معظم المهرجانات التونسية ولئن كانت تُسيرها جمعيات ثقافية وفنية إلا أن تنظيمها يكون تحت مراقبة الدولة وتحديدا الهياكل المحلية والجهوية التي تمثلها داخل البلاد ورغم ضعف الميزانيات المرصودة لهذه التظاهرات الفنية الصيفية يحاول بعض القائمين على مضامينها رسم برنامج يراوح بين الثقافي والتجاري حتى تتمكن من الاستمرار وحرصا على جانب مهم من أسس إنشاء المهرجانات في بلادنا وهو الرافد الإبداعي.
فالتظاهرات الثقافية قبل أن تكون فضاء للترفيه هي مساحة للاستمتاع بشتى الفنون والتعبيرات الإبداعية وعامل من عوامل المساهمة في تنمية الاقتصاد الثقافي في البلاد. ولعّل هنا يكمن الفرق الوحيد بين العلب الليلية ومسارح تونس بعد أن أصبحت فوضى التنظيم والسلوكيات "المنافية" لتقاليد الركح تجتاح أعرق المهرجانات في البلاد هذا دون أن نغفل عن دور متعهدي الحفلات (ملف نعود لخفاياه في ورقة قادمة) و"ثقافة المحاباة" وسياسة "فرق تسد" بين الفاعلين الثقافيين ومختلف الأطراف الشريكة في تنظيم المهرجانات الصيفية .
نعم نعود مرة أخرى للحديث عن إشكاليات المهرجانات الصيفية - تكرارا ومرارا- حتى نلحظ التغيير والذي لم يحدث بعد في بلد -حسب دستورها - الثقافة حق.! هل تدرك وزارة الشؤون الثقافية ماهية هذا الحق؟ كيف تترجم مضامينه على أرض الواقع وتحديدا في برمجة تظاهراتها؟ وحتى لا نطيل نكتفي بالتساؤل عن مهرجاني قرطاج والحمامات اللذين تشرف الوزارة مباشرة على تنظيمهما، هل ان برمجة الستينية أو الدورة الثامنة والخمسين لكل من قرطاج والحمامات مع الميزانية المرصودة لهما ترتقي لمستوى الحدث؟ هل الاستعانة بأسماء عربية دون رصيد فني مهم واعتلائها مسرح الحمامات لتردد أعمال كبار الفنانين العرب أضاف للمهرجان في ستينيته؟ وماذا عن ثقافة "sold out" التي ترافق عبارات الترويج لمهرجاني الحمامات وقرطاج، هل نحن في خانة المكسب والخسارة ؟ للأسف نحن على ما يبدو كذلك ..
صحيح أن منظومة المهرجانات – التي سادت طويلا- قد نخرها الفساد ولكن اعتقدنا لوهلة أن شعار "الثقافة بمختلف أبعادها" الذي ترفعه الدولة وقادتها الحاليين يمكن أن يخلصنا من الموجة الرديئة والمتدنية لكن وجدنا أنفسنا أمام عروض ظاهرها ثقافي وباطنها "استيلاء" على الإرث الفني للخزينة الموسيقية العربية والتونسية أو هي تصورات عنوانها التجديد ومشاهدتها تؤكد فعل "التحيين" لمشروع سابق. فمن يدرس الملفات المقترحة على "مهرجانات الدولة" ومن يحدد مقاييس اختيار عمل دون آخر..؟
لا يمكن نفي عامل الاجتهاد عن المؤسسة الوطنية لتنمية التظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية وسعيها لدعم معظم الملفات المقدمة بغرض الحصول على منح وتمويل مادي أو لوجستي أو عروض مدعمة ولكن مراجعة منظومة عملها وتطوير آلياتها ضرورة في راهننا حتى لا تتحول بعض مهرجاناتنا لعلب ليلية أو حفلات شبيهة بحفلات أعراس الحي لا يحترم في برامجها المحتوى الفني ولا يقدم ضمن معاييره الفنية والتقنية المضبوطة –قانونيا - في ملفات الدعم ...
هذا المشهد القاتم نسبيا لا يمنعنا من البحث عن مساحة للأمل والتغيير ونعتقد أن دائرة الضوء كانت رغم كل العقبات المالية واللوجستية من نصيب مهرجان دقة الدولي والمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم فالأول منح جمهوره في صائفة 2024 برمجة تليق بالباحثين عن المتعة الخالصة والتي لا تتحقق إلا بالتقاء المحتوى العالي الجودة جماليا وفنيا بمستوى تنظيمي راق يحترم رواد المسرح والعروض الحية أمّا المهرجان الثاني فاستمراره إلى اليوم بمضمون مختص يراهن على الموسيقى السمفونية هو مكسب في عالم تطغى عليه معادلة الربح والخسارة وشباك التذاكر.
نجلاء قموع
تونس - الصباح
معظم المهرجانات التونسية ولئن كانت تُسيرها جمعيات ثقافية وفنية إلا أن تنظيمها يكون تحت مراقبة الدولة وتحديدا الهياكل المحلية والجهوية التي تمثلها داخل البلاد ورغم ضعف الميزانيات المرصودة لهذه التظاهرات الفنية الصيفية يحاول بعض القائمين على مضامينها رسم برنامج يراوح بين الثقافي والتجاري حتى تتمكن من الاستمرار وحرصا على جانب مهم من أسس إنشاء المهرجانات في بلادنا وهو الرافد الإبداعي.
فالتظاهرات الثقافية قبل أن تكون فضاء للترفيه هي مساحة للاستمتاع بشتى الفنون والتعبيرات الإبداعية وعامل من عوامل المساهمة في تنمية الاقتصاد الثقافي في البلاد. ولعّل هنا يكمن الفرق الوحيد بين العلب الليلية ومسارح تونس بعد أن أصبحت فوضى التنظيم والسلوكيات "المنافية" لتقاليد الركح تجتاح أعرق المهرجانات في البلاد هذا دون أن نغفل عن دور متعهدي الحفلات (ملف نعود لخفاياه في ورقة قادمة) و"ثقافة المحاباة" وسياسة "فرق تسد" بين الفاعلين الثقافيين ومختلف الأطراف الشريكة في تنظيم المهرجانات الصيفية .
نعم نعود مرة أخرى للحديث عن إشكاليات المهرجانات الصيفية - تكرارا ومرارا- حتى نلحظ التغيير والذي لم يحدث بعد في بلد -حسب دستورها - الثقافة حق.! هل تدرك وزارة الشؤون الثقافية ماهية هذا الحق؟ كيف تترجم مضامينه على أرض الواقع وتحديدا في برمجة تظاهراتها؟ وحتى لا نطيل نكتفي بالتساؤل عن مهرجاني قرطاج والحمامات اللذين تشرف الوزارة مباشرة على تنظيمهما، هل ان برمجة الستينية أو الدورة الثامنة والخمسين لكل من قرطاج والحمامات مع الميزانية المرصودة لهما ترتقي لمستوى الحدث؟ هل الاستعانة بأسماء عربية دون رصيد فني مهم واعتلائها مسرح الحمامات لتردد أعمال كبار الفنانين العرب أضاف للمهرجان في ستينيته؟ وماذا عن ثقافة "sold out" التي ترافق عبارات الترويج لمهرجاني الحمامات وقرطاج، هل نحن في خانة المكسب والخسارة ؟ للأسف نحن على ما يبدو كذلك ..
صحيح أن منظومة المهرجانات – التي سادت طويلا- قد نخرها الفساد ولكن اعتقدنا لوهلة أن شعار "الثقافة بمختلف أبعادها" الذي ترفعه الدولة وقادتها الحاليين يمكن أن يخلصنا من الموجة الرديئة والمتدنية لكن وجدنا أنفسنا أمام عروض ظاهرها ثقافي وباطنها "استيلاء" على الإرث الفني للخزينة الموسيقية العربية والتونسية أو هي تصورات عنوانها التجديد ومشاهدتها تؤكد فعل "التحيين" لمشروع سابق. فمن يدرس الملفات المقترحة على "مهرجانات الدولة" ومن يحدد مقاييس اختيار عمل دون آخر..؟
لا يمكن نفي عامل الاجتهاد عن المؤسسة الوطنية لتنمية التظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية وسعيها لدعم معظم الملفات المقدمة بغرض الحصول على منح وتمويل مادي أو لوجستي أو عروض مدعمة ولكن مراجعة منظومة عملها وتطوير آلياتها ضرورة في راهننا حتى لا تتحول بعض مهرجاناتنا لعلب ليلية أو حفلات شبيهة بحفلات أعراس الحي لا يحترم في برامجها المحتوى الفني ولا يقدم ضمن معاييره الفنية والتقنية المضبوطة –قانونيا - في ملفات الدعم ...
هذا المشهد القاتم نسبيا لا يمنعنا من البحث عن مساحة للأمل والتغيير ونعتقد أن دائرة الضوء كانت رغم كل العقبات المالية واللوجستية من نصيب مهرجان دقة الدولي والمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم فالأول منح جمهوره في صائفة 2024 برمجة تليق بالباحثين عن المتعة الخالصة والتي لا تتحقق إلا بالتقاء المحتوى العالي الجودة جماليا وفنيا بمستوى تنظيمي راق يحترم رواد المسرح والعروض الحية أمّا المهرجان الثاني فاستمراره إلى اليوم بمضمون مختص يراهن على الموسيقى السمفونية هو مكسب في عالم تطغى عليه معادلة الربح والخسارة وشباك التذاكر.