في خضم المعركة القانونية الحالية حول مآل نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية 2024 تعالت أصوات العديد من الناشطين في المجتمع المدني من جديد للتأكيد على أهمية تركيز المحكمة الدستورية بصفتها الهيئة القضائية العليا الضامنة لعلوية الدستور والحامية للحقوق والحريات فضلا عن أنها الجهة الوحيدة التي أوكل لها دستور 2022 اختصاص مراقبة دستورية القوانين ومنها القانون الانتخابي والقانون المتعلق بهيئة الانتخابات، لأن الأمر عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية كان قد نص في فصله الحادي والعشرين على إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي تم تركيزها في 22 أفريل 2014.
وبعد إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين استحال على نواب الشعب الطعن بعدم دستورية مشاريع القوانين التي صادر عليها مجلسهم سواء أثناء الدورة النيابية الأولى أو الدورة النيابية الثانية.
وفي ظل عدم تركيز المحكمة الدستورية التي نص عليها دستور 2022 استحال على المتقاضين أمام بقية المحاكم الدفع بعدم دستورية القوانين وفي مقدمتها القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 والقانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أوت 2019، والمرسوم عدد 34 لسنة 2022 المؤرخ في غرة جوان 2022 والمرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرخ في 15 سبتمبر 2022 والمرسوم عدد 8 لسنة 2023 المؤرخ في 8 مارس 2023، وكذلك القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات كما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى المرسوم عدد 22 لسنة 2022 المؤرخ في 21 أفريل 2022.
وحتى المحاولات الأخيرة التي تمت في إطار عريضتي الطعن المرفوعتين للمحكمة الإدارية من قبل منذر الزنايدي وعبير موسي، بالدفع بعدم دستورية تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الحالية فإنها لم تحقق نتيجة، لأن المحكمة الإدارية أقرت في الطور الأول من نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية بصريح العبارة "بأن القاضي الانتخابي في إطار الاختصاص المسند له بمقتضى الفصل 46 من القانون الانتخابي يتعهد بالنظر في الطعون الموجهة ضد الهيئة المتعلقة بالترشحات للانتخابات الرئاسية من خلال بسط رقابتة على مدى مطابقة تلك القرارات للقواعد القانونية والترتيبية التي تنظم عملية الترشح للانتخابات الرئاسية لينتهي إما لإقرارها أو إلغائها عند الاقتضاء". واعتبرت المحكمة الإدارية "المآخذ المتعلقة بمخالفة تركيبة هيئة الانتخابات لمقتضيات الفصل 134 من الدستور وافتقار الهيئة لشروط الحياد والاستقلالية التي نص عليها الدستور خارجة عن أنظار قاضي الترشحات".
طعن في تركيبة الهيئة
وجاء في الحكم الصادر عن الدائرة الاستئنافية الخامسة بالمحكمة الإدارية بتاريخ 18 أوت 2024 في قضية عبير موسي ضد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن الطاعنة اعتبرت القرار المطعون فيه وهو القرار عدد 544 لسنة 2024 المؤرخ في 4 جويلية 2024 المتعلق بتنقيح وإتمام القرار عدد 18 لسنة 2014 المؤرخ في 4 أوت 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية كما تم تنقيحه بمقتضى القرار عدد 18 لسنة 2019 المؤرخ في 14 جوان 2019 صدر عن هيئة ذات تركيبة مخالفة لمقتضيات الفصل 134 من الدستور لأنها تتكون من سبعة أعضاء وذلك طبق التنقيح المدخل بموجب المرسوم 22 لسنة 2022 المؤرخ في 21 أفريل 2022 المتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 والمتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وترى الطاعنة أن تركيبة الهيئة الحالية أصبحت تتعارض مع التركيبة المنصوص عليها بالفصل 134 من "دستور 17 أوت 2022"، وحتى الأحكام الانتقالية في الدستور فإنها لم تنصص على تواصل العمل بالتركيبة الحالية إلى حين تشكيل هيئة جديدة، وفي المقابل فإن الهيئة تستند في قراراتها إلى الفصل 134 من الدستور وتصرح بأنها تطبق الدستور في خصوص شروط الترشح وهي بالتالي تعترف بدخول الدستور حيز التنفيذ ضمن ما تصدره من قرارات وحسب الطاعنة كان من الأولى أن تطبق الهيئة الدستور فيما يتعلق بتركيبتها التي أصبحت مخالفة لمقتضياته، واعتبرت مواصلة الهيئة الحالية العمل بالتركيبة القديمة يجعلها غير دستورية.. وإضافة إلى التركيبة تضمنت عريضة الطعن المقدمة للمحكمة الإدارية في قضية عبير موسي إشارة إلى صدور القرار المطعون فيه عن هيئة تفتقر لشروط الحياد والاستقلالية المنصوص عليها بالفصل 134 من الدستور.
وردا على مطعن يتعلق بتركيبة الهيئة المخالفة لأحكام الفصل 134 من الدستور والتي تفتقر لشرطي الحياد والاستقلالية، اعتبرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حسب ما ورد في الحكم في قضية عبير موسي المنشور على موقع المحكمة الإدارية، أن هذا الطعن يستهدف مسائل تتعلق بمراقبة دستورية القوانين وهي مسائل أصلية تخرج عن ولاية القاضي الإداري في مادة نزاعات الترشح، وأضافت الهيئة في ردها أن القول بعدم دستورية الهيئة بتركيبتها الحالية يستوجب الإشارة إلى أن هذه التركيبة تم ضبطها بموجب المرسوم عدد 22 لسنة 2022 الذي صدر بناء على الأمر عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية وهذا الأمر أجاز بفصله الرابع ممارسة السلطة التشريعية ومن بينها القانون الانتخابي والهيئات الدستورية، وعليه فإن المراسيم الصادرة بناء على الأمر عدد 117 تكتسي صبغة تشريعية وتبعا لذلك فإن المرسوم عدد 22 يندرج في خانة النصوص التشريعية وهو يخرج عن أنظار المحكمة الإدارية، وفي علاقة بافتقار الهيئة لشرطي الحياد والاستقلالية جاء في رد الهيئة أن هذا الطعن يستهدف المرسوم عدد 22 الذي يخرج عن مجال رقابة المحكمة الإدارية كما هو الشأن بالنسبة لرقابة المحكمة الإدارية على دستورية القوانين وإقرارها الصريح بعدم الاختصاص بالنظر في دستورية القوانين.
وفي نفس السياق واستنادا إلى الحكم الصادر عن الدائرة الاستئنافية السادسة بالمحكمة الإدارية بتاريخ 18 أوت في الطعن المقدم من قبل منذر الزنايدي ضد هيئة الانتخابات يمكن الإشارة إلى أن الزنايدي طعن بدوره بعدم دستورية قرار الهيئة عدد 544 لسنة 2024 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية لصدوره عن مجلس هيئة مختل التركيبة، وجاء في عريضة الطعن أن الهيئة تستمد اختصاصها في إصدار مقررات ترتيبية مباشرة من الفصل 134 من الدستور ولا يمكنها أن تمارس اختصاصها المذكور بشكل قانوني إلا بالتركيبة التي أوجبها الفصل المذكور وليس بالتركيبة التي نص عليها المرسوم عدد 22 لسنة 2022 الذي صدر استنادا إلى الأمر عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، ولكن المحكمة الإدارية أشارت بالخصوص إلى أن فقه قضائها استقر على أنه يخول للقاضي الإداري مناقشة دستورية القرارات الإدارية إلا أن هذه الإمكانية تجد حدا لها في صورة وجود نص تشريعي نافذ على غرار القانون عدد 23 لسنة 2012 كما تم تنقيحه بالمرسوم عدد 22 لسنة 2022 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وجاء في الحكم في قضية الزنايدي أنه في ظل ثبوت مطابقة تركيبة الهيئة للفصل الخامس من هذا القانون فإنه يتجه رد ما تمسك به الطاعن في هذا الخصوص.
كما جاء في عريضة الطاعن البشير العواني وحسب ما نص عليه الحكم في مادة النزاع الانتخابي الترشحات للانتخابات الرئاسية الصادر بتاريخ 19 أوت 2024 عن الدائرة الاستئنافية الثامنة بالمحكمة الإدارية، جاء في هذه العريضة أن المبدأ هو أن السيادة للشعب وإذا تعارض المبدأ مع الإجراءات الشكلية المتعلقة بتطبيقه يقتضي ذلك تغليب المبدأ على الشكليات والإجراءات علاوة على أن الفصل 25 من الدستور ينص على أن القيود يجب أن لا تمس بجوهر الحقوق والحريات المضمونة بالدستور وأن تكون مبررة بأهدافها ومتناسبة مع دواعيها وتمت الإشارة في نفس العريضة إلى أن محكمة التعقيب استقرت في دوائرها المدنية على أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وردا على الطاعن طلب رئيس هيئة الانتخابات في المذكرة التي وجهها للمحكمة الإدارية يوم 16 أوت الماضي رفض الطعن شكلا لتقديمه بعد الآجال القانونية وقضت المحكمة فعلا برفض الطعن شكلا .
مراقبة دستورية القوانين
لئن أقرت المحكمة الإدارية بأنها غير مختصة في مراقبة دستورية القوانين، فإن دستور 2022 أتاح لها كغيرها من المحاكم صلاحية إحالة القوانين التي تم الدفع بعدم دستوريتها للمحكمة الدستورية، ولهذا السبب ارتفعت الأصوات مؤخرا للمطالبة بالتسريع في تركيز هذه المحكمة لكي تمارس الاختصاصات الموكولة إليها.
وتختص المحكمة الدستورية بالنظر في مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهوريّة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نوّاب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم ويرفع هذا الطلب للمحكمة في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ المصادقة على مشروع القانون أومن تاريخ المصادقة على مشروع قانون في صيغة معدلة بعد أن تمّ ردّه من قبل رئيس الجمهوّرية.
كما تختص المحكمة الدستورية بالنظر في مراقبة دستورية المعاهدات التي يعرضها رئيس الجمهوّرية قبل ختم قانون الموافقة عليها، وتختص بالنظر في مراقبة دستورية القوانين التي تحيلها عليها المحاكم إذا تم الدّفع بعدم دستوريتها، وتختص هذه المحكمة بالنظر في مراقبة دستورية النّظـــام الداخلي لمجلس نـــوّاب الشعب والنظام الدّاخلي للمــجلس الوطني للجهـــات والأقاليم وبالنظر في مراقبة دستورية إجراءات تنقيح الدستور، ومشاريع تنقيح الدستور.
ولكن لئن ألقى البعض مؤخرا باللائمة على مجلس نواب الشعب لأنه لم يمرر المبادرة التشريعية المتعلقة بالمحكمة الدستورية التي تقدم بها عدد من النواب منذ صائفة 2023 وحملوا رئيس الجمهورية مسؤولية التأخير في تركيز هذه المحكمة على اعتبار أن العائق الذي حال في السابق دون تركيزها والمتمثل في التركيبة قد زال، فإنه لا يمكن تناسي المجهودات الجبارة التي بذلتها الكتل الحاكمة في البرلمان السابق في فترة رئاسة محمد الناصر ثم في البرلمان المنحل في فترة راشد الغنوشي من أجل الحيلولة دون بعث المحكمة الدستورية.
سعيدة بوهلال
تونس- الصباح
في خضم المعركة القانونية الحالية حول مآل نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية 2024 تعالت أصوات العديد من الناشطين في المجتمع المدني من جديد للتأكيد على أهمية تركيز المحكمة الدستورية بصفتها الهيئة القضائية العليا الضامنة لعلوية الدستور والحامية للحقوق والحريات فضلا عن أنها الجهة الوحيدة التي أوكل لها دستور 2022 اختصاص مراقبة دستورية القوانين ومنها القانون الانتخابي والقانون المتعلق بهيئة الانتخابات، لأن الأمر عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية كان قد نص في فصله الحادي والعشرين على إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي تم تركيزها في 22 أفريل 2014.
وبعد إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين استحال على نواب الشعب الطعن بعدم دستورية مشاريع القوانين التي صادر عليها مجلسهم سواء أثناء الدورة النيابية الأولى أو الدورة النيابية الثانية.
وفي ظل عدم تركيز المحكمة الدستورية التي نص عليها دستور 2022 استحال على المتقاضين أمام بقية المحاكم الدفع بعدم دستورية القوانين وفي مقدمتها القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 والقانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أوت 2019، والمرسوم عدد 34 لسنة 2022 المؤرخ في غرة جوان 2022 والمرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرخ في 15 سبتمبر 2022 والمرسوم عدد 8 لسنة 2023 المؤرخ في 8 مارس 2023، وكذلك القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات كما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى المرسوم عدد 22 لسنة 2022 المؤرخ في 21 أفريل 2022.
وحتى المحاولات الأخيرة التي تمت في إطار عريضتي الطعن المرفوعتين للمحكمة الإدارية من قبل منذر الزنايدي وعبير موسي، بالدفع بعدم دستورية تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الحالية فإنها لم تحقق نتيجة، لأن المحكمة الإدارية أقرت في الطور الأول من نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية بصريح العبارة "بأن القاضي الانتخابي في إطار الاختصاص المسند له بمقتضى الفصل 46 من القانون الانتخابي يتعهد بالنظر في الطعون الموجهة ضد الهيئة المتعلقة بالترشحات للانتخابات الرئاسية من خلال بسط رقابتة على مدى مطابقة تلك القرارات للقواعد القانونية والترتيبية التي تنظم عملية الترشح للانتخابات الرئاسية لينتهي إما لإقرارها أو إلغائها عند الاقتضاء". واعتبرت المحكمة الإدارية "المآخذ المتعلقة بمخالفة تركيبة هيئة الانتخابات لمقتضيات الفصل 134 من الدستور وافتقار الهيئة لشروط الحياد والاستقلالية التي نص عليها الدستور خارجة عن أنظار قاضي الترشحات".
طعن في تركيبة الهيئة
وجاء في الحكم الصادر عن الدائرة الاستئنافية الخامسة بالمحكمة الإدارية بتاريخ 18 أوت 2024 في قضية عبير موسي ضد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن الطاعنة اعتبرت القرار المطعون فيه وهو القرار عدد 544 لسنة 2024 المؤرخ في 4 جويلية 2024 المتعلق بتنقيح وإتمام القرار عدد 18 لسنة 2014 المؤرخ في 4 أوت 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية كما تم تنقيحه بمقتضى القرار عدد 18 لسنة 2019 المؤرخ في 14 جوان 2019 صدر عن هيئة ذات تركيبة مخالفة لمقتضيات الفصل 134 من الدستور لأنها تتكون من سبعة أعضاء وذلك طبق التنقيح المدخل بموجب المرسوم 22 لسنة 2022 المؤرخ في 21 أفريل 2022 المتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 والمتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وترى الطاعنة أن تركيبة الهيئة الحالية أصبحت تتعارض مع التركيبة المنصوص عليها بالفصل 134 من "دستور 17 أوت 2022"، وحتى الأحكام الانتقالية في الدستور فإنها لم تنصص على تواصل العمل بالتركيبة الحالية إلى حين تشكيل هيئة جديدة، وفي المقابل فإن الهيئة تستند في قراراتها إلى الفصل 134 من الدستور وتصرح بأنها تطبق الدستور في خصوص شروط الترشح وهي بالتالي تعترف بدخول الدستور حيز التنفيذ ضمن ما تصدره من قرارات وحسب الطاعنة كان من الأولى أن تطبق الهيئة الدستور فيما يتعلق بتركيبتها التي أصبحت مخالفة لمقتضياته، واعتبرت مواصلة الهيئة الحالية العمل بالتركيبة القديمة يجعلها غير دستورية.. وإضافة إلى التركيبة تضمنت عريضة الطعن المقدمة للمحكمة الإدارية في قضية عبير موسي إشارة إلى صدور القرار المطعون فيه عن هيئة تفتقر لشروط الحياد والاستقلالية المنصوص عليها بالفصل 134 من الدستور.
وردا على مطعن يتعلق بتركيبة الهيئة المخالفة لأحكام الفصل 134 من الدستور والتي تفتقر لشرطي الحياد والاستقلالية، اعتبرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حسب ما ورد في الحكم في قضية عبير موسي المنشور على موقع المحكمة الإدارية، أن هذا الطعن يستهدف مسائل تتعلق بمراقبة دستورية القوانين وهي مسائل أصلية تخرج عن ولاية القاضي الإداري في مادة نزاعات الترشح، وأضافت الهيئة في ردها أن القول بعدم دستورية الهيئة بتركيبتها الحالية يستوجب الإشارة إلى أن هذه التركيبة تم ضبطها بموجب المرسوم عدد 22 لسنة 2022 الذي صدر بناء على الأمر عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية وهذا الأمر أجاز بفصله الرابع ممارسة السلطة التشريعية ومن بينها القانون الانتخابي والهيئات الدستورية، وعليه فإن المراسيم الصادرة بناء على الأمر عدد 117 تكتسي صبغة تشريعية وتبعا لذلك فإن المرسوم عدد 22 يندرج في خانة النصوص التشريعية وهو يخرج عن أنظار المحكمة الإدارية، وفي علاقة بافتقار الهيئة لشرطي الحياد والاستقلالية جاء في رد الهيئة أن هذا الطعن يستهدف المرسوم عدد 22 الذي يخرج عن مجال رقابة المحكمة الإدارية كما هو الشأن بالنسبة لرقابة المحكمة الإدارية على دستورية القوانين وإقرارها الصريح بعدم الاختصاص بالنظر في دستورية القوانين.
وفي نفس السياق واستنادا إلى الحكم الصادر عن الدائرة الاستئنافية السادسة بالمحكمة الإدارية بتاريخ 18 أوت في الطعن المقدم من قبل منذر الزنايدي ضد هيئة الانتخابات يمكن الإشارة إلى أن الزنايدي طعن بدوره بعدم دستورية قرار الهيئة عدد 544 لسنة 2024 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية لصدوره عن مجلس هيئة مختل التركيبة، وجاء في عريضة الطعن أن الهيئة تستمد اختصاصها في إصدار مقررات ترتيبية مباشرة من الفصل 134 من الدستور ولا يمكنها أن تمارس اختصاصها المذكور بشكل قانوني إلا بالتركيبة التي أوجبها الفصل المذكور وليس بالتركيبة التي نص عليها المرسوم عدد 22 لسنة 2022 الذي صدر استنادا إلى الأمر عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، ولكن المحكمة الإدارية أشارت بالخصوص إلى أن فقه قضائها استقر على أنه يخول للقاضي الإداري مناقشة دستورية القرارات الإدارية إلا أن هذه الإمكانية تجد حدا لها في صورة وجود نص تشريعي نافذ على غرار القانون عدد 23 لسنة 2012 كما تم تنقيحه بالمرسوم عدد 22 لسنة 2022 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وجاء في الحكم في قضية الزنايدي أنه في ظل ثبوت مطابقة تركيبة الهيئة للفصل الخامس من هذا القانون فإنه يتجه رد ما تمسك به الطاعن في هذا الخصوص.
كما جاء في عريضة الطاعن البشير العواني وحسب ما نص عليه الحكم في مادة النزاع الانتخابي الترشحات للانتخابات الرئاسية الصادر بتاريخ 19 أوت 2024 عن الدائرة الاستئنافية الثامنة بالمحكمة الإدارية، جاء في هذه العريضة أن المبدأ هو أن السيادة للشعب وإذا تعارض المبدأ مع الإجراءات الشكلية المتعلقة بتطبيقه يقتضي ذلك تغليب المبدأ على الشكليات والإجراءات علاوة على أن الفصل 25 من الدستور ينص على أن القيود يجب أن لا تمس بجوهر الحقوق والحريات المضمونة بالدستور وأن تكون مبررة بأهدافها ومتناسبة مع دواعيها وتمت الإشارة في نفس العريضة إلى أن محكمة التعقيب استقرت في دوائرها المدنية على أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وردا على الطاعن طلب رئيس هيئة الانتخابات في المذكرة التي وجهها للمحكمة الإدارية يوم 16 أوت الماضي رفض الطعن شكلا لتقديمه بعد الآجال القانونية وقضت المحكمة فعلا برفض الطعن شكلا .
مراقبة دستورية القوانين
لئن أقرت المحكمة الإدارية بأنها غير مختصة في مراقبة دستورية القوانين، فإن دستور 2022 أتاح لها كغيرها من المحاكم صلاحية إحالة القوانين التي تم الدفع بعدم دستوريتها للمحكمة الدستورية، ولهذا السبب ارتفعت الأصوات مؤخرا للمطالبة بالتسريع في تركيز هذه المحكمة لكي تمارس الاختصاصات الموكولة إليها.
وتختص المحكمة الدستورية بالنظر في مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهوريّة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نوّاب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم ويرفع هذا الطلب للمحكمة في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ المصادقة على مشروع القانون أومن تاريخ المصادقة على مشروع قانون في صيغة معدلة بعد أن تمّ ردّه من قبل رئيس الجمهوّرية.
كما تختص المحكمة الدستورية بالنظر في مراقبة دستورية المعاهدات التي يعرضها رئيس الجمهوّرية قبل ختم قانون الموافقة عليها، وتختص بالنظر في مراقبة دستورية القوانين التي تحيلها عليها المحاكم إذا تم الدّفع بعدم دستوريتها، وتختص هذه المحكمة بالنظر في مراقبة دستورية النّظـــام الداخلي لمجلس نـــوّاب الشعب والنظام الدّاخلي للمــجلس الوطني للجهـــات والأقاليم وبالنظر في مراقبة دستورية إجراءات تنقيح الدستور، ومشاريع تنقيح الدستور.
ولكن لئن ألقى البعض مؤخرا باللائمة على مجلس نواب الشعب لأنه لم يمرر المبادرة التشريعية المتعلقة بالمحكمة الدستورية التي تقدم بها عدد من النواب منذ صائفة 2023 وحملوا رئيس الجمهورية مسؤولية التأخير في تركيز هذه المحكمة على اعتبار أن العائق الذي حال في السابق دون تركيزها والمتمثل في التركيبة قد زال، فإنه لا يمكن تناسي المجهودات الجبارة التي بذلتها الكتل الحاكمة في البرلمان السابق في فترة رئاسة محمد الناصر ثم في البرلمان المنحل في فترة راشد الغنوشي من أجل الحيلولة دون بعث المحكمة الدستورية.