إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. الفصائل الفلسطينية في بيكين ونتنياهو في واشنطن ..

 

في الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء كيان الاحتلال مجرم الحرب نتنياهو في طريقه إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس وفي الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تواصل حرب الإبادة الممنهجة في حق أهالي غزة كانت العاصمة الصينية بيكين تعلن توقيع اتفاقية إنهاء الانقسام بين أربعة عشرة من الفصائل الفلسطينية بينها فتح وحماس والجهاد والجبهة الشعبية ..

وإذا كانت السياسة لا تقوم على الصدفة تماما كما أن الحروب لا تدار وفق الأهواء فقد يبدو أن هناك أكثر من رابط بين ما يجري في العاصمة الصينية بيكين وما يجري في العاصمة السياسية الأمريكية واشنطن.. ذلك أن الملف المطروح على الطاولة واحد ويتعلق بمسار القضية الفلسطينية مع تباين لعبة المصالح والأدوار في الحرب الهمجية المستمرة في غزة منذ عشرة أشهر..

ونتنياهو الذي يعد حليفا أساسيا لبايدن يسعى للاستثمار في هذه الزيارة لمواصلة سياسة الابتزاز التي يتقنها، فهو يدرك جيدا أن حليفه الأساسي بايدن أقرب الى وضع البطة العرجاء بعد دفعه الى الانسحاب من السباق الى البيت الأبيض لصالح نائبته كاميلا هاريس..

ونتنياهو الذي يدرك أيضا أن مظاهرات احتجاجية ستلاحقه في مقر إقامته وفي الكونغرس سيواصل دور الضحية ورفع شعار حق إسرائيل في الدفاع عن النفس رغم تواتر الدعوات من نواب أمريكيين لمقاطعة خطابه اليوم في الكونغرس الأمريكي.. ورغم أنه بات على قائمة المطلوبين كمجرم حرب أمام الجنائية الدولية مع وزير أمنه غالانت فإن نتنياهو سيسعى على الأرجح الى الاستفادة بكل الطرق المتاحة من المدة المتبقية أمام بايدن شريكه ومموله في الحرب لتحقيق أهدافه والمضي قدما في حرب الإبادة على غزة ولكن سيعمد في ذات الوقت الى استمالة المرشح الجمهوري ترامب الذي يجاهر بدعمه اللامحدود لنتنياهو وكذلك استمالة مرشحة الديموقراطيين كاميلا هاريس تحسبا لما ستؤول إليه مفاجآت الانتخابات باعتبار أهمية وثقل وزن اللوبيات اليهودية المتنفذة في صناعة القرار الأمريكي وفي صناعة الرأي العام الأمريكي ..

في الجانب الآخر من المشهد تسعى الصين الى دور مؤثر في القضية الفلسطينية وفي الشرق الأوسط عموما كمنافس للدور الأمريكي متسلحة بما حققته في المفاوضات التي مهدت لكسر الجليد وإعادة العلاقات بين السعودية وإيران ..

وقد استقبلت الصين الفصائل الفلسطينية في محاولة لتفعيل الحوار الفلسطيني المبتور بين الإخوة الأعداء والدفع نحو تحقيق مصالحة فلسطينية-فلسطينية، تأبى أن تتحقق.. والأكيد أن الصين كانت من الدول التي دعمت مبكرا القضية الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي ومن أولى الدول التي فتحت مكتبا لحركة فتح واحتضنت الفلسطينيين وهي حقيقية لا تقبل التشكيك..

واليوم تعود بيكين العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي على خط الأحداث الفلسطينية في خضم حملة إبادة إسرائيلية ممنهجة تجاوزت كل الخطوط الحمراء.. وقد انتهى لقاء بيكين بتوقيع وثيقة بيكين التي لم تخرج عن اتفاقات سابقة كثيرة من القاهرة الى الدوحة والجزائر وغيرها دعت بشكل أساسي الى ضرورة تجاوز الخلافات وتحقيق الوحدة الفلسطينية المنشودة.. وربما جاز القول إن لقاء بيكين الذي فرضته الحرب في غزة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول إلى سراب أو يضيع في التفاصيل وتضيع معه دماء الضحايا والشهداء والمصابين والمهجرين في غزة على وقع القصف اليومي باستعمال كل أنواع السلاح المحرم دوليا الذي يتنافس الغرب على تقديمه لإسرائيل ..

لا خلاف اليوم أن المرحلة على درجة من الخطورة والتعقيدات غير المسبوقة وأنه لا يمكن للبيت الفلسطيني المهدد بالسقوط أن يظل على ما هو عليه من تناحر بين الإخوة الأعداء الذين ما كان الزعيم الراحل عرفات أن يسمح لهم بالتشتت والهذيان الى درجة فقدان البوصلة وتجاهل الحقيقة التي لا تقبل النسيان وأن الاحتلال هو العدو الأول والخطر الأكبر الذي يستوجب التصدي له وأن الصراعات حول السلطة وحرب المواقع التي ارتبطت باتفاق أوسلو الذي تجردت منه الحكومات الإسرائيلية والأمريكية وتنكرت له، وبقي بمثابة المخدر الذي يوهم الفلسطينيين بحقائق لا وجود لها على الأرض وهو ما حدث مع وجود سلطة في الضفة لا يمكنها التنقل بين مدن الضفة وأخرى في غزة تحت الحصار وهي اليوم تقود المقاومة بين الأنفاق وتواصل الصمود أمام الاحتلال..

طبعا سيكون من الغباء اليوم مواصلة تبادل الاتهامات والحروب الكلامية والإدانات حول المتسبب فيما يجري في غزة.. وقناعتنا أن الاحتلال الذي طال أمده ووجد له في انقسام وصراعات الإخوة الأعداء ما جعله يتوسع ويتمدد ويطمع في ابتلاع كل شيء..

لا خلاف أن المواجهة والمصارحة مطلوبتان ولكن الى حين انتهاء العدوان وإعادة ترتيب البيت وتوحيد الصفوف.. اللحظة لا تحتمل استمرار الوضع على ما هو عليه.. وتجاوز الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية ليس خيارا ولا ترفا.. لقد كشفت التجارب أن الاحتلال يستمد بقاءه وتوسعه من هذا التمزق الحاصل بين الفلسطينيين الذين لا يحتاجون اليوم لعشرات الفصائل التي تتحدث باسم الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن مضاعفا بسبب جرائم الاحتلال ولكنهم يحتاجون لقيادة حكيمة متيقظة ومتواضعة أمام شعبها، تكون قادرة على توحيد المقاومة والأخذ بزمام المبادرة لمواصلة المعركة الميدانية ومعها أيضا المعركة السياسية والديبلوماسية والقانونية على كل الجبهات الدولية والإقليمية..

 وثيقة بيكين قد تكون مهمة في هذه المرحلة ولكن الأهم أن تلتقي الفصائل على أرض فلسطين وأن تكون القضية الفلسطينية بوصلتها وهذه أخطر رسالة يمكن توجيهها للاحتلال ..

آسيا العتروس

 

 

 

 

 

ممنوع من الحياد..   الفصائل الفلسطينية في بيكين ونتنياهو في واشنطن ..

 

في الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء كيان الاحتلال مجرم الحرب نتنياهو في طريقه إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس وفي الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تواصل حرب الإبادة الممنهجة في حق أهالي غزة كانت العاصمة الصينية بيكين تعلن توقيع اتفاقية إنهاء الانقسام بين أربعة عشرة من الفصائل الفلسطينية بينها فتح وحماس والجهاد والجبهة الشعبية ..

وإذا كانت السياسة لا تقوم على الصدفة تماما كما أن الحروب لا تدار وفق الأهواء فقد يبدو أن هناك أكثر من رابط بين ما يجري في العاصمة الصينية بيكين وما يجري في العاصمة السياسية الأمريكية واشنطن.. ذلك أن الملف المطروح على الطاولة واحد ويتعلق بمسار القضية الفلسطينية مع تباين لعبة المصالح والأدوار في الحرب الهمجية المستمرة في غزة منذ عشرة أشهر..

ونتنياهو الذي يعد حليفا أساسيا لبايدن يسعى للاستثمار في هذه الزيارة لمواصلة سياسة الابتزاز التي يتقنها، فهو يدرك جيدا أن حليفه الأساسي بايدن أقرب الى وضع البطة العرجاء بعد دفعه الى الانسحاب من السباق الى البيت الأبيض لصالح نائبته كاميلا هاريس..

ونتنياهو الذي يدرك أيضا أن مظاهرات احتجاجية ستلاحقه في مقر إقامته وفي الكونغرس سيواصل دور الضحية ورفع شعار حق إسرائيل في الدفاع عن النفس رغم تواتر الدعوات من نواب أمريكيين لمقاطعة خطابه اليوم في الكونغرس الأمريكي.. ورغم أنه بات على قائمة المطلوبين كمجرم حرب أمام الجنائية الدولية مع وزير أمنه غالانت فإن نتنياهو سيسعى على الأرجح الى الاستفادة بكل الطرق المتاحة من المدة المتبقية أمام بايدن شريكه ومموله في الحرب لتحقيق أهدافه والمضي قدما في حرب الإبادة على غزة ولكن سيعمد في ذات الوقت الى استمالة المرشح الجمهوري ترامب الذي يجاهر بدعمه اللامحدود لنتنياهو وكذلك استمالة مرشحة الديموقراطيين كاميلا هاريس تحسبا لما ستؤول إليه مفاجآت الانتخابات باعتبار أهمية وثقل وزن اللوبيات اليهودية المتنفذة في صناعة القرار الأمريكي وفي صناعة الرأي العام الأمريكي ..

في الجانب الآخر من المشهد تسعى الصين الى دور مؤثر في القضية الفلسطينية وفي الشرق الأوسط عموما كمنافس للدور الأمريكي متسلحة بما حققته في المفاوضات التي مهدت لكسر الجليد وإعادة العلاقات بين السعودية وإيران ..

وقد استقبلت الصين الفصائل الفلسطينية في محاولة لتفعيل الحوار الفلسطيني المبتور بين الإخوة الأعداء والدفع نحو تحقيق مصالحة فلسطينية-فلسطينية، تأبى أن تتحقق.. والأكيد أن الصين كانت من الدول التي دعمت مبكرا القضية الفلسطينية منذ ستينات القرن الماضي ومن أولى الدول التي فتحت مكتبا لحركة فتح واحتضنت الفلسطينيين وهي حقيقية لا تقبل التشكيك..

واليوم تعود بيكين العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي على خط الأحداث الفلسطينية في خضم حملة إبادة إسرائيلية ممنهجة تجاوزت كل الخطوط الحمراء.. وقد انتهى لقاء بيكين بتوقيع وثيقة بيكين التي لم تخرج عن اتفاقات سابقة كثيرة من القاهرة الى الدوحة والجزائر وغيرها دعت بشكل أساسي الى ضرورة تجاوز الخلافات وتحقيق الوحدة الفلسطينية المنشودة.. وربما جاز القول إن لقاء بيكين الذي فرضته الحرب في غزة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول إلى سراب أو يضيع في التفاصيل وتضيع معه دماء الضحايا والشهداء والمصابين والمهجرين في غزة على وقع القصف اليومي باستعمال كل أنواع السلاح المحرم دوليا الذي يتنافس الغرب على تقديمه لإسرائيل ..

لا خلاف اليوم أن المرحلة على درجة من الخطورة والتعقيدات غير المسبوقة وأنه لا يمكن للبيت الفلسطيني المهدد بالسقوط أن يظل على ما هو عليه من تناحر بين الإخوة الأعداء الذين ما كان الزعيم الراحل عرفات أن يسمح لهم بالتشتت والهذيان الى درجة فقدان البوصلة وتجاهل الحقيقة التي لا تقبل النسيان وأن الاحتلال هو العدو الأول والخطر الأكبر الذي يستوجب التصدي له وأن الصراعات حول السلطة وحرب المواقع التي ارتبطت باتفاق أوسلو الذي تجردت منه الحكومات الإسرائيلية والأمريكية وتنكرت له، وبقي بمثابة المخدر الذي يوهم الفلسطينيين بحقائق لا وجود لها على الأرض وهو ما حدث مع وجود سلطة في الضفة لا يمكنها التنقل بين مدن الضفة وأخرى في غزة تحت الحصار وهي اليوم تقود المقاومة بين الأنفاق وتواصل الصمود أمام الاحتلال..

طبعا سيكون من الغباء اليوم مواصلة تبادل الاتهامات والحروب الكلامية والإدانات حول المتسبب فيما يجري في غزة.. وقناعتنا أن الاحتلال الذي طال أمده ووجد له في انقسام وصراعات الإخوة الأعداء ما جعله يتوسع ويتمدد ويطمع في ابتلاع كل شيء..

لا خلاف أن المواجهة والمصارحة مطلوبتان ولكن الى حين انتهاء العدوان وإعادة ترتيب البيت وتوحيد الصفوف.. اللحظة لا تحتمل استمرار الوضع على ما هو عليه.. وتجاوز الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية ليس خيارا ولا ترفا.. لقد كشفت التجارب أن الاحتلال يستمد بقاءه وتوسعه من هذا التمزق الحاصل بين الفلسطينيين الذين لا يحتاجون اليوم لعشرات الفصائل التي تتحدث باسم الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن مضاعفا بسبب جرائم الاحتلال ولكنهم يحتاجون لقيادة حكيمة متيقظة ومتواضعة أمام شعبها، تكون قادرة على توحيد المقاومة والأخذ بزمام المبادرة لمواصلة المعركة الميدانية ومعها أيضا المعركة السياسية والديبلوماسية والقانونية على كل الجبهات الدولية والإقليمية..

 وثيقة بيكين قد تكون مهمة في هذه المرحلة ولكن الأهم أن تلتقي الفصائل على أرض فلسطين وأن تكون القضية الفلسطينية بوصلتها وهذه أخطر رسالة يمكن توجيهها للاحتلال ..

آسيا العتروس