكة العربية السعودية في ھذا المجال وفي علاقة بالقضية الفلسطينية وھي التي سبق وأن قدمت مبادرة وضعھا الملك فھد وتبنتھا الدول العربية. حضور كل من سوريا والجمھورية الإسلامية الإيرانية قمة الرياض دليل على وجود مشاورات وانفراج ما انفك يزداد بين الرياض وطھران وأيضا دمشق التي تبقى لاعبا له دوره ووزنه في الصراع العربي-الصھيوني علاوة على أن دمشق وطھران ثمثلان قلب " محور المقاومة ". ھناك مؤشر آخر لا يقل أهمية ويتمثل في أن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم قد صرح مؤخرا أن حزب الله يضع نفسه تحت سقف اتفاق الطائف الذي أنھى الحرب الأھلية اللبنانية وھذا يعني فعليا تمكين المملكة العربية السعودية من ورقة إضافية في المساھمة في تحديد مستقبل المنطقة. وھذا يعني أن مخرجات القمة العربية الإسلامية التي عبر عنھا بيانھا الختامي الصادر يوم 11 نوفمبر المنصرم تعبر عن رؤية الدول العربية والإسلامية للحل المرحلي للصراع العربي- الصھيوني وھو " حل الدولتين ". ولا شك أن انعقاد النسخة الثانية للقمة العربية الإسلامية في ھذا الظرف بالذات ھو خطوة مھمة تحسب للمملكة العربية السعودية التي تحركت كثيرا في ألاشھر الأخيرة ووسعت من خلال تطوير علاقاتھا مع طھران وبكين وموسكو من ھامش الممكن إنجازه بالنسبة للدول العربية.