أحب بلادي بأرضها وسمائها وأنجمها. أحب بلادي بحقولها وزهرها وأريجها. أحب بلادي بنسائمها وبلابلها المترنّمة. أحب بلادي بشمسها فوقنا كالعسجد. أحب بنات بلادي وأبناءها حيثما كان موطنهم في الشمال في الجنوب، في الشرق أو في الغرب. أحبهم مهما تكن مشاربهم الفكرية والإيديولوجية ومعتقداتهم الدّينيّة. أحترم اختياراتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى لو كانت على طرفي نقيض مع ما أتبنّاه، فالاختلاف عندي رحمة قولا وممارسة.
إنّني لا أحمل كرها أو غلا على أحد فوق البسيطة. ولكنّني في الوقت نفسه لا أتسامح أبدا مع المستعمر الذي يغتصب أرض غيره ويسمح لنفسه بالاعتداء على أبنائها ويستغلّ خيراتها ومقدراتها. أغضب منه وأثور وآكل لحمه ولحم كلّ من يقف إلى جانبه ويهرول ليقدّم له ولاء التّطبيع. ألا سحقا لهم وتبّا!
أما ما يحملني على التّبرؤ من الكثير من بنات بلادي وأبنائها والنّفور منهم فليس مشاكل ذاتية بيننا أو خصاما على حرث أو ورث، كما يُقال، وإنّما حين أرى هؤلاء مازالوا متشبّثين بعقلية ما يسمى "رزق البيليك" التي زُرعت فيهم زمن الاستعمار المباشر وبقيت يانعة في رؤوسهم إلى يوم الناس هذا. وكأنّ البلاد ليست بلادهم التي ولدوا فوق أرضها وترعرعوا تحت سمائها.
إنّ ما يلحق بالبلاد من فساد لن يدفع ضريبته إلاّ أبناؤها عاجلا أو آجلا. وستجني الأجيال القادمة ما زرعه المفسدون وما اقترفته البقيّة من إهمال واستهتار في حق بلادهم بطرق عديدة ومختلفة كتحيّن الفرص لسرقة وقت العمل واستعمال هاتف الإدارة وسياراتها الفارهة للتّفسّح وقضاء شؤون خاصة لا شؤون شغليّة. والأدهى والأمرّ أنّه بقدر حجم التهاون واللاّمبالاة بالمسؤولية وغياب الضّمير المهني وانعدام قيمة العمل، تتضاعف وصولات البنزين ويتزايد عدد السيارات الفارهة بين أيدي المسؤولين ويقع توفير سائق أو أكثر لخدمتهم وخدمة عائلتهم المقرّبة وحتى الموسّعة وتكثر العناية بمكاتبهم حتى تتوفر لهم ظروف الرّفاهة في أبهى تجلّياتها. "لم لا الخير بزايد يا سعدودي وأنا راني القائد في زمانه؟"
يؤلمني وأشعر بالغمّ والهمّ حين أرى طابورا من السيارات الإداريّة الفاخرة أمام إدارات البلديات مثلا أو حين أتجول في شوارع المدينة وحتى في ضواحيها. في حين أنّ خدمات البلدية مقبورة قد صلّينا عليها صلاة الوداع منذ زمان فلا نور كهربائيّا في الشوارع والأنهج والطّرقات وإنّما السّير تحت أجنحة الظلام في ليل دامس ولا حياة لمن تنادي. ولا محطات لإيواء السّيارات تجعل المواطن يطمئن على سيارته. الأخاديد والحفر مبثوثة على امتداد الشوارع الرّئيسية والفرعية للمدينة وأحوازها. أما عن خدمات رفع الفضلات من أمام البيوت فذاك عهد ولّى وانتهى. أكوام القمامات تكاد تنطح السّماوات السبع! كم اشتاقت عيوننا لرؤية شاحنة البلدية أمام منازلنا! وكم صرنا نحلم بمقاومة تكاثر الحشرات برشّ الأدوية منذ بداية الربيع! أما إذا اضطررنا إلى الدّخول إلى مصالح البلدية للتّعريف بالإمضاء مثلا أو لسحب نسخة مطابقة للأصل فنهيّئ جيوبنا لتعريفة تضاعفت ثلاث مرّات عن التعريفة الأصلية.
رحم الله شيخ المعرّة أبا العلاء المعري الذي قال: " الأَرضُ لِلطوفانِ مُشتاقَةٌ... لَعَلَّها مِن دَرَنٍ تُغسَلُ"
لقد اتّسع الرّقع على الرّاقع وبلغ صبرنا منتهاه.. كأنّنا لم ننجز ثورة ولم نقدم جرحى وشهداء!
مصدّق الشّريف
هؤلاء مازالوا متشبّثين بعقلية "رزق البيليك" .
أحب بلادي بأرضها وسمائها وأنجمها. أحب بلادي بحقولها وزهرها وأريجها. أحب بلادي بنسائمها وبلابلها المترنّمة. أحب بلادي بشمسها فوقنا كالعسجد. أحب بنات بلادي وأبناءها حيثما كان موطنهم في الشمال في الجنوب، في الشرق أو في الغرب. أحبهم مهما تكن مشاربهم الفكرية والإيديولوجية ومعتقداتهم الدّينيّة. أحترم اختياراتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى لو كانت على طرفي نقيض مع ما أتبنّاه، فالاختلاف عندي رحمة قولا وممارسة.
إنّني لا أحمل كرها أو غلا على أحد فوق البسيطة. ولكنّني في الوقت نفسه لا أتسامح أبدا مع المستعمر الذي يغتصب أرض غيره ويسمح لنفسه بالاعتداء على أبنائها ويستغلّ خيراتها ومقدراتها. أغضب منه وأثور وآكل لحمه ولحم كلّ من يقف إلى جانبه ويهرول ليقدّم له ولاء التّطبيع. ألا سحقا لهم وتبّا!
أما ما يحملني على التّبرؤ من الكثير من بنات بلادي وأبنائها والنّفور منهم فليس مشاكل ذاتية بيننا أو خصاما على حرث أو ورث، كما يُقال، وإنّما حين أرى هؤلاء مازالوا متشبّثين بعقلية ما يسمى "رزق البيليك" التي زُرعت فيهم زمن الاستعمار المباشر وبقيت يانعة في رؤوسهم إلى يوم الناس هذا. وكأنّ البلاد ليست بلادهم التي ولدوا فوق أرضها وترعرعوا تحت سمائها.
إنّ ما يلحق بالبلاد من فساد لن يدفع ضريبته إلاّ أبناؤها عاجلا أو آجلا. وستجني الأجيال القادمة ما زرعه المفسدون وما اقترفته البقيّة من إهمال واستهتار في حق بلادهم بطرق عديدة ومختلفة كتحيّن الفرص لسرقة وقت العمل واستعمال هاتف الإدارة وسياراتها الفارهة للتّفسّح وقضاء شؤون خاصة لا شؤون شغليّة. والأدهى والأمرّ أنّه بقدر حجم التهاون واللاّمبالاة بالمسؤولية وغياب الضّمير المهني وانعدام قيمة العمل، تتضاعف وصولات البنزين ويتزايد عدد السيارات الفارهة بين أيدي المسؤولين ويقع توفير سائق أو أكثر لخدمتهم وخدمة عائلتهم المقرّبة وحتى الموسّعة وتكثر العناية بمكاتبهم حتى تتوفر لهم ظروف الرّفاهة في أبهى تجلّياتها. "لم لا الخير بزايد يا سعدودي وأنا راني القائد في زمانه؟"
يؤلمني وأشعر بالغمّ والهمّ حين أرى طابورا من السيارات الإداريّة الفاخرة أمام إدارات البلديات مثلا أو حين أتجول في شوارع المدينة وحتى في ضواحيها. في حين أنّ خدمات البلدية مقبورة قد صلّينا عليها صلاة الوداع منذ زمان فلا نور كهربائيّا في الشوارع والأنهج والطّرقات وإنّما السّير تحت أجنحة الظلام في ليل دامس ولا حياة لمن تنادي. ولا محطات لإيواء السّيارات تجعل المواطن يطمئن على سيارته. الأخاديد والحفر مبثوثة على امتداد الشوارع الرّئيسية والفرعية للمدينة وأحوازها. أما عن خدمات رفع الفضلات من أمام البيوت فذاك عهد ولّى وانتهى. أكوام القمامات تكاد تنطح السّماوات السبع! كم اشتاقت عيوننا لرؤية شاحنة البلدية أمام منازلنا! وكم صرنا نحلم بمقاومة تكاثر الحشرات برشّ الأدوية منذ بداية الربيع! أما إذا اضطررنا إلى الدّخول إلى مصالح البلدية للتّعريف بالإمضاء مثلا أو لسحب نسخة مطابقة للأصل فنهيّئ جيوبنا لتعريفة تضاعفت ثلاث مرّات عن التعريفة الأصلية.
رحم الله شيخ المعرّة أبا العلاء المعري الذي قال: " الأَرضُ لِلطوفانِ مُشتاقَةٌ... لَعَلَّها مِن دَرَنٍ تُغسَلُ"
لقد اتّسع الرّقع على الرّاقع وبلغ صبرنا منتهاه.. كأنّنا لم ننجز ثورة ولم نقدم جرحى وشهداء!