إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم التسهيلات.. والمراهنة على نجاحه.. الصلح الجزائي ما زال يراوح مكانه .. !

 

تونس – الصباح

شهد ملف الصلح الجزائي، منذ صدور المرسوم عدد 13 لسنة 2022 والمتعلّق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، على مستوى الإجراءات والقرارات تطورات ومستجدات ولكن على مستوى النتائج والمآلات مازال الملف يراوح مكانه رغم التمديد في عمل اللجنة المكلفة بالصلح الجزائي وتغيير تركيبتها أكثر من مرة، وحرص رئيس الدولة المباشر على ضرورة أن تحقق هذه اللجنة نتائج عملية وتستعيد الأموال التي تم نهبها من المال العام واسترجاعها لخزينة الدولة وتوظيف عائداتها في مشاريع تنموية تكرّس العدالة الاجتماعية .

حسب المرسوم المنظّم لعمل لجنة الصلح الجزائي قبل تنقيحه، فإن عمل اللجنة انتهى في نوفمبر الماضي بعد التمديد لها بستّة أشهر، ثم بعد ذلك تم تنقيح القانون وتشكيل لجنة جديدة في مارس الماضي، ورغم أنه في تنقيح القانون حاول المشرّع تذليل أغلب الصعوبات الإجرائية ومنحها كل الوسائل القانونية للقيام بعملها بشكل ناجز وناجع، إلا أنه إلى اليوم لم تظهر نتائج هذا العمل ولم يتم الإعلان عن أي عائدات حققتها اللجنة من العائدات المتوقعة والتي قدّرت في وقت سابق بـ13 مليار دينار .

تعود فكرة لجنة الصلح الجزائي الى مقترح تقدّم به رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل توليه الرئاسة وتحديدا في سنة 2012 حيث اقترح إبرام صلح جزائي مع المتورطين ويكون ذلك في إطار قضائي، حيث يتم ترتيب المعنيين ترتيبا تنازليا، حسب المبالغ المحكوم بها عليهم ويتم ترتيب المعتمديات ترتيبا تنازليا، من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا، ويتعهد كل محكوم عليه بإنجاز المشاريع التي يطالب بها الأهالي في كل معتمدية (طرق، مؤسسات استشفائية، مؤسسات تربوية) وذلك تحت إشراف لجان جهوية تتولى المراقبة والتنسيق. على أن لا يتم إبرام الصلح النهائي إلا بعد أن يقدم المعني بالأمر ما يفيد إنجازه للمشاريع في حدود المبالغ المحكوم بها عليه.

وعلى هذا الأساس انبنى مسار الصلح الجزائي الذي شهد تغييرات على مستوى تنقيح القانون المنظّم لهذا المسار وعلى مستوى أعضاء اللجنة ليستقرّ الأمر في الأخير على التركيبة الحالية للجنة والتي أدّى أعضاؤها الجدد اليمين أمام رئيس الجمهورية موفى مارس الماضي وفي ذلك الموكب انتقد رئيس الجمهورية مجددا طول مسار التقاضي المتعلق بالفساد وامتداد مرحلة الاستماع في بعض القضايا على أكثر من 14 شهرا رغم توفر قرائن الإدانة، وهو ما يعيق تقدّم أعمال المحاسبة والمصالحة بعد ذلك، خاصة وأن رئيس الجمهورية يراهن على أن تسوية ملف الصلح الجزائي من شأنه أن يوفر لخزينة الدولة إيرادات مالية هامة تساعدها على مواجهة الأزمة الاقتصادية وتجنبها الالتجاء إلى الجهات الدولية المانحة بحثا عن قروض..

ورغم رهان الدولة وحرص رئاسة الجمهورية على إنجاز مسار الصلح الجزائي إلا أن هناك من ينتقد هذا المسار ويعتبر أن الصلح الجزائي لا يمكن أن يعيد الأموال المنهوبة أو يعيد التوازنات المالية للخزينة العامة وحلّ مشاكل البلاد الاقتصادية، وأن هذا الصلح كان يمكن أن ينجح في السنوات التي تلت الثورة مباشرة ولكن اليوم من الصعب أن ينجح لعدة اعتبارات ..

 

حرص على إنجاح الصلح الجزائي

كان حرص رئيس الجمهورية واضحا على إنجاح ملف الصلح الجزائي وفي استقباله الأخير لرئيسة اللجنة الوطنية للصلح الجزائي مع موفى شهر ماي المنقضي، أكّد رئيس الجمهورية على أن الدولة التونسية لا تسعى إلى التنكيل بأحد ولكنها تسعى إلى استرجاع حق الشعب في الأموال والمقدّرات التي نُهبت منه، مع إعطاء فرصة جديدة للمعنيين بالصلح الجزائي للعودة إلى سالف عملهم آمنين بعيدا عن كل ابتزاز.. وذلك لمحاولة طمأنة رجال الأعمال بضرورة القبول بالصلح الجزائي لأن اليوم ليس هناك بديل آخر، علما أن اليوم عدد من رجال الأعمال ملاحقون قضائيا بتهم مختلفة ذات طابع مالي واقتصادي وبعضهم في السجن، وقبولهم بالصلح الجزائي هو بمثابة الفرصة الثانية لاستعادة نشاطهم الاقتصادي على أن يقبلوا بالصلح .

وإلى جانب تنقيح القانون كان هناك حرص رسمي أيضا لتسهيل عمل اللجنة من طرف الحكومة حيث نصّ المنشور الحكومي عدد 09 لسنة 2023 على ضرورة  تمكين اللجنة الوطنية للصلح الجزائي من الملفات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية وبالأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت عنها منافع غير شرعية والتي أنتجت ضررا ماليا بالدولة .

وقد نصّ المنشور على ضرورة تمكين اللجنة الوطنية للصلح الجزائي عند كل طلب من جميع المعلومات والمعطيات والوثائق وغيرها من المؤيدات المتصلة بمطلب الصلح الجزائي دون مجابهتها بالسر المهني أو بحماية المعطيات الشخصية أو سرية الأبحاث الجزائية وعلى الجهة المطلوبة أن تجيبها على الطلب في أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ توصلها بالمطلب، وذلك بمجالات كالمال العام وملك الدولة العام والخاص والرشوة وغسيل الأموال والجباية والديوانة والصرف والسوق المالية والمؤسسات المالية. وقد تم تعميم هذا المنشور الحكومي على كل مصالح وأجهزة الدولة.

إشكاليات وصعوبات

رغم هذا الحرص الرسمي ومحاولة تذليل كل العقبات إلا أنه الى اليوم لم يتم الإعلام عن تنفيذ أي اتفاق لهذا الصلح الجزائي يستطيع تحقيق عائدات للدولة ومازالت أغلب الملفات لم تكتمل بعد لتكون جاهزة لإبرام الصلح رغم كل التسهيلات الإجرائية، إلا أن عدة مختصين يرون أن هناك موافقة من عدد من رجال الأعمال للانخراط في هذا الصلح الجزائي ولكن الأمر يستدعي إطلاق سراح من أبدى استعدادا للانخراط في هذا الصلح ورفع التجميد على ممتلكاته وبعد ذلك في حال عدم الالتزام باتفاق الصلح وفق المبلغ المقترح والمدة الزمنية تتم مصادرة أملاك المتهرّب من الصلح الجزائي .

وبصرف النظر عن وجاهة هذا المقترح من عدمه فإن لجنة الصلح الجزائي مطالبة بإنارة الرأي العام حول ما توصلت له من نتائج الى اليوم وكذلك توضيح مآلات هذا المسار الذي رافقته تطلعات كبيرة ولكنه الى اليوم مازال دون نتائج على أرض الواقع، خاصة وأن الوضع الاقتصادي يحتاج الى موارد تمويل جديدة .

منية العرفاوي

رغم التسهيلات.. والمراهنة على نجاحه..   الصلح الجزائي ما زال يراوح مكانه .. !

 

تونس – الصباح

شهد ملف الصلح الجزائي، منذ صدور المرسوم عدد 13 لسنة 2022 والمتعلّق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، على مستوى الإجراءات والقرارات تطورات ومستجدات ولكن على مستوى النتائج والمآلات مازال الملف يراوح مكانه رغم التمديد في عمل اللجنة المكلفة بالصلح الجزائي وتغيير تركيبتها أكثر من مرة، وحرص رئيس الدولة المباشر على ضرورة أن تحقق هذه اللجنة نتائج عملية وتستعيد الأموال التي تم نهبها من المال العام واسترجاعها لخزينة الدولة وتوظيف عائداتها في مشاريع تنموية تكرّس العدالة الاجتماعية .

حسب المرسوم المنظّم لعمل لجنة الصلح الجزائي قبل تنقيحه، فإن عمل اللجنة انتهى في نوفمبر الماضي بعد التمديد لها بستّة أشهر، ثم بعد ذلك تم تنقيح القانون وتشكيل لجنة جديدة في مارس الماضي، ورغم أنه في تنقيح القانون حاول المشرّع تذليل أغلب الصعوبات الإجرائية ومنحها كل الوسائل القانونية للقيام بعملها بشكل ناجز وناجع، إلا أنه إلى اليوم لم تظهر نتائج هذا العمل ولم يتم الإعلان عن أي عائدات حققتها اللجنة من العائدات المتوقعة والتي قدّرت في وقت سابق بـ13 مليار دينار .

تعود فكرة لجنة الصلح الجزائي الى مقترح تقدّم به رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل توليه الرئاسة وتحديدا في سنة 2012 حيث اقترح إبرام صلح جزائي مع المتورطين ويكون ذلك في إطار قضائي، حيث يتم ترتيب المعنيين ترتيبا تنازليا، حسب المبالغ المحكوم بها عليهم ويتم ترتيب المعتمديات ترتيبا تنازليا، من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا، ويتعهد كل محكوم عليه بإنجاز المشاريع التي يطالب بها الأهالي في كل معتمدية (طرق، مؤسسات استشفائية، مؤسسات تربوية) وذلك تحت إشراف لجان جهوية تتولى المراقبة والتنسيق. على أن لا يتم إبرام الصلح النهائي إلا بعد أن يقدم المعني بالأمر ما يفيد إنجازه للمشاريع في حدود المبالغ المحكوم بها عليه.

وعلى هذا الأساس انبنى مسار الصلح الجزائي الذي شهد تغييرات على مستوى تنقيح القانون المنظّم لهذا المسار وعلى مستوى أعضاء اللجنة ليستقرّ الأمر في الأخير على التركيبة الحالية للجنة والتي أدّى أعضاؤها الجدد اليمين أمام رئيس الجمهورية موفى مارس الماضي وفي ذلك الموكب انتقد رئيس الجمهورية مجددا طول مسار التقاضي المتعلق بالفساد وامتداد مرحلة الاستماع في بعض القضايا على أكثر من 14 شهرا رغم توفر قرائن الإدانة، وهو ما يعيق تقدّم أعمال المحاسبة والمصالحة بعد ذلك، خاصة وأن رئيس الجمهورية يراهن على أن تسوية ملف الصلح الجزائي من شأنه أن يوفر لخزينة الدولة إيرادات مالية هامة تساعدها على مواجهة الأزمة الاقتصادية وتجنبها الالتجاء إلى الجهات الدولية المانحة بحثا عن قروض..

ورغم رهان الدولة وحرص رئاسة الجمهورية على إنجاز مسار الصلح الجزائي إلا أن هناك من ينتقد هذا المسار ويعتبر أن الصلح الجزائي لا يمكن أن يعيد الأموال المنهوبة أو يعيد التوازنات المالية للخزينة العامة وحلّ مشاكل البلاد الاقتصادية، وأن هذا الصلح كان يمكن أن ينجح في السنوات التي تلت الثورة مباشرة ولكن اليوم من الصعب أن ينجح لعدة اعتبارات ..

 

حرص على إنجاح الصلح الجزائي

كان حرص رئيس الجمهورية واضحا على إنجاح ملف الصلح الجزائي وفي استقباله الأخير لرئيسة اللجنة الوطنية للصلح الجزائي مع موفى شهر ماي المنقضي، أكّد رئيس الجمهورية على أن الدولة التونسية لا تسعى إلى التنكيل بأحد ولكنها تسعى إلى استرجاع حق الشعب في الأموال والمقدّرات التي نُهبت منه، مع إعطاء فرصة جديدة للمعنيين بالصلح الجزائي للعودة إلى سالف عملهم آمنين بعيدا عن كل ابتزاز.. وذلك لمحاولة طمأنة رجال الأعمال بضرورة القبول بالصلح الجزائي لأن اليوم ليس هناك بديل آخر، علما أن اليوم عدد من رجال الأعمال ملاحقون قضائيا بتهم مختلفة ذات طابع مالي واقتصادي وبعضهم في السجن، وقبولهم بالصلح الجزائي هو بمثابة الفرصة الثانية لاستعادة نشاطهم الاقتصادي على أن يقبلوا بالصلح .

وإلى جانب تنقيح القانون كان هناك حرص رسمي أيضا لتسهيل عمل اللجنة من طرف الحكومة حيث نصّ المنشور الحكومي عدد 09 لسنة 2023 على ضرورة  تمكين اللجنة الوطنية للصلح الجزائي من الملفات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية وبالأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت عنها منافع غير شرعية والتي أنتجت ضررا ماليا بالدولة .

وقد نصّ المنشور على ضرورة تمكين اللجنة الوطنية للصلح الجزائي عند كل طلب من جميع المعلومات والمعطيات والوثائق وغيرها من المؤيدات المتصلة بمطلب الصلح الجزائي دون مجابهتها بالسر المهني أو بحماية المعطيات الشخصية أو سرية الأبحاث الجزائية وعلى الجهة المطلوبة أن تجيبها على الطلب في أجل أقصاه عشرة أيام من تاريخ توصلها بالمطلب، وذلك بمجالات كالمال العام وملك الدولة العام والخاص والرشوة وغسيل الأموال والجباية والديوانة والصرف والسوق المالية والمؤسسات المالية. وقد تم تعميم هذا المنشور الحكومي على كل مصالح وأجهزة الدولة.

إشكاليات وصعوبات

رغم هذا الحرص الرسمي ومحاولة تذليل كل العقبات إلا أنه الى اليوم لم يتم الإعلام عن تنفيذ أي اتفاق لهذا الصلح الجزائي يستطيع تحقيق عائدات للدولة ومازالت أغلب الملفات لم تكتمل بعد لتكون جاهزة لإبرام الصلح رغم كل التسهيلات الإجرائية، إلا أن عدة مختصين يرون أن هناك موافقة من عدد من رجال الأعمال للانخراط في هذا الصلح الجزائي ولكن الأمر يستدعي إطلاق سراح من أبدى استعدادا للانخراط في هذا الصلح ورفع التجميد على ممتلكاته وبعد ذلك في حال عدم الالتزام باتفاق الصلح وفق المبلغ المقترح والمدة الزمنية تتم مصادرة أملاك المتهرّب من الصلح الجزائي .

وبصرف النظر عن وجاهة هذا المقترح من عدمه فإن لجنة الصلح الجزائي مطالبة بإنارة الرأي العام حول ما توصلت له من نتائج الى اليوم وكذلك توضيح مآلات هذا المسار الذي رافقته تطلعات كبيرة ولكنه الى اليوم مازال دون نتائج على أرض الواقع، خاصة وأن الوضع الاقتصادي يحتاج الى موارد تمويل جديدة .

منية العرفاوي