إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

جملة اعتراضية.. ليتنا..

 

يكفي ان نتابع ردود الأفعال حول مشاركة الفنانة سيلين ديون في حفل افتتاح الدورة الجديدة للألعاب الأولمبية بباريس( 26 جويلية) حتى ندرك حجم الفرق بين من يحترم الابداع ويقدر المبدع وبين من يعتبر الفن والثقافة عموما بلا قيمة.

كل الكلمات التي دوّنها أصحابها كانت بليغة جدا ومؤثرة جدا الى حد البكاء، مع العلم ان كثيرين قالوا انهم بكوا عندما سمعوا سيلين ديون تصدح بصوتها في حفل افتتاح "الاولمبياد " وندرك انهم صادقون في ذلك. فتقدير الفنان والاعتراف بفضله، بل والاعتراف له عن كل لحظة شعر فيها المتلقي بالسعادة، ثقافة متأصلة لدى شعوب متحضرة وذات ذائقة فنية متميزة.

ولا يقتصر الأمر على الفنانة سيلين ديون وان كانت النجمة الكندية ذات الشهرة العالمية لها مكانة خاصة جدا وجمهورها يتوزع على القارات الخمس لصوتها الرخيم واغانيها الراقية وحضورها الملفت، وانما هو قانون يسري على الجميع وقلما نلاحظ محاولات للتقليل من شأن أسماء كبرى مهما شاخت وذلك على خلاف ما يحدث عندنا، اذ بمجرد ان تظهر آثار السنين على الفنان وخاصة على الفنانة- فهي في النهاية امرأة وكم حظ المرأة لدى الشعوب المتخلفة التي تدعي الطهوريّة والتقرب من الله قليل- حتى يكون الفنان او الفنانة عرضة للتنمر والضغط الشديد.

صحيح، كانت موجة التعاطف مع سيلين ديون كبيرة وهي التي عانت في السنوات الأخيرة من مرض نادر حال دون صعودها على الركح ومنعها من الغناء وظهرت في عدة مواقف وهي ضعيفة وحزينة ومتألمة وباكية، وبالتالي استقبلت في باريس بأحضان مفتوحة وكان لمشاركتها في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية صدى قويا، لكن تلك هي العادة في البلدان التي تقدر الفنان والمبدع وهو لديها صاحب حضور وهيبة وليتنا نبلغ في يوم ما هذه المرحلة.

وفي الانتظار، كيف هو الحال عندنا؟

طبعا نعرف الإجابة مسبقا، ولكن لا بد من طرح السؤال باستمرار، لأنه ليس من العادي وليس من الطبيعي ان يستمر الامر على ما هو عليه وان نظل في حرب مستمرة- بوعي ودون وعي أحيانا- ضد المبدع ونسعى لتبخيس عمله وتبخيسه هو شخصيا ان لزم الامر دون أدني تحفظات وبرغبة واضحة في التشفي أحيانا. وليس من المعقول ان يستمر الوضع وان يظل الفنان، مطربا كان او مسرحيا، او سينمائيا، او فنانا تشكيليا، أو غيره، عرضة لكل الوان التنمر وكأن المجتمع يبحث عمن يحمله مسؤولية كل آلامه. ليس هذا فحسب، بل نلاحظ ان الأمور تتفاقم مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت، مع وجود استثناءات طبعا، وسائل للتنكيل بالناس أكثر منه لترويج المعلومة.

ربما لا يكون لطفي بوشناق أفضل فنان عرفه التاريخ ويمكن ان يحدث مانع يجعل الفنان زياد غرسة ليس في أفضل حالاته في عرض من عروضه الحية وهي كثيرة. لكن كل ذلك لا يبرر العبارات التي تقطر كراهية التي انهالت عليهما هذه الأيام. الأول لأنه وفق البعض ليس مؤهلا ليحي حفل افتتاح مهرجان قرطاج وليس من حقه ان يكون مرفوقا بنجليه على الرغم من انهما اثبتا جدارتهما بالانتماء لعالم الفن، والثاني لأنه لم يقدم سهرة كاملة الاوصاف في مهرجان قرطاج، فكان ذلك كافيا للتشكيك فيه وفي احقيته في الوجود على مسرح قرطاج رغم ان العرض واكبته جماهير غفيرة وأثنى البعض على أدائه وقالوا انه قدم المطلوب.

لا نعتبر طبعا ان لطفي بوشناق رغم انه نحت اسمه على امتداد عقود من العمل وصار له جمهور كبير في تونس وفي عدة بلدان عربية وكون رصيدا مهما من الأغاني المتنوعة التي يرى الكثيرون خاصة من التونسيين أنفسهم من خلالها وهي النابعة من البيئة التونسية، لا نعتبره ارفع من النقد، ولكن ليت كل ما استمعنا اليه يدخل في خانة النقد ولا تحرك أصحابه غايات اخرى. وليت الصرامة التي يتحدث بها بعض المتابعين لعرض زياد غرسة أحد أبرز حراس قلعة المالوف، هذا الإرث الموسيقي المحبوب الذي يعبر عنا أكثر مما تعبر عنا كتب التاريخ، يطبقونها على أنفسهم، لما وجدنا انفسنا في هذا الوضع البائس.

لا نحبذ المقارنات وندرك ان سيلين ديون في موقع لا يرقى له الكثيرون في الشرق والغرب فهي فنانة استثنائية جديرة بكل أنواع الاحترام والتقدير والتبجيل، ولكننا نتحدث عن ثقافة نفتقر اليها كثيرا وهي ثقافة الاحترام وتقدير المجهود والاعتراف للناس. بل على العكس وكما هو واضح فإن ثقافتنا تقوم على التنمّر والتطاول ومثلما هي عادة الشعوب المتخلفة، فإنها كثيرا ما تستهدف الكائنات الهشة واولهم الفنان، الذي يظل، ولا نعمم طبعا، كائنا هشا رغم كل الهالة التي يمكن ان تحيط به ورغم النجاح وأضواء الشهرة.

 حياة السايب

 

جملة اعتراضية..   ليتنا..

 

يكفي ان نتابع ردود الأفعال حول مشاركة الفنانة سيلين ديون في حفل افتتاح الدورة الجديدة للألعاب الأولمبية بباريس( 26 جويلية) حتى ندرك حجم الفرق بين من يحترم الابداع ويقدر المبدع وبين من يعتبر الفن والثقافة عموما بلا قيمة.

كل الكلمات التي دوّنها أصحابها كانت بليغة جدا ومؤثرة جدا الى حد البكاء، مع العلم ان كثيرين قالوا انهم بكوا عندما سمعوا سيلين ديون تصدح بصوتها في حفل افتتاح "الاولمبياد " وندرك انهم صادقون في ذلك. فتقدير الفنان والاعتراف بفضله، بل والاعتراف له عن كل لحظة شعر فيها المتلقي بالسعادة، ثقافة متأصلة لدى شعوب متحضرة وذات ذائقة فنية متميزة.

ولا يقتصر الأمر على الفنانة سيلين ديون وان كانت النجمة الكندية ذات الشهرة العالمية لها مكانة خاصة جدا وجمهورها يتوزع على القارات الخمس لصوتها الرخيم واغانيها الراقية وحضورها الملفت، وانما هو قانون يسري على الجميع وقلما نلاحظ محاولات للتقليل من شأن أسماء كبرى مهما شاخت وذلك على خلاف ما يحدث عندنا، اذ بمجرد ان تظهر آثار السنين على الفنان وخاصة على الفنانة- فهي في النهاية امرأة وكم حظ المرأة لدى الشعوب المتخلفة التي تدعي الطهوريّة والتقرب من الله قليل- حتى يكون الفنان او الفنانة عرضة للتنمر والضغط الشديد.

صحيح، كانت موجة التعاطف مع سيلين ديون كبيرة وهي التي عانت في السنوات الأخيرة من مرض نادر حال دون صعودها على الركح ومنعها من الغناء وظهرت في عدة مواقف وهي ضعيفة وحزينة ومتألمة وباكية، وبالتالي استقبلت في باريس بأحضان مفتوحة وكان لمشاركتها في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية صدى قويا، لكن تلك هي العادة في البلدان التي تقدر الفنان والمبدع وهو لديها صاحب حضور وهيبة وليتنا نبلغ في يوم ما هذه المرحلة.

وفي الانتظار، كيف هو الحال عندنا؟

طبعا نعرف الإجابة مسبقا، ولكن لا بد من طرح السؤال باستمرار، لأنه ليس من العادي وليس من الطبيعي ان يستمر الامر على ما هو عليه وان نظل في حرب مستمرة- بوعي ودون وعي أحيانا- ضد المبدع ونسعى لتبخيس عمله وتبخيسه هو شخصيا ان لزم الامر دون أدني تحفظات وبرغبة واضحة في التشفي أحيانا. وليس من المعقول ان يستمر الوضع وان يظل الفنان، مطربا كان او مسرحيا، او سينمائيا، او فنانا تشكيليا، أو غيره، عرضة لكل الوان التنمر وكأن المجتمع يبحث عمن يحمله مسؤولية كل آلامه. ليس هذا فحسب، بل نلاحظ ان الأمور تتفاقم مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت، مع وجود استثناءات طبعا، وسائل للتنكيل بالناس أكثر منه لترويج المعلومة.

ربما لا يكون لطفي بوشناق أفضل فنان عرفه التاريخ ويمكن ان يحدث مانع يجعل الفنان زياد غرسة ليس في أفضل حالاته في عرض من عروضه الحية وهي كثيرة. لكن كل ذلك لا يبرر العبارات التي تقطر كراهية التي انهالت عليهما هذه الأيام. الأول لأنه وفق البعض ليس مؤهلا ليحي حفل افتتاح مهرجان قرطاج وليس من حقه ان يكون مرفوقا بنجليه على الرغم من انهما اثبتا جدارتهما بالانتماء لعالم الفن، والثاني لأنه لم يقدم سهرة كاملة الاوصاف في مهرجان قرطاج، فكان ذلك كافيا للتشكيك فيه وفي احقيته في الوجود على مسرح قرطاج رغم ان العرض واكبته جماهير غفيرة وأثنى البعض على أدائه وقالوا انه قدم المطلوب.

لا نعتبر طبعا ان لطفي بوشناق رغم انه نحت اسمه على امتداد عقود من العمل وصار له جمهور كبير في تونس وفي عدة بلدان عربية وكون رصيدا مهما من الأغاني المتنوعة التي يرى الكثيرون خاصة من التونسيين أنفسهم من خلالها وهي النابعة من البيئة التونسية، لا نعتبره ارفع من النقد، ولكن ليت كل ما استمعنا اليه يدخل في خانة النقد ولا تحرك أصحابه غايات اخرى. وليت الصرامة التي يتحدث بها بعض المتابعين لعرض زياد غرسة أحد أبرز حراس قلعة المالوف، هذا الإرث الموسيقي المحبوب الذي يعبر عنا أكثر مما تعبر عنا كتب التاريخ، يطبقونها على أنفسهم، لما وجدنا انفسنا في هذا الوضع البائس.

لا نحبذ المقارنات وندرك ان سيلين ديون في موقع لا يرقى له الكثيرون في الشرق والغرب فهي فنانة استثنائية جديرة بكل أنواع الاحترام والتقدير والتبجيل، ولكننا نتحدث عن ثقافة نفتقر اليها كثيرا وهي ثقافة الاحترام وتقدير المجهود والاعتراف للناس. بل على العكس وكما هو واضح فإن ثقافتنا تقوم على التنمّر والتطاول ومثلما هي عادة الشعوب المتخلفة، فإنها كثيرا ما تستهدف الكائنات الهشة واولهم الفنان، الذي يظل، ولا نعمم طبعا، كائنا هشا رغم كل الهالة التي يمكن ان تحيط به ورغم النجاح وأضواء الشهرة.

 حياة السايب