إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

امرأة تُقتل كل 10 دقائق على يد شريك أو قريب ..سبل مقاومة العنف الأسري في تونس

بقلم:ريم بالخذيري

بالتوازي مع التقدّم الكبير الذي يشهده العالم والذي من المفروض أن يهذّب البشرية ويزرع فيها ثقافة التسامح والسلم تحدث المفارقة وهي تكاثر الحروب النظامية والأهلية وارتفاع غير مسبوق للعنف.حيث أصبح الناس أكثر عداء وأقل ميلا للتعايش والحوار.

وتعتبر الأسرة الضحية الأكبر لهذا التطور غير المسبوق والذي لم يعد محمودا حيث تسللت الخدع البصرية في الأفلام الاكترونية إلى عقول الأطفال والمراهقين فيما تكفّل الجانب الخبيث من الذكاء الاصطناعي إلى عقول الشباب والكبار وحوّلهم إلى آلات بشرية تمارس شتى أنواع العنف والجريمة. والحلقة الضعيفة في كل هذا هي المرأة سواء كانت أمّا أم زوجة أم عاملة حيث تتفق كل الدراسات على أن النساء هن أكثر ضحايا العنف والاغتصاب والفتل.

وهذا ما جعل الأمم المتحدة تطلق كل عام حملة الستة عشر يوماً من النشاط ضد العنف المسلط على النساء، وهي حملة عالمية تمتد من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر حتى الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر. وقد عنونت هذا العام ب "السنة تحت شعار "كل 10 دقائق تقتل، امرأة بلا عذر "

الحملة مثلما ورد في بيان الأمم المتحدة تُذكّرنا بأن العنف ضد النساء والفتيات هو قضيّة من القضايا الجوهرية لحقوق الإنسان. وتهدف التي زيادة الوعي حول أشكال هذا العنف ومساعدة الناجيات منهن ودعمهن من مختلف المنظمات والهيئات ويبعث برسالة واضحة للحكومات بضرورة توفير أقصى درجات الحماية لنسائها.

ضحايا بالجملة

كشف تقرير لهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بداية الأسبوع أن 85 ألف امرأة وفتاة قُتلن عمدًا في 2023، وهو ما يعني أن 140 ضحية تلقى حتفها يوميًا بسبب العنف المنزلي أو العائلي، بينما تُقتل واحدة كل 10 دقائق على يدي زوج أو قريب . ومن بينهن 51الفا و100 قُتلن في الوسط العائلي.

ووفق التقرير ألأممي فقد شهدت القارة الإفريقية أعلى عدد من الضحايا في العالم، إذ بلغ مجموع النساء اللاتي تعرضن للقتل 21 ألفا و700 بمعدل 2.9 ضحية لكل 100 ألف نسمة.

ولا يقتصر القتل المرتبط بالجنس على الغرباء، بل يمتد إلى العائلة. ففي فرنسا، على سبيل المثال، كانت 79 في المائة من جرائم قتل النساء ما بين 2019 و2022 ترتبط بالأقارب أو العائلة.

وتعدّ تونس من الدول التي تشهد تناميا مخيفا للعنف ضد المرأة حيث قتلت 25 امرأة منذ بداية السنة الحالية ولغاية شهر أكتوبر فيما سقطت 27 ضحية في السنة الفارطة ونسبة 70بالمائة منهن قتلن على يدي أزواجهن وتساوي 44.4 بالمائة من مجموع العنف المسلط على النساء، يليه العنف اللفظي بـ26.7 بالمائة، ثم العنف الجنسي بـ15.6 بالمائة، والعنف الاقتصادي بـ11.4 بالمائة، ثم العنف الجسدي بـ5.3 بالمائة.

الإهمال أشد من القتل

البيانات المتوفرة تشير إلى أن نسبة كبيرة من النساء اللواتي قُتلن كن قد أبلغن سابقًا عن تعرضهن لعنف جسدي أو جنسي أو نفسي من أزواجهن أو أقاربهن أو تعرّضن لتهديدات من غرباء.

فعلى سبيل المثال، تراوحت نسبة النساء اللواتي أبلغن عن العنف قبل مقتلهن في فرنسا وجنوب إفريقيا وكولومبيا بين 22 في المائة و37 في المائة .

وفي تونس أيضا الضحايا عادة ما يكنّ تعرضن لشتى أنواع العنف واشتكين أزواجهن قبل مقتلهن لكن هذه الشكاوي والإشعارات تهمل لسببين على الأقل وهما عدم تناول شكوى العنف على المشتكية بالحزم الكافي والجدية اللازمة من طرف الجهات المختصة. والسبب الثاني إسقاط المعنّفة والمهدّدة المشتكية حقها في التتبع سواء بسبب الخوف من الطلاق أو بسبب الضغط العائلي .

وبالتالي لابد من إعادة النظر في التعامل مع هذه الإشعارات والشكاوي فإهمالها لأي سبب من الأسباب يؤدي إلى جرائم القتل ولنا في المرأة الشابة رفقة الشارني التي قتلها زوجها عون الحرس بسلاحه الوظيفي في 2021 بالكاف خير مثال حيث اشتكته المغدورة أكثر من مرة وتعرّضت قبل مقتلها بيومين لمحاولة قتل بالخنق لكنها أسقطت دعوى تتبعه فوقعت الكارثة..وما كان لها أن تقع.

سبل النجاة

لابد أن تتحول شعارات حماية النساء من شتى أنواع العنف إلى واقع ملموس متبوع بقوانين ردعية صارمة فالمجتمع التونسي وبرغم انفتاحه وتمتع المرأة بالحرية من خلال قوانين تعتبر ثورية في العالم العربي إلا أن هذه الحرية تدفع المرأة التونسية ثمنها غاليا من قبل الرجل بقراباته المتعددة. حيث لم ينجح المجتمع في التخلص من العقلية الذكورية التي تكبّله والمرأة بدورها مساهمة في هذا من حيث عدم التشبث بحقوقها إذ أغلب النساء المعنفات إما لا يبلّغن عن العنف أو يسقطن التتبع القضائي خاصة إذا ما كان المعنف زوجا أو أخا أو ابنا..

وحماية النساء من العنف تتطلب إرادة سياسية ووعيا شعبيا يشمل

1- التوعية والتثقيف بأشكال العنف ضد النساء، سواء الجسدي أو النفسي أو الاقتصادي أو الجنسي مع العمل على تعزيز المساواة بين الجنسين في المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية والمناصب العليا كما يتضمن تثقيف النساء بحقوقهن القانونية والاجتماعية.

2- تقوية التشريعات من خلال سن قوانين صارمة لمعاقبة المعتدين، وتوفير حماية قانونية فعّالة للنساء وضمان تطبيق القوانين بشكل عادل وسريع إضافة إلى سن تشريعات جديدة، تمنع المعتدين من الاقتراب من الضحايا.

3- الدعم النفسي والاجتماعي ومنه توفير مراكز إيواء آمنة للنساء ضحايا العنف مع تقديم الرعاية النفسية للضحايا وأبنائهن. وتوفير خطوط خضراء مجانية لتلقي بلاغات العنف على مدار الساعة.

4- تمكين المرأة اقتصاديًا عبر تعزيز استقلاليتها من خلال توفير فرص عمل وبرامج تدريب مهني ومساعدة النساء على بناء شبكات دعم اجتماعية قوية.

5- إشراك المجتمع وذلك بتشجيع الأفراد على الإبلاغ عن حالات العنف دون خوف فضلا عن تفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية في مناهضة العنف. وتثقيف الذكور بأهمية الإناث لتغيير المفاهيم الثقافية الخاطئة حول المرأة وتدريس ذلك في المناهج التربوية

7-التعاون الدولي: من خلال الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مكافحة العنف ضد النساء ودعم المبادرات الأممية والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على حماية حقوق المرأة.

وتبقى المرأة في خط الدفاع الأول عن حقوقها والنضال من أجلها ودفع الأذى عنها.

والصمت أمام هذا العنف لن يجعله يتوقف أبدًا.وإذا أسيء معاملتك أيتها المرأة ولم تفعلي شيئًا ، فهذا يعني أنك موافقة على ان تكوني مفعولا بها...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

امرأة تُقتل كل 10 دقائق على يد شريك أو قريب ..سبل مقاومة العنف الأسري في تونس

بقلم:ريم بالخذيري

بالتوازي مع التقدّم الكبير الذي يشهده العالم والذي من المفروض أن يهذّب البشرية ويزرع فيها ثقافة التسامح والسلم تحدث المفارقة وهي تكاثر الحروب النظامية والأهلية وارتفاع غير مسبوق للعنف.حيث أصبح الناس أكثر عداء وأقل ميلا للتعايش والحوار.

وتعتبر الأسرة الضحية الأكبر لهذا التطور غير المسبوق والذي لم يعد محمودا حيث تسللت الخدع البصرية في الأفلام الاكترونية إلى عقول الأطفال والمراهقين فيما تكفّل الجانب الخبيث من الذكاء الاصطناعي إلى عقول الشباب والكبار وحوّلهم إلى آلات بشرية تمارس شتى أنواع العنف والجريمة. والحلقة الضعيفة في كل هذا هي المرأة سواء كانت أمّا أم زوجة أم عاملة حيث تتفق كل الدراسات على أن النساء هن أكثر ضحايا العنف والاغتصاب والفتل.

وهذا ما جعل الأمم المتحدة تطلق كل عام حملة الستة عشر يوماً من النشاط ضد العنف المسلط على النساء، وهي حملة عالمية تمتد من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر حتى الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر. وقد عنونت هذا العام ب "السنة تحت شعار "كل 10 دقائق تقتل، امرأة بلا عذر "

الحملة مثلما ورد في بيان الأمم المتحدة تُذكّرنا بأن العنف ضد النساء والفتيات هو قضيّة من القضايا الجوهرية لحقوق الإنسان. وتهدف التي زيادة الوعي حول أشكال هذا العنف ومساعدة الناجيات منهن ودعمهن من مختلف المنظمات والهيئات ويبعث برسالة واضحة للحكومات بضرورة توفير أقصى درجات الحماية لنسائها.

ضحايا بالجملة

كشف تقرير لهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بداية الأسبوع أن 85 ألف امرأة وفتاة قُتلن عمدًا في 2023، وهو ما يعني أن 140 ضحية تلقى حتفها يوميًا بسبب العنف المنزلي أو العائلي، بينما تُقتل واحدة كل 10 دقائق على يدي زوج أو قريب . ومن بينهن 51الفا و100 قُتلن في الوسط العائلي.

ووفق التقرير ألأممي فقد شهدت القارة الإفريقية أعلى عدد من الضحايا في العالم، إذ بلغ مجموع النساء اللاتي تعرضن للقتل 21 ألفا و700 بمعدل 2.9 ضحية لكل 100 ألف نسمة.

ولا يقتصر القتل المرتبط بالجنس على الغرباء، بل يمتد إلى العائلة. ففي فرنسا، على سبيل المثال، كانت 79 في المائة من جرائم قتل النساء ما بين 2019 و2022 ترتبط بالأقارب أو العائلة.

وتعدّ تونس من الدول التي تشهد تناميا مخيفا للعنف ضد المرأة حيث قتلت 25 امرأة منذ بداية السنة الحالية ولغاية شهر أكتوبر فيما سقطت 27 ضحية في السنة الفارطة ونسبة 70بالمائة منهن قتلن على يدي أزواجهن وتساوي 44.4 بالمائة من مجموع العنف المسلط على النساء، يليه العنف اللفظي بـ26.7 بالمائة، ثم العنف الجنسي بـ15.6 بالمائة، والعنف الاقتصادي بـ11.4 بالمائة، ثم العنف الجسدي بـ5.3 بالمائة.

الإهمال أشد من القتل

البيانات المتوفرة تشير إلى أن نسبة كبيرة من النساء اللواتي قُتلن كن قد أبلغن سابقًا عن تعرضهن لعنف جسدي أو جنسي أو نفسي من أزواجهن أو أقاربهن أو تعرّضن لتهديدات من غرباء.

فعلى سبيل المثال، تراوحت نسبة النساء اللواتي أبلغن عن العنف قبل مقتلهن في فرنسا وجنوب إفريقيا وكولومبيا بين 22 في المائة و37 في المائة .

وفي تونس أيضا الضحايا عادة ما يكنّ تعرضن لشتى أنواع العنف واشتكين أزواجهن قبل مقتلهن لكن هذه الشكاوي والإشعارات تهمل لسببين على الأقل وهما عدم تناول شكوى العنف على المشتكية بالحزم الكافي والجدية اللازمة من طرف الجهات المختصة. والسبب الثاني إسقاط المعنّفة والمهدّدة المشتكية حقها في التتبع سواء بسبب الخوف من الطلاق أو بسبب الضغط العائلي .

وبالتالي لابد من إعادة النظر في التعامل مع هذه الإشعارات والشكاوي فإهمالها لأي سبب من الأسباب يؤدي إلى جرائم القتل ولنا في المرأة الشابة رفقة الشارني التي قتلها زوجها عون الحرس بسلاحه الوظيفي في 2021 بالكاف خير مثال حيث اشتكته المغدورة أكثر من مرة وتعرّضت قبل مقتلها بيومين لمحاولة قتل بالخنق لكنها أسقطت دعوى تتبعه فوقعت الكارثة..وما كان لها أن تقع.

سبل النجاة

لابد أن تتحول شعارات حماية النساء من شتى أنواع العنف إلى واقع ملموس متبوع بقوانين ردعية صارمة فالمجتمع التونسي وبرغم انفتاحه وتمتع المرأة بالحرية من خلال قوانين تعتبر ثورية في العالم العربي إلا أن هذه الحرية تدفع المرأة التونسية ثمنها غاليا من قبل الرجل بقراباته المتعددة. حيث لم ينجح المجتمع في التخلص من العقلية الذكورية التي تكبّله والمرأة بدورها مساهمة في هذا من حيث عدم التشبث بحقوقها إذ أغلب النساء المعنفات إما لا يبلّغن عن العنف أو يسقطن التتبع القضائي خاصة إذا ما كان المعنف زوجا أو أخا أو ابنا..

وحماية النساء من العنف تتطلب إرادة سياسية ووعيا شعبيا يشمل

1- التوعية والتثقيف بأشكال العنف ضد النساء، سواء الجسدي أو النفسي أو الاقتصادي أو الجنسي مع العمل على تعزيز المساواة بين الجنسين في المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية والمناصب العليا كما يتضمن تثقيف النساء بحقوقهن القانونية والاجتماعية.

2- تقوية التشريعات من خلال سن قوانين صارمة لمعاقبة المعتدين، وتوفير حماية قانونية فعّالة للنساء وضمان تطبيق القوانين بشكل عادل وسريع إضافة إلى سن تشريعات جديدة، تمنع المعتدين من الاقتراب من الضحايا.

3- الدعم النفسي والاجتماعي ومنه توفير مراكز إيواء آمنة للنساء ضحايا العنف مع تقديم الرعاية النفسية للضحايا وأبنائهن. وتوفير خطوط خضراء مجانية لتلقي بلاغات العنف على مدار الساعة.

4- تمكين المرأة اقتصاديًا عبر تعزيز استقلاليتها من خلال توفير فرص عمل وبرامج تدريب مهني ومساعدة النساء على بناء شبكات دعم اجتماعية قوية.

5- إشراك المجتمع وذلك بتشجيع الأفراد على الإبلاغ عن حالات العنف دون خوف فضلا عن تفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية في مناهضة العنف. وتثقيف الذكور بأهمية الإناث لتغيير المفاهيم الثقافية الخاطئة حول المرأة وتدريس ذلك في المناهج التربوية

7-التعاون الدولي: من خلال الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مكافحة العنف ضد النساء ودعم المبادرات الأممية والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على حماية حقوق المرأة.

وتبقى المرأة في خط الدفاع الأول عن حقوقها والنضال من أجلها ودفع الأذى عنها.

والصمت أمام هذا العنف لن يجعله يتوقف أبدًا.وإذا أسيء معاملتك أيتها المرأة ولم تفعلي شيئًا ، فهذا يعني أنك موافقة على ان تكوني مفعولا بها...