الخبير في الموارد المائية محمد صالح قلايد لـ"الصباح": التوجّه السريع لتحلية مياه البحر ومراجعة الخارطة الفلاحية من أبرز الحلول في مواجهة أزمة السدود ..!
مع تواصل أزمة التزوّد بالماء الصالح للشرب والانقطاعات المتكررة في أكثر من منطقة من الجمهورية وتذمّر المواطنين، قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بزيارة ميدانية شملت تفقّد بعض السدود المهمة على مستوى التزوّد بالمياه ومنها سد بوهرتمة وسد بربرة بولاية جندوبة حيث عاين الرئيس امتلاء السدين المذكورين بالمياه الصالحة للشرب والري..
وأكّد بلاغ لرئاسة الجمهورية أن رئيس الدولة لاحظ أن انقطاع المياه بجهة جندوبة أمر غير طبيعي ولا بريء وأنّ تونس عرفت في السابق سنوات عجاف ولكن لم يصل الوضع إلى ما هو عليه الآن من قطع للمياه يتواصل على مدى يوم كامل وأكثر أحيانا، وفق البلاغ الرسمي .
كما تحوّل رئيس الجمهورية إلى سد نبهانة من ولاية القيروان الذي لم يقع تعهده منذ 1969 حتى صار خارج الخدمة، هذا فضلا عن وجود شبكات إجرامية بالمكان تقوم بتهشيم أنابيب توزيع المياه وفق بلاغ الرئاسة الذي أشار أيضا إلى تأكيد الرئيس على أن قطع المياه بهذا الشكل الممنهج والمدبر جريمة في حق الشعب بل هو يمس بالأمن القومي التونسي ولا يمكن لمن دبّر لهذه العمليات الإجرامية ومن نفذها أن يبقى خارج المساءلة والعقاب. رئيس الدولة عاين أيضا تدفّق المياه في قنال مجردة بجهة قرمبالية، وقد شدّد رئيس الجمهورية على أن الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من دبّر ومن نفذ هذه الجرائم النكراء .
وضع السدود والمخزون المائي للبلاد التونسية بات اليوم من الملفات الحارقة التي تتطلب حلولا عاجلة خاصة مع تواصل موجات الحرّ والجفاف..، ما هو وضع السدود، وكيف يرى الخبراء الحلول؟، هذا ما سنحاول طرحه مع الخبير في الموارد المائية المهندس محمد صالح قلايد .
مشكل الهيكلة والحوكمة ..
قال الخبير المختص في الموارد المائية، المهندس محمد صالح قلايد، أن المياه المخزّنة في السدود ومنذ سنة 2019 إلى اليوم أثّرت عليها كثيرا سنوات الجفاف حيث ساهمت الإيرادات المائية المتأتية أساسا من الأمطار بسبب ضعفها الكبير في التأثير سلبا على المخزون المائي .
ووفق آخر الإحصائيات المتوفرة بشأن طاقة امتلاء السدود، قال محمد صالح قلايد، أنه والى حدود يوم أمس بلغت طاقة الامتلاء في كل السدود 633 مليون متر مكعّب، بنسبة امتلاء في حدود 27 بالمائة وهي نسبة غير مسبوقة لم تسجلها تونس خلال السنوات الثلاثين الماضية وفي ذروة مواسم الجفاف، وفق ما قاله .
محدّثنا قال أيضا أنه مع وضع الإجهاد المائي الذي تعيشه بلادنا مع جفاف السنوات الأخيرة أثّر بشكل كبير على الموائد الجوفية التي تتغذّى من الأمطار وتراجعت بعض هذه الموائد إلى عمق 30 مترا، وهو ما أثّر على ضخّ "الصوناد" للمياه في مناطق الوسط والجنوب والتي تزوّدها شركة المياه عن طريق الآبار العميقة التي نضب معين المياه فيها.. كما أشار الخبير المختص في الموارد المائية محمد صالح قلايد إلى أن هناك اليوم 7 ملايين تونسي يتزودون من المياه السطحية والتي هي مياه السدود .
وحول وضع هذه السدود والتي كان بعضها محلّ الزيارة الميدانية التي قام بها رئيس الجمهورية، قال محمد صالح قلايد:"مشكل هذه السدود هو مشكل هيكلي بالأساس ومشكل حوكمة في التصرّف في الموارد المائية، ففي سنتي 2018 و2019 سجّلنا ارتفاعا كبيرا في المخزون المائي ولكن لم يقع استغلال ذلك المخزون بشكل جيّد، ولم تكن هناك رؤية إستراتيجية للتصرّف في تلك الموارد المائية، ولم يتم التعامل مع الأمن المائي كجزء من الأمن القومي رغم تحذيرات الخبراء، حيث لم تعمل الدولة على إيجاد البدائل في وقتها، إضافة إلى تأخّر انجاز محطات تحلية مياه البحر والتي كان يفترض أن يكون بعضها حاضرا منذ خمس سنوات وذلك لتفادي النقص الحاصل في السدود ومنها السدود التي قام رئيس الجمهورية بزيارتها، فسدّ بوهرتمة تم توسيع طاقة استيعابه بـ 33 مليون متر مكعب، وهو ما تم بالفعل، ولكن الجفاف هو الذي كان سببا في تراجع المخزون، أما بالنسبة لسدّ بربرة والذي يخزّن في حدود 64 مليون متر مكعب، فإن موقعه الجغرافي على منطقة حدودية وطبيعة بناء هذا السد هي التي أثّرت على المخزون حيث أن هناك مضخة إعادة مياه إلى السدّ على الحدود للمحافظة على مستويات امتلاء السدّ، هذه المضخّة عاطلة عن العمل ولا تشتغل منذ سنوات، وبالنسبة لبقية السدود فهي تقريبا من نفس المشكل وهي مشكل الجفاف، فسدّ نبهانة الذي تتغذّى منه المساحات السقوية بالوطن القبلي هو اليوم في حالة نضوب وجفاف تام".
وأمام الصعوبات التي تواجهها تونس اليوم في تلبية احتياجاتها المائية، مع الانقطاعات المتكررة في الماء وتواصل موجات الجفاف، هناك اليوم من يقترح تقنية الاستمطار وهو المشروع الذي وعدت دولة اندونيسيا بتنفيذه في تونس، قال الخبير في الموارد المائية أن هذه التقنية تحتاج إمكانيات ضخمة في حين لا تتجاوز نسبة نجاحها بين 20 و25 بالمائة مؤكدا على أن تونس لا تملك هذه الإمكانيات كما وأن مناخها الجاف يختلف كليا على مناخ اندونيسيا الرطب .
محدّثنا قال أن الحلول العاجلة تتمثل أولا في المحافظة بأقصى درجات الوعي على المخزون الحالي للسدود مع ضرورة مراجعة الخارطة الفلاحية وتفادي الزراعات التي تستنفد الموارد المالية مع ترشيد الاستهلاك والتوجّه بشكل سريع إلى الاستثمار في محطات تحلية المياه من الشمال إلى الجنوب .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
مع تواصل أزمة التزوّد بالماء الصالح للشرب والانقطاعات المتكررة في أكثر من منطقة من الجمهورية وتذمّر المواطنين، قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بزيارة ميدانية شملت تفقّد بعض السدود المهمة على مستوى التزوّد بالمياه ومنها سد بوهرتمة وسد بربرة بولاية جندوبة حيث عاين الرئيس امتلاء السدين المذكورين بالمياه الصالحة للشرب والري..
وأكّد بلاغ لرئاسة الجمهورية أن رئيس الدولة لاحظ أن انقطاع المياه بجهة جندوبة أمر غير طبيعي ولا بريء وأنّ تونس عرفت في السابق سنوات عجاف ولكن لم يصل الوضع إلى ما هو عليه الآن من قطع للمياه يتواصل على مدى يوم كامل وأكثر أحيانا، وفق البلاغ الرسمي .
كما تحوّل رئيس الجمهورية إلى سد نبهانة من ولاية القيروان الذي لم يقع تعهده منذ 1969 حتى صار خارج الخدمة، هذا فضلا عن وجود شبكات إجرامية بالمكان تقوم بتهشيم أنابيب توزيع المياه وفق بلاغ الرئاسة الذي أشار أيضا إلى تأكيد الرئيس على أن قطع المياه بهذا الشكل الممنهج والمدبر جريمة في حق الشعب بل هو يمس بالأمن القومي التونسي ولا يمكن لمن دبّر لهذه العمليات الإجرامية ومن نفذها أن يبقى خارج المساءلة والعقاب. رئيس الدولة عاين أيضا تدفّق المياه في قنال مجردة بجهة قرمبالية، وقد شدّد رئيس الجمهورية على أن الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من دبّر ومن نفذ هذه الجرائم النكراء .
وضع السدود والمخزون المائي للبلاد التونسية بات اليوم من الملفات الحارقة التي تتطلب حلولا عاجلة خاصة مع تواصل موجات الحرّ والجفاف..، ما هو وضع السدود، وكيف يرى الخبراء الحلول؟، هذا ما سنحاول طرحه مع الخبير في الموارد المائية المهندس محمد صالح قلايد .
مشكل الهيكلة والحوكمة ..
قال الخبير المختص في الموارد المائية، المهندس محمد صالح قلايد، أن المياه المخزّنة في السدود ومنذ سنة 2019 إلى اليوم أثّرت عليها كثيرا سنوات الجفاف حيث ساهمت الإيرادات المائية المتأتية أساسا من الأمطار بسبب ضعفها الكبير في التأثير سلبا على المخزون المائي .
ووفق آخر الإحصائيات المتوفرة بشأن طاقة امتلاء السدود، قال محمد صالح قلايد، أنه والى حدود يوم أمس بلغت طاقة الامتلاء في كل السدود 633 مليون متر مكعّب، بنسبة امتلاء في حدود 27 بالمائة وهي نسبة غير مسبوقة لم تسجلها تونس خلال السنوات الثلاثين الماضية وفي ذروة مواسم الجفاف، وفق ما قاله .
محدّثنا قال أيضا أنه مع وضع الإجهاد المائي الذي تعيشه بلادنا مع جفاف السنوات الأخيرة أثّر بشكل كبير على الموائد الجوفية التي تتغذّى من الأمطار وتراجعت بعض هذه الموائد إلى عمق 30 مترا، وهو ما أثّر على ضخّ "الصوناد" للمياه في مناطق الوسط والجنوب والتي تزوّدها شركة المياه عن طريق الآبار العميقة التي نضب معين المياه فيها.. كما أشار الخبير المختص في الموارد المائية محمد صالح قلايد إلى أن هناك اليوم 7 ملايين تونسي يتزودون من المياه السطحية والتي هي مياه السدود .
وحول وضع هذه السدود والتي كان بعضها محلّ الزيارة الميدانية التي قام بها رئيس الجمهورية، قال محمد صالح قلايد:"مشكل هذه السدود هو مشكل هيكلي بالأساس ومشكل حوكمة في التصرّف في الموارد المائية، ففي سنتي 2018 و2019 سجّلنا ارتفاعا كبيرا في المخزون المائي ولكن لم يقع استغلال ذلك المخزون بشكل جيّد، ولم تكن هناك رؤية إستراتيجية للتصرّف في تلك الموارد المائية، ولم يتم التعامل مع الأمن المائي كجزء من الأمن القومي رغم تحذيرات الخبراء، حيث لم تعمل الدولة على إيجاد البدائل في وقتها، إضافة إلى تأخّر انجاز محطات تحلية مياه البحر والتي كان يفترض أن يكون بعضها حاضرا منذ خمس سنوات وذلك لتفادي النقص الحاصل في السدود ومنها السدود التي قام رئيس الجمهورية بزيارتها، فسدّ بوهرتمة تم توسيع طاقة استيعابه بـ 33 مليون متر مكعب، وهو ما تم بالفعل، ولكن الجفاف هو الذي كان سببا في تراجع المخزون، أما بالنسبة لسدّ بربرة والذي يخزّن في حدود 64 مليون متر مكعب، فإن موقعه الجغرافي على منطقة حدودية وطبيعة بناء هذا السد هي التي أثّرت على المخزون حيث أن هناك مضخة إعادة مياه إلى السدّ على الحدود للمحافظة على مستويات امتلاء السدّ، هذه المضخّة عاطلة عن العمل ولا تشتغل منذ سنوات، وبالنسبة لبقية السدود فهي تقريبا من نفس المشكل وهي مشكل الجفاف، فسدّ نبهانة الذي تتغذّى منه المساحات السقوية بالوطن القبلي هو اليوم في حالة نضوب وجفاف تام".
وأمام الصعوبات التي تواجهها تونس اليوم في تلبية احتياجاتها المائية، مع الانقطاعات المتكررة في الماء وتواصل موجات الجفاف، هناك اليوم من يقترح تقنية الاستمطار وهو المشروع الذي وعدت دولة اندونيسيا بتنفيذه في تونس، قال الخبير في الموارد المائية أن هذه التقنية تحتاج إمكانيات ضخمة في حين لا تتجاوز نسبة نجاحها بين 20 و25 بالمائة مؤكدا على أن تونس لا تملك هذه الإمكانيات كما وأن مناخها الجاف يختلف كليا على مناخ اندونيسيا الرطب .
محدّثنا قال أن الحلول العاجلة تتمثل أولا في المحافظة بأقصى درجات الوعي على المخزون الحالي للسدود مع ضرورة مراجعة الخارطة الفلاحية وتفادي الزراعات التي تستنفد الموارد المالية مع ترشيد الاستهلاك والتوجّه بشكل سريع إلى الاستثمار في محطات تحلية المياه من الشمال إلى الجنوب .