إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تزامنا مع زيارة المدوري إلى "بكين".. هل تصبح الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لتونس؟

تونس- الصباح

تعد العلاقات الاقتصادية بين تونس والصين من العلاقات التي شهدت تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، حيث تحولت الصين إلى شريك اقتصادي رئيسي لتونس في مجالات متعددة، بدءًا بالتجارة وصولًا إلى الاستثمار. ومع تزايد أهمية الصين كقوة اقتصادية عالمية، تبرز الحاجة إلى تعميق هذه العلاقات وتوسيعها خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، وتجلى ذلك في زيارة رسمية لرئيس الدولة قيس سعيد في 28 ماي الماضي الى الصين، فضلا عن الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الجديد كمال المدّوري والتي امتدت من 2 إلى 6 سبتمبر 2024، للمشاركة في أشغال قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي. ورافق رئيس الحكومة الى هذه القمة، كل من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، ووزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب، ما يؤكد على تعزيز العلاقات بين الجانبين الى أعلى مستوى.

المبادلات التجارية بين تونس والصين

وتشير البيانات الإحصائية إلى أن المبادلات التجارية بين تونس والصين شهدت نموًا مستمرًا منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1964. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتونس، حيث تستورد تونس من الصين منتجات متنوعة تشمل الأجهزة الإلكترونية، والآلات، والملابس، والمنتجات الكيميائية، بينما تصدر تونس إلى الصين منتجات زراعية، ومواد خام وفسفاط.

ومع ذلك، فإن الميزان التجاري بين البلدين يميل بشكل كبير لصالح الصين، حيث تعاني تونس من عجز تجاري كبير مع الصين. هذا العجز يعزى إلى عدة عوامل، منها قلة تنوع الصادرات التونسية إلى الصين مقارنة بحجم الواردات، مما يفرض على تونس ضرورة البحث عن سبل لتقليص هذا العجز.

ويأتي توقيت الزيارة الرسمية التي يؤديها رئيس الحكومة كمال المدوري الى الصين، في وقت تسعى فيه تونس جاهدة للبحث عن أسواق جديدة وتعزيز التعاون الاقتصادي خارج إطار القارة الأوروبية، التي تعد شريكًا استراتيجيًا تقليديًا لها. تمثل هذه الخطوة، التي تهدف إلى الانفتاح على أسواق جديدة، وخاصة الأسواق الآسيوية، فرصة هامة لتوسيع العلاقات التجارية بين تونس والصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذلك في ظل الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس.

تعديل الاتفاقية التعاون

قبل هذه الزيارة، ومع بداية عام 2024، وفي سياق قرار الدولة التونسية، تعديل اتفاقية التبادل التجاري مع تركيا، أثارت العلاقات الاقتصادية بين تونس والصين، وخاصة في ما يتعلق بالتبادل التجاري، جدلًا واسعًا داخل الأوساط الاقتصادية التونسية. هذا الجدل يعود إلى العجز الكبير في الميزان التجاري بين البلدين، حيث بلغ العجز التجاري لتونس مع الصين أكثر من 4712 مليون دينار تونسي الى غاية جويلية 2024، وفق أرقام رسمية صادرة عن معهد الإحصاء الوطني، مما جعل الصين تحتل الصدارة في قائمة الدول التي تسجل تونس معها عجزًا تجاريًا.

رغم توقعات البعض بأن تكون الصين أول دولة يتم تعديل اتفاقية التبادل التجاري معها، اختارت تونس في مطلع السنة الحالية تعديل اتفاقيتها مع تركيا، التي تحتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول التي تسجل تونس معها عجزًا تجاريًا. وفي ضوء هذا التحفظ على تعديل الاتفاقية مع الصين، يرى العديد من المراقبين أن الصين قد تصبح شريكًا اقتصاديًا أكبر لتونس في المستقبل القريب، مما قد يعوض عن شركاء آخرين كانت تونس تعتمد عليهم في تعبئة موارد مالية جديدة لميزانيتها العمومية.

مشاركة تونس في أشغال قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي بصفتها بلدًا إفريقيا وعربيًا يتمتع بمكانة خاصة لدى الصين، من المتوقع أن تسفر عن إقامة علاقات اقتصادية جديدة واتفاقيات تعاون في عدة قطاعات تتميز فيها تونس. هذه الاتفاقيات قد تؤدي إلى استثمارات أجنبية جديدة تسهم في تعزيز الاقتصاد التونسي، وهو ما ستكشفه اللقاءات المزمع عقدها على هامش المنتدى.

ولكن الأهم من كل ذلك هو أن تثمر هذه اللقاءات نتائج ملموسة، تصب في صالح تعديل اتفاقية التبادل التجاري بين تونس والصين، وهو أمر حيوي في الوقت الراهن لترجيح الكفة لصالح تونس. فرغم حجم السلع والبضائع الصينية الهائلة التي تغمر الأسواق التونسية وتمثل منافسة قوية حتى للمنتجات المحلية التقليدية، إلا أن صادرات تونس إلى الصين مازالت ضعيفة جدًا، مما يساهم في استمرار العجز التجاري الكبير بين البلدين.

تواجد الصين في الاقتصاد التونسي

تشير الأرقام الأخيرة المتعلقة بالمبادلات التجارية بين تونس والصين إلى وجود إمكانيات كبيرة غير مستغلة بعد. إذ يمكن لتونس أن تزيد من صادراتها إلى السوق الصينية بقيمة تصل إلى 200 مليون دولار أمريكي، أي حوالي 600 مليون دينار تونسي، ما يعادل أربع مرات تقريبًا من قيمة صادراتها الحالية إلى الصين، وفقًا للتوقعات التي وضعها مركز النهوض بالصادرات.

من أبرز فرص التصدير التي يجب على تونس استغلالها وعدم إهدارها هي تلك المتعلقة بمنتجات البحر، والنواقل الكهربائية، إضافة إلى ضرورة الترفيع في حصة صادرات زيت الزيتون إلى الصين، حيث لا تتجاوز نسبة الصادرات الحالية لهذا المنتج 3 % من الحجم الإجمالي للصادرات التونسية إلى الصين.

كما توجد مجالات جديدة واعدة يمكن لتونس تعزيز تعاونها مع الصين فيها، مثل التكنولوجيات الخضراء، الطاقات المتجددة، الصحة، المواد الصيدلانية، مواد البناء، تطوير البنية التحتية، والتجديد الرقمي.

ومع ذلك، يبقى حجم الاستثمار الصيني في تونس منخفضًا نسبيًا، حيث يقدر بنحو 50 مليون دينار تونسي، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم المبادلات التجارية بين البلدين. أما حجم التجارة الثنائية بين تونس والصين، من جانفي إلى أفريل 2023، فقد بلغ 763 مليون دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 12.5%.

المشاريع الصينية في تونس

تساهم الصين بالفعل في عدد من المشاريع الهامة في تونس، من بينها مشروع جسر بنزرت الجديد الذي تنفذه شركة صينية، بالإضافة إلى مشروع تجديد الملعب الأولمبي بالمنزه، ومشروع منجم أم لخشيب للفسفاط. كما أشار السفير الصيني في تونس، في تصريحات إعلامية حديثة، إلى إمكانية مشاركة الصين في مشاريع مستقبلية كبرى في تونس، مثل مشروع توسعة مطار تونس قرطاج، مشروع خط السكة الحديدية السريعة، مشروع ميناء النفيضة للمياه العميقة، وتجديد المنشآت الرياضية. في ظل العجز الكبير في الميزان التجاري بين تونس والصين، يبدو أن تعديل الاتفاقية المشتركة بين البلدين قد يكون خطوة ضرورية لتقليص هذا العجز وتحقيق توازن أكبر في العلاقات التجارية. ومع الإمكانيات الكبيرة المتاحة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، يمكن أن تشكل الصين شريكًا استراتيجيًا هامًا لتونس في السنوات القادمة، مما سيساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام ودعم التوازنات المالية في البلاد.

أهمية العلاقات الاقتصادية لتونس

تعتبر الصين سوقًا هامة لتونس، خاصة في ظل سعي تونس لتنويع شركائها التجاريين والاقتصاديين بعيدًا عن شركائها التقليديين في أوروبا. فتحقيق توازن تجاري مع الصين يمكن أن يسهم في تعزيز الاقتصاد التونسي من خلال زيادة الصادرات وفتح أسواق جديدة للمنتجات التونسية، خاصة في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون مع الصين يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في البنية التحتية والصناعة في تونس. الصين لديها خبرة واسعة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة، وتمتلك القدرة على تقديم التمويل والتكنولوجيا التي يمكن أن تستفيد منها تونس في تطوير مشاريع كبرى مثل الطرق، والموانئ، والطاقة.

خفض العجز التجاري.. ضرورة ملحة

خفض العجز التجاري بين تونس والصين يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه ضروري لضمان استدامة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. لتحقيق هذا الهدف، يمكن لتونس أن تتبنى إستراتيجية متعددة المحاور منها تنويع الصادرات، حيث يجب على تونس التركيز على تنويع صادراتها إلى الصين لتشمل منتجات ذات قيمة مضافة عالية، مثل المنتجات الزراعية العضوية، والزيوت الأساسية، ومنتجات الصناعات التقليدية التي تلقى رواجًا في الأسواق الآسيوية، فضلا عن تحسين جودة المنتجات التونسية، بما يمكن أن تصبح أكثر تنافسية في السوق الصينية. هذا يتطلب الاستثمار في البحث والتطوير، وتحسين معايير الإنتاج.

إضافة الى ذلك، من الضروري تعزيز الجهود الترويجية للمنتجات التونسية في الصين من خلال المعارض التجارية والبعثات الاقتصادية، ويمكن أن يسهم ذلك في زيادة الوعي بالمنتجات التونسية وزيادة الطلب عليها. كما يمكن لتونس أن تسعى إلى إقامة شراكات إستراتيجية مع الشركات الصينية في مجالات التصنيع المشترك أو نقل التكنولوجيا، مما يعزز من قدراتها التصنيعية ويزيد من قيمتها المضافة.

فرص الاستثمار الصيني في تونس

تبرز العديد من القطاعات اليوم التي يمكن أن تكون جاذبة للاستثمار الصيني في تونس. ومن بين هذه القطاعات، قطاع الطاقة المتجددة، حيث تمتلك تونس إمكانيات هائلة في مجال الطاقة الشمسية والرياح. يمكن للشركات الصينية المتخصصة في هذا المجال أن تستثمر في بناء محطات للطاقة الشمسية أو الرياح، مما يعزز من قدرات تونس في الطاقة المتجددة ويقلل من اعتمادها على الوقود الأحفوري، فضلا عن نقل منتجات الفسفاط القابلة للاستغلال في منتجات البطاريات والتي تعول عليها الصين مستقبلا في صناعة السيارات الكهربائية بما يعزز إنتاجها في المستقبل.

وهناك حاجة ماسة إلى تطوير البنية التحتية في تونس، حيث تُعد فرصة كبيرة للاستثمار. يمكن للصين أن تشارك في مشاريع بناء الطرق، والموانئ، والمطارات، مما يعزز من قدرة تونس على جذب الاستثمارات الأجنبية الأخرى.

ومع تزايد الاهتمام العالمي بالتكنولوجيا والابتكار، يمكن للشركات الصينية أن تستثمر في إنشاء مراكز بحث وتطوير في تونس، مما يساهم في نقل التكنولوجيا وتعزيز الابتكار المحلي.

ويمكن للاستثمارات الصينية في تونس، أن تلعب دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد التونسي، حيث يمكن أن يساهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة. إلى جانب ذلك، يمكن للعلاقات الاقتصادية المتينة بين تونس والصين أن تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في تونس من خلال توفير مصادر تمويل جديدة وتخفيف الضغط على الميزانية العامة. كما أن التعاون في مجال الطاقة المتجددة يمكن أن يساعد تونس على تحقيق أهدافها في مجال التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، تبرز العلاقات الاقتصادية مع الصين كفرصة هامة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. ومع ذلك، فإن هذه العلاقات تحتاج إلى إدارة حكيمة لضمان تحقيق فوائد متبادلة للطرفين. تقليص العجز التجاري بين البلدين وتحفيز الاستثمارات الصينية في القطاعات الحيوية لتونس يجب أن يكونا على رأس أولويات الحكومة التونسية في عام 2024 وما بعده من خلال تنويع الصادرات، وتحسين جودة المنتجات، وتعزيز الشراكات الإستراتيجية، ويمكن لتونس انطلاقا من هذا التمشي أن تستفيد من القوة الاقتصادية للصين لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة ومستدامة.

* سفيان المهداوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تزامنا مع زيارة المدوري إلى "بكين".. هل تصبح الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لتونس؟

تونس- الصباح

تعد العلاقات الاقتصادية بين تونس والصين من العلاقات التي شهدت تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، حيث تحولت الصين إلى شريك اقتصادي رئيسي لتونس في مجالات متعددة، بدءًا بالتجارة وصولًا إلى الاستثمار. ومع تزايد أهمية الصين كقوة اقتصادية عالمية، تبرز الحاجة إلى تعميق هذه العلاقات وتوسيعها خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، وتجلى ذلك في زيارة رسمية لرئيس الدولة قيس سعيد في 28 ماي الماضي الى الصين، فضلا عن الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الجديد كمال المدّوري والتي امتدت من 2 إلى 6 سبتمبر 2024، للمشاركة في أشغال قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي. ورافق رئيس الحكومة الى هذه القمة، كل من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، ووزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب، ما يؤكد على تعزيز العلاقات بين الجانبين الى أعلى مستوى.

المبادلات التجارية بين تونس والصين

وتشير البيانات الإحصائية إلى أن المبادلات التجارية بين تونس والصين شهدت نموًا مستمرًا منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1964. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتونس، حيث تستورد تونس من الصين منتجات متنوعة تشمل الأجهزة الإلكترونية، والآلات، والملابس، والمنتجات الكيميائية، بينما تصدر تونس إلى الصين منتجات زراعية، ومواد خام وفسفاط.

ومع ذلك، فإن الميزان التجاري بين البلدين يميل بشكل كبير لصالح الصين، حيث تعاني تونس من عجز تجاري كبير مع الصين. هذا العجز يعزى إلى عدة عوامل، منها قلة تنوع الصادرات التونسية إلى الصين مقارنة بحجم الواردات، مما يفرض على تونس ضرورة البحث عن سبل لتقليص هذا العجز.

ويأتي توقيت الزيارة الرسمية التي يؤديها رئيس الحكومة كمال المدوري الى الصين، في وقت تسعى فيه تونس جاهدة للبحث عن أسواق جديدة وتعزيز التعاون الاقتصادي خارج إطار القارة الأوروبية، التي تعد شريكًا استراتيجيًا تقليديًا لها. تمثل هذه الخطوة، التي تهدف إلى الانفتاح على أسواق جديدة، وخاصة الأسواق الآسيوية، فرصة هامة لتوسيع العلاقات التجارية بين تونس والصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وذلك في ظل الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس.

تعديل الاتفاقية التعاون

قبل هذه الزيارة، ومع بداية عام 2024، وفي سياق قرار الدولة التونسية، تعديل اتفاقية التبادل التجاري مع تركيا، أثارت العلاقات الاقتصادية بين تونس والصين، وخاصة في ما يتعلق بالتبادل التجاري، جدلًا واسعًا داخل الأوساط الاقتصادية التونسية. هذا الجدل يعود إلى العجز الكبير في الميزان التجاري بين البلدين، حيث بلغ العجز التجاري لتونس مع الصين أكثر من 4712 مليون دينار تونسي الى غاية جويلية 2024، وفق أرقام رسمية صادرة عن معهد الإحصاء الوطني، مما جعل الصين تحتل الصدارة في قائمة الدول التي تسجل تونس معها عجزًا تجاريًا.

رغم توقعات البعض بأن تكون الصين أول دولة يتم تعديل اتفاقية التبادل التجاري معها، اختارت تونس في مطلع السنة الحالية تعديل اتفاقيتها مع تركيا، التي تحتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول التي تسجل تونس معها عجزًا تجاريًا. وفي ضوء هذا التحفظ على تعديل الاتفاقية مع الصين، يرى العديد من المراقبين أن الصين قد تصبح شريكًا اقتصاديًا أكبر لتونس في المستقبل القريب، مما قد يعوض عن شركاء آخرين كانت تونس تعتمد عليهم في تعبئة موارد مالية جديدة لميزانيتها العمومية.

مشاركة تونس في أشغال قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي بصفتها بلدًا إفريقيا وعربيًا يتمتع بمكانة خاصة لدى الصين، من المتوقع أن تسفر عن إقامة علاقات اقتصادية جديدة واتفاقيات تعاون في عدة قطاعات تتميز فيها تونس. هذه الاتفاقيات قد تؤدي إلى استثمارات أجنبية جديدة تسهم في تعزيز الاقتصاد التونسي، وهو ما ستكشفه اللقاءات المزمع عقدها على هامش المنتدى.

ولكن الأهم من كل ذلك هو أن تثمر هذه اللقاءات نتائج ملموسة، تصب في صالح تعديل اتفاقية التبادل التجاري بين تونس والصين، وهو أمر حيوي في الوقت الراهن لترجيح الكفة لصالح تونس. فرغم حجم السلع والبضائع الصينية الهائلة التي تغمر الأسواق التونسية وتمثل منافسة قوية حتى للمنتجات المحلية التقليدية، إلا أن صادرات تونس إلى الصين مازالت ضعيفة جدًا، مما يساهم في استمرار العجز التجاري الكبير بين البلدين.

تواجد الصين في الاقتصاد التونسي

تشير الأرقام الأخيرة المتعلقة بالمبادلات التجارية بين تونس والصين إلى وجود إمكانيات كبيرة غير مستغلة بعد. إذ يمكن لتونس أن تزيد من صادراتها إلى السوق الصينية بقيمة تصل إلى 200 مليون دولار أمريكي، أي حوالي 600 مليون دينار تونسي، ما يعادل أربع مرات تقريبًا من قيمة صادراتها الحالية إلى الصين، وفقًا للتوقعات التي وضعها مركز النهوض بالصادرات.

من أبرز فرص التصدير التي يجب على تونس استغلالها وعدم إهدارها هي تلك المتعلقة بمنتجات البحر، والنواقل الكهربائية، إضافة إلى ضرورة الترفيع في حصة صادرات زيت الزيتون إلى الصين، حيث لا تتجاوز نسبة الصادرات الحالية لهذا المنتج 3 % من الحجم الإجمالي للصادرات التونسية إلى الصين.

كما توجد مجالات جديدة واعدة يمكن لتونس تعزيز تعاونها مع الصين فيها، مثل التكنولوجيات الخضراء، الطاقات المتجددة، الصحة، المواد الصيدلانية، مواد البناء، تطوير البنية التحتية، والتجديد الرقمي.

ومع ذلك، يبقى حجم الاستثمار الصيني في تونس منخفضًا نسبيًا، حيث يقدر بنحو 50 مليون دينار تونسي، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم المبادلات التجارية بين البلدين. أما حجم التجارة الثنائية بين تونس والصين، من جانفي إلى أفريل 2023، فقد بلغ 763 مليون دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 12.5%.

المشاريع الصينية في تونس

تساهم الصين بالفعل في عدد من المشاريع الهامة في تونس، من بينها مشروع جسر بنزرت الجديد الذي تنفذه شركة صينية، بالإضافة إلى مشروع تجديد الملعب الأولمبي بالمنزه، ومشروع منجم أم لخشيب للفسفاط. كما أشار السفير الصيني في تونس، في تصريحات إعلامية حديثة، إلى إمكانية مشاركة الصين في مشاريع مستقبلية كبرى في تونس، مثل مشروع توسعة مطار تونس قرطاج، مشروع خط السكة الحديدية السريعة، مشروع ميناء النفيضة للمياه العميقة، وتجديد المنشآت الرياضية. في ظل العجز الكبير في الميزان التجاري بين تونس والصين، يبدو أن تعديل الاتفاقية المشتركة بين البلدين قد يكون خطوة ضرورية لتقليص هذا العجز وتحقيق توازن أكبر في العلاقات التجارية. ومع الإمكانيات الكبيرة المتاحة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، يمكن أن تشكل الصين شريكًا استراتيجيًا هامًا لتونس في السنوات القادمة، مما سيساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام ودعم التوازنات المالية في البلاد.

أهمية العلاقات الاقتصادية لتونس

تعتبر الصين سوقًا هامة لتونس، خاصة في ظل سعي تونس لتنويع شركائها التجاريين والاقتصاديين بعيدًا عن شركائها التقليديين في أوروبا. فتحقيق توازن تجاري مع الصين يمكن أن يسهم في تعزيز الاقتصاد التونسي من خلال زيادة الصادرات وفتح أسواق جديدة للمنتجات التونسية، خاصة في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون مع الصين يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في البنية التحتية والصناعة في تونس. الصين لديها خبرة واسعة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة، وتمتلك القدرة على تقديم التمويل والتكنولوجيا التي يمكن أن تستفيد منها تونس في تطوير مشاريع كبرى مثل الطرق، والموانئ، والطاقة.

خفض العجز التجاري.. ضرورة ملحة

خفض العجز التجاري بين تونس والصين يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه ضروري لضمان استدامة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. لتحقيق هذا الهدف، يمكن لتونس أن تتبنى إستراتيجية متعددة المحاور منها تنويع الصادرات، حيث يجب على تونس التركيز على تنويع صادراتها إلى الصين لتشمل منتجات ذات قيمة مضافة عالية، مثل المنتجات الزراعية العضوية، والزيوت الأساسية، ومنتجات الصناعات التقليدية التي تلقى رواجًا في الأسواق الآسيوية، فضلا عن تحسين جودة المنتجات التونسية، بما يمكن أن تصبح أكثر تنافسية في السوق الصينية. هذا يتطلب الاستثمار في البحث والتطوير، وتحسين معايير الإنتاج.

إضافة الى ذلك، من الضروري تعزيز الجهود الترويجية للمنتجات التونسية في الصين من خلال المعارض التجارية والبعثات الاقتصادية، ويمكن أن يسهم ذلك في زيادة الوعي بالمنتجات التونسية وزيادة الطلب عليها. كما يمكن لتونس أن تسعى إلى إقامة شراكات إستراتيجية مع الشركات الصينية في مجالات التصنيع المشترك أو نقل التكنولوجيا، مما يعزز من قدراتها التصنيعية ويزيد من قيمتها المضافة.

فرص الاستثمار الصيني في تونس

تبرز العديد من القطاعات اليوم التي يمكن أن تكون جاذبة للاستثمار الصيني في تونس. ومن بين هذه القطاعات، قطاع الطاقة المتجددة، حيث تمتلك تونس إمكانيات هائلة في مجال الطاقة الشمسية والرياح. يمكن للشركات الصينية المتخصصة في هذا المجال أن تستثمر في بناء محطات للطاقة الشمسية أو الرياح، مما يعزز من قدرات تونس في الطاقة المتجددة ويقلل من اعتمادها على الوقود الأحفوري، فضلا عن نقل منتجات الفسفاط القابلة للاستغلال في منتجات البطاريات والتي تعول عليها الصين مستقبلا في صناعة السيارات الكهربائية بما يعزز إنتاجها في المستقبل.

وهناك حاجة ماسة إلى تطوير البنية التحتية في تونس، حيث تُعد فرصة كبيرة للاستثمار. يمكن للصين أن تشارك في مشاريع بناء الطرق، والموانئ، والمطارات، مما يعزز من قدرة تونس على جذب الاستثمارات الأجنبية الأخرى.

ومع تزايد الاهتمام العالمي بالتكنولوجيا والابتكار، يمكن للشركات الصينية أن تستثمر في إنشاء مراكز بحث وتطوير في تونس، مما يساهم في نقل التكنولوجيا وتعزيز الابتكار المحلي.

ويمكن للاستثمارات الصينية في تونس، أن تلعب دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد التونسي، حيث يمكن أن يساهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة. إلى جانب ذلك، يمكن للعلاقات الاقتصادية المتينة بين تونس والصين أن تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في تونس من خلال توفير مصادر تمويل جديدة وتخفيف الضغط على الميزانية العامة. كما أن التعاون في مجال الطاقة المتجددة يمكن أن يساعد تونس على تحقيق أهدافها في مجال التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، تبرز العلاقات الاقتصادية مع الصين كفرصة هامة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. ومع ذلك، فإن هذه العلاقات تحتاج إلى إدارة حكيمة لضمان تحقيق فوائد متبادلة للطرفين. تقليص العجز التجاري بين البلدين وتحفيز الاستثمارات الصينية في القطاعات الحيوية لتونس يجب أن يكونا على رأس أولويات الحكومة التونسية في عام 2024 وما بعده من خلال تنويع الصادرات، وتحسين جودة المنتجات، وتعزيز الشراكات الإستراتيجية، ويمكن لتونس انطلاقا من هذا التمشي أن تستفيد من القوة الاقتصادية للصين لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة ومستدامة.

* سفيان المهداوي