بعد المدرسة وغياب وسائل النقل وانعدام البنية التحتية والطرقات غير المعبّدة في مناطق ذات تضاريس صعبة، ليست فقط محنة تتكرّر مع كل عودة مدرسية وترهق العائلات والتلاميذ في الكثير من الأرياف والمناطق الجبلية والحدودية النائية، ولكنها أيضا من بين أبرز أسباب ظاهرة الانقطاع المبكّر عن الدراسة والذي مازال معضلة وشوكة في حلق النظام التربوي خاصة مع الارتفاع المتواصل في أعداد المنقطعين ..
ويزداد الأمر سوءا في الشتاء حيث تنقطع السبل بآلاف التلاميذ.. الذين ينقطع بعضهم عن الدراسة مكرها لأيام وأحيانا لأسابيع، بما يؤثر سلبا على درجات التحصيل العلمي والمستوى المعرفي للتلاميذ، ولعل ذلك من الأسباب التي دفعت عديد الجمعيات وبعض المؤسسات الاقتصادية الوطنية وبالاتفاق مع وزارة الى جعل النقل المدرسي من مواضيع العمل المشترك، بالمراهنة على ضرورة تحسين واقع هذا النقل المدرسي وتجويد خدماته حتى يستطيع آلاف التلاميذ في المناطق البعيدة والنائية الوصول الى مدارسهم ومعاهدهم في ظروف ملائمة .
معاناة متواصلة
في أرياف الولايات الحدودية خاصة أين تشتد صعوبة التضاريس، مثل جندوبة والكاف وسليانة والقصرين وقبلي وبعض الولايات الداخلية الأخرى كالقيروان وسيدي بوزيد وغيرها، كان ملف النقل المدرسي من الملفات الحارقة والتي مازالت محلّ تذمّر متواصل من الأولياء رغم بعض المجهودات المبذولة من الوزارة أو من المجتمع المدني وبعض المؤسسات الاقتصادية التي تخصّص جزءا من مساهمتها الاجتماعية في النهوض بقطاع النقل المدرسي، حتى لا يضطّر الأولياء لنقل أبنائهم في عربات نقل غير آمنة وبتكاليف باهظة أو حتى لا يضطرون الى إجبار أبنائهم على الانقطاع وترك المدرسة أو المعهد !
وفي هذا السياق أكّد البنك الفلاحي أول أمس وفي إطار برامجه الاجتماعية انه جدّد الشراكة مع وزارة التربية للموسم الدراسي القادم وتعهّد بالتكفّل بمصاريف نقل 2000 تلميذ في المناطق الريفية وذلك في إطار ما وصفه البنك في بلاغه بـ"مسؤوليته المجتمعية" ومساهمته في توفير سبل النجاح لجميع التونسيين وخاصة في المناطق النائية ومكافحته..
كما أفاد البنك الفلاحي الذي يعدّ من ابرز البنوك العمومية انه سيواصل دعم مشاريع إعادة تأهيل المدارس الابتدائية ورياض الأطفال العمومية ودعم الأجيال القادمة من أجل مستقبل أفضل .
وإذا كان عدد من المؤسسات الاقتصادية الكبرى ساهمت وتساهم في إطار عملها الاجتماعي ومساهمتها المجتمعية في النهوض في بالفضاء التربوي في مناطق مختلفة من الجمهورية وتهيئة بيئة مناسبة للتمدرس إلا أن عددا هاما من الجمعيات ونشطاء المجتمع المدني ساهموا خلال كل السنوات الماضية في تسهيل حياة التلاميذ خاصة في الأرياف سواء باقتناء حافلات لنقلهم أو حتى بالاتفاق مع سيارات النقل الريفي في المسالك الجبلية الصعبة على نقل هؤلاء التلاميذ وهي تجربة كانت ناجحة الى حدّ كبير في أكثر من منطقة وساهمت في تذليل صعوبات التنقّل..
ومن بين الجمعيات التي نشطت بقوة في مجال نقل التلاميذ جمعية "المدنية" حيث اشتغلت على النقل المدرسي المجاني لفائدة أبناء المناطق الريفية في أكثر من جهة من جهات الجمهورية ومنها ولاية منوبة
وفي السنة الماضية جدّدت اتصالات تونس في إطار نشاطها الاجتماعي مع جمعية «المدنيّة» عقد الشراكة الذي بينهما لمدة 3 سنوات وهو بالتالي ساري المفعول لهذه العودة المدرسية وللسنة القادمة أيضا، وهذا التعاون متواصل مع الجمعية للسنة العاشرة على التوالي، حيث استفاد من برنامج هذا التعاون آلاف الطلبة بكامل تراب الجمهورية وحلّ هذا التعاون مشاكل عويصة في قطاع النقل المدرسي المجاني .
وقد أكّد رئيس مدير عام اتصالات تونس عند إمضاء الاتفاق مع جمعية "المدنية" انه "من خلال برنامج «فاطمة» لتوفير النقل المدرسي لتلاميذ الجهات النائية أمكن الحد بصفة كبيرة من الانقطاع المدرسي الذي تقلّص من 45 بالمائة الى 0.5 في ظرف أربع سنوات وذلك من خلال التمكّن من نقل آلاف التلاميذ ..
ولا يمكن إنكار أن هذه المجهودات وغيرها من المبادرات الكثيرة في نفس السياق، ساهمت بشكل كبير في حلّ معضلة النقل وفي فكّ عزلة آلاف التلاميذ والحيلولة دون الانقطاع عن الدراسة، إلا أن هذه المجهودات وحدها غير كافية، حيث أن الوزارة مطالبة بوضع خطة عمل تقوم على تحديد احتياجات تلك المناطق في علاقة بالنقل المدرسي بشكل كامل وبعد تحديد الاحتياجات فإن كل المؤسسات الاقتصادية وفي إطار برامجها الاجتماعية مطالبة بتمويل ولو جزء من تلك الاحتياجات خاصة وأن الدولة لوحدها غير قادرة اليوم بالنظر الى الظرف الاقتصادي على تلبية كل الاحتياجات، ولكن بناء أجيال للمستقبل تبقى أولوية لا تحتاج التأجيل وتتطلبّ تدخلات سريعة من جميع الأطراف الرسمية والمدنية والاقتصادية .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
بعد المدرسة وغياب وسائل النقل وانعدام البنية التحتية والطرقات غير المعبّدة في مناطق ذات تضاريس صعبة، ليست فقط محنة تتكرّر مع كل عودة مدرسية وترهق العائلات والتلاميذ في الكثير من الأرياف والمناطق الجبلية والحدودية النائية، ولكنها أيضا من بين أبرز أسباب ظاهرة الانقطاع المبكّر عن الدراسة والذي مازال معضلة وشوكة في حلق النظام التربوي خاصة مع الارتفاع المتواصل في أعداد المنقطعين ..
ويزداد الأمر سوءا في الشتاء حيث تنقطع السبل بآلاف التلاميذ.. الذين ينقطع بعضهم عن الدراسة مكرها لأيام وأحيانا لأسابيع، بما يؤثر سلبا على درجات التحصيل العلمي والمستوى المعرفي للتلاميذ، ولعل ذلك من الأسباب التي دفعت عديد الجمعيات وبعض المؤسسات الاقتصادية الوطنية وبالاتفاق مع وزارة الى جعل النقل المدرسي من مواضيع العمل المشترك، بالمراهنة على ضرورة تحسين واقع هذا النقل المدرسي وتجويد خدماته حتى يستطيع آلاف التلاميذ في المناطق البعيدة والنائية الوصول الى مدارسهم ومعاهدهم في ظروف ملائمة .
معاناة متواصلة
في أرياف الولايات الحدودية خاصة أين تشتد صعوبة التضاريس، مثل جندوبة والكاف وسليانة والقصرين وقبلي وبعض الولايات الداخلية الأخرى كالقيروان وسيدي بوزيد وغيرها، كان ملف النقل المدرسي من الملفات الحارقة والتي مازالت محلّ تذمّر متواصل من الأولياء رغم بعض المجهودات المبذولة من الوزارة أو من المجتمع المدني وبعض المؤسسات الاقتصادية التي تخصّص جزءا من مساهمتها الاجتماعية في النهوض بقطاع النقل المدرسي، حتى لا يضطّر الأولياء لنقل أبنائهم في عربات نقل غير آمنة وبتكاليف باهظة أو حتى لا يضطرون الى إجبار أبنائهم على الانقطاع وترك المدرسة أو المعهد !
وفي هذا السياق أكّد البنك الفلاحي أول أمس وفي إطار برامجه الاجتماعية انه جدّد الشراكة مع وزارة التربية للموسم الدراسي القادم وتعهّد بالتكفّل بمصاريف نقل 2000 تلميذ في المناطق الريفية وذلك في إطار ما وصفه البنك في بلاغه بـ"مسؤوليته المجتمعية" ومساهمته في توفير سبل النجاح لجميع التونسيين وخاصة في المناطق النائية ومكافحته..
كما أفاد البنك الفلاحي الذي يعدّ من ابرز البنوك العمومية انه سيواصل دعم مشاريع إعادة تأهيل المدارس الابتدائية ورياض الأطفال العمومية ودعم الأجيال القادمة من أجل مستقبل أفضل .
وإذا كان عدد من المؤسسات الاقتصادية الكبرى ساهمت وتساهم في إطار عملها الاجتماعي ومساهمتها المجتمعية في النهوض في بالفضاء التربوي في مناطق مختلفة من الجمهورية وتهيئة بيئة مناسبة للتمدرس إلا أن عددا هاما من الجمعيات ونشطاء المجتمع المدني ساهموا خلال كل السنوات الماضية في تسهيل حياة التلاميذ خاصة في الأرياف سواء باقتناء حافلات لنقلهم أو حتى بالاتفاق مع سيارات النقل الريفي في المسالك الجبلية الصعبة على نقل هؤلاء التلاميذ وهي تجربة كانت ناجحة الى حدّ كبير في أكثر من منطقة وساهمت في تذليل صعوبات التنقّل..
ومن بين الجمعيات التي نشطت بقوة في مجال نقل التلاميذ جمعية "المدنية" حيث اشتغلت على النقل المدرسي المجاني لفائدة أبناء المناطق الريفية في أكثر من جهة من جهات الجمهورية ومنها ولاية منوبة
وفي السنة الماضية جدّدت اتصالات تونس في إطار نشاطها الاجتماعي مع جمعية «المدنيّة» عقد الشراكة الذي بينهما لمدة 3 سنوات وهو بالتالي ساري المفعول لهذه العودة المدرسية وللسنة القادمة أيضا، وهذا التعاون متواصل مع الجمعية للسنة العاشرة على التوالي، حيث استفاد من برنامج هذا التعاون آلاف الطلبة بكامل تراب الجمهورية وحلّ هذا التعاون مشاكل عويصة في قطاع النقل المدرسي المجاني .
وقد أكّد رئيس مدير عام اتصالات تونس عند إمضاء الاتفاق مع جمعية "المدنية" انه "من خلال برنامج «فاطمة» لتوفير النقل المدرسي لتلاميذ الجهات النائية أمكن الحد بصفة كبيرة من الانقطاع المدرسي الذي تقلّص من 45 بالمائة الى 0.5 في ظرف أربع سنوات وذلك من خلال التمكّن من نقل آلاف التلاميذ ..
ولا يمكن إنكار أن هذه المجهودات وغيرها من المبادرات الكثيرة في نفس السياق، ساهمت بشكل كبير في حلّ معضلة النقل وفي فكّ عزلة آلاف التلاميذ والحيلولة دون الانقطاع عن الدراسة، إلا أن هذه المجهودات وحدها غير كافية، حيث أن الوزارة مطالبة بوضع خطة عمل تقوم على تحديد احتياجات تلك المناطق في علاقة بالنقل المدرسي بشكل كامل وبعد تحديد الاحتياجات فإن كل المؤسسات الاقتصادية وفي إطار برامجها الاجتماعية مطالبة بتمويل ولو جزء من تلك الاحتياجات خاصة وأن الدولة لوحدها غير قادرة اليوم بالنظر الى الظرف الاقتصادي على تلبية كل الاحتياجات، ولكن بناء أجيال للمستقبل تبقى أولوية لا تحتاج التأجيل وتتطلبّ تدخلات سريعة من جميع الأطراف الرسمية والمدنية والاقتصادية .