إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"الفساد" في قطاع المحاماة.. كرة الثلج التي لا يجب أن تكبر..!!

 

المحاماة التونسية..لعبت دورا كبيرا في إرساء العدالة وقبلها في مقاومة المستعمر

بقلم:ريم بالخذيري

تعدّ المحاماة لدى كل الشعوب من أقدس المهن لالتصاقها الوثيق بالمواطن ولأنها تعدّ الركن الأهم في ميزان العدالة. فهي الرابط بين القضاء والمتقاضين ودونها لا يمكن التحدّث عن العدل وتضيع الحقوق وتسود الفوضى.

ومن هنا توصي الأمم المتحدة بأن "يكون للأشخاص الذين ليس لهم محامون الحق في أن يعين لهم محامون ذوي خبرة وكفاءة تتفق مع طبيعة الجريمة المتهمين بها ودون أن يدفعوا مقابلا لهذه الخدمة إذا لم يكونوا قادرين على ذلك."

كما حدّدت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة ما هو محمول على المحامي وحقوقه التي تضمن له القيام بمهمته النبيلة على الوجه الأكمل ومنها :

أن يحافظ المحامون، في جميع الأحوال، على شرف وكرامة مهنتهم باعتبارهم عاملين أساسيين في مجال إقامة العدل.

كما تتضمن واجبات المحامين نحو موكليهم إسداء المشورة فيما يتعلق بحقوقهم والتزاماتهم القانونية وبشأن أسلوب عمل النظام القانوني وعلاقته بالحقوق والالتزامات القانونية للموكلين، ومساعدة موكليهم بشتى الطرق الملائمة، واتخاذ الإجراءات القانونية لحماية مصالحهم، ومساعدة منوبيهم أمام المحاكم بمختلف أنواعها والسلطات الإدارية، حسب الاقتضاء.

كما يسعى المحامون، خلال حماية حقوق موكليهم ، إلى التمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي، وتكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة متيقظة متناسقة مع القانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة القانون.. والأهم وفق المبادئ الأممية التي ذكرنا أن يحترم المحامون دائما مصالح موكليهم بصدق وولاء.

وفي المقابل على الحكومات أن تكفل لهم القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل والانتقال إلى موكليهم والتشاور معهم بحرية داخل البلد وخارجه على السواء.

وكذلك عدم تعريضهم لا للتهديد ، ولا للملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية والاقتصادية وغيرها نتيجة قيامهم بعمل يتفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها. كما لا يجوز، نتيجة لأداء المحامين لوظائفهم، أخذهم بجريرة موكليهم أو بقضايا هؤلاء الموكلين.

ويتمتع المحامون بالحصانة المدنية والجنائية بالنسبة للتصريحات التي يدلون بها بنية حسنة، سواء كان ذلك في مرافعاتهم المكتوبة أو الشفوية أو لدى مثولهم أمام المحاكم أو غيرها من السلطات التنفيذية أو الإدارية.

كما أنه من واجب السلطات المختصة أن تضمن للمحامين إمكانية الاطلاع على المعلومات والملفات والوثائق المطلوبة والمستحقة التي هي في حوزتها أو تحت تصرفها، وذلك لفترة تكفى لتمكينهم من تقديم مساعدة قانونية فعالة لموكليهم، وينبغي تأمين هذا الاطلاع في غضون أقصر مهلة ممكنة.

كما أن سرية جميع الاتصالات والمشاورات التي تجرى بين المحامين وموكليهم في إطار علاقاتهم المهنية مكفولة بالقانون الدولي.

والمحاماة التونسية بما هي جزء لا يتجزأ مّما كنّا بصدد ذكره فقد لعبت دورا كبيرا في إرساء العدالة وقبلها في مقاومة المستعمر حينما كان المحامون في الصفوف الأولى يناضلون بالفكر والنشر وأبرزهم كان الزعيم الحبيب بورقيبة (1903-2000) وصالح بن يوسف(1907-1961) والمنجي سليم (1908-1969) والهادي نويرة (1911-1993)....

وفي التاريخ الحديث فقد تحصلت الهيئة الوطنية للمحامين على جائزة نوبل للسلام في 2015 صحبة الاتحاد التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقبلها كان للمحامين الدور الحاسم في الثورة التونسية .

غير أنّ كل ما تقدّم لا يحجب المشاكل والهزات التي تعرّض لها قطاع المحاماة ولا يخفي الفساد الذي تسلّل إليه مثل كل القطاعات لكن خطر الفساد في هذا القطاع يعدّ الأخطر والأكثر ضررا للمجتمع .

وهو فساد ليس حكرا على المحاماة التونسية حيث أشار تقرير دولي صدر في23 ديسمبر 2023 أعده قسم النزاهة والتحقيق في منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد والجريمة (OMSAC)بعنوان "الفساد في مهنة المحاماة" على وجود الفساد والتلاعب المالي غير القانوني في المهنة، بنسبة تناهز87 % بحسب المستجوبين والصحفيين الاستقصائيين. كما شدّد التقرير على أن الفساد في مهنة المحاماة ليس ظاهرة منعزلة، بل مشكلة عالمية تتطلب استجابة منسقة على المستوى الدولي.

وبالتالي فانّ الحديث عن الفساد في قطاع المحاماة التونسية ليس من المحرّمات وليس تجنّيا والهيئة الوطنية للمحامين تقوم سنويا بإصدار عشرات العقوبات على محامين تتراوح بين “الشطب النهائي من جدول المحاماة والإيقاف المؤقّت عن مباشرة المهنة”.

ويبرز الفساد في هذا القطاع خاصة مع الحرفاء وما يتعرّض له عدد منهم من ابتزاز وتحيّل فضلا عن الضبابية في اتعاب المحامي والتي لا علاقة لها في بعض الأحيان بما هو منصوص عليه قانونيا في هذا الإطار.

كما أن المحاباة والتضامن القطاعي الأعمى يعدّان بابا من أبواب الفساد. وكم من متضرر في خلاف له مع محام لا يجد محاميا يترافع عنه ونخص بالذكر هنا قضايا الطلاق للمتزوجات بمحامين .

ورغم أن عميد المحامين الأسبق عامر المحرزي صرّح في سنة 2017 بأن المشاكل الحقيقية بين المحامين والحرفاء لا تتجاوز 1 بالمائة فان هذه النسبة تبدو غير دقيقة فحتى 10 بالمائة هي أقلّ بكثير ممّا يرد علينا ونعاينه يوميا في أروقة المحاكم .

الفروع والأصل

من المعلوم أن الهيئة الوطنية للمحامين يتفرّع عنها ما لا يقل عن 24 فرعا في مختلف ولايات الجمهورية وهي خاضعة في قراراتها للهيئة الوطنية رغم الاستقلالية النسبية التي تتمتع بها في التسيير والقرار وفق ما يضبطه القانون. لكن ما يحدث في عدد من الفروع لا يعكس هذا حيث تغوّل عدد منها ولم تعد تمارس نشاطها في تناغم مع الهيئة وهذا مثبت لدينا حيث يوجد عدد من مكاتب المحامين الذين صادرة في حقهم إجراءات تأديبية لا تزال مفتوحة وتستقبل الحرفاء وان كان المترافع ليس المعني بالعقوبة . والأصل في الأشياء أن تغلق هذه المكاتب بالتوازي مع العقوبة حتى لا يتم الالتفاف عليها وتفرغ من محتواها.

كرة الثلج

ان قطاع المحاماة بحاجة الى تطهيره ممّن يسيئون له والهيئة الوطنية للمحامين الأقدر على معرفتهم ومعاقبتهم وما ذكرنا من حالات فساد ما هو سوى جزء بسيط مّما يصلنا لأنّ الفساد في هذا القطاع مثلما ذكرنا يعدّ الأخطر والأكثر ضررا. ومن المهم أن تتم متابعة العقوبات والحرص على تطبيقها وكذلك سرعة البت في الشكاوى المقدمة للهيئة وفروعها من قبل الحرفاء المتضررين من بعض المحامين .

فالفساد في المحاماة حقيقة لا يجب أن ننكرها ونخجل منها وهي ككرة الثلج Boule De Neigeالتي لا يجب أن تكبر فكلما كبرت أغرقت المجتمع و أضرت بالعدالة .

 

 

 

"الفساد" في قطاع المحاماة..   كرة الثلج التي لا يجب أن تكبر..!!

 

المحاماة التونسية..لعبت دورا كبيرا في إرساء العدالة وقبلها في مقاومة المستعمر

بقلم:ريم بالخذيري

تعدّ المحاماة لدى كل الشعوب من أقدس المهن لالتصاقها الوثيق بالمواطن ولأنها تعدّ الركن الأهم في ميزان العدالة. فهي الرابط بين القضاء والمتقاضين ودونها لا يمكن التحدّث عن العدل وتضيع الحقوق وتسود الفوضى.

ومن هنا توصي الأمم المتحدة بأن "يكون للأشخاص الذين ليس لهم محامون الحق في أن يعين لهم محامون ذوي خبرة وكفاءة تتفق مع طبيعة الجريمة المتهمين بها ودون أن يدفعوا مقابلا لهذه الخدمة إذا لم يكونوا قادرين على ذلك."

كما حدّدت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة ما هو محمول على المحامي وحقوقه التي تضمن له القيام بمهمته النبيلة على الوجه الأكمل ومنها :

أن يحافظ المحامون، في جميع الأحوال، على شرف وكرامة مهنتهم باعتبارهم عاملين أساسيين في مجال إقامة العدل.

كما تتضمن واجبات المحامين نحو موكليهم إسداء المشورة فيما يتعلق بحقوقهم والتزاماتهم القانونية وبشأن أسلوب عمل النظام القانوني وعلاقته بالحقوق والالتزامات القانونية للموكلين، ومساعدة موكليهم بشتى الطرق الملائمة، واتخاذ الإجراءات القانونية لحماية مصالحهم، ومساعدة منوبيهم أمام المحاكم بمختلف أنواعها والسلطات الإدارية، حسب الاقتضاء.

كما يسعى المحامون، خلال حماية حقوق موكليهم ، إلى التمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي، وتكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة متيقظة متناسقة مع القانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة القانون.. والأهم وفق المبادئ الأممية التي ذكرنا أن يحترم المحامون دائما مصالح موكليهم بصدق وولاء.

وفي المقابل على الحكومات أن تكفل لهم القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل والانتقال إلى موكليهم والتشاور معهم بحرية داخل البلد وخارجه على السواء.

وكذلك عدم تعريضهم لا للتهديد ، ولا للملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية والاقتصادية وغيرها نتيجة قيامهم بعمل يتفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها. كما لا يجوز، نتيجة لأداء المحامين لوظائفهم، أخذهم بجريرة موكليهم أو بقضايا هؤلاء الموكلين.

ويتمتع المحامون بالحصانة المدنية والجنائية بالنسبة للتصريحات التي يدلون بها بنية حسنة، سواء كان ذلك في مرافعاتهم المكتوبة أو الشفوية أو لدى مثولهم أمام المحاكم أو غيرها من السلطات التنفيذية أو الإدارية.

كما أنه من واجب السلطات المختصة أن تضمن للمحامين إمكانية الاطلاع على المعلومات والملفات والوثائق المطلوبة والمستحقة التي هي في حوزتها أو تحت تصرفها، وذلك لفترة تكفى لتمكينهم من تقديم مساعدة قانونية فعالة لموكليهم، وينبغي تأمين هذا الاطلاع في غضون أقصر مهلة ممكنة.

كما أن سرية جميع الاتصالات والمشاورات التي تجرى بين المحامين وموكليهم في إطار علاقاتهم المهنية مكفولة بالقانون الدولي.

والمحاماة التونسية بما هي جزء لا يتجزأ مّما كنّا بصدد ذكره فقد لعبت دورا كبيرا في إرساء العدالة وقبلها في مقاومة المستعمر حينما كان المحامون في الصفوف الأولى يناضلون بالفكر والنشر وأبرزهم كان الزعيم الحبيب بورقيبة (1903-2000) وصالح بن يوسف(1907-1961) والمنجي سليم (1908-1969) والهادي نويرة (1911-1993)....

وفي التاريخ الحديث فقد تحصلت الهيئة الوطنية للمحامين على جائزة نوبل للسلام في 2015 صحبة الاتحاد التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقبلها كان للمحامين الدور الحاسم في الثورة التونسية .

غير أنّ كل ما تقدّم لا يحجب المشاكل والهزات التي تعرّض لها قطاع المحاماة ولا يخفي الفساد الذي تسلّل إليه مثل كل القطاعات لكن خطر الفساد في هذا القطاع يعدّ الأخطر والأكثر ضررا للمجتمع .

وهو فساد ليس حكرا على المحاماة التونسية حيث أشار تقرير دولي صدر في23 ديسمبر 2023 أعده قسم النزاهة والتحقيق في منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد والجريمة (OMSAC)بعنوان "الفساد في مهنة المحاماة" على وجود الفساد والتلاعب المالي غير القانوني في المهنة، بنسبة تناهز87 % بحسب المستجوبين والصحفيين الاستقصائيين. كما شدّد التقرير على أن الفساد في مهنة المحاماة ليس ظاهرة منعزلة، بل مشكلة عالمية تتطلب استجابة منسقة على المستوى الدولي.

وبالتالي فانّ الحديث عن الفساد في قطاع المحاماة التونسية ليس من المحرّمات وليس تجنّيا والهيئة الوطنية للمحامين تقوم سنويا بإصدار عشرات العقوبات على محامين تتراوح بين “الشطب النهائي من جدول المحاماة والإيقاف المؤقّت عن مباشرة المهنة”.

ويبرز الفساد في هذا القطاع خاصة مع الحرفاء وما يتعرّض له عدد منهم من ابتزاز وتحيّل فضلا عن الضبابية في اتعاب المحامي والتي لا علاقة لها في بعض الأحيان بما هو منصوص عليه قانونيا في هذا الإطار.

كما أن المحاباة والتضامن القطاعي الأعمى يعدّان بابا من أبواب الفساد. وكم من متضرر في خلاف له مع محام لا يجد محاميا يترافع عنه ونخص بالذكر هنا قضايا الطلاق للمتزوجات بمحامين .

ورغم أن عميد المحامين الأسبق عامر المحرزي صرّح في سنة 2017 بأن المشاكل الحقيقية بين المحامين والحرفاء لا تتجاوز 1 بالمائة فان هذه النسبة تبدو غير دقيقة فحتى 10 بالمائة هي أقلّ بكثير ممّا يرد علينا ونعاينه يوميا في أروقة المحاكم .

الفروع والأصل

من المعلوم أن الهيئة الوطنية للمحامين يتفرّع عنها ما لا يقل عن 24 فرعا في مختلف ولايات الجمهورية وهي خاضعة في قراراتها للهيئة الوطنية رغم الاستقلالية النسبية التي تتمتع بها في التسيير والقرار وفق ما يضبطه القانون. لكن ما يحدث في عدد من الفروع لا يعكس هذا حيث تغوّل عدد منها ولم تعد تمارس نشاطها في تناغم مع الهيئة وهذا مثبت لدينا حيث يوجد عدد من مكاتب المحامين الذين صادرة في حقهم إجراءات تأديبية لا تزال مفتوحة وتستقبل الحرفاء وان كان المترافع ليس المعني بالعقوبة . والأصل في الأشياء أن تغلق هذه المكاتب بالتوازي مع العقوبة حتى لا يتم الالتفاف عليها وتفرغ من محتواها.

كرة الثلج

ان قطاع المحاماة بحاجة الى تطهيره ممّن يسيئون له والهيئة الوطنية للمحامين الأقدر على معرفتهم ومعاقبتهم وما ذكرنا من حالات فساد ما هو سوى جزء بسيط مّما يصلنا لأنّ الفساد في هذا القطاع مثلما ذكرنا يعدّ الأخطر والأكثر ضررا. ومن المهم أن تتم متابعة العقوبات والحرص على تطبيقها وكذلك سرعة البت في الشكاوى المقدمة للهيئة وفروعها من قبل الحرفاء المتضررين من بعض المحامين .

فالفساد في المحاماة حقيقة لا يجب أن ننكرها ونخجل منها وهي ككرة الثلج Boule De Neigeالتي لا يجب أن تكبر فكلما كبرت أغرقت المجتمع و أضرت بالعدالة .